التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

من سيرة الأمام الشافعي (رحمه الله )

من سيرة الإمام الشافعي

الدكتور صباح قاسم الامامي

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
الامام الشافعي احد الائمة الاربعة عند اهل السنة واليه نسبة الشافعية كافة . وهو ابوعبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي. وكان ابوه قد هاجر من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا . وشافع بن السائب هو الذي ينتسب اليه الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، واسر ابوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم اسلم . ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

اما امه فهي يمانية من الازد وقيل من قبيلة الاسد وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية، قيل ان ولادة الشافعي كانت في عسقلان وقيل بمنى لكن الاصح ان ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية وهو نفس العام الذي توفى فيه ابو حنيفة .
ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة لاسباب عديدة منها حتى لايضيع نسبه ، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه اقرانه ، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين . عرف الشافعي بشجو صوته في القراءة ، قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران ، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا راى ذلك امسك من القراءة . ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة . وكانت هذيل افصح العرب ، ولقد كانت لهذه الملازمة اثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقدلفتت هذه البراعة انصار معاصريه من العلماء بعد ان شب وكبر ، حتى الاصمعي وهو من ائمة اللغة المعدودين يقول : ( صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس ) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم ان اجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .

حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للامام مالك ورحلت به امه الىالمدينة ليتلقى العلم عند الامام مالك . ولازم الشافعي الامام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الامام مالك (179 هجرية ) وبنفس الوقت تعلم على يد ابراهيم بن سعد الانصاري ، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم .
وبعد وفاة الامام مالك (179 هجرية ) سافر الشافعي الى نجران واليا عليها ورغم عدالته فقد وشى البعض به الى الخليفة هارون الرشيدفتم استدعائه الى دار الخلافة سنة (184هجرية ) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نسب اليه واطلق سراحه .
واثناء وجوده في بغداد أتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ ابي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم اهل الرأي ثم عاد بعدها الى مكة واقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقاءه بالعلماء اثناء مواسم الحج . وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام احمد بن حنبل .
ثم عاد مرة اخرى الى بغداد سنة ( 195 هجرية ) ، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان . مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه (الرسالة ) ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة اربعة من كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل ، وابو ثور ، والزعفراني ، والكرابيسي . ثم عاد الامام الشافعي الى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى بغدادسنة (198هجرية ) وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر .
قدم مصر سنة ( 199 هجرية ) تسبقه شهرته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي ، وعبدالله بن الزبير الحميدي ، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من اصحاب مالك . ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال اليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من اتباع الامامين ابي حنيفة ومالك . وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم . وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الاحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق ، وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه .

وتطرق احمد تمام في كتابه (الشافعي ملامح وآثار ) كيفية ظهور شخصية الشافعي ومنهجه في الفقه . هذا المنهج الذي هو مزيج من فقه الحجاز وفقه العراق ، هذا المنهج الذي انضجه عقل متوهج ، عالم بالقران والسنة ، بصير بالعربية وادابها خبير باحوال الناس وقضاياهم ، قوي الرأي والقياس .
فلو عدنا الى القرن الثاني الميلادي لوجدنا انه ظهر في هذا القرن مدرستين اساسيتين في الفقه الاسلامي هما مدرسة الراي ، ومدرسة الحديث ، نشأت المدرسة الاولى في العراق وهي امتداد لفقه عبدالله بن مسعود الذي اقام هناك ، وحمل اصحابه علمه وقاموا بنشره . وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الاخذ بالرأي والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة بن قيس النخعي ، والاسود بن يزيد النخعي ، ومسروق بن الاجدع الهمداني ، وشريح القاضي ، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري . ثم تزعم مدرسة الرأي بعدهم ابراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع وعلى يديه تتلمذ حماد بن سليمان ، وخلفه في درسه ، وكان اماما مجتهدا وكانت له بالكوفة حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم وكان بينهم ابو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه ، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه ، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم ابو يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن ، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم ،وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها .
وأما مدرسةالحديث فقد نشأت بالحجاز وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أقاموا بمكة والمدينة ، وكان يمثلها عددكبير من كبار الائمة منهم سعد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وابن شهاب الزهري ، والليث بن سعد ، ومالك بن انس . وتمتاز تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة ، فان لم تجد التمست اثار الصحابة ، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز الى التوسع في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق .
وجاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين فأخذ موقفا وسطا ، وحسم الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد ان تلقى العلم وتتلمذ على كبار اعلامهما مثل مالك بن انس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيباني من مدرسة الرأي .
دون الشافعي الاصول التي اعتمد عليها في فقهه ، والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الاصولية "الرسالة " وطبق هذه الاصول في فقهه ، وكانت اصولا عملية لا نظرية ، ويظهر هذا واضحا في كتابه " الام " الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله ، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد واصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه ، فهو يرجع اولا الى القران وما ظهر له منه ، الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره ،ثم الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته ، وهو ثقة في دينه ، معروف بالصدق ، مشهور بالضبظ . وهو يعد السنة مع القران في منزلة واحدة ، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه ، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية ، والسنة هي التي تفسر ذلك ،فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه ، او تبين مجمله .
ولم يشترط الشافعي في الاحتجاج بالسنة غير اتصال سند الحديث وصحته ، فاذا كان كذلك صح عنده وكان حجة عنده ، ولم يشترط في قبول الحديث عدم مخالفته لعمل اهل المدينة مثلما اشترط الامام مالك ، او ان يكون الحديث مشهورا ولم يعمل راويه بخلافه . ووقف الشافعي حياته على الدفاع عن السنة ، واقامة الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد ، وكان هذا الدفاع سببا في علو قدر الشافعي عند اهل الحديث حتى سموه ( ناصر السنة ) . ولعل الذي جعل الشافعي يأخذ بالحديث اكثر من أبي حنيفة حتى انه يقبل خبر الواحد متى توافرت فيه الشروط ، انه كان حافظا للحديث بصيرا بعلله ، لايقبل منه الا ما ثبت عنده ، وربما صح عنده من الاحاديث ما لم يصح عند أبي حنيفة واصحابه . وبعد الرجوع الى القران والسنة يأتي الاجماع ان لم يعلم له مخالف ، ثم القياس شريطة ان يكون له اصل من الكتاب والسنة ، ولم يتوسع فيه مثلما توسع الامام أبو حنيفة .

ولنتطرق الآن الى بعضا من أقوال الشافعي التي تبين عقيدته :
في جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية أبي طالب العشاري ما نصه قال وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي أن يؤمن به فقال : " لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم امته لا يسع احد من خلق الله عز وجل قامت لديه الحجة ان القران نزل به وصحيح عنده قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه العدل خلافه فان خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله عز وجل فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لان علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية والفكر ، ونحو ذلك اخبار الله عز وجل انه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل : [ بل يداه مبسوطتان ] وأن له يمينا بقوله عز وجل : [ والسموات مطويات بيمينه ] وأن له وجها بقوله عز وجل : [ كل شيء هالك الا وجهه ] وقوله : [ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ] وأن له قدما بقوله صلى الله عليه وسلم : (حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه ) يعني جهنم . وقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله عز وجل : ( أنه لقي الله عز وجل وهو يضحك اليه ) وأنه يهبط كل ليلة الى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذ ذكر الدجال فقال انه أعور وان ربكم ليس بأعور وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر ) وأن له أصبعا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قلب الا هو بين أصبعين من أصايع الرحمن عز وجل ) ، وأن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا يدرك حقه ذلك بالذكر والدراية ويكفر بجهلها أحد الا بعد انتهاء الخبر اليه وان كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في ا لسماع "وجبت الدينونة " على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كمن عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ] ……….. "
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال الشافعي : " من قال القران مخلوق فهو كافر " .
وأورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال : "ان مشيئة العباد هي الى الله تعالى ولا يشاؤن الا ان يشاء الله رب العالمين فان الناس لم يخلقوا اعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وان القدرخيره وشره من الله عز وجل وان عذاب القبر حق ومساءلة أهل القبور حق والبعث حق والحساب حق والجنة والنار حق وغير مما جاءت به السنن " .
وأخرج ابن عبد البر عن الربيع قال : سمعت الشافعي يقول " الايمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل : [وما كان الله ليضيع ايمانكم ] يعني صلاتكم الى بيت المقدس فسمى الصلاة ايمانا وهي قول وعمل وعقد " . كما واخرج البيهقي عن ابي محمد الزبيري قال : قال رجل للشافعي : أي الاعمال عند الله افضل ؟ قال الشافعي : " ما لا يقبل عملا الا به " قال وما ذاك ؟ قال : " الايمان بالله الذي لا اله الا هو أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا " قال الرجل : ألا تخبرني عن الايمان قول وعمل أو قول بلا عمل ؟ قال الشافعي : " الايمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل " قال الرجل : صف لي ذلك حتى أفهمه . قال الشافعي : "ان للايمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه " قال الرجل : وان الايمان لايتم وينقص ويزيد ؟ قال الشافعي : " نعم " قال الرجل : وما الدليل على ذلك ؟ قال الشافعي : " ان الله جل ذكره فرض الايمان على جوارح بني ادم فقسمه فيها وفرقه عليها فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى فمنها : قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر الا عن رأيه وأمره ومنها : عيناه اللتان ينظر بهما وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي ألباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه. فرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه . فأما فرض الله على القلب من الايمان : فالاقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم بأن الله لا اله الا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاجبة ولا ولدا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله من نبي او كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا ] وقال : [ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ] وقال : [ من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ] وقال : [ وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] فذلك ما فرض الله على القلب من ايمان وهو عمله وهو رأس الايمان . وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك : [ قولوا امنا بالله ] وقال : [ وقولوا للناس حسنا ] فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الايمان . وفرض الله على السمع ان يتنزه عن الاستماع الى ما حرم الله وان يغض عن ما نهى الله عنه فقال في ذلك : [وقد نزل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ] ثم استثنى موضع النسيان فقال جل وعز :[واما ينسينك الشيطان ] أى : فقعدت معهم [فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ] وقال : [ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب ] وقال : [ قد أفلح المؤمنون الذين هم قي صلاتهم خاشعون ] الى قوله : [ والذين هم للزكاة فاعلون ] وقال : [ واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ] وقال : [ واذا مروا باللغو مروا كراما ] فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان . وفرض على العينين ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك : [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ] الايتين : ان ينظر احدهم الى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظراليه . وقال : كل شيْ من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا الا هذه الاية فانها من النظر . فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملهما وهو من الايمان . ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في اية واحدة فقال سبحانه وتعالى في ذلك : [ ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا ]
قال : يعني وفرض على الفرج : أن لا يهتكه بما حرم الله عليه : [ والذين هم لفروجهم حافظون ] وقال : [ وما كنتم تسترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم ] الاية يعني بالجلود : الفرج والافخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملهما .
وفرض على اليدين ألا يبطش بهما الى ما حرم الله تعالى وأن يبطش بهما الى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات فقال في ذلك : [ياأيها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق ] الى اخر الاية وقال :[فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء ] لآن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها .
وفرض على الرجلين ألآ يمشي بهما الى ما حرم الله جل ذكره فقال فى ذلك : [ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا ] .
وفرض على الوجه السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في ذلك : [ ياايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ] وقال :[(وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ] يعني المساجد :ما يسجدعليه ابن ادم في صلاته من الجبهة وغيرها .
قال : فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات ايمانا في كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة الى بيت المقدس وأمره بالصلاة الى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا الى بيت المقدس ستة عشر شهرا فقالوا يارسول الله أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها الى بيت المقدس ما حالها وحالنا ؟ فانزل الله تعالى : [ وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤف رحيم ] فسمى الصلاة ابمانا فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها – لقي الله مستكمل الايمان من اهل الجنة ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به – لقي الله ناقص الايمان " .
قال عرفت نقصانه وتمامه فمن اين جاءت زيادته ؟ قال الشافعي : " قال الله جل ذكره : [ واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ايمانا فأما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ] وقال : [ انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى ] .
قال الشافعي : ولو كان هذا الايمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة – لم يكن لاحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله (في الجنة ) وبالنقصان من الايمان دخل المفرطون النار .
قال الشافعي : ان الله جل وعز سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان ثم انهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرىء على درجة سبقه لا ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل وبذلك فضل اول هذه الامة على اخرها ولو لم يكن لمن سبق الى الايمان فضل على من أبطأ عنه – للحق اخر هذه الامة بأولها .

بعد هذا العرض الموجز لاصول مذهب الامام الشافعي وعقيدته ، نتطرق الى شعره . فقد عرف الامام الشافعي كامام من أئمة الفقه الاربعة ، لكن الكثيرين لا يعرفون أنه كان شاعرا .
لقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب عاش فترة من صباه في بني هذيل فكان لذلك اثر واضحا على فصاحته وتضلعه في اللغة والادب والنحو ، اضافة الى دراسته المتواصله واطلاعه الواسع حتى اصبح يرجع اليه في اللغة والنحو .فكما مر بنا سابقا فقد قال الاصمعي صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس . وقال احمد بن حنبل : كان الشافعي من افصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لانه كان فصيحا .وقال احمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما الا وللشافعي في عنقه منة . وقال ايوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة .
ويعتبر معظم شعر الامام الشافعي في شعر التأمل ، والسمات الغالبة على هذا الشعر هي ( التجريد والتعميم وضغط التعبير ) وهي سمات كلاسيكية ، اذ ان مادتها فكرية في المقام الاول ، وتجلياتها الفنية هي المقابلات والمفارقات التي تجعل من الكلام ما يشبه الامثال السائرة او الحكم التي يتداولها الناس ومن ذلك :

ما حك جلدك مثل ظفرك *** فتول انت جميع امرك

ما طار طير وارتفع *** الا كما طار وقع

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت اظنها لا تفرج

وقال ايضا :

اذا رمت ان تحيا سليما من الردى *** ودينك موفور وعرضك صن
فلا ينطق منك اللسان بسؤة *** فكلك سؤات وللناس ألسن
وعيناك ان ابدت اليك معائبا *** فدعها وقل ياعين للناس اعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن

وقال ايضا :

الدهر يومان ذا أمن وذا خطر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف *** وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها *** وليس يكسف الا الشمس والقمر

واذا كان شعر التأمل ينزع الى التجريد والتعميم ، فليس معنى ذلك انه خال تماما من الصور والتشبيهات الكلاسيكية ، ولكنها تشبيهات عامة لاتنم عن تجربة شعرية خاصة ، فشعر التأمل ينفر من الصور الشعرية ذات الدلالة الفردية ، ويفضل الصور التي يستجيب لها الجميع .فالشافعي يقدم لنا اقوالا نصفها اليوم بأنها تقريرية .
في أدناه صورا من أشعار الامام الشافعي :

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود وتعفو منة وتكرما

اما قوله في الزهد قوله :

عليك بتقوى الله ان كنت غافلا *** يأتيك بالارزاق من جيث لاتدري
فكيف تخاف الفقر والله رازقا *** فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن ان الرزق يأتي بقوة *** ما أكل العصفور من النسر
نزول عن الدنيا فأنك لا تدري *** أذا جن ليل هل تعش الى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وعن مكارم الاخلاق قوله :

لما عفوت ولم احقد على أحد *** أرحت نفسي من هم العداوات
اني أحيي عدوي عند رؤيته *** لادفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للانسان أبغضه *** كما ان قد حشى قلبي محبات
الناس داء وداء الناس قربهم *** وفي اعتزالهم قطع المودات

ومن مناجاته رحمة الله قوله :

بموقف ذلي دون عزتك العظمى *** بمخفي سر لا أحيط به علما
باطراق رأسي باعترافي بذلتي *** بمد يدي استمطر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها *** لعزتها يستغرق النثر والنظما
أذقنا شراب الانس يا من اذا سقى *** محبا شرابا لا يضام ولا يظما

وفي ختام هذه الوقفات من سيرة الامام الشافعي نتطرق الى تواضعه وورعه وعبادته فان الشافعي مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته
لاقرانه وتلاميذه وللناس . كما ان العلماء من اهل الفقه والاصول والحديث واللغة اتفقوا على امانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره ، وكان مع جلالته في العلم مناظرا حسن المناظرة ، امينا لها طالبا للحق لا يبغي صيتا وشهرة حتى اثرت عنه هذه الكلمة : " ماناظرت احدا الا ولم أبال يبين الله الحق على لسانه او لساني " . وبلغ من اكبار احمد بن حنبل لشيخه الشافعي أنه قال حين سأله ابنه عبد الله : أي رجل كان الشافعي ، فأني رأيتك تكثر الدعاء له ؟ قال : " كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس ، فانظر هل لهذين من خلف او عنهما من عوض " .
وكان الشافعي رحمه الله فقيه النفس ، موفور العقل ، صحيح النظر والتفكر ، عابدا ذاكرا . وكان رحمه الله محبا للعلم حتى انه قال : " طلب العلم افضل من صلاة التطوع " ومع ذلك روى عنه الربيع بن سليمان تلميذه أنه كان يحي الليل صلاة الى ان مات رحمه الله ، وكان يختم في كل ليلة ختمة .
وروى الذهبي في السير عن الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي قد جزأ الليل ، فثلثه الاول يكتب ، والثاني يصلي ، والثالث ينام . وقال الذهبي افعاله الثلاثة بالنية ، والحق ما قاله الذهبي ، فان النيات صنعة العلماء ، والعلم اذا أثمر العمل وضع صاحبه على طريق النجاة ،وما أحوج امتنا اليوم الى العلماء العاملين الصادقين العابدين الذين تفزع اليهم الامة في الازمات وما اكثرها ولا حول ولا قوة الا بالله .
وظل الامام الشافعي في مصر ولم يغادرها يلقي دروسه ويحيط به تلامذته حتى لقي ربه في (30 رجب 204 هجرية ) ومن اروع ما رثي به من الشعر قصيدة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها :

ألم تر اثار أبن ادريس بعده *** دلائلها في المشكلات لوامع

وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ،وحسبنا الله ونعم الوكيل ،نعم المولى ونعم النصير .

منقول للفائدة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نبذه عن الاديب أحمد حسن الزيات تاريخه و اعماله وسيرته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مولد الزيات ونشأته
ولد الزيات في قرية كفر دميرة القديم التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية بمصر في 16 جمادى الآخرة1303 ه/2 إبريل1885 م، ونشأ في أسرة متوسطة الحال، تعمل بالزراعة. تلقى تعليمه في كتاب القرية، فحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، ثم أرسل إلى أحد العلماء في القرية المجاورة ليتعلم القراءات السبع وأجادها في سنة واحدة.

تعليمه الجامعي وعمله

التحق الزيات بالجامع الأزهر وهو في الثالثة عشرة من عمره، وظل فيه عشر سنوات، تلقى في أثنائها علوم الدين واللغة، إلا أنه كان يفضل الأدب فتعلق بدروس الشيخ سيد علي المرصفي الذي كان يدرس الأدب في الأزهر، كما حضر شرح المعلقات للشيخ محمد محمود الشنقيطي، أحد أعلام اللغة البارزين آنذاك.
اتصل بطه حسين، ومحمود حسن الزناتي، وكانوا يقضون أوقاتا طويلة في دار الكتب المصرية لمطالعة عيون الأدب العربي، ودواوين فحول الشعراء.
لم يكمل الزيات دراسته بالأزهر وإنما التحق بالجامعة الأهلية فكان يدرس بها مساء ويعمل صباحا بالتدريس في المدارس الأهلية. التقى الزيات في عمله بالعديد من رجال الفكر والأدب في عصر النهضة، مثل: العقاد، والمازني، وأحمد زكي، ومحمد فريد أبو حديد.
اختير من قبل الجامعة الأمريكية بالقاهرة رئيسا للقسم العربي بها في عام 1922 م، وفي أثناء ذلك التحق بكلية الحقوق الفرنسية، وكانت الدراسة بها ليلاً، ومدتها ثلاث سنوات، أمضى منها سنتين في مصر، وقضى الثالثة في فرنسا حيث حصل على ليسانس الحقوق من جامعة باريس في سنة 1925 م.
في 1929 م اختير أستاذا في دار المعلمين ببغداد، فترك العمل في الجامعة الأمريكية وانتقل إلى هناك. لم ينتمي الزيات طيلة حياته لأي حزب سياسي. ظل الزيات محل تقدير وموضع اهتمام حتى وفاته بالقاهرة في صباح الأربعاء الموافق 16 ربيع الأول1388 ه/12 مايو1968 عن 83 عاما.

مجلة الرسالة

مقالة رئيسية:مجلة الرسالةبعد عودة الزيات من بغداد عام 1933 م ترك التدريس، وانتقل للصحافة والتأليف. وفي 18 رمضان1351 ه/15 يناير1933 م قام بإصدار مجلة الرسالة، التي صار لها أثرا قويا على الحركة الثقافية الأدبية في مصر.

الزيات أديبا

يعد الزيات صاحب أسلوب خاص في الكتابة، وهو أحد أربعة عُرف كل منهم بأسلوبه المتميز وطريقته الخاصة في الصياغة والتعبير، والثلاثة الآخرون هم: مصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، والعقاد، ويقارن أحد الباحثين بينه وبين العقاد وطه حسين، فيقول: «والزيات أقوى الثلاثة أسلوبا، وأوضحهم بيانا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظا، يُعْنى بالكلمة المهندسة، والجملة المزدوجة، وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كتابنا في عصرنا». من مؤلفاته:

* تاريخ الأدب العربي .
* في أصول الأدب .
* دفاع عن البلاعة .
* وحي الرسالة" وجمع فيه مقالاته وأبحاثه في مجلة الرسالة.

ومن أعماله المترجمة من الفرنسية:

* آلام فرتر" لجوته.
* رواية روفائيل للأديب الفرنسي لامرتين.
* الزيات.. صاحب "الرسالة" .

منقول بتصرف

اخوكم ابوخالد

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

أول من أظهر إسلامه : الصحابي خباب بن الأرت-رضي الله عنه -شخصيات

أول من أظهر إسلامه

إنه الصحابي خباب بن الأرت -رضي الله عنه-، وكان خباب قد ولد في قبيلة تميم، وأُسر في مكة، فاشترته أم أنمار بنت سباع، وكان صانِعًا للسيوف، يبيعها ويأكل من عمل يده، فلما سمع عن الإسلام أسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع منه عن هذا الدين الجديد، فشرح الله صدره، ثم أعلن إسلامه ليصبح من أوائل المسلمين.
وتعرض خباب لشتى ألوان العذاب، لكنه تحمل وصبر في سبيل الله، فقد كانوا يضعون الحديد المحمي على جسده فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره، وقد سأله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يومًا عما لقى من المشركين، فقال خباب: يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهري، فنظر عمر، فقال: ما رأيت كاليوم، قال خباب: لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن الظهر).
وذات يوم كثر التعذيب على خباب وإخوانه المسلمين المستضعفين، فذهب مع بعض أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئًا في ظل الكعبة، وقالوا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [البخاري]. فزاد كلام النبي صلى الله عليه وسلم خبابًا وأصحابه إيمانًا بنصر الله، وإصرارًا على دعوتهم، فصبروا واحتسبوا ما يحدث لهم عند الله -عز وجل-.
وكانت أم أنمار تأخذ الحديد الملتهب ثم تضعه فوق رأس خباب الذي كان يتلوى من شدة الألم، ولكن الله أخذ بحق خباب من هذه المرأة المشركة حيث أصيبت بسعار جعلها تعوي مثل الكلاب، ولا علاج لها إلا أن تكوى رأسها بالنار، فكان الجزاء من جنس العمل.
وأحب خباب إسلامه حبًّا شديدًا، جعله يضحي من أجله بأغلى ما يملك من نفس ومال، فقد ذهب إلى العاص بن وائل أحد المشركين الكافرين ليطلب منه ثمن السيوف التي صنعها له قبل ذلك، فيقول له العاص: لا أعطيك شيئًا حتى تكفر بدين محمد، فرد عليه خباب: لا، والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، فقال له العاص مستهزءًا وساخرًا: فأني إذا مت ثم بعثت، جئتني يوم القيامة، ولي هناك مال وولد فأعطيك؟! فأخبر خباب النبي ( بذلك، فأنزل الله قرآنا كريمًا يذم فيه هذا المشرك، قال تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لآوتين مالاً وولدا } [مريم: 77]_ [ابن سعد والبخاري].
وأحب خباب العلم، وحرص على سماع القرآن ونشره بين إخوانه المسلمين، ففي أيام الدعوة الأولى كان خباب يدرس القرآن مع سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب، عندما دخل عليهم عمر بن الخطاب.
وجاءت الهجرة، فأسرع خباب ملبيًّا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فهاجر إلى المدينة، وهناك آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين تميم مولى
خراس بن الصمة -رضي الله عنهما-، وشارك خباب في جميع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأظهر فيها شجاعة وفروسية، وظلَّ محبًّا للجهاد في سبيل الله، وشارك خباب في الفتوحات أيام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب-رضي الله عنهما-.
ثم نزل خباب في الكوفة وبنى لنفسه بيتا متواضعًا عاش فيه حياة زاهدة، وبالرغم من هذه الحياة البسيطة، كان يعتقد أنه أخذ من الدنيا الكثير، فكان يبكى على بسط الدنيا له، وكان يضع ماله كله في مكان معروف في داره لكي يأخذ منه كل محتاج من أصحابه الذين يدخلون عليه، وفي مرضه الذي مات فيه دخل عليه بعض الصحابة، فقالوا له: أبشر يا أبا عبد الله، ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض، فأشار خباب إلى أعلى بيته وأسفله قائلاً: كيف بهذا؟! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب) [ابن ماجه]، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك درهمًا، وإن في جانب بيتي (الآن) لأربعين ألف درهم.
وطلب خباب كفنه، فلما رآه بكى، وقال: لكن حمزة -رضي الله عنه- لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت (انضمت) عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه الإذخر.
ودخل عليه بعض أصحابه فقال لهم: إن في هذا التابوت (الصندوق) ثمانين ألف درهم، والله ما شددت لها من خيط ولا منعتها من سائل، ثم بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ قال: أبكى أن أصحابي مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئًا، وإنا بقينا بعدهم حتى لم نجد لها موضعًا إلا التراب. وفي عام (37 ه) صعدت روح خباب إلى بارئها ودفن بالكوفة، ولما عاد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من معركة صفين، مر بقبر خباب؛ فقال: رحم الله خبابًا، أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلى في جسمه أحوالاً.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نبذة عن الشاعر نمر بن عدوان من الشخصيات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نمر بن عدوان
شاعر عاطفي واقعي هزه الأسى وأضناه الوجد وعصره الألم
نظم الشعر يشكو ما أصابه فتفاعلت الجماهير مع شعره في كل مكان فتعاطف الناس معه وأحبوه وتابعوا أخباره التي سارت بها الركبان ..

مولده ونشأته

وقد ولد في منطقة ياجوز غربي الأردن في عام 1735م وتوفى في تاريخ 1782
وحياة نمر ذاخرة بالقصص والروايات واستطاع أن يوثقها بقصائده الخالدة بالذاكرة، لأنها حياة إستثنائية عاشها الشاعر وأضاءت لنا ماهية ابداعاته، ويعد نمر بن عدوان هو أول من تعلم القراءة والكتابة من بادية الأردن، على يد سيدة فرنسية أعجبت بذكائة وفطنتة وهو طفل، وواصل تعليمة في القدس والأزهر، ويذكر أنه اول من أقتنى بندقية متطورة في ذلك الوقت، وقد جاءته البندقية هدية من السائحة الفرنسية التي أهتمت بتعليمه،

أسمه ونسبه

هو الشيخ نمر بن عدوان من شيوخ قبيلة عربية مشهورة مواطنها الآن شرقي الأردن هو نمر قبلان نمر حمدان عدوانز وقبيلة العداوين من قبائل البلقاء الغربية ولها في الغور بلدة الشونة ((شونة أبن عدوان )) وهي بلدة على الضفة الشرقية لنهر الأردن

زواجه

تزوج فتاة من عشائر القضاة من بني صخر اسمها وضحى …. التي كان يشهد لها بالجمال والكرم والذكاء…
أحبها حباً جما .
انجبت لها عدد من الأولاد وكان اكبرهم عقاب ، وكانت وضحى تزداد تألقا في نظر حبيبها , ورفيق دربها يوماً بعد يوم…. ولها مواقف عظيمة في حياة زوجها
عاشا على التعاون والحب والموده والرحمة.
وقصة قتلها تختلف من مصدر الى مصدر .. ولكن قد تجمع المصادر على الاتي:.
ان نمرا كان يامر زوجته ان تقوم ليلا بربط الفرس بالحديد حتى لاتسرق.. وفي احدى الليالي نسيت وضحا ان تربط الفرس ولم تذكر الا بعد وقت متاخر ..فذهبت مسرعة الى الفرس وعندما همت بربطه استقيظ نمر من نومه وشاهد ذلك الخيال عند الفرسواعتقد انها سارق فصوب اليها الشلفا وحيث انه فارسا لم يخطي فارداها قتيله….فكانت هذه مصيبة نمر …
وحينما قلبها على ظهرها .. فإذا هو بوجه زوجته وضحى
صُدم ..
جن جنونه …
قارب على الموت من شدة الصدمة … و حزن عليها حزناً شديداً كاد يقتله ، وقيل انه كان يُرى وهو يبكي نهاراً وكان يسمع صوت نحيبه ليلاً .. على فراق حبيبته ورفيقة دربه. لأنه كان يحبها محبه عظيمه..وهي تستاهل..فوق جمالها كانت خير عون وسند لزوجها وكانت مثال الزوجة الصالحة والوفية

ولعل القصيدة التاليه من اشهر مراثيه في زوجته:

البارحه يوم الخلايق نياما
بيّحت من كثر البكى كل مكنون
قمت أتوجّد وأنثر الما على ما
من فوق عيني دمعها كان مخزون
ولي ونة ٍ من سمعَها ما يناما
كني صويب ٍ بين الأضلاع مطعون
و إلا كما ونة كسير السْلاما
خلّوه ربعه للمعادين مديون
في ساعة ٍ قل الرجا والمحاما
فيما يطالع يومهم عنه يقفون
و إلا فونة راعبيّ الحماما
غاد ٍ ذكرها والقوانيص يرمون
تسمع لها بين الجرايد حطام
امن نوحها تدع ِ المواليف يبكون
و إلا خلوج ٍ سابة ٍ للهياما
على حوار ٍ ضايع ٍ في ضحى الكون
و إلا حوار ٍ مشْيِقوا له شماما
وهي تطالع يوم جرّوه بعيون
يردون مثله والضوامي صياما
ترزّموا معها وقاموا يحنّون
و إلا رضيع ٍ جرّعوه الفطاما
أمه غدت قبل أربعينه يتمّون
عليك ياللي شربت كاس المحاما
صرف ٍ بتقدير ٍ من الله ماذون
جاه القضا من بعد شهر الصياما
صافي الجبين بثاني العيد مدفون
كسوه من عرض الخرق ثوب خاما
و قاموا عليه من الترايب يهلّون
راحوا بها حروة صلاة اليِماما
عند الدفن قاموا لها الله يدعون
برضاه والجنه وحسن الختاما
ودموع عيني فوق خدي يهلّون
حطّوه في قبر ٍ عساه الهياما
في مهمة ٍ من عد الأموات مسكون
يا حفرة ٍ يسقي ثراك الغماما
مزن ٍ من الرحمه عليها يصبّون
جعل البخَتري والنفل والخزاما
ينبت على قبر ٍ هو فيه مدفون
مرحوم ياللي ما مشى بالملاما
جيران بيته راح ما منه يشكون
وا وسع عذري وان هجرت المناما
ورافقت من عقب العقل كل مجنون
أخذت انا ويّاه سبعة عواما
مع مثلهن في كيفة ٍ ما لها لون
والله كنها يا عرب صرف عاما
يا عونة الله صرف الأيام وشلون؟
و أكبر همومي من بزور ٍ يتاما
و إن شفتهم قدام وجهي يبكّون
و ان قلت لا تبكون قالوا علاما
نبكي ويبكي مثلنا كل محزون
قلت السبب تبكون؟ قالوا يتاما
قلت اليتيم أياي وانتم تسجّون
مع البزور وكل جرح ٍ يلاما
إلا جروح بخاطري ما يطيبون
جرحي عميق ٍ مثل كسر السلاما
الى مكَن.. عنه الأطبّا يعجزون
قمت اتشكّى عند ربع ٍ عذاما
جوني على فرقا خليلي يعزّون
قالوا تجوّز وانس لامه بلاما
بعض العذارى عن بعضهن يسلّون
قلت انها لي وفّقت بالولاما
ولو جمعتوا نصفهن ما يسدّون
ما ظنّتي تلقون مثله حراما
أيضا ولا فيهن على السر مامون
و أخاف انا من غاديات الذماما
اللي على ضيم الدهر ما يتاقون
أو خبلة ٍ ما عقلها بالتماما
تضحك وهي تلدغ على الكبد بالهون
توذي عيالي بالنهر والكلاما
و أنا تجرّعني من المر بصحون
والله يا لولا هالصغار اليتاما
و أخشى من السكّه عليهم يضيعون
لا أقول كل البيض عقبه حراما
و أصبر كما يصبر على الحبس مسجون
عليه مني كل يوم ٍ سلاما
عدّت حجيج البيت واللي يطوفون
وصل على سيّد جميع الأناما
على النبي ياللي حضرتوا تصلون

شعره ومكانته الاجتماعية

أبياته الشهيرة نسمعها تتردد على لسان الآباء والأجداد ,
ويعدون مناقبه الطيبة في الحب والوفاء والفروسية، وهو جزء من ذاكرتنا الشعبية ورافداً من تاريخنا البدوي الأصيل، وقصائده لازالت تحفظ بالذاكرة ويتداولون الناس شعره ويحفظونه، وهو ظاهرة أدبية شعبية مهمة، ولقصائده خصوصية ثقافية متفردة في قصائد الغزل والرثاء والوجدانيات، ونمر بن عدوان نال إعجاب الكثيرين من متذوقين الشعر والباحثين في الأدب الشعبي في أوساط العواصم العربية، حيث كتب عنه الكثير من الباحثين والدارسين للأدب الشعبي حيث كتب عنه المستشرق الألماني (ويتزستين) وترجمت قصائده إلى الألمانية، وكذلك كتب عنه مستشرق أمريكي وترجم مختارات من شعره ونشرها في مجلة ألمانية، ويعد الشاعر نمر بن عدوان من أوائل من قرض الأدب الشعبي وكان له فضل في تطوير وانتشار القصيدة البدوية في المنطقة العربية، حيث كان يتجول في بعض الدول العربية منها الجزيرة العربية والعراق والأردن والشام وفلسطين ومصر،وهو شاعر عاطفي واقعي هزه الأسى وأضناه الوجد وعصره الألم . . . نظم الشعر يشكو ما أصابه فتفاعلت الجماهير مع شعره ورددوا شعره في كل مكان فتعاطف الناس معه وأحبوه وتابعوا أخباره التي سارت بها الركبان

منقول من عدة مواقع

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

ابن حجر العسقلاني رحمه الله ( حامل لواء السنة ) -شخصيات

العلاَّمة
شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني
المصري

المعروف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه، وُلِد بمصر العتيقة (الفسطاط) في 12 شعبان سنة 773ه، ونشأ يتيمًا، فما كاد يتم الرضاعة حتى فقد أمه، وما إن بلغ الرابعة من عمره حتى توفي أبوه في رجب 777ه، تاركًا له مبلغًا من المال أعانه على تحمل أعباء الحياة، ومواصلة طلب العلم.
وبعد موت أبيه، كفله (زكي الدين الخروبي) كبير تجار مصر، الذي قام بتربيته والعناية به، فحفظ ابن حجر القرآن الكريم، وجوَّده وعمره لم يبلغ التاسعة، ولما رحل الخروبي إلى الحج سنة 784ه رافقه ابن حجر وهو في نحو الثانية عشرة من عمره، ليدرس في مكة الحديث النبوي الشريف على يد بعض علمائها.


ولما عاد إلى القاهرة، درس على عدد كبير من علماء عصره أمثال: (سراج الدين بن الملقن) و(البلقيني) و(العز بن جماعة) و(الشهاب البوصيري) ثم قام ابن حجر برحلات دراسية إلى الشام والحجاز واليمن، واتصل بمجد الدين الشيرازي، وتعلم اللغة صاحب (القاموس المحيط) عليه يديه، غير أن ابن حجر وجد في نفسه ميلا وحبًّا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه منكبًّا على علومه مطالعة
وقراءة، وأجازه معظم شيوخه بالرواية وإصدار الفتاوى والقيام بالتدريس، فكانت تقام له حلقات الدرس، ويجلس فيها العلماء في كل بلد يرحل إليه، حتى انتهت إليه الرياسة في علم الحديث في الدنيا بأسرها، وبلغت شهرته الآفاق، وارتحل أئمة العلم إليه من كل أنحاء العالم الإسلامي.

وقد أَهَّلَه علمه الغزير أن يشغل عدة مناصب مهمة، فقام بتدريس الحديث والتفسير في المدرسة الحسنية، والمنصورية، والجمالية، والشيخونية والصالحية.. وغيرها من المدارس الشهيرة بمصر، كما تولى مشيخة المدرسة البيبرسية، وولي الإفتاء
بدار العدل، وتولى ابن حجر منصب القضاء، واستمر في منصبه نحو عشرين سنة شهد له فيها الناس بالعدل والإنصاف، وإلى جانب ذلك تولى الخطابة في الجامع الأزهر ثم جامع عمرو بن العاص .
وكان من عادة ابن حجر أن يختم في شهر رمضان قراءة صحيح البخاري على مسامع تلاميذه شرحًا وتفسيرًا، وكانت ليلة الختام بصحيح البخاري كالعيد؛ حيث يجتمع حوله العلماء والمريدون والتلاميذ، ثم توج حبَّه لصحيح البخاري وشغفه به بأن ألَّف كتابًا لشرحه سماه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) استغرق تأليفه
ربع قرن من الزمان!! حيث بدأ التأليف فيه في أوائل سنة 817ه وانتهى منه في غرة رجب سنة 842ه.
وهذا الكتاب يصفه تلميذه (السخاوي) بأنه لم يكن له نظير، حتى انتشر في الآفاق وتسابق إلى طلبه سائر ملوك الأطراف، وقد بيع هذا الكتاب آنذاك بثلاثمائة دينار وقد كتب الله لابن حجر القبول في زمانه، فأحبه الناس؛ علماؤهم وعوامهم، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونساؤهم، وأحبه أيضًا النصارى، وكانت أخلاقه الجميلة وسجاياه الحسنة هي التي تحملهم على ذلك، فكان يؤثر الحلم واللين، ويميل إلى الرفق وكظم الغيظ في معالجة الأمور، يصفه أحد تلاميذه بقوله:

كل ذلك مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه، وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وصيامه وقيامه، وبذله وحسن عشرته ومحاضراته النافعة، ورضي أخلاقه، وميله لأهل الفضائل، وإنصافه في البحث ورجوعه إلى الحق وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره.


وقد ترك لنا ابن حجر ثروة ضخمة من الكتب تزيد على المائة والخمسين
كتابًا، أهمها:
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري)
و(تهذيب التهذيب) في تراجم رجال الحديث و(بلوغ المرام من أدلة الأحكام) في الفقه و(الإصابة في تمييز الصحابة)
و(الدرر الكامنة) في أعيان المائة الثامنة، و(القول المسدد في الذبِّ عن مسند
الإمام أحمد).. وغيرها،

وفي ليلة السبت 28 ذي الحجة سنة 852ه توفي الشيخ العلاَّمة رحمه الله
وكان يوما مشهودًا، اجتمع في تشييع جنازته من الناس ما لا يحصيهم إلا الله، حتى كادت تتوقف حركة الحياة بمصر، يتقدمهم سلطان مصر والخليفة العباسي والوزراء والأمراء والقضاة والعلماء، وصلَّت عليه البلاد الإسلامية صلاة الغائب، في مكة وبيت المقدس، والخليل.. وغيرها، ورثاه الشعراء بقصائدهم، والكتاب برسائلهم .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

سعيد بن عامر الجمحي -شخصيات

كان الفتى سعيد بن عامر الجمحيواحداً من الجموع الغفيرة التي شهدت مصرع الصحابي خبيب بن عدي ، بعد أن ظفرت به قريش غدراً..

ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها إلى المكان المعدِّ لقتله ؛ وقف سعيد بن عامر بقامته الممدودة يُطِل على خبيب وهو يقدَّم إلى خشبة الصَّلب ، وسمع صوته الثابتيقول :
"
إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا " . ثم نظر إليه وهو يستقبل الكعبة، ويصلي ركعتين ، ثم رآه يقبل على زعماء القوم وهو يقول :
"
والله لو لا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعاً من الموت لاستكثرت منها " .
ثم رأى سعيد بن عامر كيف قطَّع قومه خبيباً قطعة قطعة ، ولقد سمعه يدعو قريش فيقول :


"

اللهمَّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم احداً " .


نسيت قريش هذا الحدث ، ولكن سعيد بن عامر لم ينسه ، كان يراه في حلمه إذا نام ، ويراه بخياله وهو يستيقظ ، ويتصوره وهو يصلي ركعتيه الهادئتين أمام خشبة الصَّلب ، تعلَّم سعيد بن عامر من خبيب ما لم يكن يعلم :
علَّمه أن الحياة عقيدة وجهاد في سبيل العقيدة حتى الموت .
علَّمه أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب .
عند ذلك شرح الله صدره للإسلام ؛ فقام في ملأ من الناس ، وأعلن براءته من آثام قريش ، وخَلْعه لأصنامها وأوثانها ، ودخوله في دين الله .


هاجر سعيد بن عامر المدينة ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وشهد معه عدة غزوات
*
دخل على عمر بن الخطاب في أول خلافته فقال : " يا عمر أوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله ، وألا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدَّقه العمل " .


عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيداً إلى مساعدته ، وقال : " يا سعيد إنا مولوك على حمص
فقال سعيد : " يا عمر نشدتك الله ألا تفتني " .
فغضب عمر وقال : " ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني ، والله لا أَدَعُكَ " .


*

ثم مضى سعيد إلى حمص منفذاً أمر عمر ، وما هي إلا أيام قلائل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل حمص ، فقال لهم : "اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم " .
فرفعوا كتاباً فإذا فيه سعيد بن عامر !
قال عمر : مَن سعيد بن عامر ؟
قالوا : أميرنا ، والله إنه لتمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار . فبكى عمر ، ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته .


فلما وُضع المال بين يدي سعيد جعل يقول : " لا حول ولا قوة إلا بالله " . كأنما أصابته مصيبة ، فأخذ الدنانير ثم وزعها على فقراء المسلمين .


*

لم يمضِ وقت طويل حتى أتى عمر بن الخطاب ديار الشام يتفقد أحوالها ، فلما نزل بحمص لقيه أهله للسلام عليه ، فقال : " كيف وجدتم أميركم ؟ " . فشكوا إليه أربعاً من أفعاله ، فجمع عمر بينهم وبينه ، وقال لهم : " ما تشكون منه ؟ " .
قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار .
قال : فما تقول يا سعيد ؟
قال : إنه ليس لأهلي خادم ، فأقوم كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضَّأ وأخرج للناس .
قال عمر : وما تشكون أيضاً ؟
قالوا : إنه لا يجيب أحداً بليل .
قال : فما تقول يا سعيد ؟
قال : لقد جعلتُ النهار لهم ، والليل لله عزَّ وجل .
قال عمر : وما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : لا يخرج إلينا يوماً في الشهر .
قال : وما هذا يا سعيد ؟
قال : ليس عندي ثياب غير التي عليَّ ، فأنا أغسلها مرة في الشهر ، وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج إليهم في آخر النهار .
قال عمر : وما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه .
قال : وما هذا يا سعيد ؟
قال : شهدتُ مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك ، ورأيت قريشاً تقطع جسده ، وهي تقول :


"

أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ فيقول : " واللهِ ما أحب أن أكون آمناً في أهلي وولدي ، وأن محمداً تشوكه شوكة ! " . وإني والله ما ذكرتُ ذلك اليوم ، وكيف أني تركت نصرته ، إلا ظننتُ أن الله لا يَغفر لي ، فأصابتني تلك الغشية .
*
عند ذلكقال عمر : الحمد لله الذي لم يخيب ظني به .
*
ثم بعث له بألف دينار يستعين بها على حاجته ، فما غادر سعيد مجلسه حتى جعلها في فقراء المسلمين .


رضي الله عنه فقد كان تلميذاً نجيباً ، تخرَّج في مدرسة الإسلام ، على يدي محمد صلى الله عليه وسلَّم .
والحمد لله رب العالمين
(من موقع الدكتور محمد راتب النابلسي )

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

ادريس عليه السلام -شخصيات


نبذة:

كان صديقا نبيا ومن الصابرين، أول نبي بعث في الأرض بعد آدم، وهو أبو جد نوح، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة، ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها.

سيرته:
إدريس عليه السلام هو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابة العزيز، وذكره في بضعة مواطن من سور القرآن، وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلاً أي يجب اعتقاد نبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.
نسبه:
هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم عليه السلام واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح عليه السلام. وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد (آدم) و (شيث) عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم عليه السلام 308 سنوات لأن آدم عمر طويلاً زهاء 1000 ألف سنة.
حياته:
وقد أختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيح الأول، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهي المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة (آدم) و (شيث) فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع خفير، فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل (بابل) فقال إذا هاجرنا رزقنا الله غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق. وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان في زمانه 72 لساناً يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعاً ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة وقد اشتهر بالحكمة فمن حكمة قوله (خير الدنيا حسرة، وشرها ندم) وقوله (السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة) وقوله (الصبر مع الإيمان يورث الظفر).
وفاته:
وقد أُخْتُلِفَ في موته.. فعن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}؟ فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم – لعله من أهل زمانه – فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال "له": إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}. ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها. وعنده فقال لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقي من عمره؟ فقال: لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر. وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.
وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك. فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار. والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} : رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد. وقال الحسن البصري: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إلى الجنة، وقال قائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلاييل والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل.
قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه لما مرّ به عليه السلام قال له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدمو إبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.
وهذا لا يدل ولابد، قد لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن، وأكبر أولي العزم بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الإمام محمد بن إدريس الشافعي "لم ير مثل نفسه"

الإمام محمد بن إدريس الشافعي "لم ير مثل نفسه"

اسمه ونسبه ومولده ونشأته:
هو الإمام العَلَم؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، القرشي المطلبي.
والسائب بن عبيد أسلم يوم بدر، وابنه شافع بن السائب من صغار الصحابة.

وأمه أزدية، وقد رأت حين حملت به كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية.

وقد ولد الشافعي بغزة، وقيل: بعسقلان، وقيل: باليمن، سنة خمسين ومائة (150ه).
ومات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه فنشأ بها وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: ابن ثماني عشرة سنة، أذن له شيخه مسلم بن خالد الزنجي.

مسيرة الإمام الشافعي العلمية ومواقف من حياته:
وعني باللغة والشعر، وأقام في هذيل نحواً من عشر سنين، وقيل: عشرين سنة، فتعلم منهم لغات العرب وفصاحتها، وسمع الحديث الكثير على جماعة من المشايخ والأئمة، وقرأ بنفسه الموطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته وهمته، وأخذ عنه علم الحجازيين بعد أخذه عن مسلم بن خالد الزنجي.
وروى عنه خلق كثير قد ذكرنا أسماءهم مرتبين على حروف المعجم.
وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، عن شبل، عن ابن كثير، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله عز وجل.
وأخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، منهم: عمرو بن علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وغيرهم.
وكلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتفقه أيضاً على مالك عن مشايخه.

وتفقه به جماعة قد ذكرناهم ومن بعدهم إلى زماننا في تصنيف مفرد.

وقد روى ابن أبي حاتم، عن أبي بشر الدولابي، عن محمد بن إدريس وراق الحميدي، عن الشافعي: أنه ولي الحكم بنجران من أرض اليمن، ثم تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنه يروم الخلافة، فحمل على بغل في قيد إلى بغداد فدخلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره ثلاثون سنة.
فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد، وأحسن القول فيه محمد بن الحسن، وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه، وأنزله محمد بن الحسن عنده.
وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة، وقيل: بسنتين، وأكرمه محمد بن الحسن وكتب عنه الشافعي وقر بعير، ثم أطلق له الرشيد ألفي دينار، وقيل: خمسة آلاف دينار.

وعاد الشافعي إلى مكة ففرق عامة ما حصل له في أهله وذوي رحمه من بني عمه، ثم عاد الشافعي إلى العراق في سنة خمس وتسعين ومائة، فاجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن شريح البقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، والزعفراني، وغيرهم.
ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة، ثم انتقل منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة، سنة أربع ومائتين.
وصنف بها كتابه الأم وهو من كتبه الجديدة لأنها من رواية الربيع بن سليمان، وهو مصري.
وقد زعم إمام الحرمين وغيره أنها من القديم، وهذا بعيد وعجيب من مثله، والله أعلم.

ثناء الأئمة على الإمام الشافعي:
وقد أثنى على الشافعي غير واحد من كبار الأئمة منهم: عبد الرحمن بن مهدي، وسأله أن يكتب له كتاباً في الأصول فكتب له الرسالة، وكان يدعو له في الصلاة دائماً، وشيخه مالك بن أنس.
وقتيبة بن سعيد. وقال: هو إمام.
وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وكان يدعو له أيضاً في صلاته.
وأبو عبيد، وقال: ما رأيت أفصح ولا أعقل ولا أورع من الشافعي.
ويحيى بن أكثم القاضي، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن الحسن، وغير واحد ممن يطول ذكرهم وشرح أقوالهم.
وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحواً من أربعين سنة، وكان أحمد يقول في الحديث الذي رواه أبو داود، من طريق عبد الله بن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)).
قال: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، والشافعي على رأس المائة الثانية.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا جعفر بن سليمان، عن نصر بن معبد الكندي – أو العبدي -، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً، اللهم إنك أذقت أولها عذاباً ووبالاً فأذق آخرها نوالاً)).
وهذا غريب من هذا الوجه، وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.

قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني: لا ينطبق هذا إلا على محمد بن إدريس الشافعي. حكاه الخطيب.

وقال يحيى بن معين، عن الشافعي: "لو كان الكذب له مباحاً مطلقاً لكانت مروءته تمنعه أن يكذب".

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: الشافعي فقيه البدن، صدوق اللسان.

وحكى بعضهم عن أبي زرعة أنه قال: ما عند الشافعي حديث غلط فيه. وحكي عن أبي داود نحوه.
وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة – وقد سئل: هل سنَّة لم تبلغ الشافعي؟ – فقال: لا !.
ومعنى هذا أنها تارة تبلغه بسندها، وتارة مرسلة، وتارة منقطعة كما هو الموجود في كتبه، والله أعلم.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سُمّيتُ ببغداد: ناصر السنة.
وقال أبو ثور: ما رأينا مثل الشافعي ولا هو رأى مثل نفسه.
وكذا قال الزعفراني وغيره.

وقال داود بن علي الظاهري في كتاب جمعه في فضائل الشافعي:
"للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره من: شرف نسبه، وصحة دينه ومعتقده، وسخاوة نفسه، ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخه، وحفظه الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء، وحسن التصنيف، وجودة الأصحاب والتلامذة، مثل: أحمد بن حنبل في زهده وورعه، وإقامته على السنة".
ثم سرد أعيان أصحابه من البغاددة والمصريين، وكذا عدَّ أبو داود من جملة تلاميذه في الفقه: أحمد بن حنبل.

من نصائحه العظيمة التي تبين إخلاصه وعقيدته الصافية وتحذيره الشديد من الكلام والأهواء:
وقد كان الشافعي من أعلم الناس بمعاني القرآن والسنة، وأشد الناس نزعاً للدلائل منهما، وكان من أحسن الناس قصداً وإخلاصاً.
وكان يقول: "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلي شيء منه أبداً فأوجز عليه ولا يحمدوني".
وقد قال غير واحد، عنه:
"إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا به ودعوا قولي، فإني أقول به، وإن لم تسمعوا مني"، وفي رواية: فلا تقلدوني، وفي رواية: فلا تلتفتوا إلى قولي، وفي رواية: فاضربوا بقولي عرض الحائط، فلا قول لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال: "لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء"، وفي رواية: خير من أن يلقاه بعلم الكلام.

وقال: "لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد".
وقال: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويطاف بهم في القبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام!!".

وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول:
"عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صواباً".

وقال: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جزاهم الله خيراً، حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل.

ومن شعره في هذا المعنى قوله:

كل العلوم سوى القرآن مشغلة * إلا الحديث وإلا الفقه في الدين

العلم ما كان فيه قال حدثنا * وما سوى ذاك وسواس الشياطين

وكان يقول: "القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر".

وقد روى عن الربيع وغير واحد من رؤوس أصحابه ما يدل على أنه كان يمر بآيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف، على طريقة السلف.

وقال ابن خزيمة: أنشدني المزني وقال أنشدنا الشافعي لنفسه قوله:

ما شئت كان وإن لم أشأ * وما شئت إن لم تشأ لم يكن

خلقت العباد على ما علمت * ففي العلم يجري الفتى والمسن

فمنهم شقي ومنهم سعيد * ومنهم قبيح ومنهم حسن

على ذا مننت وهذا خذلت * وهذا أعنت وذا لم تعن

وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول:
"أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي".

وعن الربيع قال: أنشدني الشافعي:

قد عوج الناس حتى أحدثوا بدعاً * في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل

حتى استخف بحق الله أكثرهم * وفي الذي حملوا من حقه شغل

وقد ذكرنا من شعره في السنة وكلامه فيها وفيما قال من الحكم والمواعظ طرفاً صالحاً في الذي كتبناه في أول طبقات الشافعية.

وفاته –رحمه الله-:
وقد كانت وفاته بمصر يوم الخميس، وقيل: يوم الجمعة، في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين (204ه)، وعن أربع وخمسين سنة.
وكان أبيض جميلاً طويلاً مهيباً يخضب بالحناء، مخالفاً للشيعة رحمه الله وأكرم مثواه.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نبذه عن الاعلامي تركي الدخيل سيرته حياته

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الألباني…الإمام الصبور !!!!

الألباني…الإمام الصبور(1)

قال الشيخ محمد عيد العباسي في مقاله (من مناقب العلامة الألباني) المنشور في مجلة البيان، وهو يتحدث عن صبر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:

(((وقد بلغ الذروة في الصبر والتحمل حينما صام أربعين يومًا متواليات ليلاً ونهارًا عن كل شيء إلا الماء تطببًا، وطلبًا للشفاء من بعض الأمراض التي كان يعاني منها ،بعد أن قرأ كتابًا لأحد الأطباء يشرح فيه أن كثيرًا من الأمراض يُشفى منها بالصوم، فكان -رحمه الله تعالى- يواظب خلال هذه المدة على عمله ودروسه وتأليفه، ويمارس كل النشاط الذي كان يقوم به في الأيام العادية، بما في ذلك الأسفار وإلقاء الدروس والمحاضرات، وإن هذا -لعمر الله- قمة في مضاء العزيمة، والصبر على المكاره، وعجيبة من عجائب الدهر)))

المصدر:
مقالات حول العلامة الألباني بأقلام تلامذته وعارفيه.
القسم الرابع من كتاب (مقالات الألباني).
جمعها وصححها واعتنى بها نور الدين طالب.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده