التصنيفات
قصص قصيرة

سينما 11 سبتمبر -قصة رائعة

على غير العادة؛ تأخرت هوليوود في تناول الأحداث الدراماتيكية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، رغم تبعاتها المختلفة وأثرها العميق الذي طال أنحاء المعمورة، لعله انتظار الخروج من الصدمة، أو الخجل مما بعد هزيمة الحلم الأمريكي، ولربما هو تحضير لما يناسب هذا الحدث الذي تفوق على خيال هوليوود.
ونحن العرب لم نكد ننسى يوم الأهوال بعد سنوات خمس لنجده مفروضا على أذهاننا من جديد، بعد أن استجمع عمالقة السينما شجاعتهم أخيرا ليقدموا للمرة الأولى معالجات سينمائية مباشرة للحدث.
وقد يُطرح استفهام عن جدوى الاهتمام المفاجئ بالقضية في هذا التوقيت الذي تتعرض فيه الإدارة الأمريكية لضغوط شديدة بسبب خسائر قواتها في العراق وأفغانستان وفشلها السياسي في إدارة الأوضاع بالبلدين، لكن بالمحصلة نجد أن هناك محاولة لإنعاش الذاكرة لإشعال نار الغضب من جديد ضد المسلمين ولتبرير ما يحدث ضدهم.
ومن ناحية أخرى نجد أن صعود نجم نظرية المؤامرة بكل أبعادها، يشكل ضغطا آخر يضع الحكومة الأمريكية في الزاوية خصوصا بعد أن اقتحم الناشطون عالم الفيديو، وصار الإعلام الشخصي إعلاما بديلا متزايدا، ولهذا كان لزاما تحريك هوليوود بإمكانياتها لتلعب دورها هذه المرة في التأثير على الرأي العام الأمريكي والعالمي؛ ليغفرا للإدارة الأمريكية سعارها العسكري ولمواجهة تأثير الناشطين المهتمين بالقضية على الجماهير، خصوصا بعد أن شهد العالم تطورا ملحوظا في أسلوب عملهم كمناهضين للحرب ورافضين لما يحدث.
الناشطون رغم أولوية هوليوود
أمريكا تتذكر يوم أن تغير العالم

يجد المتابع أن هوليوود جاءت على رأس أولويات الإدارة الأمريكية بعد وقوع الكارثة بأقل من شهر واحد، حيث كوّنت لجنة من 40 خبيرا فنيا لدراسة سبل توظيف صناعة السينما لدعم الحرب على الإرهاب.
ورغم استعداد الإدارة الأمريكية مبكرا لتطويع صناعة السينما من أجل خدمة أهدافها، فاجأ المخرج الأمريكي الشهير "مايكل مور" الجميع بضربته السياسية "فهرنهايت 9/11" الذي يعدّ أول تجربة هوليوودية تتعرض للهجمات.
ولكن على عكس ما تمناه البيت الأبيض تناول الفيلم الحدث من منظور مختلف ومضاد للرواية الرسمية، وأثار ضجة واسعة وواجه مخرجه لأجله العديد من المصاعب والعقبات المالية والإنتاجية حتى استطاع التوصل لاتفاق مع إحدى شركات التسويق السينمائي لتوزيعه. وفي فيلمه يربط "مور" بين العائلة الحاكمة السعودية وعائلة بن لادن وعائلة بوش على أنهم المستفيدون من وراء الهجمات.
وتوالى الناشطون إصدار العديد من الأفلام الوثائقية والتسجيلية المنتجة بمجهود وتمويل فردي، عرض أغلبها تفسيرات وسيناريوهات مخالفة للرواية الحكومية للهجمات، وكان من أبرزها فيلم Loose Change أكثر الأفلام تأثيرا وجدلا وفيلم 911 In Plane Site وكذلك فيلم 9/11Guilt: The Proof is in your hands.
Loose Change
يتعرض فيلم Loose Change أو الصفقة الرابحة الذي أخرجه الناشط الشاب ذو الاثنين وعشرين ربيعا "ديلان آفري" إلى الحوادث الثلاث التي روّعت الولايات المتحدة يوم الهجمات.
يبدأ الفيلم بسرد واقعة حدثت في ستينيات القرن الماضي حين وضعت خطة سرية أمريكية لضرب طائرات مدنية وتلفيق التهمة إلى قوات "فيدل كاسترو" لاتخاذها ذريعة للهجوم على كوبا، وهنا يحاول المخرج إسقاط الضوء على أصولية التآمر في الفكر السياسي الأمريكي رابطا بين تلك الخطة وتفسيره التآمري للهجمات.
ثم ينتقل "آفري" مباشرة إلى يوم الأحداث المريعة بادئا بحادث البنتاجون ومشككا في أن ما ارتطم بالمبنى آنذاك ليس تلك الطائرة الكبيرة التي أعلن عنها بل قذيفة صاروخية.
ويعرج الناشط بعد ذلك إلى انهيار أبراج مركز التجارة العالمي مستندا على دلائل وشهود تفيد أن سبب الانهيارات هو عمليات تفجير منظمة كتلك المستخدمة في هدم المباني الضخمة، ثم يصل قبل النهاية إلى حادث سقوط الطائرة في بنسلفانيا، رافضا ما أعلن آنذاك ومقدما أسانيده التي تفيد بأن الطائرة المزعوم سقوطها قد هبطت بأمان في مطار تابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
ويُختم الفيلم بخلاصة تربط بين صقور الحرب بالإدارة الأمريكية وفكرهم المنتمين إليه وجماعات المصالح المختلفة بالولايات المتحدة من كبار رجال المال والساسة من ناحية وبين الهجمات وتبعاتها من ناحية أخرى، كاشفا إجراءات ومعاملات مالية مشبوهة حدثت بهدوء في خلفية الأحداث بل وقبلها بأسابيع. يذكر أن الفيلم قد كلف مخرجه واثنين ممن عاونوه في البحث والتحضير ما لا يزيد عن ألفي دولار أمريكي في نسخته الأولى ارتفعت إلى 6 آلاف دولار في نسخته الثانية المحسنة تقنيا وفنيا.
وفي السياق ذاته تعاون المنتج "ديف فونكليست" والمخرج "ويليام وليس" لإنتاج فيلم 911 In Plane Site أو "الحادي عشر من سبتمبر على المكشوف"؛ ويركز الفيلم على واقعتي البنتاجون والأبراج مستندا إلى دلائل شبيهة بتلك التي عرضها "آفري" في فيلمه.
ومن الجدير ذكره أن "فونكليست" تولى أيضا إنتاج فيلمين آخرين يدوران حول نفس الموضوع؛ الأول 9/11Guilt: The Proof Is In Your Hands أو "خطيئة الحادي عشر من سبتمبر: الدليل بين يديك" يحلل فيه ثلاثة من الناشطين حادثة انهيار أبراج مركز التجارة العالمي مكذبين التقرير الحكومي، ومشيرين إلى المستفيدين الحقيقيين من وراء تلك الجريمة من وجهة نظرهم.
معركة استعادة السيطرة
بوستر فيلم Loose Change

توالى إصدار الناشطين للكتب وعقدهم للمحاضرات وكذلك صناعتهم للأفلام التسجيلية التي تشترك جميعها في تشمُم رائحة التضليل الحكومي بهجمات سبتمبر لدرجة حوّلت فكرة المؤامرة من مجرد احتمال إلى ملف ضخم يذكر بالموسوعات، وكان النتاج الطبيعي لجهودهم المفرطة أن بدأت نظرية المؤامرة في كسب المزيد من الآراء وبدأت المجتمعات الافتراضية المؤمنة بالقضية في الظهور بكثافة على شبكة الإنترنت.
وذلك فرض على الإدارة الأمريكية العمل على تحريك منظومتها الإعلامية بكل إمكانياتها للدفاع عن روايتها للأحداث ولاستعادة بعض التعاطف.
فبدأت العام الماضي معركة استعادة السيطرة على الرأي العام بإذاعة كمّ من الأفلام التسجيلية والروائية على شاشات المحطات الكبرى، تتناول في مجملها حادثة الرحلة رقم 93 لطائرة شركة يونايتد إيرلاينز التي أعلن عن سقوطها في أحد حقول ولاية بنسلفانيا.
وتمحورت دراما هذه الأفلام حول فكرة واحدة وهي بشاعة وقسوة خاطفي الطائرة العرب وبسالة الركاب الذين قاوموا محاولة الاختطاف بشجاعة؛ وهو ما أفضى في النهاية لسقوط الطائرة بهذا الشكل المفجع!.
ومن هذه الأفلام على سبيل الذكر فيلم The Flight That Fought Back أو "الطائرة التي قاومت" من إنتاج محطة ديسكفري للأفلام الوثائقية، وفيلم Flight 93 أو "الرحلة رقم 93" الذي حصد جائزة من لجنة "إيمي" للتحكيم الفني.
وكان من ضمن ما تم إعداده فيلم The Path To 9/11 أو "الطريق إلى 9/11"، ويستعرض الفيلم بشكل درامي جميع الهجمات والتهديدات الإرهابية ضد مركز التجارة العالمي بنيويورك منذ تفجير عام 1993 وحتى انهيار الأبراج في عام 2022.
الخروج عن الصمت
مشهد من فيلم The Flight That Fought Back

وفي توقيت موازٍ عادت للحياة مقترحات اللجنة المشكلة من سنين والمتعلقة بتوظيف هوليوود في الحرب على الإرهاب، ودارت كاميرات هوليوود لتكلل حملة الاستعطاف والاستعداء في الوقت ذاته بإصدار فيلمين للعرض على الشاشة الفضية عالميا في عام 2022 وهماUnited 93 أو "يونايتد 93" و World Trade Center أو "مركز التجارة العالمي"، أخرج الأول المخرج "بول ستيفينجراس" والثاني المخرج "أوليفرستون"، وقام ببطولته الممثل المعروف "نيكولاس كيدج" الذي يظهر في دور رجل الشرطة البطل الذي خاطر بحياته لإنقاذ العالقين بداخل أحد الأبراج قبل الانهيار.
وأحداث الفيلم الثاني مستمدة من قصة حقيقية لشرطي كان من بين العشرين شخصا الذين انتشلوا أحياء بعد الانهيارات.
المفاجأة في الأمر أن هذه الأفلام التي لم يبدأ إنتاجها إلا بعد الاستناد إلى استطلاعات رأي تقيس حماس الأمريكيين لمشاهدتها، ومع ذلك واجهت فشلا مدويا في دور العرض نتيجة لضعف الإقبال الجماهيري عليها رغم تمسح "ستيفينجراس" بعائلات الضحايا لدرجة إعلانه تخصيص جزء من الإيرادات لصالحهم، وهجوم "أوليفرستون" الدائم على الإدارة الأمريكية.
من سيكسب الرهان؟
لن يكون فيلم "أوليفرستون" الأخير من هوليوود وكذلك لن يتوقف الناشطون عن مواصلة كفاحهم، ولهذا من الطبيعي أن نتساءل: من كسب الرهان حتى الآن؟ هل استطاعت هوليوود فعلا الحد من المد الإعلامي الشعبي في الغرب أم نجح الناشطون في إيصال رسالتهم مبكرا وقلب موازين الأمور؟ سؤال يجيب عليه ردّ فعل الجمهور تجاه أفلام هوليوود التي تلعب على أوتار الشجن والحزن وتركز على التفاصيل الإنسانية للفجيعة دون تحديد دوافع من تسببوا فيها ودون التحقق من صحة الاتهامات المشهرة فيها.
الناس تبحث عمن يدلها إلى حقائق هذه الواقعة المريرة بدلا من أن يشاهدوها مصورة أمام أعينهم مرة أخرى، لم يعد الجمهور يريد أن يشاهد الفعل، بل تخطى ذلك إلى التساؤل عن الفاعل! وهذا يقودنا إلى التنقيب عن دور الشعوب "الضحية" والأكثر تضررا من الهجمات وتبعاتها؛ فماذا فعلنا نحن؟ هل سنكتفي بمتابعة المواجهة الضروس من بعيد كما سبق أن شاهدنا تلفيق التهمة لنا دون أن نحرك ساكنا أم سيكون لنا دور فاعل في الأمر؟.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.