هاي القصة اخدناها بالمدرسة وحبيت انقلها لكم واتمنى ان تنال اعجابكم
القصة :
كم قلت له أن نعود ، كم ألححت عليه ، بيد أنه أصر على أن نكمل رحلتنا وألا ندع القطة أن تفسدها علينا . قطة البيت التي نسي أن يُخرجها من غرفة النوم قبل أن يغلق الباب لننطلق في رحلتنا التي خصصنا لها عشرة أيام خارج البلاد .
كانت الساعة قد بلغت العاشرة ليلا عندما تذكّر أمر القطة ، وكان ثمة متسع من الوقت لنعود ونفك أسرها . قال بغتة والباص ينطلق بنا بسرعة فائقة من هذه المدينة النائية نحو العاصمة التي سننطلق من مطارها إلى خارج البلاد : أتعرف بأنني نسيت أن أُخرج قطة البيت من غرفة النوم ، أجل نسيت ، الآن تذكرت بأنها دخلت غرفة النوم عندما كنت أعد ثيابي في الحقيبة ، لمحت القطة تلحقني وتموء وكأنها علمت بسفري لتذكرني بأن علي أن أخرجها من البيت قبل أن أخرج وأغلق الأبواب عليها . قلت في نفسي وأنا أعد الثياب : أجل ، أجل سوف أضعها في بيت الجيران ريثما أعود ، لو لم ترني نفسها الآن لكنت نسيتها في البيت ، حسنا فـَعلـَتْ . ولكن هذا الذي حدث ، لقد نسيتها وخرجت مسرعا عندما طرقت أنت الباب ، لقد أقفلت حتى غرفة النوم التي لحقتني إليها . ليتها بقيت في المطبخ لأنها هناك كانت ستجد بعض الماء والطعام ، أجل هناك رز ، وبرغل ، ومعكرونة ، وبصل يابس ، وثوم ، وتوابل ، وبعض المياه المتبقية في الأحواض وأرضية الحمام يمكن لها أن تستخدم ذلك إذا ساءت بها الأحوال .
قلت : بدل أن تقول لي كل هذا يا راجح يمكن لنا أن نوقف الباص الآن وننتظر على الطريق أي باص عائد ، فيعيدنا إلى البيت ، نطلق سراح تلك المسكينة وننطلق من جديد في رحلتنا .. ما رأيك ؟
قال : يارجل ماذا تقول ، لقد حجزنا في الطائرة ورتبنا أمورنا على الموعد ، لم أصدق بأننا ابتعدنا قليلا عن المدينة التي أشعر بحاجة نفسية للابتعاد عنها لبضعة أيام ، ألا تدري أن فكرتك هذه ربما تستغرق يوما كاملا يمكن أن يؤخرنا عن موعد إقلاع الطائرة التي حجزنا فيها ، هذا إذا حُظينا بباص يقف في هذا الليل ليعيدنا إلى الكراج ، مضت ساعة واحدة على انطلاقنا وأمامنا نحو سبع ساعات حتى نصل العاصمة ، لاتنس بأننا حجزنا في هذا الباص منذ يومين ، وهل تظن بأننا سنرى باصا جاهزا إذا عدنا .
قلت : ما يهمني قبل هذا كله ياراجح هو أن ننقذ حياة تلك المسكينةالتي سوف تموت ببطء ونحن نفرح ونمرح في رحلتنا ، سوف تدفع ضريبة رفاهيتنا وانطلاقنا بالجوع والعطش والحبس .
قال راجح وهو يربت على كتفي بلطف : انس ياصديقي انس ، كم من أمور ليس لها دواء غير أن ننساها .
عشرة أيام ، أجل عشرة أيام سنمضيها في نزهات وسباحة ومتاع وأجواء جديدة في هذا الصيف بالغ الحرارة . منذ شهرين اتفقنا على هذه الرحلة الثنائية عندما شعرنا بضجر روتين الحياة والعمل وقلنا بأننا نحتاج إلى بعض التغيير ، وبالنسبة لي فأعتبر ذلك نوعا من العلاج لأنني في الأيام الماضية تعرضت لألم حاد في المعدة والأمعاء ونصحني الطبيب بأن أسافر بضعة أيام لأن علاقة المعدة هي علاقة مباشرة مع المزاج العام والحالة النفسية ، والراحة النفسية وهدوء الأعصاب يلعبان دورا أكثر فاعلية من أي دواء ، وقال بأنني لاأحتاج حتى إلى حمية إذا قررت السفر . وصدقت كلامه الذي بدا واثقا منه وترك في نفسي أثرا به ، وعلى إثر ذلك رتبت أموري ولم يخطر ببالي أن أشرك أحدا معي في هذا السفر ، لكن صديقي راجح عندما علم بذلك صدفة قال بأنه هو الآخر يشعر بحاجة للخروج من الروتين اليومي الممل الذي يرزخ تحته منذ ثلاث سنوات دون أن يخرج حتى من المدينة .
حجزنا في الطائرة من خلال مكتب الطيران الموجود في المدينة وأصبح الأمر واقعا . وهاهو الواقع يأخذ مساره ، فقد وصلنا العاصمة التي بدت لي أنني أراها أول مرة ، استرحنا في الفندق حتى موعد إقلاع الطائرة ، ثم اتجهنا إلى المطار لننطلق في رحلتنا . لكن رغم كل هذا الواقع الذي بدأ يبعدنا عن البيت والبلاد معا ما أزال أشعر بحالة من الإثم نحو تلك القطة المسكينة التي لابد أنها ستقضي جوعا وعطشا وربما اختناقا من شدة الحرارة في تلك الحجرة المغلقة ، والأمر الذي بدأ يسبب إزعاجا مباشرا لي ولراجح هو أننا كلما نتناول طعاما شهيا أو شرابا منعشا فإن صورة القطة ترتسم على المائدة وهي تموء وتذرف الدموع ، وكلما وقعت أنظارنا على قطة في مكان ما أو حتى في التلفاز فإن قطتنا تأتي بكل حضورها وتموء مواء كسيرا ذارفة دموع الألم والاختناق والجوع ، بل أحيانا وهي تلتهم الفراش جوعا ، وتخبط على الباب بكل بقايا الحياة لديها ، وتموء بصوت مرتفع ، تخربش على الحيطان في محاولة لإسماع مَنْ يمكن أن يسمعها ويأتي ليفك عنها الأسر .
مضت الأيام العشرة التي لم نشعر فيها بالانطلاقة الكاملة التي خططنا لها ، لأننا لم نستطع أن نتخلص من شبح القطة التي كانت تعيدنا إلى تلك الأجواء التي ابتعدنا عنها ، القطة التي حجزنا حريتها في تلك الحجرة المغلقة ، وأفسدت علينا حريتنا في هذه الفسحة الشاسعة .
وعدنا في اليوم الأخير ، ربما لا لنعود بقدر مانرى ما آلت إليه حال قطتنا ، وعندذاك كانت لدي رغبة غريبة بأن أذهب مع راجح إلى بيته قبل أن أتجه إلى بيتي لأرى القطة رغم أننا وصلنا في الثانية عشرة ليلا .
ولجنا البيت ، وعلى الفور اتجه راجح إلى غرفة النوم ماداً إليها المفتاح بسرعة فائقة ، ولا أدري مالذي بالضبط حدث غير صراخا هائلا لا يشبه المواء صدر من ذاك الحيوان الذي اندفع بكل قوة وشراسة إلى عنق راجح الذي لم يملك غير أن يسقط من طوله على الأرض ويقاوم بكل ما يملك من وسائل المقاومة ، انتابني الهلع وتجحظت عيناي من هول الصدمة وأنا أرى القطة تفترس عنق ووجه صديقي وهو يقاوم ويصرخ بدون أي جدوى ، والقطة تنهش من لحمه بتوحش لم أره في حيوان قط . صرختُ بأعلى صوتي في الجوار الذين دخلوا مذعورين ليروا ما يحدث دون أن يجسر أحد منا أن يدنو من ذاك المنظر المتوحش الذي يحدث أمامنا . أحد الجوار غاب قليلا وأحضر مسدسا ، بيد أن البعض منعه من إطلاق النار خشية أن يصيب العيار جسد راجح ، وأصبحنا على قناعة أن أي واحد منا لو خطا خطوة واحدة سوف يلقى مصير راجح من تلك القطة التي فقدت كل ذرة من ذرات الألفة وتحولت إلى حيوان متوحش ، ربما إلى أكثر حيوانات العالم توحشا ورعبا وشراسة .
ولم يبق أمامنا سوى أن نقوم بمحاولات بسيطة مثل رشها بالماء الغزير من بعيد ، وقذفها ببعض آثاث البيت ، بيد أن ذلك لم يمنعها من مواصلة الافتراس حتى فقد راجح كل حركة واستسلم لأنيابها ، وعندئذ وقفت القطة بأنيابها المدماة وهي تقف على صدره وتلعق لسانها بشفتيها وترمق وجهه الذي خرج عن إطار الوجه البشري بنظرات غريبة ، ثم ترفع رأسها وتصوب إلينا نظرات لم تشبه نظرات أي قطة أو أي حيوان رأيناه من قبل ، وهذا ما أبقانا في وجل من أمرنا نحوها ، فما الذي ستفعله بعد ذلك ونحن نتوجه إليها بنظراتنا المريبة والحذرة وسط صمت دموي خيم على المكان بعد كل ذاك الضجيج الهائل . لكنها نزلت من صدر الرجل المسجى على ظهره دون حراك ، لم تنط كما تفعل القطط ، بل مدّت خطوات هادئة وشديدة البطء بثقة بالغة ففسحنا لها المجال لتخرج ونحن في دهشة من أمرنا . قبل أن تخرج من باب البيت ، وقفت هنيهة التفتت فيها إلى الرجل ، رمقته بنظرة أخرى ثم خرجت ونحن ننظر إليها حتى توارت عن أنظارنا في قلب العتمة .
هرعنا إلى راجح الذي كان قد فقد أي حركة ، وأي نبضة ، حملناه إلى أقرب مشفى رغم معرفتنا بأننا نحمل جثة خرجت منها الحياة ، وهذا ما تأكدنا منه مجددا هناك .
مع بدء طلوع الضوء عدت إلى بيتي ، وعندما أخرجت المفتاح لأمده إلى فتح الباب انتابتني رهبة وأنا أتخيل بأنني ربما – دون علم – قد أغلقت الباب على قطة دخلت البيت خلسة .
اتصلت من عند الجوار بالنجدة التي أتت ، فدخل رجلان وقد تجهزا تماما لأي طارئ ، فتشا البيت غرفة غرفة وركنا ركنا وخرجا وهما يقولان لي : لاشيء من ذاك القبيل أستاذ ، يمكنك الدخول باطمئنان إلى منزلك .
النــهــايــــــــــــة