أطفال .. يجعلون من ليلنا "سهر" !! ومن نهارنا "قهر" !!
صباحكم/ ومساؤكم ورد ..
لنا أطفال حفظهم الله وحفظ الله أطفالكم وأصلحهم في كل حال، متقلبون في المزاج والمراوغة، يجعلون أيامنا وكأنها ساحات للوغى، يتقابل فيها طرفان بالضرب بشتى أنواع الأحذية وما تلتقطه أيديهم من الأرض، وليال مسهرة مقلقة ومؤرقة، وكأنهم في صالة أفراح يطربون بالرقص والصياح والزغرطة، لا يدعون لنا مجالاً لننعم بنومٍ هاديء، ولا باسترخاءٍ لراحة الجسد، لهم قدرة عجيبة في المشاغبة والشقاوة، فما يمر نهارٌ ألا وألتفّ عليك أحدهم يحييك بعد عودتك من عملٍ قد أثقل كاهلك، وناله التعب والإرهاق، ثم يأتي الثاني فيدفع الأول على الأرض ليحييك، تحية أثقل من تحية الأول، ويعتصرك كعصر الليمون، وأما الأول فقد بدأ بالبكاء والعويل والصياح لسقوطه على الأرض، وكأنه شبيه بتدافع الناس على البنوك من أجل الاكتتاب، مما يجعل هذا المنظر عادة لابد منه عند عودتك من العمل .
:
::
:
البيت – حفظ الله أطفالكم – يكتنفه ضجيج شديد من صياحهم، فهذا أخذ لعبة هذا، وهذا ضرب ذاك، وهذا اشتكى من هذا حتى وصل الأمر إلى أن أحدهم شغل اللاب توب على مكتبي وعامل نفسه انترنتي وماسنجري !
:
::
:
هذا .. وهذا … وهذا …. ، سبحان الله فطرة الأطفال، وما أشبهها بقضايا المجتمع حينما نسمع عن شخص ما إعتدى على شخص من أجل أرض تخاصما عليه، أو إرثٍ إختلفا فيه، أو صاحب حقٍ أشتكى على من اعتدى على حقه في المحاكم، والكثير من القضايا والتي تجدها في المحاكم تجدها في بيتك ويتقمصها أطفالك !!
:
::
:
ولم يسلم البيت من سكب العصيرات والألبان والمأكولات عمداً على الأرض، ولم يسلم باب إلا وقد خدِّش وجُرِح، ولا أثاث ولا حائط إلا ورسم عليه شخابيطٍ كشخابيطٍ بيكاسوا، وألوان كألوان فان جوخ المائية، وكأنك تعيش في بيتٍ كالبيت المهجور، أو أطلالة بيت طيني آيلٌ للسقوط، تطايرت فيه شظايا الأوراق والجرائد والمناديل، وتناثرت فيه الكتب بين زوايا الغرف ودهاليز البيت، وقد احتوت هذه الكتب على عدة شخابيط وتواقيع، تقليداً لأصحاب الكتب الذين يوقِّعون على كل كتاب يسوّقونه للزبائن في معارض الكتاب الدولية، وكأن البيت دخله عصابة عاثت فيها خراباً ينعق فيه البوم والغربان، ونضطر إلى توقيفهم بعد جمعهم أمام الحائط صفاً والتحقيق معهم !!
:
::
:
نحن نحب أطفالنا لذا نشتري لهم ما يرغبون، وليس لنا التدخل في رغبتهم أبداً لو طلبوا سيارة فياجرا … بدون مناقشة وإلا … ، لذا فإذا اشتريت لهم شيئاً فتوقع بأن الأمور سترجع إلى ما قبل شراءه بعد يوم أو يومين، أتذكر بأني شريت لابنتي سيارة لا سلكية فقلت لها إنها رديئة وستخرب عليك في اليوم التالي، إلا أنها أصرّت عليها وفي نفس الليلة تعطلت وتكسّرت لردائتها وهشاشة هيكلها، ما الحل في إقناع طفلك بعدم الاستعجال في شراء شيء حتى لا يقع في الندم، كما وقع فيها الطفل الذي اشترى دراجة وأكتشف فيما بعد أنها لا تسير !!
:
::
:
سأذكر لكم مقالة طريفة قرأتها البارحة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله حول ابنته ( عنان ) التي كانت تسهر الليل ولم ينفع معها ترغيب ولا ترهيب فيقول في مقالته باختصارٍ :
فقلتُ لأُمَّ البنت : أنا أستطيع أن أحبَّب إلى بنتك المنام ، وأكرِّه إليها السهر ، ولكن الدواء مرّ ، فهل تعدينني ألا تأخذك بها رأفة إذا أنا جرعتها هذا الدواء ؟
فقالت : نعم .
ولم تكن لتخالفني في شيء ، ولكن أحببت أن أتوثق ، ثم دعوت البنت فقلت :
– عنان !
– قالت : نعم.
– قلت : سنسهر الليلة، فهل تحبين أن تسهري معنا ؟ ففرحت وأشرق وجهها ، وجعلت تقفز من الابتهاج وتقول :
– إي بابا ، إي أرجوك يا بابا…
– قلت : ولا تتأخرين في القيام إلى المدرسة صباحاً؟
– قالت : لا ، لا والله ، جرَّبني …
– قلت : أسمح لك بالسهر ، ولكن بشرط واحد ، فجزعت قليلا ، وقالت : ماهو ؟
– قلت : ألاَّ تنامي حتى أنام أنا.
فعاودها الفرح ، لما تتصور من مسرات السهرة ومباهجها وقالت :
– قبلت ….
وامتدت السهرة ، وتعمدت أن أحشد فيها كل ما تحبه البنت من قصص حلوة ، وألاعيب ، وأنقال ، حتى نعست ، وكادت تنام في مكانها ، ثم نامت …
– فقالت: أمها : لقد نامت أفأحملها إلى سريرها ؟
– قلت: هيهات ، الآن بدأ العلاج ، فشدي أعصابك ، وعمدت إلى البنت فهززتها حتى أيقظتها ، فاستيقظت مكرهة ، ومرت ربع ساعة ، فعادت إلى المنام ، وعدت إلى إيقاظها ، وتكرر ذلك حتى صارت تتوسل إليَّ ، وتقبَّل يدي أن أدعها تنام ، وأنا أقول لها بدم بارد :
– لا ، السهر أحلى ، ألا تحبين السهر ؟ ، حتى قالت : لا ، لا أحبه ، لا أحبه ، (بدي أنام) ، وانطلقت تبكي …
وبرئت البنت من علة السهر ، من تلك الليلة !
ويبدوا أن علاج الشيخ على الطنطاوي رحمه الله قد أدى مفعوله ونجح، وسأجربه، إلا إذا أشرتم علينا معاشر الكتاب والقرّاء بدواء جديدٍ وعصريٍ يداوي سهر وشقاوة أطفال هذا العصر أصلحهم الله
:
::
::
::
:
الموضوع جميل وطريف .. أعجبني .. وأتمنى أن ينال على إعجابكم ………………..منقولdrawFrame()