إخواني: من أراد دوام العافية فليتق الله، ما أقبل مقبلٌ عليه إلا وجد كل خير لديه، ولا أعرض معرض عن طاعته إلا وتعثر في ثوب غفلته:
وَلا انثَنَى عَزمي عَن بابِكُم … إِلَّا تَعَثَّرَت بأَذيالي
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال ربكم عزَّ وجل: لو أنَّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أُسمعهم صوت الرعد)0
قال أبو سليمان الداراني: من صفا صفا له، ومن كدر كُدر عليه، ومن أحسن في ليله كفى في نهاره0
وقال الفضيل بن عياض: إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي0
فيا من من يريد دوام العيش على البقاء، دم على الإخلاص والنقاء، وإياك والمعاصي، فالعاصي في شقاء المعاصي، والمعاصي تذل الإنسان وتخرس اللسان، وتغير الحال المستقيم، وتحمل الاعوجاج مكان التقويم0
قال يحيى بن أبي كثير: لما أصاب داود الخطيئة نفرت الوحوش من حوله، إلهى رد على الوحوش كي أستأنس بها، فردها الله عليه، فأحطن به واصطففن إليه فرفع صوته بقرآنه الزبور، فنادته هيهات هيهات يا داود قد ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك، فكان يقول: بح صوتي في صفا أصوات الصديقين، وأصبحت كالبازي المنتف ريشه يرى حسران كلما طار طائرٌ:
وَقد كانَ دَهراً في الرِّيَاضُ مُنَعَّماً … عَلى كُلِ من يهوى مِن الصَّيدِ قادر
إِلى أَن أَصابتهُ مِن الدهر نَكبَةً … فأَصبحَ مَقصوصَ الجناحينِ حاسر
مَضى السابِقونَ الأَوَّلون لفورهم … وقصَّرت في أَمري وإِني لخاسر