سرحت هناك , بعيدا في عمق ذكرياتها ,في جوف بركان قد ينفجر في اية لحظة ركزت في
تفاصيل حياتها فلم تجد سوى الفراغ الضياع و الالم , نعم الالم , ذلك الشعور القاتل الذي
ينتابها كلما فكرت .. من اهلها؟ , من عائلتها ؟ ,و من اين هي؟ , كلما تذكرت أنها كاثرين الفتاة الغريبة التي ربتها السيدة مورغان لا اكثر ولا اقل
حاولت كثيرا أن تعرف من عائلتها كم مرة توسلت بدموع اغرقت مقلتيها و بحةِ قهرٍ تصاعدتْ من حلقها و هي ترجو مورغان أن تخبرها و لو شيئا بسيطا عن ماضيها , لكن لا فمورغاان تكتفي بعبارتها الدائمة
"لا تقفي في وجه القدر فلا سلطة لنا على عليه, عندما يحين الوقت المناسب ستعرفين"
اطلقت تنهيدة ملؤها القهر و مغدقة باليأس و عاودت تتأمل السهل الاخضر بينما نظراتها لا تفارق ذلك الافق الذي اصبح رجاءها و غايتها الوحيدة
كانت قد خرجت من المنزل و هي في قمة غضبها بعدما تعاركت مع مربيتها و لم تكف عن التسخيط و ترديد عبارات حاقدة طوال الطريق
"اكرهك اكرهك تبا لك انت سبب تعاستي تبا انا اكرهك لا اريد العيش معك هذا يكفي انا امقت هذا المكان …."
و انتهى بها الامر هنا جالسة على بساط اخضراسفل تلك الشجرة الفارعة ذات الاوراق الكثيفة
و في جو صباحي تنسم بهواء عليل يريح النفس و يقتل هواجسها التي لا ترحم
للحظة بدأت تنسى و هي تستمتع بهذا المنظر الذي يسرق الالباب و يسحر الناظر اليه الى أن امتدت يدها بطريقة لا ارادية نحو عنقها و راحت اصابعها تتلاعب بتلك القلادة الفضية اللماعة
قلبت وجهها و حدقت الى الاسم المحفور عليها بعناية "كايل روبرت "
تتواصل تنهيداتها وسط الحيرة التي تعيشها و تعاود طرح نفس السؤال "من انا؟"
نفضت كل ما جال في رأسها , اذ يكفي تفكيرا لليوم و وقفت ترتب نفسها
كانت ذات طلة جميلة فتاة في ال17 ذات عيون عسلية انخمست بخضرة طحلبية و شعر كستنائي يصل لمنتصف خصرها المتناسق مع قدها الممشوق
ببساطة لا احد كان سيصدق لو ادعت مورغان بان هذا الملاك هو ابنتها فلم يكن بينهما أي شبه
سارت عائدة إلى المنزل سالكة ذلك الدرب الذي تحيطه الأشجار من كلا الجانبين حتى شكلت ممرا خلاب المنظر
و كأنه نفق من الاخضرار اللا متناهي
~و هاهي ذي الضيعة تظهر لها من بعيد..
بعد مسير لم يكن بالطويل وصلت إلى مقربة من منزلها لتتفا جئ بحشد من الناس يقفون عند الباب
سارعت الخطى لتتفقد الوضع و لم يخفى القلق الذي اعتراها
لتهاجمها أصوات القرويين
إنها مورغان,
استدعوا الطبيب,
أين ابنتها كاثرين,
اقتحمت الزحام الخانق و دخلت إلى المنزل الذي وجدت فيه نساءا من ضيعتها هناك رأت مربيتها مورغان تقبع في الفراش بوجه شاحب و أنفاس تضيق
اقتربت بهلع مرتمية على جانب السرير بنظرات كانت كفيلة بالسؤال و لو لم تنبس بكلمة و بدموع بدأت تتسرب من بين رموشها
حين نطقت مورغان بصعوبة بالغة :
ـ لا تبكي حبيبتي , لا تبكي , اقتربي أكثر لدي ما أقوله لكي ..
ـ لا أرجوك لا تتكلمي حالتك سيئة ارتاحي و حسب
سألت نفسها أحقا تبكي ألان أهي تبكي على من كانت تلعن فيها هذا الصباح
كيف نسيت مرض مورغان كيف خفي ذلك عنها و فجرت القنبلة الجارحة تلك
"كايل روبرت "
قالتها و هي تمسك قلادة كاثرين
تفاجأت كاثرين و هي تسمعها تلفظ ذلك الاسم بل و انطلقت كل حواسها في تلك اللحظة التي بدأت فيها مورغان تسرد الحقيقة ذلك الماضي ذلك السر الذي اخفته لـسبعة عشرة عاما :
" كنت اعمل خادمة لدى آل روبرت وهي من أرقى العائلات في المدينة , حين اكتشفنا بان السيدة ماريا حبلى و انتظرنا جميعا أن تنجب الوريث الذي سيحمل اسم العائلة و يسير على خطى أجداده من آل روبرت , و لكن… في ذلك اليوم .. اليوم الذي وضعت فيه السيدة ماريا مولودها اكتشفنا بأنها …
بقيت كاثرين متيقظة, تنتظر…
‘اجل كنت أنت ذاك المولود ‘
هذا ما توقعت أن تسمعه
ـ اكتشفنا بأنها وضعت توأمين … صبي و فتاة
ازدادت صدمة كاثرين و هنا كان التوقع الذي خطر لها صحيحا تماما
كايل روبرت و كاثرين روبرت
نطقت غير مدركة
اأخي
كم كان الألم الذي يخترقها فضيعا و التصديق صعبا بينما الصدمة أخذت كل ما فيها و مورغان تواصل سرد الأحداث الأكثر إيلاما :
ـ لم ترضى اوليفيا بذلك ,, حماة ماريا و التي هي .. جدتكـ .. لم ترضى أن يكون هناك وريث آخر يكفي أن هناك الصبي ..,اوليفيا كانت من النوع القيادي المؤمن بالإرث و العادات بطريقة لا تصدق, لدرجة أنها انتزعت ابنة ماريا من بين يديها و هددت كل من قد يتكلم بالتخلص منه و هددت ماريا بقتل ابنتها إذا تجرأت و أخبرت زوجها …
و هكذا أعطتني اياكي لكن حرصت ماريا على صنع هذه القلادة التي تحمل اسم شقيقك , حتى هو يملك واحدة طبع عليها اسمك, فوالدتك كانت آملة أن تجدكِ يوما ما … لكن للأسف
لا سلطة لنا على القدر
هاهي ذي العبارة تتكرر شعرت كاثرين بان ما ستقوله الآن قنبلة حقيقية
ـ لقد توفيت والدتك في حادث أما اوليفيا فقد غلبها كبرها , و والدك السيد ديفد كثير السفر , لذلك الوحيد المتبقي لك هو كايل … جديه سيتعرف عليك فورا , فقد سمعت بأنه يبحث عنك منذ أن قرأ الرسالة التي تركتها اوليفيا قبل موتها كانت وصيتها أن يبحث عنكِ و يجدك … و ها أنا ذا أوصيكي ابحثي عن أخيكِ , جدي كايل …
هنا ارتمت بنفسها و راحت تبكي و تبكي صارخة :
ـ لا اريد , لا اريد أحدا , لا تتركيني مورغان ارجوكي أريد البقاء معك العيش إلى جانبك , أنا آسفة عن كل مرة أزعجتك فيها فقط ابقي معي لا تتركيني , ارجوكي…
أخذت مورغان نفسا عميقا و أغمضت عينيها بمنتهى الهدوء :
ـ عزيزتي كاثرين , لا سلطة لنا على القدر
رفعت كاثرين رأسها و نظرت إلى مورغان
مغمضة العينين, مشعة , بشرتها أصبحت بيضاء ,بينما ارتسمت تلك الابتسامة العذبة على محاياها , اقتربت بفزع تهزها بلطف :
ـ مورغان , مورغان , لا , لا تموتي , لا تتركيني , مورغااااااااان
و عمت صرخاتها أرجاء الضيعة
لقد حزنت كثيرا على موت مورغان و ما أحزنها أكثر هو معرفتها الحقيقة و للحظة تمنت لو لم تعرف من تكون لو عاد بها الزمن الى الاوراء و اكملت حياتها الى جانب مورغاان لكن هناك صدى يتردد , صوت مورغان العذب الدافئ المليء بالرقة يعزف لها أغنية الحياة , يذكرها بكلمات تزيدها عزما لتواصل السير إلى الإمام و تنفيذ وصية مربيتها و هي إيجاد شقيقها كايل
ذلك الصوت كان يقول
~" لا سلطة لنا على االقدر"~