التصنيفات
روايات طويلة

قصة جميلة جدا " الشاب الصالح والتفاحةرواية شيقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في القرن الأول الهجري كان هناك شاب تقي يطلب العلم ومتفرغ له ولكنه كان فقيراً، وفي يوم من الأيام خرج من بيته من شدة الجوع ولم يجد ما يأكله، فانتهى به الطريق إلى أحد البساتين المملوءة بأشجار التفاح
وكان هناك غصن شجرة متدلياً في الطريق، فحدثته نفسه أن يأكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ولن ينقص هذا البستان بسبب تفاحة واحدة… فقطف تفاحة واحدة وجلس يأكلها حتى ذهب جوعه ولما رجع إلى بيته بدأت نفسه تلومه وهذا هو حال المؤمن، دائماً يحاسب نفسه، فأنبه ضميره وقال في نفسه: أكلت هذه التفاحة وهي مال لمسلم ولم أستأذن منه ولم أستسمحه فذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب: يا عم بالأمس بلغ بي الجوع مبلغاً عظيماً وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وها أنا ذا اليوم أستأذنك فيها فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك بل أنا خصيمك يوم القيامة عند الله.

بدأ الشاب المؤمن يبكي ويطلب منه أن يسامحه وقال له: أنا مستعد لفعل أي أمر تطلبه مني بشرط أن تسامحني وتحللني، وبدأ يتوسل إلى صاحب البستان وصاحب البستان لا يزداد إلا إصراراً وذهب تاركاً الشاب، لكن الشاب أخذ يلحقه حتى دخل الرجل بيته وبقى الشاب عند البيت ينتظر خروجه إلى صلاة العصر، فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لا يزال واقفاً ودموعه التي تسيل على لحيته تزيد وجهه نوراً على نور الطاعة والعلم، فقال الشاب لصاحب البستان: يا عم إنني مستعد للعمل فلاحاً في هذا البستان من دون أجر باقي عمري أو أي أمر تريد ولكن بشرط أن تسامحني.

عندها.. أطرق صاحب البستان يفكر ثم قال يا بني إنني مستعد لمسامحتك الآن لكن بشرط، فرح الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال: اشرط ما بدا لك يا عم، فقال صاحب البستان: شرطي هو أن تتزوج ابنتي!!
صدم الشاب من هذا الجواب وذهل ولم يستوعب بعد هذا الشرط ثم أكمل صاحب البستان قوله: ولكن يا بني اعلم أن ابنتي عمياء وصماء وبكماء، وأيضاً مقعدة لا تمشي ومنذ زمن وأنا أبحث لها عن زوج أستأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها فإن وافقت عليها سامحتك.

صدم الشاب مرة أخرى بهذه المصيبة الثانية وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه الفتاة وهو ما زال في مقتبل العمر؟
وكيف تقوم بشؤونه وترعى بيته وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات ؟ بدأ يحسبها ويقول : أصبر عليها في الدنيا ولكن أنجو من ورطة التفاحة .

ثم توجه إلى صاحب البستان قال لهبا عم لقد قبلت ابنتك وأسال الله أن يجازيني على نيتي وأن يعوضني خيرا مما أصابني فقال صاحب البستان :

حسنا يا بني موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها .
فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى .. حزين الفؤاد.. منكسر الخاطر.. ليس كأي زوج ذاهب إلى حفل عرسه فلما طرق الباب فتح له والدها وأدخله البيت وبعد أن تجاذبا أطراف الحديث قال له : يا بني تفضل بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكم في خير وأخذ بيده وذهب به إلى الغرفة التي تجلس فيها ابنته فلما فتح الباب رأى فتاه بيضاء أجمل من القمر قد انساد شعرها كالحرير على كتفيها فقامت ومشت إليه فإذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه قائلة : السلام عليك يا زوجي أما صاحبنا فقد وقف في مكانه يتأملها وكأنه أمام حورية من حوريات الجنة نزلت إلى الأرض وهو ما يقصد ما يرى ولا يعلم
ما الذي حدث ؟

ولماذا قال والدها هذا الكلام ؟

فهمت الفتاه ما يدور في باله فذهبت إليه وصافحته وقبلت يديه وقالت إنني عمياء من النظر إلى الحرام وصماء من الاستماع إلى الحرام ولا تخطو قدماي خطوة إلى الحرام وإنني وحيدة أبي ومنذ سنوات عدة وأبي يبحث لي عن زوج صالح فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من أجلها فقال أبي : إن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له حري به أن يخاف الله في ابنتي فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لأبي بنسبك .. وبعد عام أنجبت هذه الفتاه من هذا الشاب غلاما كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة .. حفظ هو وإخوته السبعة القرآن عن ظهر قلب وصلى في ليلة شديدة البرد أمام الكعبة ركعتين بعد العشاء .. لم ينته منهما حتى أذن صلاة الفجر .. قرأ فيهما القران كاملا أتدرون من هو ذلك الغلام ؟
إنه هو الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور

و صلتني ع الإيميل

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

رواية عابر سبيل للكاتبة المتألقة احلام مستغنامي "الفصل الثامن" -رواية

الفصل الأول

كنا مساء اللهفة الأولى, عاشقين في ضيافة المطر, رتبت لهما المصادفة موعدا خارج المدن العربية للخوف.
نسينا لليلة أن نكون على حذر, ظنا منا أن باريس تمتهن حراسة العشاق.
إن حبا عاش تحت رحمة القتلة, لا بد أن يحتمي خلف أول متراس متاح للبهجة. أكنا إذن نتمرن رقصا على منصة السعادة, أثناء اعتقادنا أن الفرح فعل مقاومة؟ أم أن بعض الحزن من لوازم العشاق؟

في مساء الولع العائد مخضبا بالشجن. يصبح همك كيف تفكك لغم الحب بعد عامين من الغياب, وتعطل فتيله الموقوت, دون أن تتشظى بوحا.
بعنف معانقة بعد فراق, تود لو قلت "أحبك" كما لو تقول "ما زلت مريضا بك".
تريد أم تقول كلمات متعذرة اللفظ , كعواطف تترفع عن التعبير, كمرض عصي على التشخيص.
تود لو استطعت البكاء. لا لأنك في بيته, لا لأنكما معا, لا لأنها أخيرا جاءت, لا لأنك تعيس ولا لكونك سعيدا, بل لجمالية البكاء أمام شيء فاتن لن يتكرر كمصادفة.

التاسعة والربع ,وأعقاب سجائر.
وقبل سيجارة من ضحكتها الماطرة التي رطبت كبريت حزنك.
كنت ستسألها , كيف ثغرها في غيابك بلغ سن الرشد؟
وبعيد قبلة لم تقع, كنت ستستفسر: ماذا فعلت بشفتيها في غيبتك؟ من رأت عيناها؟ لمن تعرى صوتها؟ لمن قالت كلاما كان لك؟
هذه المرأة التي على ايقاع الدفوف القسنطينية, تطارحك الرقص كما لو كانت تطارحك البكاء. ماالذي يدوزن وقع أقدامها, لتحدث هذا الاضطراب الكوني من حولك؟
كل ذاك المطر. وأنت عند قدميها ترتل صلوات الاستسقاء. تشعر بانتماءك الى كل أنواع الغيوم. الى كل أحزاب البكاء, الى كل الدموع المنهطلة بسبب النساء.

هي هنا. وماذا تفعل بكل هذا الشجن؟ أنت الرجل الذي لا يبكي بل يدمع, لا يرقص بل يطرب, لا يغني بل يشجى.
أمام كل هذا الزخم العاطفي, لا ينتابك غير هاجس التفاصيل, متربصا دوما برواية.
تبحث عن الأمان في الكتابة؟ يا للغباء!
ألأنك هنا, لا وطن لك ولا بيت, قررت أن تصبح من نزلاء الرواية, ذاهبا الى الكتابة, كما يذهب آخرون الى الرقص, كما يذهب الكثيرون الى النساء, كما يذهب الأغبياء الى حتفهم؟
أتنازل الموت في كتاب؟ أم تحتمي من الموت بقلم؟

كنا في غرفة الجلوس متقابلين, على مرمى خدعة من المخدع. عاجزين على انتزاع فتيل قنبلة الغيرة تحت سرير صار لغيرنا.
لموعدنا هذا , كانت تلزمنا مناطق منزوعة الذكريات, مجردة من مؤامرة الأشياء علينا, بعيدة عن كمين الذاكرة. فلماذا جئت بها إلى هذا البيت بالذات, إذا كنت تخاف أن يتسرب الحزن إلى قدميها؟
ذلك أن بي شغفا إلى قدميها. وهذه حالة جديدة في الحب. فقبلها لم يحدث أن تعلقت بأقدام النساء.
هي ما تعودت أن تخلع الكعب العالي لضحكتها, لحظة تمشي على حزن رجل.
لكنها انحنت ببطء أنثوي, كما تنحني زنبقة برأسها, وبدون أن تخلع صمتها, خلعت ما علق بنعليها من دمي, وراحت تواصل الرقص حافية مني.
أكانت تعي وقع انحنائها الجميل على خساراتي, وغواية قدميها عندما تخلعان أو تنتعلان قلب رجل؟
شيء ما فيها, كان يذكرني بمشهد "ريتا هاورث" في ذلك الزمن الجميل للسينما, وهي تخلع قفازيها السوداوين الطويلين من الساتان, إصبعا إصبعا, بذلك البطء المتعمد, فتدوخ كل رجال العالم بدون أن تكون قد خلعت شيئا.
هل من هنا جاء شغف المبدعين بتفاصيل النساء؟ ولذا مات بوشكين في نزال غبي دفاعا عن شرف قدمي زوجة لم تكن تقرأه.

في حضرتها كان الحزن يبدو جميلا. وكنت لجماليته, أريد أن أحتفظ بتفاصيله متقدة في ذاكرتي, أمعن النظر إلى تلك الأنثى التي ترقص على أنغام الرغبة, كما على خوان المنتصرين, حافية من الرحمة بينما أتوسد خسارات عمري عند قدميها.

هي ذي , كما الحياة جاءت, مباغتة كل التوقعات, لكأنها تذهب الى كل حب حافية مبللة القدمين دوما, لكأنها خارجة لتوها من بركة الخطايا أو ذاهبة صوبها.
اشتقتها! كم اشتقتها, هذه المرأة التي لم أعد أعرف قرابتي بها, فأصبحت أنتسب الى قدميها.
هي ذي . وأنا خائف, إن أطلت النظر إلى العرق اللامع على عري ظهرها , أن يصعقني تيار الأنوثة.
هي أشهى, هكذا. كامرأة تمضي مولية ظهرها, تمنحك فرصة تصورها, تتركك مشتعلا بمسافة مستحيلها.

أنا الرجل الذي يحب مطاردة شذى عابرة سبيل, تمر دون أن تلتفت. تميتني امرأة تحتضنها أوهامي من الخلف. ولهذا اقتنيت لها هذا الفستان الأسود من الموسلين, بسبب شهقة الفتحة التي تعري ظهره, وتسمرني أمام مساحة يطل منها ضوء عتمتها.
أو ربما اقتنيته بسبب تلك الاهانة المستترة التي اشتممتها من جواب بائعة, لم تكن تصدق تماما أن بامكان عربي ذي مظهر لا تفوح منه رائحة النفط, أن ينتمي الى فحش عالم الاقتناء.

كنت أتجول مشيا قادما من الأوبرا, عندما قادتني قدماي الى "فوبور سانت أونوريه" . ما احتطت من شارع تقف على جانبيه سيارات فخمة في انتظار نساء محملات بأكياس فائقة التميز, ولا توجست من محلات لا تضع في واجهاتها سوى ثوب واحد أو ثوبين. لم أكن أعرف ذلك الحي , أصلا.
عرفت اسم الحي في مابعد, عندما أمدتني البائعة ببطاقة عليها العربون الذي دفعته لأحجز به ذلك الثوب.
بتلك الأنفة المشوبة بالجنون, بمنطق" النيف" الجزائري تشتري فستان سهرة يعادل ثمنه معاشك في الجزائر لعدة شهور, أنت الذي تضن على نفسك بالأقل. أفعلت ذلك رغبة منك في تبذير مال تلك الجائزة التي حصلت عليها, كما لتنجو من لعنة؟ أم لتثبت للحب أنك الأكثر سخاء منه؟
أن تشتري فستان سهرة لامرأة لم تعد تتوقع عودتها, ولا تعرف في غيابك ماذا فعل الزمن بقياساتها, أهي رشوة منك للقدر؟ أم معابثة منك للذاكرة؟ فأنت تدري أن هذا الفستان الذي بنيت عليه قصة من الموسلين لم يوجد يوما, ولكن الأسود يصلح ذريعة لكل شيء.
ولذا هو لون أساسي في كل خدعة.

أذكر يوم صادفتها في ذلك المقهى, منذ أكثر من سنتين, لم أجد سوى ذريعة من الموسلين لمبادرتها. سائلا ان كانت هي التي رأيتها مرة في حفل زفاف, مرتدية ثوبا طويلا من الموسلين الأسود.
ارتبكت. أظنها كانت ستقول"لا" ولكنها قالت "ربما" .
أحرجها أن تقول " نعم ".
في الواقع, لم نكن التقينا بعد. لكنني كنت أحب أن أختلق, مع امرأة , ذكريات ماض لم يكن. أحب كل ذاكرة لا منطق لها.
بدأنا منذ تلك اللحظة نفصل قصة على قياس ثوب لم يوجد يوما في خزانتها.
عندما استوقفني ذلك الفستان قبل شهرين في واجهة محل, شعرت أنني أعرفه. أحببت انسيابه العاطفي. لكأنه كان يطالب بجسدها أن يرتديه, أو كأنه حدث لها أن ارتدته في سهرة ما , ثم علقته على " الجسد المشجب" لامرأة أخرى , ريثما تعود.
عندما دخلت المحل , كنت مرتبكا كرجل ضائع بين ملابس النساء. فأجبت بأجوبة غبية عن الأسئلة البديهية لتلك البائعة المفرطة في الأناقة قدر فرطها في التشكك بنيتي.

Dans quelle taille voulez-vous cette robe Monsieur

?

كيف لي أن أعرف قياس امرأة ما سبرت جسدها يوما الا بشفاه اللهفة؟ امرأة أقيس اهتزازاتها بمعيار ريختر الشبقي. أعرف الطبقات السفلية لشهوتها. أعرف في أي عصر تراكمت حفريات رغباتها, وفي أي زمن جيولوجي استدار حزام زلازلها, وعلى أي عمق تكمن مياه أنوثتها الجوفية. أعرف كل هذا… ولم أعد , منذ سنتين ,أعرف قياس ثوبها!

لم تفاجأ البائعة كثيرا بأميتي, أو ألا يكون ثمن ذلك الثوب في حوزتي. فلم يكن في هيئتي ما يوحي بمعرفتي بشؤون النساء, ولا بقدرتي على دفع ذلك المبلغ.
غير أنها فوجئت بثقافتي عندما تعمدت أن أقول لها بأنني غير معني باسم مصمم هذا الفستان, بقدر ما يعنيني تواضعه أمام اللون الأسود, حتى لكأنه ترك لهذا اللون أن يوقع الثوب نيابة عنه, في مكمن الضوء, وأنني أشتري ضوء ظهر عار بثمن فستان!
قالت كمن يستدرك:
– أنت رجل ذواقة.
ولأنني لك أصدق مديحها, لاقتناعي أن الذوق لمثلها يرقى وينحط بفراغ وامتلاء محفظة نقود, قلت:
– هي ليست قضية ذوق, بل قضية ضوء. المهم ليس الشيء بل إسقاطات الضوء عليه. سالفادور دالي أحب Gala وقرر خطفها من زوجها الشاعر بول ايلوار لحظة رؤيته ظهرها العاري في البحر صيف 1949.

سألتني مندهشة لحديث لم يعودها عليه زبائن , شراء مثل هذا الثوب ليس حدثا في ميزانيتهم.
– هل أنت رسام؟
كدت أجيب " بل أنا عاشق" . لكنني قلت:
– لا … أنا مصور.
وكان يمكن أن أضيف أنني مصور " كبير" , مادمت موجودا في باريس لحصولي على جائزة أحسن صورة صحافية عامئذ. فلم يكن في تلك الصورة التي نلتها مناصفة مع الموت, ما يغري فضول امرأة مثلها. ولذا هي لن تفهم أن يكون هذا الثوب الأسود هو أحد الاستثمارات العاطفية التي أحببت أن أنفق عليها ما حصلت عليه من تلك المكافأة.
من قال إن الأقدار ستأتي بها حتى باريس, وإنني سأراه يرتديها؟

هاهي ترتديه . تتفتح داخله كوردة نارية. هي أشهى هكذا, وهي تراقص في حضوري رجلا غيري, هو الحاضر بيننا بكل تفاصيل الغياب.
لو رأى بورخيس تلك المرأة ترقص لنا معا, أنا وهو, لوجد " للزاندالي" قرابة بالرقص الأرجنتيني, كما التانغو, انه " فكر حزين يرقص" على إيقاع الغيرة لفض خلافات العشاق.
في لحظة ما , لم تعد امرأة . كانت الهة إغريقية ترقص حافية لحظة انخطاف.
بعد ذلك سأكتشف أنها كانت الهة تحب رائحة الشواء البشري, ترقص حول محرقة عشاق تعاف قرابينهم ولا تشتهي غيرهم قربانا.
لكأنها كانت قسنطينة, كلما تحرك شيء فيها , حدث اضطراب جيولوجي واهتزت الجسور من حولها, ولا يمكنها أن ترقص إلا على جثث رجالها.
هذه الفكرة لم تفارقني عندما حاولت فيما بعد فهم نزعاتها المجوسية.
ماالذي صنع من تلك المرأة روائية تواصل , في كتاب, مراقصة قتلاها؟ أتلك النار التي خسارة بعد أخرى, أشعلت قلمها بحرائق جسد عصي على الاطفاء؟
أم هي رغبتها في تحريض الريح, باضرام النار في مستودعات التاريخ التي سطا عليها رجال العصابات؟
في الواقع كنت أحب شجاعتها, عندما تنازل الطغاة وقطاع طرق التاريخ, ومجازفتها بتهريب ذلك الكم من البارود في كتاب. ولا أفهم جبنها في الحياة, عندما يتعلق الأمر بمواجهة زوج.
تماما, كما لا أجد تفسيرا لذكائها في رواية, وغبائها خارج الأدب, الى حد عدم قدرتها, وهي التي تبدو خبيرة في النفس البشرية, على التمييز بين من هو مستعد للموت من أجلها, ومن هو مستعد أن يبذل حياته من أجل قتلها. انه عماء المبدعين في سذاجة طفولتهم الأبدية.
ربما كان عذرها في كونها طفلة تلهو في كتاب. هي لا تأخذ نفسها مأخذ الأدب, ولا تأخذ الكتابة مأخذ الجد. وحدها النار تعنيها.
ولذا, قلت لها يوما: " لن أنتزع منك أعواد الثقاب, واصلي اللهو بالنار من أجل الحرائق القادمة".

ذلك أن الرواية لم تكن بالنسبة لها, سوى آخر طريق لتمرير الأفكار الخطرة تحت مسميات بريئة.
هي التي يحلو لها التحايل على الجمارك العربية, وعلى نقاط التفتيش, ماذا تراها تخبئ في حقائبها الثقيلة, وكتبها السميكة؟
أنيقة حقائبها. سوداء دائما. كثيرة الجيوب السرية, كرواية نسائية , مرتبة بنية تضليلية, كحقيبة امرأة تريد إقناعك أنها لا تخفي شيئا.
ولكنها سريعة الانفتاح كحقائب البؤساء من المغتربين.
أكل كاتب غريب يشي به قفل, غير محكم الإغلاق, لحقيبة أتعبها الترحال, لا يدري صاحبها متى, ولا في أي محطة من العمر, يتدفق محتواها أمام الغرباء, فيتدافعون لمساعدته على لملمة أشيائه المبعثرة أمامهم لمزيد من التلصص عليه؟ وغالبا ما يفاجأون بحاجاتهم مخبأة مع أشيائه.
الروائي سارق بامتياز. سارق محترم. لا يمكن لأحد أن يثبت أنه سطا على تفاصيل حياته أو على أحلامه السرية. من هنا فضولنا أمام كتاباته, كفضولنا أمام حقائب الغرباء المفتوحة على السجاد الكهربائي للأمتعة.

أذكر, يوم انفتحت حقيبة تلك المرأة أمامي لأول مرة , كنت يومها على سرير المرض في المستشفى, عندما خطر على بال عبد الحق, زميلي في الجريدة, أن يهديني ذلك الكتاب.. كتابها.
كنت أتماثل للشفاء من رصاصتين تلقيتهما في ذراعي اليسرى, وأنا أحاول التقاط صور للمتظاهرين أثناء أحداث أكتوبر 1988 .
كانت البلاد تشهد أول تظاهرة شعبية لها منذ الاستقلال, والغضب ينزل الى الشوارع لأول مرة, ومعه الرصاص والدمار والفوضى.
لم أعرف يومها , أتلقيت تينك الرصاصتين من أعلى أحد المباني الرسمية , عن قصد أم عن خطأ؟ أكان العسكر يظنون أنني أمسك سلاحا أصوبه نحوهم, أم كانوا يدرون أنني لا أمسك بغير آلة تصويري, عندما أطلقوا رصاصهم نحوي قصد اغتيال شاهد إثبات.
تماما, كما سوف لن أدري يوما: أعن قصد, أم عن مصادفة جاءني عبد الحق بذلك الكتاب.
أكان ذلك الكتاب هدية القدر؟ أم رصاصته الأخرى؟ أكان حدثا أم حادثا آخر في حياتي؟ ربما كان الاثنان معا.

ليس الحب, ولا الاعجاب, بل الذعر هو أول احساس فاجأني أمام ذلك الكتاب ." ليس الجمال سوى بداية ذعر يكاد لا يحتمل" . وكنت مذعورا أمام تلك الرؤى الفجائية الصاعقة, أمام ذلك الارتطام المدوي بالآخر.
أي شيء جميل هو في نهايته كارثة. وكيف لا أخشى حالة من الجمال.. كان يزمني عمر من البشاعة لبلوغها.
كنت أدخل مدار الحب والذعر معا, وأنا أفتح ذلك الكتاب. منذ الصفحة الأولى تبعثرت أشياء تلك المرأة على فراش مرضي.
كانت امرأة ترتب خزانتها في حضرتك. تفرغ حقيبتها وتعلق ثيابها أمامك, قطعة قطعة, وهي تستمع الى موسيقى تيودوراكيس, أو تدندن أغنية لديميس روسوس.
كيف تقاوم شهوة التلصص على امرأة, تبدو كأنها لا تشعر بوجودك في غرفتها , مشغولة عنك بترتيب ذاكرتها؟
وعندما تبدأ في السعال كي تنبهها الى وجودك, تدعوك الى الجلوس على ناصية سريرها, وتروح تقص عليك أسرارا ليست سوى أسرارك, واذ بك تكتشف أنها كانت تخرج من حقيبتها ثيابك, منامتك, وأدوات حلاقتك, وعطرك , وجواربك, وحتى الرصاصتين اللتين اخترقا ذراعك.
عندها تغلق الكتاب خوفا من قدر بطل أصبحت تشبهه حتى في عاهته. ويصبح همك, كيف التعرف على امرأة عشت معها أكبر مغامرة داخلية. كالبراكين البحرية, كل شيء حدث داخلك. وأنت تريد أن تراها فقط, لتسألها " كيف تسنى لها أن تملأ حقيبتها بك؟"

ثمة كتب عليك أن تقرأها قراءة حذرة.
أفي ذلك الكتاب اكتشفت مسدسها مخبأ بين ثنايا ثيابها النسائية, وجملها المواربة القصيرة؟
لكأنها كانت تكتب لتردي أحدا قتيلا, شخصا وحدها تعرفه. ولكن يحدث أن تطلق النار عليه فتصيبك. كانت تملك تلك القدرة النادرة على تدبير جريمة حبر بين جملتين, وعلى دفن قارئ أوجده فضوله في جنازة غيره. كل ذلك يحدث أثناء انشغالها بتنظيف سلاح الكلمات!
كنت أراها تكفن جثة حبيب في رواية, بذلك القدر من العناية, كما تلفلف الأم رضيعا بعد حمامه الأول.
عندما تقول امرأة عاقر: " في حياة الكاتب تتناسل الكتب", هي حتما تعني "تتناسل الجثث" وأنا كنت أريدها أن تحبل مني , أن أقيم في أحشائها, خشية أن أنتهي جثة في كتاب.
كنت مع كل نشوة أتصبب لغة صارخا بها: " احبلي .. إنها هنيهة الإخصاب"
وكانت شفتاي تلعقان لثما دمع العقم المنحدر على خديها مدرارا كأنه اعتذار.
أحاسيس لم أعرفها مع زوجتي التي كنت لسنوات أفرض عليها تناول حبوب منع الحمل, مهووسا بخوفي أن أغتال فتتكرر في طفلي مأساتي. فكرة أن أترك ابني يتيما كانت تعذبني, حتى انني في الفترة التي تلت اغتيال عبد الحق, كنت أستيقظ مذعورا كما على صوت بكاء رضيع.
مع حياة ,اكتشفت أن الأبوة فعل حب, وهي التي لم أحلم بالإنجاب من سواها. كان لي معها دوما "حمل كاذب".
لكن, إن كنا لا ننجب من "حمل كاذب" , فإننا نجهضه. بل كل إجهاض ليس سوى نتيجة حمل تم خارج رحم المنطق, وما خلقت الروايات إلا لحاجتنا الى مقبرة تنام فيها أحلامنا الموءودة.

إن كنت أجلس اليوم لأكتب , فلأنها ماتت.
بعدما قتلتها, عدت لأمثل تفاصيل الجريمة في كتاب.
كمصور يتردد في اختيار الزاوية التي يلتقط منها صورته, لا أدري من أي مدخل أكتب هذه القصة التي التقطت صورها من قرب, من الزوايا العريضة للحقيقة.
وبمنطق الصورة نفسها التي تلتقطها آلة التصوير معكوسة, ولا تعود الى وجهها الحقيقي الا بعدما يتم تظهيرها في مختبر, يلزمني تقبل فكرة أن كل شيء يولد مقلوبا, وان الناس الذين نراهم معكوسين, هم كذلك, لأننا التقينا بهم, قبل أن تتكفل الحياة بقلب حقيقتهم في مختبرها لتظهير البشر.
إنهم أفلام محروقة أتلفتها فاجعة الضوء, ولا جدوى من الاحتفاظ بهم. لقد ولدوا موتى.

ليس ثمة موتى غير أولئك الذين نواريهم في مقبرة الذاكرة. اذن يمكننا بالنسيان, أن نشيع موتا من شئنا من الأحياء, فنستيقظ ذات صباح ونقرر أنهم ما عادوا هنا.
بامكاننا أن نلفق لهم ميتة في كتاب, أن نخترع لهم وفاة داهمة بسكتة قلمية مباغتة كحادث
سير, مفجعة كحادثة غرق, ولا يعنينا ذكراهم لنبكيها, كما نبكي الموتى. نحتاج أن نتخلص من أشيائهم, من هداياهم, من رسائلهم, من تشابك ذاكرتنا بهم. نحتاج على وجه السرعة أن تلبس حدادهم بعض الوقت, ثم ننسى.

لتشفى من حالة عشقية, يلزمك رفاة حب, لاتمثالا لحبيب تواصل تلميعه بعد الفراق, مصرا على ذياك البريق الذي انخطفت به يوما. يلزمك قبر ورخام وشجاعة لدفن من كان أقرب الناس اليك.
أنت من يتأمل جثة حب في طور التعفن, لا تحتفظ بحب ميت في براد الذاكرة, أكتب , لمثل هذا خلقت الروايات.
أذكر تلك الأجوبة الطريفة لكتاب سئلوا لماذا يكتبون. أجاب أحدهم " ليجاور الأحياء الأموات" , وأجاب آخر " كي أسخر من المقابر" , ورد ثالث " كي أضرب موعدا" .
أين يمكنك, الا في كتاب, أن تضرب موعدا لامرأة سبق أن ابتكرت خديعة موتها, مصرا على إقحام جثتها في موكب الأحياء, برغم بؤس المعاشرة.
أليس في هذه المفارقة سخرية من المقابر التي تضم تحت رخامها , وتترك الأموات يمشون ويجيئون في شوارع حياتنا.

وكنت قرأت أن (الغوليين) سكان فرنسا الأوائل, كانوا يرمون الى النار الرسائل التي يريدون إرسالها الى موتاهم. وبمكاتيب محملة بسلاماتهم وأشواقهم وفجيعتهم.
وحدها النار, تصلح ساعي بريد. وحدها بامكانها انقاذ الحريق. أكل ذلك الرماد, الذي كان نارا, من أجل صنع كتاب جميل؟
حرائقك التي تنطفئ كلما تقدمت في الكتابة, لا بد أن تجمع رمادها صفحة صفحة, وترسله الى موتاك بالبريد المسجل, فلا توجد وسيلة أكثر ضمانا من كتاب.
تعلم اذن أن تقضي سنوات في انجاز حفنة من رماد الكلمات, لمتعة رمي كتاب الى البحر, أن تبعثر في البحر رماد من أحببت, غير مهتم بكون البحر لا يؤتمن على رسالة, تماما كما القارئ لا يؤتمن على كتاب.
فكتابة رواية تشبه وضع رسالة في زجاجة والقائها في البحر. وقد تقع في أيدي أصدقاء أو أعداء غير متوقعين. يقول غراهام غرين, ناسيا أن يضيف أنه في أغلب الظن ستصطدم بجثث كانت لعشاق لنا يقبعون في قعر محيط النسيان. بعد أن غرقوا مربوطين الى صخرة جبروتهم وأنانيتهم. ما كان لنا الا أن نشغل أيدينا بكتابة رواية, حتى لا تمتد الة حتف انقاذهم. بامكانهم بعد ذلك, أن يباهوا بأنهم المعنيون برفاة حب محنط في كتاب.
ام حبا نكتب عنه, هو حب لم يعد موجودا, وكتابا نوزع آلاف النسخ منه, ليس سوى رماد عشق ننثره في المكتبات.
الذين نحبهم, نهديهم مخطوطا لا كتابا, حريقا لا رمادا. نهديهم ما لا يساويهم عندنا بأحد.

بلزاك في أواخر عمره , وهو عائد من روسيا, بعد زواجه من السيدة هانكسا, المرأة الأرستقراطية التي تراسل معها ثماني عشرة سنة ومات بعد زواجه منها بستة أشهر, كان يقول لها والخيول تجر كهولته في عربة تمضي به من ثلوج روسيا الى باريس:
" في كل مدينة نتوقف فيها, سأشتري لك مصاغا أو ثوبا. وعندما سيتعذر علي ذلك, سأقص عليك أحدوثة لن أنشرها".
ولأنه أنفق ماله للوصول اليها, ولأن طريق الرجعة كان طويلا, قد يكون قص عليها قصصا كثيرة.
حتما, أجمل روايات بلزاك هي تلك التي لم يقرأها أحد, وابتكرها من أجل امرأة ما عادت موجودة هنا لتحكيها.

ربما لهذا, أكتب هذا الكتاب من أجل الشخص الوحيد الذي لم يعد بامكانه اليوم أن يقرأه, ذلك الذي ما بقي منه الا ساعة أنا معصمها, وقصة أنا قلمها.
ساعته التي لم أكن قد تنبهت لها يوما كانت له, والتي مذ أصبحت لي, كأني لم أعد أرى سواها. فمنه تعلمت أن أشلاء الأشياء أكثر ايلاما من جثث أصحابها.
هو الذي أجاد الحب , وكان عليه أن يتعلم كيف يجيد موته. قال " لا أحب مضاجعة الموت في سرير, فقد قصدت السرير دوما لمنازلة الحب, تمجيدا مني للحياة". لكنه مات على السرير اياه. وترك لي كغيره شبهة حب, وأشياء لا أدري ماذا أفعل بها.

ساعته أمامي على الطاولة التي أكتب عليها. وأنا منذ أيام منهمك في مقايضة عمري بها. أهديه عمرا افتراضيا. وقتا اضافيا يكفي لكتاية كتاب. تائها في تقاطع أقدارنا, لا أملك الا بوصلة صوته, لأفهم بأية مصادفة أوصلنا الحب معا الى تلك المرأة.
أستمع دون تعب الى حواراتنا المحفوظة الى الأبد في تلك الأشرطة, الى تهكمه الصامت بين الجمل, الى ذلك البياض الذي كان بيننا, حتى عندما كنا نلوذ بالكلام. صوته! يا اله الكائنات, كيف أخذته وتركت صوته؟ حتى لكأن شيئا منه لم يمت. ضحكته تلك!
كيف ترد عنك أذى القدر عندما تتزامن فاجعتان ؟ وهل تستطيع أن تقول انك شفيت من عشق تماما من دون أن تضحك, أو من دون أن تبكي!

ليس البكاء شأنا نسائيا.
لا بد للرجال أن يستعيدوا حقهم في البكاء, أو على الحزن إذن أن يستعيد حقه في التهكم.
وعليك أن تحسم خيارك: أتبكي بحرقة الرجولة, أم ككاتب كبير تكتب نصا بقدر كبير من الاستخفاف والسخرية! فالموت كما الحب أكثر عبثية من أن تأخذه مأخذ الجد.
لقد أصبح , لألفته وحميميته, غريب الأطوار. وحدث لفرط تواتره, أن أفقدك في فترات ما التسلسل الزمني لفجائعك, فأصبحت تستند الى روزنامته لتستدل على منعطفات عمرك, أو على حادث ما , معتمدا على التراتب الزمني لموت أصدقائك. وعليك الآن أن تردع نزعتك للحزن, كما لجمت مع العمر نزعتك الى الغضب,أن تكتسب عادة التهكم والضحك في زمن كنت تبكي فيه بسبب امرأة, أو بسبب قضية, أو خيانة صديق.
مرة أخرى,الموت يحوم حولك إيغالا بالفتك بك, كلؤم لغم لا ينفجر فيك, وإنما دوما بجوارك. يخطئك, ليصيبك حيث لا ترى, حين لا تتوقع. يلعب معك لعبة نيرون, الذي كان يضحك, ويقول انه كان يمزح كلما انقض على أحد أصحابه ليطعنه بخنجره فأخطأه.
اضحك يا رجل, فالموت يمازحك ما دام يخطئك كل مرة ليصيب غيرك!

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

آلحـــــآن آلسٍيِمـــفونـيِــــة آلــــهـآربهــ -رواية



آلسٍلآم عٍليِگم ورحمة آللهـ وبرگآتهـ

بسٍم آللهـ آلرحمن آلرحيِم

و آلصلآهـ عٍلے آشرف آلخلق وآلمرسٍليِن محمد صل آللهـ عٍليِهـ وسٍلم

آقدم آليِگم روآيِتيِ آلآولے آلتيِ أنشرهـآ

آلحـــــآن آلسٍيِمـــفونـيِــــة آلــــهـآربهــ

نوآتمنے من آللهـ أن تنآل آعٍجُآبگم
وآسٍأل آللهـ ألتوفيِق إلے آخر بآرت

سٍيِگون آلبآرتآت مرتيِن بآلآسٍبوعٍ آلجُمعٍهـ و
آلآثنيِن

إلے آشعٍآر آخر أن شآء آللهـ

وبآلنسٍبة لزٍوآر آلقسٍم وآلآعٍضآء آلذيِن يِأتوآ متأخريِن
سٍوف آگتب فيِ حآل زٍآدت صفحآت آلروآيِة
فيِ آلگلمآت آلدلآليِة
بآرت1فيِ صفحهـ̶̶ 1 وهاكذا

آلحـــــآن آلسٍيِمـــفونـيِــــة آلــــهـآربهــ
:rose::rose:



بسٍم آللهـ آلرحمن آلرحيِم

آلحـــــآن آلسٍٍيِِمـــفونـيِِــــة آلــــهــآربهـــ

ملآحظُهـ/ عٍلآمة#يِليِهـآ آسٍم تعٍنيِ آن مثلآ آيِفآن تحگيِ آلآن

#آيِفآن


ِ



آليِوم عٍطٌلة يِجُب آن نسٍتمتعٍ بهـآ
قلت ذآلگ لصديِقتيِ آيِليِتآ وآنآ آرجُ زٍجُآجُة آلعٍصيِر ونحن نسٍيِر متجُوليِن بآلسٍگن آلطٌلآبيِ
گآنت هـذهـ عٍطٌلة نهـآيِة آلآسٍبوعٍ

قآلت آيِليِتآ:لآ آعٍلم آظُن بأننيِ سٍوف آذهـب إلے
منزٍليِ لقضآئهـآ سٍتزٍورنآ خآلتيِ

قلت بعٍد آن شربت جُرعٍة من عٍصيِر آلبرتقآل:حسٍنآ آسٍتمتعٍيِ

لم تعٍلق عٍلے مآقلتهـ

سٍمعٍت:روزٍ تنآديِهـآ تلگ آلفتآة ذآت آلشعٍر آلآسٍود آلطٌويِل من بعٍيِد بصوت عٍآل:آليِيِيِيِيِيِيِيِيِتآ

آسٍتأذنت آنيِ سٍأذهـب وبعٍض لحظُآت گنت قد آبتعٍدت عٍن هـنآگ

وضعٍت يِديِ فيِ جُيِبيِ
وآنآ آسٍيِر بهـدوء فيِ ممرآت آلسٍگن آلنظُيِفة

جُلسٍت عٍلے آحدے آلگرآسٍيِ بجُآنب طٌآولهـ
بهـذآ آلوقت آغلب آلطٌلآب بغرفهـم فآلسٍآعٍهـ لم تتعدى 11ونص صبآحآ

رأيِت آبن آلمديِر ويِدعٍے "مآرگ" يِسٍيِر وفيِ يِدهـ آورآق هـذآ آوهـ نسٍيِت آن آقول آنهـ آخ روزٍ فگلآهـم آبن للمديِر

گآن مآرگ يِشبهـ آختهـ شگلآ فشعٍرهـ آسٍود گأختهـ وعٍيِنآهـ رمآديِتآن تشبهـ آلبنفسٍجُيِ مثلهـآ
آلآ آن آختهـ آجُتمآعٍيِة آگثر منهـ گثيِرآ

فهـيِ لطٌيِفهـ نوعٍآ مآ وآجُتمآعٍيِة لآگنهـ خلآف ذآلگ لآگنهـم يِتشآبهـآن شگلآ فگل منهـمآ جُميِل
آنهـ آگبر منهـآ فهـيِ فيِ نفسٍ صفنآ آلدرآسٍيِ آلصف آلثآنيِ ثآنويِ
آمآ هـو فيِدرسٍ بآلجُآمعٍهـ حسٍب مآ آعٍلم عٍنهـ

نظُرت آلے سٍآعٍتيِ مرآرآ ثم قررت آن آذهـب إلے غرفتيِ



#شخصيِة سٍتتعٍرفونهـآ لآحقآ ِ


نزٍلت من سٍيِآرتيِ آلفضيِة متجُهـآ إلے بيِتيِ
دخلت مآ آن فتحت آلبآب حتے شعٍرت بآلرآحهـ من حيِن رأيِت آميِ بوجُهـهـآ آلبشوش وهـيِ تعٍد آلغدآء آلقيِت آلتحيِة فبآدلتنيِ آيِآهـآ وقآلت:آخبرنيِ آبيِگ آنهـ يِرغب بأن تذهـب لهـ بآلشرگهـ

آجُبتهـآ وآنآ آسٍحب گرسٍيِ لآجُلسٍ عٍليِهـ:عٍلمت ذآلگ لذآ ذهـبت لهـ عٍدت منهـ توآ
لآن مسٍآء آليِوم لديِ موعٍد هـآم عٍليِ آلذهـآب لهـ

قآلت ليِ وهـيِ تضعٍ آلآطٌبآق عٍلے آلطٌآولهـ آلتيِ تتوسٍطٌ آلمطٌبخ:موعٍد مهـم؟؟!! مآهـو

گنت آفگ ربطٌة عٍنقيِ فقلت:آنآ آحب آلمبآلغهـ ليِسٍ بهـذهـ آلآهـميِة سٍأخبرگ عٍنهـ

ِ


#آيِفآن ِ


گنت قد خرجُت من آلحمآم بعٍد آن آخذت دشآ
وقد بدلت ثيِآبيِ فأرتديِت شورت جُيِنزٍ وبلوزٍهـ بيِضآء وآسٍعٍهـ
تلفت فيِ آلغرفهـ فگآنت آيِليِتآ لم تأت عٍلے مآيِبدو ليِ
وضعٍت آلمنشفهـ عٍلے آلگرسٍيِ بأهـمآل حيِن

رآيِت ظُرفآ عٍلے آلسٍريِر
آمسٍگت بهـ وآنآ آتفحصهـ جُيِدآ فلم آجُد بهـ گتآبهـ

آنتهــــے آلـــبآرت


اتمنى ان البارت الاول عجبكم

1وش رايكم بالبارت؟؟

2تتوقعوا الرواية حلوه؟؟

3هل عجبتكم شخصيات مع انهم ماظهروا؟؟

4ايش تتوقعوا بالظرف الي لقته ايفان؟؟

5مين الشخصية المجهوله؟؟

اذا عجبتكم الرواية لاتبخلوا بالتقييم

تنويه/بما اننا برمضان وقيام الليل اغلبنا نقومه
فأذا فلا تإخروه عشان الرواية

انتظر مشاركاتكم

إلى نلتقي مجددآ في صفحات روايتي

في حفظ الله ورعايته:7b::7b:

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

نحن فقط غربــاء …



أتيت اليوم بقصة مختلفة تمــامًا عن القصص التي كتبتها أنامل المبدعين
أتيت بفكرة تهمّ المجتمع وصغتها بطريقة طريفة وجميلة بأمل حبها منكم
كلمــاتي لن تؤثر الآن بكم ، وهذا مؤكد …
كل ما أريد هو فرصة كي أطلق العنان لكلماتي المكبوتة لهذه القصة التي عشقتهــا
القصة تحمل بطياتهــا " الألم ، والضحكــات ، الحب ، الأحلام ، العائلة "
شملت جميع الأصناف في هذه القصة فهي أقرب للواقع .
.

**

رزان فتاة قد تخرجت حديثًا من الجامعة بـ تخصص لم تحبذه يومًا ، وأخذت تبحث عن فرص عمل تصقل مهاراتها وتجد رزقها فيه …

وسيم فتًا قد تخرج من الجامعة بـ تخصص فيزيـــاء ، وحصل على عمل بمجرد تخرجه وحياته لم تصبح كالعادة منذ ذلك الحين …

ولكن عقدة صغيرة تثير حمــاس حياتهمــا ، كلاهم لا يطيق ما آل الأمر بهم في المستقبل
فحياتهم ليست كمــا تصورها أو حتى قريبة من تصورهم ، حياتهم " كابوس " يعاد كل يوم !

ولكن الحياة التي حلموا بها يومًــا ، قد بدأت بتحقق منذ أن اجتمع عالم كليهمــا " معًا "

لي عودة مع الجزء الأول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

نظرهه .. خلقت لقلبيء حيآهه جَديدهه -رواية شيقة

.
.
.
الأحد –
الساعه 7:45 صبآحاً –
بعصبيه قدام الباب : يلأأأ اخرتينا ي قلبي !!
صرخت من فوق : بابا روح انا باقيلي
: انتي باليوم اللي فيه اجتماع تختارين تجين معاي الصبح ؟
: بابا عااااادي يلآ روح قبل تتأخر
إبتسم : طيب ..

…………

بمكآن ثآني ..
قام من سريره بقوووة و بخوف : ياااااااااوووويلي تأخرت و الإجتماع اليوم !!!!!
امه : من قبل شوي أصحيك ولنت يمي
: طيب يُمه تكفين كوب شاي بما اني البس البدله !
لبس و طلع و قآبل اخته اللي تناظره بنص عين : من متى تتكشخ xD
: كلي تبن بعيش الجو !!!
باست خده : بالتوفيق
ناظرها و بشك : شتبين ؟
ضحكت : هههههههههههههههههه آبي من مآك ع الغداء
إبتسم : طيب
رش من عطره و آخذ كوب الشآي و ركب سيآرته ..

………………….

وصلتئ الشركَه و طبعاً دايم تجي الشركه ع العصر تاخذ لفه و ترجع
اليوم قررت تجي من الصبح و كأنها مدآومه لآن من تخلص الجامعه بتجي عند بآبتها !
إبتسمت بدآخلها و هي تشوف الروتين الدآئم في إن كل الموظفين يتميلحوا عندها :/ !!!
و بقلبها [ آكيد بنت المُدير لو يتزوجوني بيجنون أموال !!! ]
شآفت قاعه الاجتماعات فآضيه .
دخلت كان واحد قاعد و عليه بدله رسميهَ
أول مره تشوفه ! لا هو مجسم زي البآقين ! ولا هو متين زي المدراء !
والأهم لما شآفها مَ أهتم زي البآقينء !
و مآمرت ثواني إلا قام إبتسم لها و رآح
مَ تدري ليه حست بشعور غريب و بقت عيونها متعلقه بمكآنه !
يمكن لأنه مَ أهتم عكس البآقين و يمكن إعجاب !
قطع عليها دخول أبوها و هو يهلّي : هلا والله ببنيتي أبرار
أبرار إبتسمت : هلا بابا
دخل أخوها الكبير : العلّه هينا -.-
ابرار : مَ العلّه إلا انت
بدلع : بابا شششششوووفه
ابوها : طلال إلا ابرار عاد !
طلال : طيب آسفين
مشى و مر من عندها رفسها و انحاش
ابرار : آآآآآآحححح كككسرتني =(
ابو طلال : ههههههه مَ كنه بعمر الثلاثين
أبرار : مدري كيف زوجته متحملته -.-"
ابو طلال : هههههههههههههههههه المهم تبينّ قهوه ؟
أبرار : إيوا
ابو طلال : تعالي اطلبها لك
ابرار : لا انا بروح عشان استكشف وين المطبخ :d
ابو طلال : براحتك
رآحت ابرار و صآرت تمشي بالشركة و من غرفه إلى غرفه .
إلين طآحت باللي كآن شاغل بآلها
كآنقآعد ع كرسي بالممر و بيده كوب قهوه ! و كأنه يفكر و لا إنتبه لها
تقدمت و في بآلها تكلمه
و بس نآظرها بإستغراب حست لسآنها إنربط ,
دآيم لسآنها أطول منها ! قدامه مَ قدرت تتكلم .
نظرآته مَ كانت ابداً نظرات واحد مهتم لها :/ !
إبتسمت : آخبارك ؟
بإستغراب وهو يأشر بإصبعه على نفسه : أخباري ؟
ابرار بإستغراب : مو تشتغل هينا ؟
: آيوا
ابرار : انا بنت المُدير و مَ يصير مَ أسال عن اخباركم :$
عقد حوآجبه : تمام
أبرار : يصير اعرف اسمك ؟
إبتسم : عليء
أبرار : أبرار =)
علي مَ كان مرتاح إنه يكلمها : تشرفنا
و من شاف احد وراها : يلا انا رايح
رآح عنها هي التفتت وراها و شآفت [ سامي ]
تعكر مزاجها بس شآفته !!
قرب منها و بإبتسامه : هلا والله برور
ابرار : أبرار لو سمحت وهلا فيك
سامي : آخبارك ؟
ابرار : الحمدلله
سامي : منوره الشركه بوجودك !
ابرار : تسلم =)
صرفته و رحتء عنه
احم هذا ابوه شآري 30% من أسهم الشركه و طبعاً ابوي مخليه ع الرآس عشان يشريهن منه :/
و انا الضحيه بإني اتزوج ولده =( عشآن نصير نسايب =")
بعد مَ رحت عن العلّه سامي صرت ادور علي !
أول مره بحيآتي اهتم بأحد و ادور عليه !
شصآرلك ي أبرار ؟
إبتسمت لما تذكرت إنه يشتغل هينا , و صآر خيآل إنه يتقدم لي يمر قدآمي
ضحكت وانا اتخيل
رجعت للوآقع أأبراروووه شنو هالخيآل ؟!!!!
الحمدلله و الشكر
صرت امشي و أضحك على خيآليء كآني مو صاحيه :/ !

………….

الساعه 2 الظهر ..
الكل رجع لبيته عشان فترة الغداء و يرجعون للشركه ..
علي دخل البيتء و جاته ريحة غداء أمه : آآآخخخ ي الرييييييحه
ام علي : تعآل اللحين بتجيبه ريماس !
ريمآس جات و حطت الغداء على السفره : حيآكُم
طلع الجآكيتء و شمر عن يديه
.
.
.
ببيت ثآنيء ..
جآت هي و أبوها و لاقوا كل شي مجهز على الطآوله!
ام طلال : وين طلال ؟
طلال دخل : كاني
ابو طلال جلس على الكرسي : اقعدوا كلوا ثم غيروا ملابسكم
طلال : انت بترجع للشركه ؟
ابو طلال : إن شاءالله
ابرار : انا كمان برجع معآك
ابو طلال عقد حواجبه : ليه ؟
ابرار : بابا احنا بإجازه لازم استغلها بشي ينفعني
ابو طلال بإستغراب : انتي بالعلّه تجين العصر و اللحين يوم كامل ؟
ابرار : باباااا انا ودي آروح
ابو طلال فرح بقلبه : اااووكك
ابرار إبتسمت و بخيآلها ملامحه ..

………….

مـرت الايام و أبرار يومياً تداوم مع ابوها كأنها موظفه
فرح ابو طلال لتغيرها بس ليته يدري ليه :/
اليوم الجمعه إجازه الكُل ..
أبرار تكلم بنت خآلتها سلطانه : سلطووونه والله أخذ عقلي =(
سلطانه : أبوك لو يعرف !
ابرار : هو يشتغل عند أبوي ووظيفته ماشاءالله زينه و أكيد بس يعرف ابوي انه معجبني بيضبط معه ;d
سلطانه : ييييمه ممنننككك !
كملت : مدلعه لانك وحيده مو انا ورآي ثلاثين بنت
ابرار : ههههههههههههههههههههه حرام عليك كلهم 4 xD
سلطانه : م قصرتي آربعه و كل مشاغلهن عليّ امي بس تولدهن كذا !
ابرار : هههههههههههههههههههههههههههههه
سلطانه : ابرار من صدقك حبيتيه وإنتي مَ كلمتيه ؟
ابرار : إلا يومياً اسلم عليه آقابله بالصدفه :$
كملت : بس تدرين لازم ادور مكتبه :$
سلطانه : اول مره اشوف حب كذا
ابرار : سلطانه
سلطانه : ها
ابرار : آحسسسه صار دنيتيء !
سلطانه : الله يهنيك بدنيتك
آبرار : آممممين يآربء ..
مر اليوم و آبرار مآخذ عقلها هالعلي !

…………..

الآحد
السآعه 10:34
كنت آمشي بسرعه ورآه !
بشوف مكتبه وينه ؟! , أختفى فجأه و طلع قدآمي المعفن سامي !!!!
سامي : هلا والله ابرار
ابرار : اهلاً
سامي : اشوفك مستعجله وين رايحه ؟
أبرار : ااءءء بسسرعه بروح ارجع لك
سامي : طيب ! :/
رآحت ابرار بسرعه ورى عليء
مَ لقته ! صآرت تمشي بالممرآت إلين سمعت صوتينء
كآن [ المطبخ !!! ]
تقدمتء شآفت علي وواحد جنبه !
كان علي جالس على كرسي و خويّه يسوي شآيء
علي : أصلاً ذا انت ي إحمدء !
احمد : و ذا انا ؟ انت اللي تضحكني بسالفتك
علي : قسم بالله تعاملها معايء غير
احمد ناظره و بهدوء : حب يعني ؟
علي فطس ضحك : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههه وش حبه ؟؟!!!!
احمد : لا تضضضحك ابراروه مَ تعطي أحد وجه وإنت لابد إنهَا تسلمء عليك :/ !
علي بسخريه : يَ عمي دحدر من بيحب قهوجي ..!
قهــــــــــــوجي .. قهــــــــــــوجي ..
كلمة ترددت ببآل أبرار و عيونه شوي و تطلع من عيونها من الصدمه !
قهوجي =( !

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

قليلا من الشاى ~ كثيرا من الكعك رواية

رواية

قليلاً من الشاي كثيراً من الكعك

… تماماً كالأيام الخالية

تأليف : أدهم محمد

الفصل الاول

هاا قد اقتربت نعم انه هو.. وياله من مكان
يكفى ان اراه دون حتى ان ادخله
يكفى ان انظر الى تلك اليافطة المعلقة فوق المكان واقرأ ما فيها .. كلمةً واحدة
كلمةً ترجعنى اكثرُ من 60 عام . . .
الذكريات الاصدقاء النساء الباشاوات الفنانين الادباء السياسيين
كل من له اسماً وصوتاً وعلماً وادباً فى المجتمع كان يأتي لهذا المكان
هذا المكان الذى لى فيه ذكريات كثيرة منها الجميل والمضحك والحزين
منها الانكسار والالم ومنها ايضا الحب

انه … جروبى
اول من ادخل الآيس كريم فى مصر
والبتي سويس والمارون غلاسيه والكريم شانتى وبول دى شكولاه وانواع من الشكولاتة لن تجدها الا فى مكانين هنا وفي أوروبا
واشياءً كثيرة لن تعرفها او تراها ولا تذوقها الا فى جروبى

جروبى الذى اذا اعتدت على ان تفطر على طريقتة فقد تظل دائما اسير هذا المكان لكى تأتى اليه وتتناول افطارك فيه
مممم كم اشتقت الى الكرواسان الطازج الذى تبدأ به صباحك
اليوم الذى يمرعليك دون ان تأتى اليه وتتناول افطارك فقد لا تفطر فى هذا اليوم
هذا المكان قد تجلس فيه ويكون بجوارك ام كلثوم تتناول افطارها
فقد كان كثيراً من الفنانين من زوار وزبائن جروبى فيما مضى
كل من تسمع عنهم تراهم هنا فى جروبى
حتى انى كنت اعلم ان احد المشاهير كان يأتى الى جروبى
وهو لا يريد ان يأتى ولكنه يأتى فقط ليكون من زبائن جروبى
نعم فقد اتى زماناً على جروبى كان من افضل مقاهى العالم . . .

انى أتذكر جيدا اول مرة اتيت فيها الى جروبى عندما كنت فى السنة الاولى فى كلية الطب فى اربيعينات القرن الماضى اتيت مع زميلاً لى
كان اسمه خالد ولقد ظل طوال الطريق يحكى لى عن المكان وعن الحفلات التى
تقام فى حديقتة الخلفية والعروض السينمائية وزبائنه الذين كانوا من الوزراء والادباء والاغنياء والسياسين والاجانب
يحكى فقط وانا استمع فقط ونترك العنان لخيلنا ليصف ويصور مالم نره من قبل
يحكى بما سمع فأنه لم يذهب الى جروبى الا مرة واحدة حتى وصلنا الى جروبى

ورغم كبر المبلغ الذى كان معنا والذى ظللنا ندخره من مصروفنا الخاص لأكثر من شهرين غير اننا كنا خائيفين ان لا نستطيع ان ندفع الحساب فقد قال خالد لى انه لم ياتى هاهنا الا مرة واحدة مع احد اصدقائه من ابناء الباشاوات الذى دعاه لتناول الغداء معه فى جروبى فذهب معه لذا فهو لم يكن يعرف المكان جيدا ولا كما سيكفل اذا تناولنا قطعة جاتوه وفنجان من الشاى

ولكن كان من المهم ان خالد قد أتى الى جروبى حتى ولو مرة واحدة فنحن ابناء الطبقة الوسطى البسيطة كنا لا نجرؤ على دخول جروبى ولا يحق لنا فهو من الاماكن التى كنا لا نستطيع الدخول فيه مثل محلات كليماتيانوس و شيكوريل فتلك كانت اماكن مقصورة على الطبقة العليا كالباشوات والبهوات وابنائهم … نعم كان ذلك قبل ثورة يوليو 1952
فقبل الثورة كان هناك تفاوت كبير بين الطبقات

لذا فقد قرر خالد ان يستخدم اسم صديقه ابن الباشا حتى نستطيع الدخول دون خوف من شىء .. ما كنا نمتلكه هو ثلاثة جنيهات ورغم ان الثلاثة جنيهات فى تلك الفترة كانت مبلغا كبيرا ولكننا كنا خائفين
ذهبنا ولبسنا افخم ماعندنا من ملابس وبالتحديد فقد استعار خالد بدلة من احد اصدقاءه الاغنياء اما انا فلبست بدلة كنت لا البسها الا فى المناسبات

وعند دخولنا كنا كتائهين نعم تماما كأننا من كوكب اخر لم ننتظر ان يستقبلنا احد العاملين فى المحل او حتى ننظر فى المكان لكى نراه جيداً ولكننا اخذنا نبحث عن طاوله اى طاوله لكى نجلس عليها او بالمعنى الصحيح نخفى انفسنا فيها فقد كنا فى ارتباك شديد وكأننا دخلنا دون ان يأذن لنا انه لامر مضحك حقا كنا نشعر بالخجل الشديد كطفل كسر شىء ما ويبحث عن مكان يختبىء فيه

وظللنا نبحث عن مكان لنجلس فيه ولم تجد اعيننا الحائرة شىء
حتى قال لى خالد وهو يضع يده فى جيبه :
افتكر انى النهارده يوم بيكون الزبائن كتيرة
فقلت له فى تهكم واضح:
اظن يامسيو خالد انى انت اللى اخترت اليوم
اه طبعا بس ياريت تكون تفتكر ان حضرتك اللى اخترت الميعاد
لقد كان موقف جميل ومضحك ظللنا نتجادل فى من هو السبب فى اننا لم نجد مكان لنجلس فيه حتى قال لنا احد العاملين هو يشير بيده :
اتفضلو يابهوات استريحو
كان يشير الى طربيزه كانت خلفنا…خلفنا ونحن نتجادل من صاحب المشكلة وهى خلفنا
وقبل ان نجلس سأل خالد عن صاحبه وقال فى تكبر
حسين بيه ابن ماهر باشا جيه النهارده
فرد الخادم
لاء بيه ماشرفناش النهارده
ثم جلسنا ونحن نشعر بالخجل الشديد .. ثم اتى لنا العامل ونحن فى سرحان فيما نره ان تره النساء كما تراها فى السينما ان ترى الباشاوات كما فى الصحف كان منظر غريبا علينا… ان تشعر انك بين النجوم دون ان تحلق فى السماء وقال فى ادب شديد:
تطلبوا حاجه يابهوات
وهنا وبالتحديد كانت المشكلة والشىء المضحك لقد نسى خالد ماكنا نريده فقد اتفقنا مسبقا على اننا سوف نشرب الشاى ونأكل الكثيير من قطع الجاتوه الى جانب وهنا ضع الف خط الآيس كريم
ولن يفرق معنا ان نكون كالاطفال ونحن نتناوله فى نهم شديد ولو كلفنا ذلك ان نغسل صحون مطعم جروبى

فقد كنا نسمع عن آيس كريم جروبى ولم نأكله من قبل … آيس كريم جروبى الذى كان عماله يحملونة على الدراجات ويذهبون به امام المدارس الراقيه ليبيعونه لتلاميذ تلك المدارس.. قد تشعر عندم اقول ذلك ان جروبى كان يبحث عن الزبائن بالعكس ان فى نفس الوقت الذى كان هذا التلميذ يشتري فيه الآيس كريم من احد عمال جروبى فى الشارع
كانوا باشاوات البلد ووزرائهم واعلى طبقة فى المجتمع يأتون الى جروبى ليتناول حلويات بتي سويس او الشكولا او الشاى او اى شىء يقدمه لهم جروبى
بل وحتى الملك فاروق وأسرته نالو ايضاً نصيبهم من عالم جروبى… ايضا لقد كان جاتوه جروبى لشىء اخر بل كل ماكان يصنعة جروبى كان شىء اخر

وظل يتهته خالد ولا يعلم مايقول و لم استطيع ان اساعده ولو بكلمة واحدة فقد كنت مثله تمام … واخير نطق خالد ولكنه قال شىء لم يفهمه الخادم فقد قال جملة ظلت معنا ومعى انا على الخصوص نتذكرها ونرددها فيما بيننا لقد قال بلغة عريبة فصحى
نريد قليلاً من الشاى وكثيراً من الكعك
قال هذا وسكت وكأنه لا يعلم ماذا قال… وظللت انا اضحك والخادم لا يفهم حتى استطعنا اخيراً ان نتذكر كلمه جاتوه
وبالمعنى الصحيح اننا لم ننسها ولكننا كنا فى ارتباك ثم طلبنا منه ان يحضر لنا الشاى والجاتوه فقد كانت كلمة جاتوه فى زمننا قليلة الاستخدام جدا
ولا يعرفها الا القليل
ولكننا لم نطلب الآيس كريم وأجلناه لمرات اخرى ظللنا فيها نتمتع بأنواع واشكال آيس كريم جروبى

هاا انا اقف الان تحت يافطة المطعم واقرأ جيدا J. GROPPI
تماماً كالأيام الخالية ويكون خلفى ميدان وتمثال سيلمان باشا سابقاً وطلعت حرب حالياً
سليمان باشا الفرنساوي جَدُّ الملكة نازلي لأمها
نعم ذاك الرجل الذى ترك بلاده ودينه واعتنق الاسلام وعاش فى مصر وهو صاحب الفضل فى بناء الجيش المصري

غريب ماحدث ان تبنى شىء ويكون لك الفضل الأكبر فى تكوينه
ثم تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن تأتى ثورة يوليو 1952
لتقوم بنقل تمثال سيلمان باشا وتجعله بالمتحف الحربى ويوضعون مكانة تمثال لطلعت حرب ومن يفعل ذلك هو الجيش المصرى طبعا
هم لم يفعلوا جريمة.. ولكن رجل كـ سيلمان باشا يعد احد اسباب وجود وتكوين الجيش المصرى
وهكذا الايام تذهب بشخص ليأتى اخر.. تأتى بطلعت حرب الذى اعطى بلاده الكثير ذو العقلية الاقتصادية الفذة الذي لولا حبه لبلده وشعبه وانه اعطهما الكثير لظل ورثته يصرفون من ماله الى الان
ولكن ما استغربه الان ان يبدأ وجود تمثال طلعت حرب مع قرب عصر وظهور الاشتراكية العربية ذلك الخليط من الشيوعية الشرقية والرأسمالية الغربية والقومية العربية ايضا

فقد كان العالم فى انقسام مابين شيوعية ورأسمالية وكان يجب علينا ان نختار ولكننا لم نختار اى منهما بل مزجنا بينهم وكانت صاحبة النصيب الاكبر الشيوعية
خليط يتيح لك ان تملك الدولة القطاعات الحيوية واداوت الانتاج
كقناة السويس والشركات الكبرى وفى نفس الوقت ان نحترم الملكية الخاصة والارث

واعتقد الذى جعلنا نفعل ذلك هو تمسكنا بديننا ولكن لو نفعل كل مايقوله ديننا.. لقد مرت بى فترة بعد سقوط الشيوعية وترقيع الرأسمالية وسقوط الافكار التى طالما كنا نرددها ونؤمن بها وسقوط اشخاص كنا نظنها انها لن تسقط وضلال افكار كنا نظن انها هى الهداية ومرور الكثير من الاحداث الغير متوقعة
شعرت فى تلك الفترة اننى قد قرأت لكثير من الناس بل اكثر من الكثير وطبقت وغير طبق كثير من الافكار ثم وجدنا وبكل بساطة انها غير صالحة

فى تلك الفترة سألت نفسى لقد قرأت وفهمت الكثير عن اشياء
لكى اؤمن بها ولكنى لم اقرأ وافهم الشىء الذى مؤمن به القرآن الكريم
ما اقصده ايها الساده ليس ان اقرأ آياته عدة مرات هكذا دون ان افهما فهما صحيحا دون ان اعرف لماذا انزلت و لاي سبب نزلت
فقررت ان اقرأ القرأن كما انزل وان افهمه كما انزل كان ذلك فى تسعينات القرن الماضى فى اشد فترات مصر ارهابا
وقد كانت الدهشه ان تشعر وتعتقد انك تفهم الكثير
فيأتى القرأن ليثبت لك عكس ذلك
ان تبحر وتغوص فى عالم التفسير ان تجيد اكثر من لغة اجاده تامة ولا تجيد لغة القرأن
نعم ان للقران لغة غير التى نتكلم به ونتبادلها بيننا
انها اللغة العربية لا اقصد بذلك
اننا لا نتحدث العربية ولكننا نتحدث بجزء من جزء منها ان فى القرأن لاشياء واشياء ولكى تعرفها او تشعر بها
عليك ايجادة العربية ومعانيها و ادواتها او معرفتها على الاقل و قراءة ايضا تفسيرات تلك الايات فقد تمر بأيات تجعلك تفكر فيها شهور انى لتذكر ايات كنت اقرأها واتأملها ايام
اه ه اه ه …انى لتنهد الان ولكنى لا اعلم ائتنهد لراحة ام لألم
كنت اجد كثير ممايفهمه ويعلمه عقلى يناقض كثير مماافهمه واعلمه من القرآن ولكنى كنت اصر على ان يجب ان استوعب ما يقوله القرآن حتى يكون قاب قوسين او ادنى من نقيضة الذى فى عقلى وهنا تبدأ معركة الافكار من سوف ينتصر مايفهمه عقلى او مايقوله القرأن وكنت انتظر وكان فى بعض الاحيان يطول الانتظار وفى النهاية كنت اجد الانتصار للقرأن الكريم

نعم .. وهاا انا اقترب من طلعت باشا حرب وانظر اليه جيدا رغم الزحام وكبر سنى استطعت الوصول اليه كنت اقول منذ قليل ان وجود تمثالك هنا طلعت باشا فى فترة الخمسينات والستينات لغريب بعض الشىء ولكن هل حقا هو غريب لمعاصرتة ووجوده فى عصر الاشتراكية

ذلك لان طلعت حرب عن ما اعرفه عنه لم يكن ان يكون شيوعيا ذلك لان طلعت حرب كان متدينا والشيوعيه تنكر الدين من اصله فلقد هاجم قاسم امين وكان من المعارضين فى فكرة تحرير المراة على طريقة قاسم امين بل والف كتاباً للرد على كتاب قاسم امين
وايضا هو كان يعترف بالطباقات فى المجتمع ولا ينكرها ولا يكرها وفى نفس الوقت كان يساعد ليس فقيرا او مسكيا بل كان يساعد شعبا بأكمله فى النهوض به

لكن الاشتراكية العريبة لم تدعوا لانكار الدين ولكنها كان بها كثير من افكار الشيوعية
ان وجود تمثال طلعت حرب الذى كان كله مايملكه لشعبه وبلده فى اشهر ميادين البلد
ليقول لا للاشتراكية ونعم ولكن ليس لرأسمالية
التى تقول لك ان تكسب بأى طريقة كانت.. لك ان تصبح غنى بمتصاص دماء عمالك
لك ان تحتكر وشعبك فى اشد ماتحتكره.. ولك ايضا ان تبيعه لهم بأى ثمن كان
ولكن نعم لان تحلم وتفكر وتنجح من اجلك ومن اجل الاخرين ولن يسرق نجاحك احد

لا يسرق نجاحك احد … تلك كلمة سمعتها منذ زمن رغم انه قيلت من رجل صوته جميل شجى دائما ما احببنا صوته الا انه قالها بمرارة تجعلك لاتتحمل سماعها سرقوا حلمى سرقوا نجاحى
يرددها فى ألمً شديد … انه محمد فوزى ايها الساده الملحن الناجح والمطرب الناجح والممثل الناجح والمنتج الناجح ان تترك كل هذا النجاح لتتفرغ لشى واحد
شركة مصر فون اول شركة للاسطوانات في الشرق الأوسط

التى كانت الضربة القاضية لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تتحكم فى السوق كيفما تشاء وبالسعر الذى تريده
ليأتى محمد فوزى وشركته ويبيعون الاسطوانه بسعر ارخص بكثيير مما كانت عليه
وتنجح الشركة وتزيد مبيعاتاها وتكبر وتشتهر وتكون اكبر الشركات فى مصر فى اقل من ثلاثة سنوات

ثم تأتى الحكومة لتأميمها هكذا تأتى لك الدولة وبكل بساطة لتأخذ ماقمت انت بفعله تأخذ الشىء الذى تعيش من اجله وتجعل محمد فوزى موظفا فيها برتبة مدير
ما اصعب ان تكون ضيف وانت صاحب البيت … تلك كانت الصدمة الكبرى الاكبر فى حياة محمد فوزى ليعانى بعد ذلك من اكتئاب حاد ثم يصاب بمرض لا يستطيع الاطباء معرفته لتمر خمس سنوات يعيشها فى صراعا شديدا مع المرض
ويموت محمد فوزى رحمة الله عليه
لقد احزنت نفسى دون سبب مالى ومال تلك الذكريات
لقد ابتعدت عن تمثال طلعت حرب ..
ما اعلمه وافهمه هو ان يجب ان تتدخل الدولة
ولكن بقدر وذلك القدر ان زاد او كثر قلب الموازين وادى الى السقوط اى يجب ان يكون بالقدر الكافى حسب الظروف وماتحتاجة الدولة ولا يزيد على ذلك
فعندما اتى الكساد العظيم تعلمت دول كثيرة منه… تعلمت ان من الخطأ ترك النظام الاقتصادى الحر دون توجيه بل يجب ان يكون اقتصاد موجه
يجب ان تتدخل الدوله بقدر يحفظ الاقتصاد ولكن لا يقتله
ان التأميم شىء مهم بل وضرورى فقد قامت مثلا انجلترا بعد ازمة الكساد العظيم بتأميم شركة إنتاج الفحم الإنجليزية
ولكن ان من اهم وظائف التأميم هو حفظ النظام الاقتصادى وقوته وليس ان تقوم بتأميم كل شىء تجده ناجح كشركة مصر فون

امممم ارى ان نفسى تداعبنى كى اناقشها فى هدوء
مع قليلا من الشاى وكثيرا من الكعك …تماما كالايام الخالية

الجامعة والطلبة والمظاهرات والاصدقاء .. نجلس سويا ونتناقش ونتكلم ونتحاور
الجامعة لقد كم اشتقت اليها والى رؤيتها كما الساعة الان
انها تجاوزت الرابعة ونصف
هل سيكون من المناسب ان اترك سيارتى واستقل سيارة اجرة لكى اذهب الى الجامعة هااا نعم ليكون ذلك
لنبحث الان عن سيارة الاجرة ولكن على ما اعتقد انه يجب ان امشى قليلا لكى اجد سيارة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

مهما اغلقتها..فساستطيع الدخول -رواية جميلة

التصنيفات
روايات طويلة

رواية عابر سبيل للكاتبة المتألقة احلام مستغنامي "الفصل السادس"

الفصل الأول

كنا مساء اللهفة الأولى, عاشقين في ضيافة المطر, رتبت لهما المصادفة موعدا خارج المدن العربية للخوف.
نسينا لليلة أن نكون على حذر, ظنا منا أن باريس تمتهن حراسة العشاق.
إن حبا عاش تحت رحمة القتلة, لا بد أن يحتمي خلف أول متراس متاح للبهجة. أكنا إذن نتمرن رقصا على منصة السعادة, أثناء اعتقادنا أن الفرح فعل مقاومة؟ أم أن بعض الحزن من لوازم العشاق؟

في مساء الولع العائد مخضبا بالشجن. يصبح همك كيف تفكك لغم الحب بعد عامين من الغياب, وتعطل فتيله الموقوت, دون أن تتشظى بوحا.
بعنف معانقة بعد فراق, تود لو قلت "أحبك" كما لو تقول "ما زلت مريضا بك".
تريد أم تقول كلمات متعذرة اللفظ , كعواطف تترفع عن التعبير, كمرض عصي على التشخيص.
تود لو استطعت البكاء. لا لأنك في بيته, لا لأنكما معا, لا لأنها أخيرا جاءت, لا لأنك تعيس ولا لكونك سعيدا, بل لجمالية البكاء أمام شيء فاتن لن يتكرر كمصادفة.

التاسعة والربع ,وأعقاب سجائر.
وقبل سيجارة من ضحكتها الماطرة التي رطبت كبريت حزنك.
كنت ستسألها , كيف ثغرها في غيابك بلغ سن الرشد؟
وبعيد قبلة لم تقع, كنت ستستفسر: ماذا فعلت بشفتيها في غيبتك؟ من رأت عيناها؟ لمن تعرى صوتها؟ لمن قالت كلاما كان لك؟
هذه المرأة التي على ايقاع الدفوف القسنطينية, تطارحك الرقص كما لو كانت تطارحك البكاء. ماالذي يدوزن وقع أقدامها, لتحدث هذا الاضطراب الكوني من حولك؟
كل ذاك المطر. وأنت عند قدميها ترتل صلوات الاستسقاء. تشعر بانتماءك الى كل أنواع الغيوم. الى كل أحزاب البكاء, الى كل الدموع المنهطلة بسبب النساء.

هي هنا. وماذا تفعل بكل هذا الشجن؟ أنت الرجل الذي لا يبكي بل يدمع, لا يرقص بل يطرب, لا يغني بل يشجى.
أمام كل هذا الزخم العاطفي, لا ينتابك غير هاجس التفاصيل, متربصا دوما برواية.
تبحث عن الأمان في الكتابة؟ يا للغباء!
ألأنك هنا, لا وطن لك ولا بيت, قررت أن تصبح من نزلاء الرواية, ذاهبا الى الكتابة, كما يذهب آخرون الى الرقص, كما يذهب الكثيرون الى النساء, كما يذهب الأغبياء الى حتفهم؟
أتنازل الموت في كتاب؟ أم تحتمي من الموت بقلم؟

كنا في غرفة الجلوس متقابلين, على مرمى خدعة من المخدع. عاجزين على انتزاع فتيل قنبلة الغيرة تحت سرير صار لغيرنا.
لموعدنا هذا , كانت تلزمنا مناطق منزوعة الذكريات, مجردة من مؤامرة الأشياء علينا, بعيدة عن كمين الذاكرة. فلماذا جئت بها إلى هذا البيت بالذات, إذا كنت تخاف أن يتسرب الحزن إلى قدميها؟
ذلك أن بي شغفا إلى قدميها. وهذه حالة جديدة في الحب. فقبلها لم يحدث أن تعلقت بأقدام النساء.
هي ما تعودت أن تخلع الكعب العالي لضحكتها, لحظة تمشي على حزن رجل.
لكنها انحنت ببطء أنثوي, كما تنحني زنبقة برأسها, وبدون أن تخلع صمتها, خلعت ما علق بنعليها من دمي, وراحت تواصل الرقص حافية مني.
أكانت تعي وقع انحنائها الجميل على خساراتي, وغواية قدميها عندما تخلعان أو تنتعلان قلب رجل؟
شيء ما فيها, كان يذكرني بمشهد "ريتا هاورث" في ذلك الزمن الجميل للسينما, وهي تخلع قفازيها السوداوين الطويلين من الساتان, إصبعا إصبعا, بذلك البطء المتعمد, فتدوخ كل رجال العالم بدون أن تكون قد خلعت شيئا.
هل من هنا جاء شغف المبدعين بتفاصيل النساء؟ ولذا مات بوشكين في نزال غبي دفاعا عن شرف قدمي زوجة لم تكن تقرأه.

في حضرتها كان الحزن يبدو جميلا. وكنت لجماليته, أريد أن أحتفظ بتفاصيله متقدة في ذاكرتي, أمعن النظر إلى تلك الأنثى التي ترقص على أنغام الرغبة, كما على خوان المنتصرين, حافية من الرحمة بينما أتوسد خسارات عمري عند قدميها.

هي ذي , كما الحياة جاءت, مباغتة كل التوقعات, لكأنها تذهب الى كل حب حافية مبللة القدمين دوما, لكأنها خارجة لتوها من بركة الخطايا أو ذاهبة صوبها.
اشتقتها! كم اشتقتها, هذه المرأة التي لم أعد أعرف قرابتي بها, فأصبحت أنتسب الى قدميها.
هي ذي . وأنا خائف, إن أطلت النظر إلى العرق اللامع على عري ظهرها , أن يصعقني تيار الأنوثة.
هي أشهى, هكذا. كامرأة تمضي مولية ظهرها, تمنحك فرصة تصورها, تتركك مشتعلا بمسافة مستحيلها.

أنا الرجل الذي يحب مطاردة شذى عابرة سبيل, تمر دون أن تلتفت. تميتني امرأة تحتضنها أوهامي من الخلف. ولهذا اقتنيت لها هذا الفستان الأسود من الموسلين, بسبب شهقة الفتحة التي تعري ظهره, وتسمرني أمام مساحة يطل منها ضوء عتمتها.
أو ربما اقتنيته بسبب تلك الاهانة المستترة التي اشتممتها من جواب بائعة, لم تكن تصدق تماما أن بامكان عربي ذي مظهر لا تفوح منه رائحة النفط, أن ينتمي الى فحش عالم الاقتناء.

كنت أتجول مشيا قادما من الأوبرا, عندما قادتني قدماي الى "فوبور سانت أونوريه" . ما احتطت من شارع تقف على جانبيه سيارات فخمة في انتظار نساء محملات بأكياس فائقة التميز, ولا توجست من محلات لا تضع في واجهاتها سوى ثوب واحد أو ثوبين. لم أكن أعرف ذلك الحي , أصلا.
عرفت اسم الحي في مابعد, عندما أمدتني البائعة ببطاقة عليها العربون الذي دفعته لأحجز به ذلك الثوب.
بتلك الأنفة المشوبة بالجنون, بمنطق" النيف" الجزائري تشتري فستان سهرة يعادل ثمنه معاشك في الجزائر لعدة شهور, أنت الذي تضن على نفسك بالأقل. أفعلت ذلك رغبة منك في تبذير مال تلك الجائزة التي حصلت عليها, كما لتنجو من لعنة؟ أم لتثبت للحب أنك الأكثر سخاء منه؟
أن تشتري فستان سهرة لامرأة لم تعد تتوقع عودتها, ولا تعرف في غيابك ماذا فعل الزمن بقياساتها, أهي رشوة منك للقدر؟ أم معابثة منك للذاكرة؟ فأنت تدري أن هذا الفستان الذي بنيت عليه قصة من الموسلين لم يوجد يوما, ولكن الأسود يصلح ذريعة لكل شيء.
ولذا هو لون أساسي في كل خدعة.

أذكر يوم صادفتها في ذلك المقهى, منذ أكثر من سنتين, لم أجد سوى ذريعة من الموسلين لمبادرتها. سائلا ان كانت هي التي رأيتها مرة في حفل زفاف, مرتدية ثوبا طويلا من الموسلين الأسود.
ارتبكت. أظنها كانت ستقول"لا" ولكنها قالت "ربما" .
أحرجها أن تقول " نعم ".
في الواقع, لم نكن التقينا بعد. لكنني كنت أحب أن أختلق, مع امرأة , ذكريات ماض لم يكن. أحب كل ذاكرة لا منطق لها.
بدأنا منذ تلك اللحظة نفصل قصة على قياس ثوب لم يوجد يوما في خزانتها.
عندما استوقفني ذلك الفستان قبل شهرين في واجهة محل, شعرت أنني أعرفه. أحببت انسيابه العاطفي. لكأنه كان يطالب بجسدها أن يرتديه, أو كأنه حدث لها أن ارتدته في سهرة ما , ثم علقته على " الجسد المشجب" لامرأة أخرى , ريثما تعود.
عندما دخلت المحل , كنت مرتبكا كرجل ضائع بين ملابس النساء. فأجبت بأجوبة غبية عن الأسئلة البديهية لتلك البائعة المفرطة في الأناقة قدر فرطها في التشكك بنيتي.

Dans quelle taille voulez-vous cette robe Monsieur

?

كيف لي أن أعرف قياس امرأة ما سبرت جسدها يوما الا بشفاه اللهفة؟ امرأة أقيس اهتزازاتها بمعيار ريختر الشبقي. أعرف الطبقات السفلية لشهوتها. أعرف في أي عصر تراكمت حفريات رغباتها, وفي أي زمن جيولوجي استدار حزام زلازلها, وعلى أي عمق تكمن مياه أنوثتها الجوفية. أعرف كل هذا… ولم أعد , منذ سنتين ,أعرف قياس ثوبها!

لم تفاجأ البائعة كثيرا بأميتي, أو ألا يكون ثمن ذلك الثوب في حوزتي. فلم يكن في هيئتي ما يوحي بمعرفتي بشؤون النساء, ولا بقدرتي على دفع ذلك المبلغ.
غير أنها فوجئت بثقافتي عندما تعمدت أن أقول لها بأنني غير معني باسم مصمم هذا الفستان, بقدر ما يعنيني تواضعه أمام اللون الأسود, حتى لكأنه ترك لهذا اللون أن يوقع الثوب نيابة عنه, في مكمن الضوء, وأنني أشتري ضوء ظهر عار بثمن فستان!
قالت كمن يستدرك:
– أنت رجل ذواقة.
ولأنني لك أصدق مديحها, لاقتناعي أن الذوق لمثلها يرقى وينحط بفراغ وامتلاء محفظة نقود, قلت:
– هي ليست قضية ذوق, بل قضية ضوء. المهم ليس الشيء بل إسقاطات الضوء عليه. سالفادور دالي أحب Gala وقرر خطفها من زوجها الشاعر بول ايلوار لحظة رؤيته ظهرها العاري في البحر صيف 1949.

سألتني مندهشة لحديث لم يعودها عليه زبائن , شراء مثل هذا الثوب ليس حدثا في ميزانيتهم.
– هل أنت رسام؟
كدت أجيب " بل أنا عاشق" . لكنني قلت:
– لا … أنا مصور.
وكان يمكن أن أضيف أنني مصور " كبير" , مادمت موجودا في باريس لحصولي على جائزة أحسن صورة صحافية عامئذ. فلم يكن في تلك الصورة التي نلتها مناصفة مع الموت, ما يغري فضول امرأة مثلها. ولذا هي لن تفهم أن يكون هذا الثوب الأسود هو أحد الاستثمارات العاطفية التي أحببت أن أنفق عليها ما حصلت عليه من تلك المكافأة.
من قال إن الأقدار ستأتي بها حتى باريس, وإنني سأراه يرتديها؟

هاهي ترتديه . تتفتح داخله كوردة نارية. هي أشهى هكذا, وهي تراقص في حضوري رجلا غيري, هو الحاضر بيننا بكل تفاصيل الغياب.
لو رأى بورخيس تلك المرأة ترقص لنا معا, أنا وهو, لوجد " للزاندالي" قرابة بالرقص الأرجنتيني, كما التانغو, انه " فكر حزين يرقص" على إيقاع الغيرة لفض خلافات العشاق.
في لحظة ما , لم تعد امرأة . كانت الهة إغريقية ترقص حافية لحظة انخطاف.
بعد ذلك سأكتشف أنها كانت الهة تحب رائحة الشواء البشري, ترقص حول محرقة عشاق تعاف قرابينهم ولا تشتهي غيرهم قربانا.
لكأنها كانت قسنطينة, كلما تحرك شيء فيها , حدث اضطراب جيولوجي واهتزت الجسور من حولها, ولا يمكنها أن ترقص إلا على جثث رجالها.
هذه الفكرة لم تفارقني عندما حاولت فيما بعد فهم نزعاتها المجوسية.
ماالذي صنع من تلك المرأة روائية تواصل , في كتاب, مراقصة قتلاها؟ أتلك النار التي خسارة بعد أخرى, أشعلت قلمها بحرائق جسد عصي على الاطفاء؟
أم هي رغبتها في تحريض الريح, باضرام النار في مستودعات التاريخ التي سطا عليها رجال العصابات؟
في الواقع كنت أحب شجاعتها, عندما تنازل الطغاة وقطاع طرق التاريخ, ومجازفتها بتهريب ذلك الكم من البارود في كتاب. ولا أفهم جبنها في الحياة, عندما يتعلق الأمر بمواجهة زوج.
تماما, كما لا أجد تفسيرا لذكائها في رواية, وغبائها خارج الأدب, الى حد عدم قدرتها, وهي التي تبدو خبيرة في النفس البشرية, على التمييز بين من هو مستعد للموت من أجلها, ومن هو مستعد أن يبذل حياته من أجل قتلها. انه عماء المبدعين في سذاجة طفولتهم الأبدية.
ربما كان عذرها في كونها طفلة تلهو في كتاب. هي لا تأخذ نفسها مأخذ الأدب, ولا تأخذ الكتابة مأخذ الجد. وحدها النار تعنيها.
ولذا, قلت لها يوما: " لن أنتزع منك أعواد الثقاب, واصلي اللهو بالنار من أجل الحرائق القادمة".

ذلك أن الرواية لم تكن بالنسبة لها, سوى آخر طريق لتمرير الأفكار الخطرة تحت مسميات بريئة.
هي التي يحلو لها التحايل على الجمارك العربية, وعلى نقاط التفتيش, ماذا تراها تخبئ في حقائبها الثقيلة, وكتبها السميكة؟
أنيقة حقائبها. سوداء دائما. كثيرة الجيوب السرية, كرواية نسائية , مرتبة بنية تضليلية, كحقيبة امرأة تريد إقناعك أنها لا تخفي شيئا.
ولكنها سريعة الانفتاح كحقائب البؤساء من المغتربين.
أكل كاتب غريب يشي به قفل, غير محكم الإغلاق, لحقيبة أتعبها الترحال, لا يدري صاحبها متى, ولا في أي محطة من العمر, يتدفق محتواها أمام الغرباء, فيتدافعون لمساعدته على لملمة أشيائه المبعثرة أمامهم لمزيد من التلصص عليه؟ وغالبا ما يفاجأون بحاجاتهم مخبأة مع أشيائه.
الروائي سارق بامتياز. سارق محترم. لا يمكن لأحد أن يثبت أنه سطا على تفاصيل حياته أو على أحلامه السرية. من هنا فضولنا أمام كتاباته, كفضولنا أمام حقائب الغرباء المفتوحة على السجاد الكهربائي للأمتعة.

أذكر, يوم انفتحت حقيبة تلك المرأة أمامي لأول مرة , كنت يومها على سرير المرض في المستشفى, عندما خطر على بال عبد الحق, زميلي في الجريدة, أن يهديني ذلك الكتاب.. كتابها.
كنت أتماثل للشفاء من رصاصتين تلقيتهما في ذراعي اليسرى, وأنا أحاول التقاط صور للمتظاهرين أثناء أحداث أكتوبر 1988 .
كانت البلاد تشهد أول تظاهرة شعبية لها منذ الاستقلال, والغضب ينزل الى الشوارع لأول مرة, ومعه الرصاص والدمار والفوضى.
لم أعرف يومها , أتلقيت تينك الرصاصتين من أعلى أحد المباني الرسمية , عن قصد أم عن خطأ؟ أكان العسكر يظنون أنني أمسك سلاحا أصوبه نحوهم, أم كانوا يدرون أنني لا أمسك بغير آلة تصويري, عندما أطلقوا رصاصهم نحوي قصد اغتيال شاهد إثبات.
تماما, كما سوف لن أدري يوما: أعن قصد, أم عن مصادفة جاءني عبد الحق بذلك الكتاب.
أكان ذلك الكتاب هدية القدر؟ أم رصاصته الأخرى؟ أكان حدثا أم حادثا آخر في حياتي؟ ربما كان الاثنان معا.

ليس الحب, ولا الاعجاب, بل الذعر هو أول احساس فاجأني أمام ذلك الكتاب ." ليس الجمال سوى بداية ذعر يكاد لا يحتمل" . وكنت مذعورا أمام تلك الرؤى الفجائية الصاعقة, أمام ذلك الارتطام المدوي بالآخر.
أي شيء جميل هو في نهايته كارثة. وكيف لا أخشى حالة من الجمال.. كان يزمني عمر من البشاعة لبلوغها.
كنت أدخل مدار الحب والذعر معا, وأنا أفتح ذلك الكتاب. منذ الصفحة الأولى تبعثرت أشياء تلك المرأة على فراش مرضي.
كانت امرأة ترتب خزانتها في حضرتك. تفرغ حقيبتها وتعلق ثيابها أمامك, قطعة قطعة, وهي تستمع الى موسيقى تيودوراكيس, أو تدندن أغنية لديميس روسوس.
كيف تقاوم شهوة التلصص على امرأة, تبدو كأنها لا تشعر بوجودك في غرفتها , مشغولة عنك بترتيب ذاكرتها؟
وعندما تبدأ في السعال كي تنبهها الى وجودك, تدعوك الى الجلوس على ناصية سريرها, وتروح تقص عليك أسرارا ليست سوى أسرارك, واذ بك تكتشف أنها كانت تخرج من حقيبتها ثيابك, منامتك, وأدوات حلاقتك, وعطرك , وجواربك, وحتى الرصاصتين اللتين اخترقا ذراعك.
عندها تغلق الكتاب خوفا من قدر بطل أصبحت تشبهه حتى في عاهته. ويصبح همك, كيف التعرف على امرأة عشت معها أكبر مغامرة داخلية. كالبراكين البحرية, كل شيء حدث داخلك. وأنت تريد أن تراها فقط, لتسألها " كيف تسنى لها أن تملأ حقيبتها بك؟"

ثمة كتب عليك أن تقرأها قراءة حذرة.
أفي ذلك الكتاب اكتشفت مسدسها مخبأ بين ثنايا ثيابها النسائية, وجملها المواربة القصيرة؟
لكأنها كانت تكتب لتردي أحدا قتيلا, شخصا وحدها تعرفه. ولكن يحدث أن تطلق النار عليه فتصيبك. كانت تملك تلك القدرة النادرة على تدبير جريمة حبر بين جملتين, وعلى دفن قارئ أوجده فضوله في جنازة غيره. كل ذلك يحدث أثناء انشغالها بتنظيف سلاح الكلمات!
كنت أراها تكفن جثة حبيب في رواية, بذلك القدر من العناية, كما تلفلف الأم رضيعا بعد حمامه الأول.
عندما تقول امرأة عاقر: " في حياة الكاتب تتناسل الكتب", هي حتما تعني "تتناسل الجثث" وأنا كنت أريدها أن تحبل مني , أن أقيم في أحشائها, خشية أن أنتهي جثة في كتاب.
كنت مع كل نشوة أتصبب لغة صارخا بها: " احبلي .. إنها هنيهة الإخصاب"
وكانت شفتاي تلعقان لثما دمع العقم المنحدر على خديها مدرارا كأنه اعتذار.
أحاسيس لم أعرفها مع زوجتي التي كنت لسنوات أفرض عليها تناول حبوب منع الحمل, مهووسا بخوفي أن أغتال فتتكرر في طفلي مأساتي. فكرة أن أترك ابني يتيما كانت تعذبني, حتى انني في الفترة التي تلت اغتيال عبد الحق, كنت أستيقظ مذعورا كما على صوت بكاء رضيع.
مع حياة ,اكتشفت أن الأبوة فعل حب, وهي التي لم أحلم بالإنجاب من سواها. كان لي معها دوما "حمل كاذب".
لكن, إن كنا لا ننجب من "حمل كاذب" , فإننا نجهضه. بل كل إجهاض ليس سوى نتيجة حمل تم خارج رحم المنطق, وما خلقت الروايات إلا لحاجتنا الى مقبرة تنام فيها أحلامنا الموءودة.

إن كنت أجلس اليوم لأكتب , فلأنها ماتت.
بعدما قتلتها, عدت لأمثل تفاصيل الجريمة في كتاب.
كمصور يتردد في اختيار الزاوية التي يلتقط منها صورته, لا أدري من أي مدخل أكتب هذه القصة التي التقطت صورها من قرب, من الزوايا العريضة للحقيقة.
وبمنطق الصورة نفسها التي تلتقطها آلة التصوير معكوسة, ولا تعود الى وجهها الحقيقي الا بعدما يتم تظهيرها في مختبر, يلزمني تقبل فكرة أن كل شيء يولد مقلوبا, وان الناس الذين نراهم معكوسين, هم كذلك, لأننا التقينا بهم, قبل أن تتكفل الحياة بقلب حقيقتهم في مختبرها لتظهير البشر.
إنهم أفلام محروقة أتلفتها فاجعة الضوء, ولا جدوى من الاحتفاظ بهم. لقد ولدوا موتى.

ليس ثمة موتى غير أولئك الذين نواريهم في مقبرة الذاكرة. اذن يمكننا بالنسيان, أن نشيع موتا من شئنا من الأحياء, فنستيقظ ذات صباح ونقرر أنهم ما عادوا هنا.
بامكاننا أن نلفق لهم ميتة في كتاب, أن نخترع لهم وفاة داهمة بسكتة قلمية مباغتة كحادث
سير, مفجعة كحادثة غرق, ولا يعنينا ذكراهم لنبكيها, كما نبكي الموتى. نحتاج أن نتخلص من أشيائهم, من هداياهم, من رسائلهم, من تشابك ذاكرتنا بهم. نحتاج على وجه السرعة أن تلبس حدادهم بعض الوقت, ثم ننسى.

لتشفى من حالة عشقية, يلزمك رفاة حب, لاتمثالا لحبيب تواصل تلميعه بعد الفراق, مصرا على ذياك البريق الذي انخطفت به يوما. يلزمك قبر ورخام وشجاعة لدفن من كان أقرب الناس اليك.
أنت من يتأمل جثة حب في طور التعفن, لا تحتفظ بحب ميت في براد الذاكرة, أكتب , لمثل هذا خلقت الروايات.
أذكر تلك الأجوبة الطريفة لكتاب سئلوا لماذا يكتبون. أجاب أحدهم " ليجاور الأحياء الأموات" , وأجاب آخر " كي أسخر من المقابر" , ورد ثالث " كي أضرب موعدا" .
أين يمكنك, الا في كتاب, أن تضرب موعدا لامرأة سبق أن ابتكرت خديعة موتها, مصرا على إقحام جثتها في موكب الأحياء, برغم بؤس المعاشرة.
أليس في هذه المفارقة سخرية من المقابر التي تضم تحت رخامها , وتترك الأموات يمشون ويجيئون في شوارع حياتنا.

وكنت قرأت أن (الغوليين) سكان فرنسا الأوائل, كانوا يرمون الى النار الرسائل التي يريدون إرسالها الى موتاهم. وبمكاتيب محملة بسلاماتهم وأشواقهم وفجيعتهم.
وحدها النار, تصلح ساعي بريد. وحدها بامكانها انقاذ الحريق. أكل ذلك الرماد, الذي كان نارا, من أجل صنع كتاب جميل؟
حرائقك التي تنطفئ كلما تقدمت في الكتابة, لا بد أن تجمع رمادها صفحة صفحة, وترسله الى موتاك بالبريد المسجل, فلا توجد وسيلة أكثر ضمانا من كتاب.
تعلم اذن أن تقضي سنوات في انجاز حفنة من رماد الكلمات, لمتعة رمي كتاب الى البحر, أن تبعثر في البحر رماد من أحببت, غير مهتم بكون البحر لا يؤتمن على رسالة, تماما كما القارئ لا يؤتمن على كتاب.
فكتابة رواية تشبه وضع رسالة في زجاجة والقائها في البحر. وقد تقع في أيدي أصدقاء أو أعداء غير متوقعين. يقول غراهام غرين, ناسيا أن يضيف أنه في أغلب الظن ستصطدم بجثث كانت لعشاق لنا يقبعون في قعر محيط النسيان. بعد أن غرقوا مربوطين الى صخرة جبروتهم وأنانيتهم. ما كان لنا الا أن نشغل أيدينا بكتابة رواية, حتى لا تمتد الة حتف انقاذهم. بامكانهم بعد ذلك, أن يباهوا بأنهم المعنيون برفاة حب محنط في كتاب.
ام حبا نكتب عنه, هو حب لم يعد موجودا, وكتابا نوزع آلاف النسخ منه, ليس سوى رماد عشق ننثره في المكتبات.
الذين نحبهم, نهديهم مخطوطا لا كتابا, حريقا لا رمادا. نهديهم ما لا يساويهم عندنا بأحد.

بلزاك في أواخر عمره , وهو عائد من روسيا, بعد زواجه من السيدة هانكسا, المرأة الأرستقراطية التي تراسل معها ثماني عشرة سنة ومات بعد زواجه منها بستة أشهر, كان يقول لها والخيول تجر كهولته في عربة تمضي به من ثلوج روسيا الى باريس:
" في كل مدينة نتوقف فيها, سأشتري لك مصاغا أو ثوبا. وعندما سيتعذر علي ذلك, سأقص عليك أحدوثة لن أنشرها".
ولأنه أنفق ماله للوصول اليها, ولأن طريق الرجعة كان طويلا, قد يكون قص عليها قصصا كثيرة.
حتما, أجمل روايات بلزاك هي تلك التي لم يقرأها أحد, وابتكرها من أجل امرأة ما عادت موجودة هنا لتحكيها.

ربما لهذا, أكتب هذا الكتاب من أجل الشخص الوحيد الذي لم يعد بامكانه اليوم أن يقرأه, ذلك الذي ما بقي منه الا ساعة أنا معصمها, وقصة أنا قلمها.
ساعته التي لم أكن قد تنبهت لها يوما كانت له, والتي مذ أصبحت لي, كأني لم أعد أرى سواها. فمنه تعلمت أن أشلاء الأشياء أكثر ايلاما من جثث أصحابها.
هو الذي أجاد الحب , وكان عليه أن يتعلم كيف يجيد موته. قال " لا أحب مضاجعة الموت في سرير, فقد قصدت السرير دوما لمنازلة الحب, تمجيدا مني للحياة". لكنه مات على السرير اياه. وترك لي كغيره شبهة حب, وأشياء لا أدري ماذا أفعل بها.

ساعته أمامي على الطاولة التي أكتب عليها. وأنا منذ أيام منهمك في مقايضة عمري بها. أهديه عمرا افتراضيا. وقتا اضافيا يكفي لكتاية كتاب. تائها في تقاطع أقدارنا, لا أملك الا بوصلة صوته, لأفهم بأية مصادفة أوصلنا الحب معا الى تلك المرأة.
أستمع دون تعب الى حواراتنا المحفوظة الى الأبد في تلك الأشرطة, الى تهكمه الصامت بين الجمل, الى ذلك البياض الذي كان بيننا, حتى عندما كنا نلوذ بالكلام. صوته! يا اله الكائنات, كيف أخذته وتركت صوته؟ حتى لكأن شيئا منه لم يمت. ضحكته تلك!
كيف ترد عنك أذى القدر عندما تتزامن فاجعتان ؟ وهل تستطيع أن تقول انك شفيت من عشق تماما من دون أن تضحك, أو من دون أن تبكي!

ليس البكاء شأنا نسائيا.
لا بد للرجال أن يستعيدوا حقهم في البكاء, أو على الحزن إذن أن يستعيد حقه في التهكم.
وعليك أن تحسم خيارك: أتبكي بحرقة الرجولة, أم ككاتب كبير تكتب نصا بقدر كبير من الاستخفاف والسخرية! فالموت كما الحب أكثر عبثية من أن تأخذه مأخذ الجد.
لقد أصبح , لألفته وحميميته, غريب الأطوار. وحدث لفرط تواتره, أن أفقدك في فترات ما التسلسل الزمني لفجائعك, فأصبحت تستند الى روزنامته لتستدل على منعطفات عمرك, أو على حادث ما , معتمدا على التراتب الزمني لموت أصدقائك. وعليك الآن أن تردع نزعتك للحزن, كما لجمت مع العمر نزعتك الى الغضب,أن تكتسب عادة التهكم والضحك في زمن كنت تبكي فيه بسبب امرأة, أو بسبب قضية, أو خيانة صديق.
مرة أخرى,الموت يحوم حولك إيغالا بالفتك بك, كلؤم لغم لا ينفجر فيك, وإنما دوما بجوارك. يخطئك, ليصيبك حيث لا ترى, حين لا تتوقع. يلعب معك لعبة نيرون, الذي كان يضحك, ويقول انه كان يمزح كلما انقض على أحد أصحابه ليطعنه بخنجره فأخطأه.
اضحك يا رجل, فالموت يمازحك ما دام يخطئك كل مرة ليصيب غيرك!

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

رواية حتى وقت اخر,, رواية

اهلين في روايتي الجديدة شكرن لمتابعتكم رواياتي,قصة مرعبة ,سنستمر بحبنا على نهاية العالم
وهاذه روايتي الجديدة حتى وقت اخر
بداية الرواية ………………………….وشعرها
سابقى في وادي حتى تأتي لتري وجهي وانا ابكي وارمي نفسي مثل الطير ابتهاجاّ بروءيت الخير في وادي مثل
البركان لا ترين فيها لافتيات ولا صبيان ترينني فتسقط دمعة تتنفسين فتأتي المعه ترين وجهاّ في اخر نظرة
تبكيين في اخر لحظة تتحسفين وتقوليين:لماذا هاكذا , ضحيت لكي انتهي من عذابي وكتابي في اخر لحظة انه
الوقت الذي قلتي انه سيبقي الميعاد في وقت اخر حتي ينتهي العالم لكن قلتي……….
انها …………………………حتى وقت اخر ………………………..
الشخصيات بكرة
ردود 7
طيب بس ابغى شي الردود

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
روايات طويلة

الحرية الحقيقية " رواية السجين " -رواية جميلة

.

.

الفصول

الفصل الثاني

http://vb.arabseyes.com/t433183-p4.html

هناك ولدت .. حيث تلك القلوب المتحجرة

حيث عاشت الظلمة لتطغى على بياض القلوب الطاهرة

تحت قوانينٍ جاهلة خطتها أحقادهم ومطامعهم

لتبيد البشرية والضعفاء من على أسقفها

وتحيلهم الى

\الهـــاوية\

روايـــة

السجيــــــــــــــــن

روسيا البيضاء2017


الفصل الأول

صوت المياه المتدفقة من ذلك الصنبور أيقظه من أحلام يقظةٍ غرق بها لوهلة ,

فأسرع الخطا يغلقه متبعاً ذلك بتنهيدة ضجرة , رفع بعدها الابريق الصغير

الذي فاضت المياه منه ووضعه على الفرن وابتعد حالما أوقده عائداً لكرسيه

الوحدة والسكون هو كل مارافقاه في تلك الغرفة ذات الطابع الكلاسيكي الهاديء المريح

غير أن الفوضى شوهت مظهرها الراقي بعض الشيء .. فغدا يقلب ناظريه بين قميصه

المجعد الملقى على الأريكة حلبية اللون ذات الوسائد السوداء والتي ماسلمت من تلك

الفوضى فألقيت بعبثٍ هنا وهناك !

ومنشفة ألقيت باهمالٍ على سريره الغير مرتب .. ملابس في كل بقعة وصحون تراكمت دون

أن يهتم بغسلها .. وعشاء الليلة الماضية بل وحتى فنجان القهوة لايزالا على الطاولة

أمام تلك الشاشة البلازمية الضخمة !

بضجر تنهد حالما سمع صوت طرقٍ موسيقي على الباب عرف منه هوية صاحبه على الفور

فنهض متمللاً وفتحه وعاود الجلوس على كرسيه بينما هتفت تلك الدخيلة الطفيلية بصخبها

المعتاد : صباح الخير سيد … مهمل

قالتها بفتور وهي تقلب ناظريها في الشقة الذي ملأتها الفوضى كأنما هبت عليها عاصفة

هوجاء فانحنت تلتقط ذلك القميص من على الأريكة واقتربت منه قائلة بسخط :

سرعان ماجعلتها حاوية نفايات من العجيب أن تحتمل العيش فيها هكذا ؟

ظل بصمته غير آبهٍ بما تقول بينما عقله يسبح في البعيد حيث عالمه الخاص .. تجاهلته

واقتربت من الابريق الذي كاد يفرغ مابأحشائه وأطفأت الموقد على الفور

– لما تستخدم هذا ؟ تعلم أنه ليس نافعاً للمهملين أمثالك

– لست مهملاً .. ثم ان مسخن الماء لم يعد يعمل أظنه احترق ليلة البارحة

– آها .. هذا طبيعي .. كما جرس المنزل المعطل صحيح ؟

أومأ ايجاباً وهو يضع كوبه على الطاولة ويصب به الماء الساخن .. وضعت يدها على يده وهي تقول بابتسامة :

دعني أقوم بإعداد الافطار بدلاً عنك اليوم أيضاً

تركها دون أن يعقب وعاد ليجلس وهو يعبث بهاتفه بينما أعدت افطاراً بسيطاً مكوناً من

طبق العجة الفرنسية وكوبٍ من القهوة المحلاة الساخنة .. وضعتها أمامه وبدأت تنظيف الشقة بصمت

وقد بدأ يحتسي قهوته دون أن ينبس ببنت شفة ..

فتح الباب وأطل منه بوجهه العابس المستاء معلياً طبقة صوته حين قال :

مساء الخير سيدة النوم

سمعت صوته وهي لاتزال متدثرة في فراشها وعلى وجهها انعكست مشاعرها

الميتة في تلك اللحظة .. نهضت بتثاقل وخرجت من غرفتها لتراه يضع أكياساً كثيرة

على الطاولة وقد بدا عليه الضجر والسخط وهو يتمتم بشتائم شتى ..

اقتربت منه وبدأت ترصف الحاجيات كلٍ في مكانها المناسب وما إن أبصرها حتى قال بغضب :
حمداً لله أنكِ أدركتِ أخيراً أني بحاجة للمساعدة

بهدوء أجابته وهي تكمل عملها : لاتصرخ رجاءاً

أعقبت وهي تنظر له بابتسامة خاوية : أشعر بالصداع حقاً

تجهم وجهه أكثر بينما يتمتم : ومنذ متى لاتشعرين بالصداع أو الاعياء

توجه لغرفته باستياء ودخلها مغلقاً الباب خلفه بقوة بينما ظلت تنظر نحوه

وعواصف تهيج بقلبها جعلته جثة هامدة بلا حياة !

عيناه الزرقاوان الصافيتان تعلقتا بالفراغ ليهيم في ذكرياتٍ حبس بداخلها

دون أن يشعر أو يبالي بمن كانت تحدق به بين الحين والآخر

تتأمل قسماته الذابلة الشاحبة .. ووجهه ذو الطبيعة الروسية شديدة البياض

وشعره العسلي الذي ماكان ليتركه مبعثراً كما الآن

بل حتى تلك الشقة المميزة ذات الطابع المخملي الراقي والأنيق

لم يكن يقبل أبداً بترك ذبابة تحوم في أرجائها .. على الرغم من كونه شاب أعزب

الا انه كان يهتم بأدق التفاصيل .. مظهره .. البيئة المحيطة به .. وحتى رفاقه

بعزم اقتربت منه مبعدة الكرسي المجاور له لتجلس عليه هاتفة بسخط :

ألن تخبرني مابك ؟ تسوئني حالك هذه حقاً سيكيم
لما لاتحدثني لطالما كنت أبوح لك بكل شيء
حياتي مشاكلي وحتى الخاص منها ..
حتى حماقاتي كنت اخبرك بكل شيء ولا أزال

أكملت برجاء وهي تمسك يده القابضة على الكوب :
لما لا تبوح لي بما يؤلمك .. ولو لمرة .. كصديقين حقيقين .. سيكيم

ابتسم فجأة ساخراً وهو يهمس : صديقين ؟ هه .. ام صديقين حقاً

زفر بشدة محاولاً طرد تلك الأفكار من رأسه والتفت لها بابتسامة مستهترة :

مالذي تهذين به تعلمين أني لاأحب هذه اللحظات الشاعرية
صداقة وذكريات وألم .. من ذا الساذج الذي أوهمكِ بأني أتألم .. آه انتظري اني بالفعل أتألم
لكون اجازتي التي بدأت لتوها ستجرد مني مجدداً لأسبابٍ أنانية سخيفة
بالطبع يجب أن أكون ساخطاً ومتألماً أولست محقاً

أردف وهو ينظر للكوب وينهض لغسله باستياء :

ثم لما لم تحركي السكر جيداً وأنا كنت أتسائل لما طعمه سيء هكذا

نظرت نحوه وقد ضيقت عينيها كأنما لاتزال لا تصدق مايتفوه به :

منذ متى وأنت تتذمر من عملك ؟

استدار لها وهو يغلق الصنبور قائلاً بتمرد : منذ أمد ولكني كنت أتغاضى عن هذا ولذا استلذ ذلك الرئيس تعذيبي واستغلالي

– هذا ليس صحيح ,مالذي تتفوه به .. كنت تفخر به دائماً ان مااراه منك يجعلني أوقن أن هناك خطب ما
شيء جرى خلال مهمتك السالفة .. بصدقٍ أخبرني مالذي جرى هناك لما تغيرت كل أفكارك على حين غرة ؟

حقدٌ طغى تعابيره مزدوجاً بابتسامة صغيرة أجبر نفسه على اظهارها

– لاتقلقي .. لم يحدث شيء البتة .. وأنا .. لازلت على مايرام .. ثقي بذلك

حمل معطفه الجلدي الأسود والتقط هاتفه الخليوي ليضعه في جيب معطفه حالما ارتداه
قائلاً بينما يهم بالمغادرة :

كل رجائي أن لاتثقلي بزياراتكِ كريستينا .. فلم نعد طفلين ..
أنتِ الآن تقتحمين منزل فتاً أعزب سيكون من السيء لسمعتكِ ان ترددتِ علي بهذا القدر .. عن اذنك ..

خرج بينما أجابته بغيظ :

أولا تقول شكراً لهذه الفتاة المسكينة التي حولت جحيم شقتك الى نعيم
جاحد حقاً .. ثم من أين جاء بهذه الأفكار الغبية المجنونة .. ماالذي يعنيه زيارتي لأحمقٍ أعزب مثله !
انه مجنون حقاً جن مذ عاد من تلك المهمة السرية الغبية
فقط لو أني أعلم مالسر الذي يخفيه ومالذي جرى هناك !

حملت حقيبتها الحمراء الصغيرة وهتفت بسخط : انه خطأي حين ضيعت وقتي مع شاب عديم الفائدة مثله

التقطت قطعة مطاطية بيضاء بلون ثيابها رفعت بها شعرها البني ذو الحمرة المميزة وقد سمحت لغرتها بمعانقة جبينها

أخرجت من جيبها تلك الصورة التي كانت ملقاة على سريره مع الكثير من مثيلاتها !

ونظرت لها ملياً .. لتلك الابتسامة التي ارتسمت جلية على مجموعةٍ من المتدربين بزيهم العسكري الخاص ..

كان هو الرابع بينهم يقف محيطاً بذراعه شاباً بسمرة خفيفة وملامحٍ شرقية يبتسم بعفوية وتلقائية

وكذا بدا في الصورة ذلك الضخم العابس دائم التجهم والذي كان مألوفاً لها

شعر أصفر باهت وبشرة بيضاء وعينان قاسيتان سوداوان ..

قلبت ناظريها بين جميع الشبان وقد عرفت معظمهم بحكم علاقتها القديمة به

لكنها ظلت تحدق ملياً بذلك الشرقي الغريب الذي كان يقف بجواره ورابطة خفية تحيط بهما لم تعلمها أبداً !

وقفت بجانب النافذة مبعدة ذلك الستار الأبيض الرقيق عنها لتجده في الأسفل

يرتدي خوذته ويركب دراجته النارية لينطلق بعدها الى المجهول !

عادت تحدق بالصورة بفضول وقلبتها تقرأ ماكتب خلفها لتجد تاريخها يعود لسبع سنينٍ مضت ..

حين كان لايزال في التاسعة عشر من عمره ..

حركت خطواتها لتعود للغرفة مسرعة وتخرج ألبوم صوره الذي رتبته تواً

وهي تتسائل مالذي أشعل ذكرياته فجأة .. مالذي اقتاده للحنين لتلك الأيام بعد أن كان غير آبه بها !

بل ويسعى للبعد عنها وطيها قدر الامكان ..

فجأة استدركت أمراً ما فأخرجت بسرعة تلك الصور التي كانت ملقاة على سريره

واذا بها تدرك جزءاً من ذلك السر الذي يخفيه .. سرٌ كان بطله ذلك الشاب الشرقي المجهول

والذي لم تجد له أثراً سوى في ذكرياتٍ تعود لسنيه سبع مضت ولم يوجد في سواها !

فتحت باب الغرفة لتتوجه نحو الفراش بصمت متأملة ملامحه الغاضبة رغم عينيه المغمضتين

كانت تعلم أنه يدعي النوم إنما آثرت ألا تبوح بما في داخلها بكل مااكتنزته من أخبار وأحاديث لتبوح بها حالما يعود ,

جلست بجواره ووضعت يدها بتردد على شعره البني تلاعب خصلاته بأناملها النحيلة وماهي الا لحيظات حتى أبعد يدها

باستياء وهو يهمس : أريد النوم كفي عن ازعاجي رجاءاً ..

لمعت عيناها اثر تلك الدموع حبيسة مقلتيها .. ونطقت بانكسار مستسلمة :

لو كانت هي .. لكنت أحببت ذلك صحيح ؟ .. لن أستطيع أن أحل مكانها أبداً مهما حاولت
رغم أنها نصفي الآخر وبالرغم من أنا تشاركنا كل شيء , متشابهتين بكل شيء
لكن مكانتنا في قلبك ليست واحدة أبداً .. لن أتمكن من احتلال جزءٍ ضئيل حتى من قلبك
أعجب أي سحر كانت تملك ؟ أم هو الحب الذي أعمى بصيرتك .. ايفان

ظل يستمع لها بصمت لم تحركه كلماتها التي واصلتها باختناق :

مذ التقينا وحتى بعد زواجكما ورغم حبي الكبير لك الا أني أقسم .. أنني كنت سعيدة حقاً بتلك الرابطة الجميلة
التي احتوتكما .. تمنيت أن تطول .. أن .. تعيش للأبد , أحقاً تظنني سعيدة بأن أحتل مكانة لاتخصني ,
مكان شقيقتي الحبيبة ؟! حتى الحب ماكان ليجعلني أتمنى هذا أبداً

تدفقت سيول عينيها التي أذابت الجليد عن قلبه لوهلة فنهض يقول بحدة اصطنعها :

غبية حقاً مالذي يجعلكِ تفكرين بهذه الأمور الآن .. لأني غضبت وصرخت بوجهكِ فقط ؟
انني مستاء وحسب لكوني عاجز عن ايجاد عمل لي حتى هذه اللحظة الأمر مرهق
أكثر مما تعتقدين أيتها البلهاء

وكأنما هي واثقة بكذب كلماته تلك قالت غير آبهة بما تفوه به :

لقد انتظرتك منذ ليلة الأمس .. طويلاً جداً , كنت مترددة خائفة وسعيدة في الوقت ذاته , لكنك لم تعد أبداً
أشرقت الشمس ولما تعد بعد شعرت باليأس يقتلني .. بالوحدة والانهيار .. أدركت حينها مكاني من حياتك
بالأمس .. كان ذكرى رحيلهما صحيح .. نتاشا في مثل مساء الأمس .. كانت لتوها تحتضن التراب باسمة وأنت
كنت لتوك تعود بعد دفنها وكذا بقيت معها طيلة الليلة .. ومع صغيركما الذي انتظرتماه طويلاً .. وياللقدر

ابتسمت ضاحكة والدموع لاتزال تعانق وجنتيها المحمرتين وأدارت وجهها له تخاطبه بحرقة :
نتاشا ستولد من جديد .. لا أعلم مايكون جنسه بعد .. لكن قلبي ينبئني أنها نتاشا

نظر لها بتعجب وحيرة وقد عقد حاجبيه بينما يحاول استيعاب حديثها

وهي تكمل وقد تحولت ابتسامتها لشهقاتٍ متتابعة : أنا .. حبلى ايفان .. أنا .. حبلى

اتسعت عيناه بينما انهارت باكية بحرقة وهي تضع يده على بطنها ولما يزال جاثماً مكانه

وقد عقدت الصدمة لسانه وشلت حركته !

حل المساء وعاد أخيراً يحمل في يده كيساً احتوى على شطيرة وبعض السكاكر

أغلق الباب من خلفه واستبدل حذائه .. وماان هم بالدخول لغرفته حتى لحظ تلك الفتاة

والتي كانت تجلس أمام شاشة حاسوبه تعبث دون أن تنتبه لوجوده

وقف بجوار الباب قائلاً بهدوءٍ خالطه الاستياء : لما لازلتِ هنا ؟

التفتت له مبتسمة بلا مبالاة : مرحباً بعودتك .. لقد تأخرت قلقت عليك حقاً

أكملت وهي تتجه نحوه وتأخذ الكيس منه : لازلت تتناول هذه الأطعمة السيئة دعني أطهو لكِ شيئاً جيداً للعشــ …

بترت جملتها حالما اختطف الكيس منها وقد بدا الغضب جلياً على قسمات وجهه الهادئة عادةً :

عودي لمنزلكِ كريس لم أعد طفلاً لتقلقي بشأني

هذه المرة كانت تصطنع الابتسام بينما تنظر له بعتاب وسخط

وسرعان ماتوجهت للأريكة لتلتقط تلك الصورة بجانب الحاسوب

– سأذهب انما قبل هذا أحببت أن تخبرني عنه قليلاً .. كما تعلم أحب الاستماع للقصص وأهوى قرائتها ..
باستنكار أجاب : من تقصدين ؟

بابتسامة تحدٍ قالت بينما تقلب الصورة بين أصابعها بعبث :

لنرى .. آدم كريم لاجيء من أصول عربية روسية متدرب عسكري سابق أحيل للاقالة بعد

مدة قصيرة من انضمامه لكونه قد خالف الشروط المطلوبة و …

توقفت بعدما أخذ الصورة منها بقوة صارخاً بها : من سمح لكِ بالعبث في أشيائي بل والبحث بأمورٍ لاتعنيكِ !!

بكبرياء حاولت اظهاره أجابته مدافعة :

أشيائك هذه كانت مبعثرة هنا وهناك جلية لي لم أعبث بشيء منها فلست أهوى هذه الأمور
وبحثي بها لأنك لاترغب بالبوح بشيء أبداً أنت لاتقدر قلقي ومشاعري سيكيم

بسخط قال وهو يحاول جاهداً السيطرة على غضبه :

قلتها بنفسكِ لاأرغب بالبوح بشيء انه أمر يخصني لاعلاقة لكِ به هلا توقفتِ عن التدخل بشؤوني كما لو كنتِ أمي
أبلغ السادسة والعشرين ولازلتِ تقتحمين حياتي كما لوكنتِ مسؤولة عني اتركيني وشأني

– أكل هذا من أجله ذلك الغريب العربي لم يمكث معك أكثر من أشهر قليلة
ومع هذا تصرخ علي بسببه وتجرحني كذلك من يكون لتفعل كل هذا لأجله ؟؟

– لقد مات لذا بامكانكِ أن تكوني مطمئنة حسناً .. لقد قُــ … تـــ… ل والآن اخرجي

نظرت له وقد هدأت أخيراً وساد بعض الصمت قبل أن تنطق بأسف : صديقك ؟

نظر لها باستياء بينما يضع يديه على خصريه مسنداً قدمه للجزء السفلي من الطاولة

– مارأيكِ أنتِ ؟ هلا سجنتِ فضولكِ المزعج قليلاً .. رجاءاً اخرجي اريد البقاء بمفردي

أكملت دون اكتراث لحديثه : لقد فقدت الكثيرين قبله .. انها المرة الأولى التي أراك فيها بهذه الحال ..
من يكون حقاً بالنسبة لك ؟

وضع يده على جبينه بيأس ثم أبعدها وهو يعاود النظر لها قائلاً بنفاذ صبر :

رجاءاً قلت اتركيني وحــ…

– أجبني أرجوك

استدار صارخاً بحرقة : لأنه لايستحق .. كان طاهراً نقياً .. مختلفاً , وأنا كما هي عادتي …

صمت يحتبس بقية كلماته بداخله بينما طغى الأسى على قسمات وجهه

وصوته المرتعش الذي تمتم برجاء : اتركيني وحدي رجاءاً

نظرت له بتفهم متعاطفة وأمسكت يده تضمها بيديها مخاطبة اياه بصدق :

سأذهب .. انما .. حين ترغب بالحديث ستجدني …

– أعلم .. ستكونين بجانبي .. عمتِ مساءاً كريستينا

قالها وقد أبعد يده عن يدها مما جعلها تنظر بحيرة شديدة تصرفه الغريب ذاك

وابتعدت بصمت خارجة لتتركه يفرغ مشاعره المكبوتة .. في ظلمة المساء !

.

.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده