بقلم: جمرة الحب
لم تكن جميلة و لا فاتنة .. و كانت ملامحها خشنة و حياتها مقفرة كصحراء مجدبة .. و لكنها كانت ذات قلب نبيل ملئ بالمشاعر الصادقة .. كنهر متدفق بالعطاء و الخير ..
و عندما جاء المليونير الشاب الوسيم اختار الأنثى الفاتنة و تدله في حبها .. دون أن ينتبه إلى ذات القلب النبيل ..
و لكن .. كان للقدر اختيار آخر .. عندما رتب بلمساته أن يضعهما وجهاً لوجه ..
و من شخصياتها:
سعاد
غادة
ممدوح
و عدة أشخاص غيرهم
نبدأ بالجزء الأول تحت اسم:
جراح قلب
اليوم خطبة أختي الصغيرة { غادة } .. و أسمع الزغاريد و أصوات الضحكات الصاخبة قادمة من صالة شقتنا الصغيرة .. جاء الجيران و الأصدقاء ليباركوا لأختي .. و حملت تعليقاتهم لي قدراً من السخرية و التلميحات الجارحة .. و بدلاً من ان تصد عني أمي الألسنة التي تأكلني .. رأيتها تشارك الساخرين سخريتهم .. و تزيد من جراحي و آلامي ..
حاولت أن أكبت دموعي .. مارست قدراً هائلاً من الإرادة في أن أتماسك .. و أنا جالسة في حجرتي الصغيرة الضيقة المطلة على ذلك المنور المعتم ..
و كانت مرآة دولابي الصغير المتهالك تعكس صورتي .. تلك الصورة التي حاولت أن أهرب منها عمري كله دون جدوى ..
صرت لا أطيق صورتي .. لا أطيق نفسي .. لا أطيق كل ما يحيط بي .. حتى الهواء الذي أتنفسه أتمنى لو منعته عن صدري .. لم أعد أحتمل حجرتي الضيقة الكالحة الجدران .. و النافذة ذات اللون المعتم .. و التي لا تأتي بأي بصيص ضوء من المنور الكريه الرائحة الذي تطل عليه .. و تلقي إلى صدري برائحة تكاد تقبض على روحي ..
حتى ملابسي القليلة في دولابي أشعر أنني لا أكاد أحتمل رائحتها .. صارت حياتي كلها عبئاً على روحي ..
و تساقطت دموعي رغماً عني .. في كثير من الأحيان لا أشعر أنني أبكي .. إلا بعد أن تبلل دموعي وجهي و ملابسي .. و تدمي عيني ..
من بين غشاوة الدموع لمحت وجهي منعكساً فوق المرآة .. و نظارتي الطبية السميكة تكاد تخفي عيني .. منذ وعت عيناي الدنيا و أنا أرتدي هذه النظارة السميكة و بدونها لا أكاد أرى .. لا تفارقني ليلاً أو نهاراً .. لكم قاسيت و عانيت بسببها من سخرية زميلاتي و قريباتي .. و كل ذنبي أن الله خلقني لا أكاد أرى بدونها .. حتى أختي الصغيرة لم ترحمني من سخريتها .. و كم من مرة أخفت نظارتي متعمدة .. لكي ترقبني ضاحكة و أنا أبحث عنها متعثرة .. أتخبط بين الجدران و المقاعد و الأرائك .. و يوم تعثرت قدمي في مقعد حجرتي بسبب إخفاء { غادة } أختي لنظارتي الطبية و سقت على الأرض و كسرت ساقي .. لم تنال { غادة } أي عقاب .. و قالت إنها لم تخف نظارتي .. بل أنا التي نسيت أين وضعتها .. و صدقتها أمي .. و نلت من عقابها الكثير برغم آلامي ..
و ظللت شهراُ كاملاً راقدة في فراشي بساق مكسورة ,, لا أنال غير سخرية أختي { غادة } .. و بعض إشفاق أمي .. و كثير من غضبها .. و لهذا صرت لا أطيق نظارتي الطبية أيضا ..
يقولون إن المذاكرة أكلت نظري .. و تسخر { غادة } مني قائلة : ما فائدة الشهادة التي تسلب من الفتاة عينيها .. إن الرجل عندما يختار زوجة له يختارها جميلة و لو كانت بلا شهادة .. و لكن بماذا ستفيده شهادتها إذا كان معها نظارة طبية لا تكاد ترى بدونها ؟
فهل كانت نظارتي الطبية ثمناً لشهادتي الجامعية التي حصلت عليها بتفوق .. أن انها كانت قدراً حزيناً .. ككل مايحيط بي في هذه الحياة ؟
أقتربت من المرآة .. مسحت دموعي .. و قفت لحظه احدق في صورتي المنطبعة فوق صفحة المرآة مشوشة مضطربة ..
وجه قمحي اللون أقرب إلى السمار .. الأنف كبير غير متناسب مع العينين الصغيرتين السوداوين .. و الشفتان واسعتان شاحبتان .. و الذقن عريضة غير رقيقة .. و بشرتي خشنة جافة .. و الشعر القصير مجعد لا تفلح أي كريمات في تهذيبه و تصفيفه ..
كانوا يقولون عني دائماً أن ملامحي ملامح رجل أخطأت الطريق إلى أنثى .. و كانت أشقى سنوات عمري هي سنوات دراستي الجامعيه ..
في المدرسة لم يكن وعيي قد تفتح .. و كنت لا أزال طفلة حتى بعد أن حصلت على الثانوية العامة .. طفلة منغلقة على نفسها .. و كان يترامى إلى أذني سخرية كنت اتحملها .. فلم أكن أرى فيهم إلا مجموعة من الأطفال المتفاخرين بأشياء لا فضل لهم فيها ..
و لكن .. كان الحال في الجامعة مختلفاً تماماً ..
رأيت هناك عالماً واسعاً كبيراً .. و أشكالاً مختلفة من الفتيات و الشبان ..
لم أكن أشبه أحداً فيهم ..
لم أسمع أحداً يسخر مني .. و لكنني رأيت ذلك في عيونهم .. لم أسمع أي تعليق جارح على ملامحي .. و لكنني أدركت مدى نفورهم مني و تجنبهم لي .. و إشاراتهم البعيدة الساخرة التي كانت تقصدني من وراء ظهري .. و جرح سمعي تغيير أسمي فأطلقوا علي أسم { سعد } بدلاً من { سعاد } .
كانوا يعاقبونيي على ذنب لم أرتكبه .. و يؤلمونني على فعل لم أذنب فيه ..
و لم تكن لي حيلة غير الانطواء .. و الوحدة .. بعيداً عن قسوة هذا العالم ..
لم تكن لي صداقات .. و حتى القليلون الذين حاولوا التقرب مني .. كان ذلك لرغبتهم في الإستفادة من ملخصاتي و كراساتي الدقيقة .. و بعد أن ينالوا مايريدون يبخلون علي حتى بتحية الصباح .. و ينضمون إلى قافلة الساخرين ..
لم تكن تفوتني محاضرة واحدة .. فلم يكن لي من رفيق و لا صديق غير دراستي بكلية التجارة .. و كنت أسمع أمي تقول لي باستمرار : إذا لم تحصلي على شهادتك فلن تتزوجي أبداً .. فالشهادة هي سلاح الفتاة ضد الزمن ..
و كانت تصمت و لا تكمل .. و لكنني كنت أقرأ في عينيها بقية حديثها المبتور .. كانت عيناها تقولان لي : إذا لم تحصلي على شهادة جامعية تغري رجلاً ما بالزواج منك .. فأي إغراء آخر قد يدفع أي رجل في هذا العالم للارتباط بك ؟؟
و هكذا كانت آلامي تتزايد .. و جراحي تتعمق .. و أحزاني تتعملق ..
لم أسمع أمي أبداً تطلب من { غادة } أن تذاكر .. بل كانت دائماً تدللها و تحضنها و تقبلها و هي تقول لها : يا بخت العريس الذي ستكونين من نصيبه .. فسيتزوج حورية من الجنة ..
ثم تعقد حاجبيها شأن التاجر الذي يدرك قيمة بضاعته .. و تضيف : لن أزوجك إلا لمن يستحقك .. و يدفع ما أريد من مهر ..
و ذا راتها تستذكر دروسها في أحيان قليلة تلومها قائلة : لا تكثري من المذاكرة لئلا تتعب عيناك الجميلتان ..
كانت { غادة } تصغرني بخمس أعوام .. و هب في الثانية و العشرين .. و أنا أكاد أتجاوز السابعة و العشرين ..
و منذ ولادة { غادة } .. تضاعفت آلامي و صارت مثل شجرة أحزان لها ألف فرع .. لا تصد عني ألماً أو تدفع عني أذى أو جراحاً ..
لم أكن أكره { غادة } أختي أبداً برغم الآلام التي سببتها لي .. كنت أحبها مثل نفسي .. كقطعة مني .. هي أختي الوحيدة .. و لكن هل كانت { غادة } تحبني بنفس القدر ؟؟
أذكر و أنا طفلة أنني كنت موضع عناية أبي .. و كان { رحمه الله } رقيقاً عطوفاً .. يأتبيني باللعب و الهدايا و كل ما أتمنى ..
و كانت أمي خشنة العاطفة معي .. في معاملتها لي نفور و ضيق .. كأنها نادمة على أنها أتت بي إلى الدنيا ..
كنت أسمعها تقول عني : ليتها كانت ولداً !!
و كانت خالتي تقول لأمي ساخرة و هي تقصدني : على ماذا تحمت عندما كنت حاملاً فيها؟؟
و كانت إحدى جاراتي تسميني الشاويش { عطية } ..
لم يحدث أن سمعت كلمة تدليل من إنسان حولي .. حتى أمي ..
و كنت أسمع و أرى و أختزن في عقلي .. حتى دون أن أفهم .. و كانت حياتي إلى ذلك الحين محتملة ..
ثم جاءت { غادة } و أحدثت انقلاباً في حياتنا ..
كانت { غادة } شيئاً آخر .. جميلة كالقمر المنير .. وجه أشقر فاتن رقيق كنسمة الربيع .. و عينان لوزيتين خضراوان صبوحتان كندى العشب .. و شعر بلون الذهب .. و أنفها و فمها كانا تحفة للناظرين ..
و طارت أمي بمولودتها الجديدة الفاتنة ..
و بدأت { غادة } تحتل أهتمام الجميع .. الأقارب و الجيران و الأصدقاء ..
كانوا جميعاً يطرون جمال { غادة } .. ثم يكملون في لهجة آسفة : سبحان الله .. من يصدق أن من يأتي بمثل هذا الجمال الفاتن .. ينجب مثل تلك الوحاشة ؟؟ و كانوا يقصدونني بالطبع ..
و منذ تلك اللحظات .. لحطات المقارنة الأولى .. بدأت أحزاني و آلامي تتضاعف و تنمو مثل شجرة صبار .. تعاني من هجير المشاعر حولها .. ولا ترويها إلا قطرات دموعها .. فتنمو جافة يابسة .. ميتة المشاعر ..
كنت أختفي في حجرتي إذا ما أتى أقارب أو أصدقاء للزيارة .. حتى لا تقع عيونهم على وجه المقارنة .. أختفي من سخريتهم و كلماتهم الجارحة ..
و هكذا تعلت أن أكون وحيدة .. مبتئسة .. و كان الجميع ينسونني .. و في أحيان كثيرة كنت أبقى في حجرتي يومين كاملين لا أخرج منها إلا إذا كاد الجوع يقتلني .. و إذا لم أفعل .. لم يتذكرني أحد .. ولا حتى أمي !!!
و كثيراً ما اختلست النظرات و أنا طفلة إلى { غادة } .. و كثيراً ما وقفت أمام فراشها أتأمل تقاطيعها الجميلة .. ثم أنظر إلى المرآة .. و أتساءل في حزن : لماذا لم يخلقني الله جميلة مثل أختي .. حتى أنعم ببعض هذا الحب و الاهتمام الذي تناله من الجميع ؟؟
و لم يكن يشفق علي غير أبي .. و كنت احبه مثل روحي ..
و لكن .. لأن الدنيا اعتادت أن تضن علي حتى بلحظة سعادة مسروقة .. لذلك سقط أبي مريضاً .. و مات بعد أيام قليلة ..
حدث ذلك و عمري عشر سنوات ..
و ترك أبي لنا بعض المال و معاشاً لا بأس به استطاعت امي أن تدبر به حياتنا ..
و لكن موته ترك في قلبي جرحاً لا يندمل أبداً .. و مزيداً من الأشواك و المعاناة .. و طعم الصبار المر على شفتي لا يتركني أبداً .. فلم يكن أحد يحبني في هذا العالم .. مثل أبي ..
و أكملت الأيام دورتها ..
و كبرت { غادة } .. و كبرت انا قبلها ..
كنت احبها و أفخر أنها أختي الجميلة .. و لكنها تمتعض لمجرد ظهوري معها أمام الأصدقاء .. و تكاد تتبرأ مني .. تتأفف من كلمة أختي .. لا تطيق حتى أن تراني في مدى عينيها ..
كانت ترفض أن أذهب معها لتوصيلها إلى المدرسة .. حتى لا تضطر أن تقول أمام صاحباتها أني أختها ..
و ترفض أن تذهب معي لشراء شيء ما .. حتى لا أخطئ أمام البائع و أناديها بكلمة أختي ..
و كانت دائماً ترفض وجودي بجوارها .. ربما لأن في وجودي إهانة لجمالها و تقليلاً من شأنه .. و برغم أنها تصغرني .. فقد تعلمت أن تعطيني الأوامر .. تطلب مني أن أؤدي لها واجباتها المدرسية .. و أغسل لها ملابسها .. و أنظف حذائها ..
لا أنام قبلها أبداً .. و أستيقظ في الصباح لأجهز لها الإفطار و الشاي قبل ذهابها للمدرسة .. بل قبل استيقاظها ..
كانت تعتبرني شيئاً أقل منها .. ربما خادمتها .. لم تعاملني أبداً على أنني أختها .. لكنني لم أكرهها برغم ذلك ..
لم يتعلم قلبي الكراهية .. و لا تدنس بمشاعرها أبداً .. و كنت أغفر لها و أسامحها دائماًُ .. و أصرت { غادة } ان تحصل على أكبر حجرة في المنزل لتكون حجرتها فلم تمانع أمي .. و صار نصف معاش أبي يصرف على ملابسها و زينتها فلم تعترض أمي .. و رسبت { غادة } في الثانوية العامة ثلاث مرات فلم تلمها أمي أبداً ..
كانت أختي تحتل من أمي كل مشاعرها و اهتمامها .. و لم يكن لوجودي أية قيمة في عيني أمي ..
صنعت أمي من تمثالها الجميل .. أنانية و تقديساً للذات بلا حدود .. و أنطلقت { غادة } تمارس أنانيتها و غرورها على الجميع .. حتى أمي ..
في دولابها عشرات الفساتين و الأحذية .. و أدوات الزينة و الروائح .. و لم أكن أجرؤ حت على إلقاء نظرة إلى كل هذه الأشياء .. و لكن ذلك لم يدفع بأي كراهية إلى نفسي .. فهي جميلة الجميلات .. و ست الحسن و الجمال .. و من كان لهن مثل هذا الجمال .. يكون من حقهن امتلاك أشياء أخرى كثيرة .. لا يحق لمن كانت مثلي امتلاكها أبداً ..
كنت أجد آلاف المبررات لأختي .. كي أستمر في حبها .. برغم كل ما تفعله بي ..
و ذات يوم و أنا في الجامعه .. فوجئت بها تذهب إلى هناك .. كان في عام الليسانس منذ ست سنوات .. كان عمرها ستة عشر عاماً .. كانت في بداية اكتمال انوثتها و تمام مراهقتها .. و قد أضفى عليها احساسها بجمالها و فتنتها رونقاً و بهاءً .. وجهها و جسدها كانا يشعان بتلك الأنوثة الفوارة .. و عيناها تطمحان إلى الانطلاق إلى أجواز السماء فوق جواد جمالها الجامح غير العادي .. و كأنما حدث انقلاب في الجماعة بوصول تلك { الغادة } ..
و تقاطر الطلاب و الطالبات لرؤية تلك الفاتنة الساحرة .. فالجامعة كلها لم يكن لها فتاة لها مثل جمال { غادة } .. أختي .. حتى بنات الأثرياء و العظماء لم يكن لهن مثل فتنة { غادة } .. كانت فلتة من صنع الإله لا تكرر ..
و ما إن عرف الزملاء بتلك الصلة التي تربطنا .. حتى أصابهم ذهول عظيم .. كأنهم لا يصدقون أن مثل ذلك الجمال يمكن أن ينتمي بأي صلة إلى تلك الوحاشة ..
و أحسست يومها أنني أكاد أسقط في بئر .. تجلت المقارنة بيننا واضحة في عيون الآلاف .. كأنهم في كل لحظه كانوا يمدحون جمالها .. كانوا يسقطون علي في نفس اللحظة فيضاً جارحاً من تعبيرات السخرية و الشفقة المزعومة ..
لأول مرة شاهدت { غادة } و هي لا تخجل من قولها إنها أختي .. و أمام مئات الزملاء .. كأنها تريد أن تؤكد شيئاً ما .. و تركتها و هرولت باكية إلى حجرتي ..
بكيت يومها كما لم أبكِ من قبل .. و تساءلت بيني و بين نفسي : لماذا ذهبت { غادة } إلى الجامعة .. و لماذا تعمدت أن تقول بأنها أختي ؟؟!! ..
و لم أجد إجابة على دموعي و تساؤلاتي ..
و لكنني بعدها امتنعت عن الذهاب للجامعة إلا لتأدية الامتحان .. و فوجئت ببعض الزملاء ممكن كنت أجهل حتى أسماءهم .. و قد جاءوا للسؤال عني ..
و أدركت من نظرتهم ل { غادة } .. أنهم ما جاءوا إلا لرؤيتها هي .. يومها رأيت السعادة تشع من عينيها و ترسم هالة حول وجهها المشرق .. و هي تستقبل الجميع مثل ملكة تتقبل فروض الولاء من رعاياها ..
و لحظتها فقط أدركت سر ذهاب أختي إلى الجامعة .. كانت تريد أن ترى تأثير جمالها على هؤلاء أصحاب الشهادات و الثروات .. بعد أن ملت من كثرة المراهقين ممن كانوا يقفون في انتظار ذهابها و عودتها من الدرسة .. لا يطمعون في أكثر من نظرة أو لفتة ..
و حصلت على شهادتي الجامعية ..
و بدأت أعمل .. رفضت أن أعمل معيدة في الجامعة برغم تفوقي .. فلم أكن أرغب في مزيد من الجراح و الآلام .. و إشارات السخرية الخفية .. و عملت في إحدى الإدارات الحكومية بمصلحة الضرائب .. و صار أغلب مرتبي تقبضه يداي لتأخذه { غادة } باليد الأخرى .. و لكنني لم أشكُ مع ذلك .. أليست أختي و قطعة مني ؟؟!! ..
كنت أحبها كنفسي ..
و رسبت { غادة } ثلاثة أعوام في الثانوية العامة .. و لم يكن لديها الرغبة في الاستمرار .. و رأيت أمي تبتهج لهذا الرقار .. و كان معنى ذلك أنه لم يعد هناك ما يمنع زواج { غادة } .. أعلنت أمي هذا بعد طول رفض ..
و بدأ توافد طابور العرسان إلى شقتنا الصغيرة في الحارة الضيقة ..
جاءوا جميعاً طالبين يد { غادة } .. بالرغم من أنني كنت أكبرها بخمس سنوات ..
و تركت { غادة } لأمي أن تختار العريس المناسب ..
و بدأت أمي تفحص و تدقق .. و رفضت العشرات من أصحاب الشهادات و الوظائف المرموقة مهما كانت .. فقد كانت أمي تؤمن بشئ واحد في هذا العالم .. المال ..
كانت تريد عريساً غنياً .. صاحب مال كثير .. ففي رأيها أن المال هو الضامن الأكيد ضد تقلبات الزمن ..
كانت تريد أن تقبض ثمناً غالياً في تمثالها الجميل ..
و جاء من يدفع الثمن ..
{ ممدوح } .. صاحب أكبر شركة استيراد و تصدير .. استطاع أن ينشئها بنفسه بالرغفم من أنه لم يتجاوز الخامسة و الثلاثين من عمره .. كانت يمتلك الملايين .. و سيارة فاخرة و فيلا أنيقة .. و لم يطلب من أمي أي شيء .. غير أن توافق على زواجه من أختي .. و قال إنه مستعد لأن يكتب لها كل ثروته بإسمها .. و أن يجعلها تعيش في النعيم .. فمنذ أن شاهد { ممدوح } { غادة } مصادفة و قد طار لبه بسبب جمالها الفاتن .. و صارت حلم حياته ليل نهار ..
و لم تكن أمي ترغب في أكثر من ذلك .. كان { ممدوح } هو الصيد الذي تنتظره أمي .. فوافقت على خطبة تمثالها الجميل ل { ممدوح } ..
و هاهي ليلة الخطوبة .. و قد انصرف الجميع عن الشقة .. حتى أمي و أختي ذهبتا إلى الكوافير و منه ستذهبان إلى الفندق الكبير الذي ستعقد فيه الخطبة ..
و لم يفكرا حتى في دعوتي للذهاب إلى الكوافير معهما .. فقد كنت شيئاً منسياً بالنسبة لهما ..
و لكن .. كان علي أن أذهب إلى الفندق .. و أن أبارك لأختي .. كأنني غريبة عنها لا تربطني بها صلة الدم .. و أم واحدة ..
و مسحت دموعي .. فبرغم نسيانها لي كان لا بد من ذهابي .. فلم أكن أكره أختي أبداً ..
لقد شاهدتم مقادر حزن سعاد فياترى ماذا سيحصل ؟؟؟ و هل ستذهب إلى حفل الخطوبة أم لا ؟؟؟
الجزء الثاني :
حفل الخطوبة ..
غادرت التاكسي و أمام باب الفندق الكبير .. فقد سبقتني أمي و { غادة } إلى الكوافير لكي تبدو { غادة } في أكمل زينتها .. و ترتدي فستان الخطبة الذي اشتراه لها { ممدوح } من باريس بعدة آلاف .. و لم تفكر { غادة } أو أمي في دعوتي للذهاب معهما إلى الكوافير .. و لعلهما نسياني تماماً ..
وقفت أمام مدخل الفندق الكبير مترددة .. المبنى عالِ ضخم فخم .. كل قطعة فيه تنبئ بعالم لم أختبره من قبل و لا أدري عنه شيئاً ..
و الداخلون و الخارجون يبدون كأنهم نوع آخر من البشر .. بملابسهم الفاخرة .. و مجوهراتهم المتألقة .. و شذى العطور القوية تفوح منهم ..
مددت أصابعي و تحسست العقد الزجاجي الرخيص الذي كنت أرتديه حول رقبتي ..
في غمرة اضطرابي انقطع العقد و انفرطت حباته على الأرض ..
أسرعت ألتقط الحبات المنثورة من فوق الأرض الرخامية الامعة .. و زاد ارتباكي إلى أقصى حد ..
اقترب مني أحد العاملين الواقفين على أبواب الفندق الكبير .. تطلع نحوي في تساؤل و شك .. نهضت مضطربة .. خمنت أنه يرى في كياناً غير متجانس مع هذا العالم السحري الذي أوشك على دخوله ..
تراجعت خطوتين إلى الوراء أمام نظراته .. كأنني لصة يكادون أن يمسكوا بها متلبسة .. و كدت أندفع هاربة من المكان .. لولا أنني تذكرت أختي .. و الخطبة ..
تمالكت إرادتي و خطوت نحو باب الفندق .. تجاوزته دون أن التفت يميناً أو يساراً .. و عبرت المدخل فشاهدت على يميني عدداً من المحلات الأنيقة ذات الأضواء المبهرة .. تعرض على فتارينها ملابس ذات أشكال غريبة و ألوان صارخة .. و إلى اليسار كانت هناك قاعة واسعة ارتصت بها موائد عديدة .. جلس إليها كثيرون بوجوه حمراء موردة و ملابس أنيقة .. و ابتسامات عريضة سعيدة تملأ ملامحهم ..
وقفت مضطربة لاهثة لا أدري أين أتجه .. ولا من أسأل ..
فوجئت بصوت من خلفي كاد يسقطني على الأرض .. التفت في فزع فشاهدت حارس المدخل الذي رماني بنظرات الشك من قبل .. كانت نظرات الريبة في عينيه قد تعاظمت .. و قال يسألني يعينين ضيقتين مستريبتين إلى أقصى حد : إلى أين أنت ذاهبة ؟؟!!
أحسست باختناق و جفاف ريقي .. قلت بصعوبة و انا أوشك على البكاء : إنني .. إن خطبة أختي ستقام هنا ..
رماني بنظرة دهشة هذه المرة .. و راح يتطلع نحوي و إلى ملابسي و ملامحي .. كأنه يستسغ أن تكون لي أخت يقام حفل خطبتها في هذا الفندق الفاخر .. ثم حدق في عيني كأنه يحاول قراءة الحقيقة .. فمنعت دمعة ساخنة كادت تسقط من جفوني ..
هز رأسه في صمت .. و تراجع مبتعداً .. و تنفست في عمق .. ابتسمت برغم دموعي .. فلم أكن أجيد معاملة الغرباء .. ولا ارتياد مثل تلك الأماكن ..
و وقفت لحظة حائرة .. و تساءلت بقلق : هل جاءت أختي و أمي من الكوافير أم لا ؟؟ .. و أين هما الآن ؟؟ .. و إذا كانتا لم تأتيا فهل سأقف مكاني لأنتظرهما ؟؟ .. و إذا كانتا بداخل هذا الفندق الكبير فأين سأبحث عنهما ؟؟!! ..
و تجمعت الدموع في عيني مرة أخرى .. لماذا لم تفكرا في دعوتي للذهاب معهما ؟؟!! ..
هل كانتا تخجلان مني ؟؟ .. حتى أمي .. أم أنها نسيتني كعادتها ؟؟ .. عندما تنشغل بأي أمر يخص { غادة } ..
فجأة دوت أصوات و طبول و موسيقى صاخبة .. كانت موسيقى الزفاف .. و كانت الأصوات قادمة من قاعة واسعة إلى اليسار ..
هرعت إلى المكان فوجدت زحاماً .. رجالاً و نساءً لا أعرفهم في ملابس سهرة لامعة ..
كان العريس و العروس واقفين في قلب الزفة و لكنني لم ألمحهما أو أستطيع الوصول إليهما بسبب الزحام حولهما ..
سمعت يدة ترتدي عقداً ماسياً متألقاً تقول : يا لها من عروس فاتنة .. كأنها قمر 14 ..
و قالت سيدة أخرى بشعر مصبوغ بجوارها : هما الاثنان مناسبان تماماً بعضهما بعض .. العريس أيضاً كأنه بدر في ليل تمامه ..
في نفس اللحظة لمحت أمي .. كانت واقفة في منتصف دائرة الزحام .. وجدتها قد ارتدت فستان سهرة أسود تلتمع أجزاؤه بفضل حبات الترتر و الخرز المطرزة على رقبته و أكمامه .. و شعرها مصفف بعناية فائقة .. و رقبتها يزينها عقد يضوي بانعكاسات أضواء و ألوان مبهرة ..
اندهشت .. كانت تبدو و كأنها ليست أمي .. لم أشاهدها قد صففت شعرها بمثل تلك الطريقة من قبل أبداً .. ولا أدري من أين أتت بمثل هذا الفستان الغالي .. كانت تبدو كما لو أن العمر قد عاد بها إلى الوراء عشرين عاماً .. و قد تألق جمالها القديم في تلك اللحظة .. كما لو كان قد نهل من نبع الشباب المتجدد ..
تحرك العروسان فوقع بصري عليهما ..
شهق قلبي من المنظر المبهر .. كانا فاتنين بحق .. كأنهما أمير و أميرة يخطوان إلى عرش سعادتهما ..
كانت أختي متألقة كما لم تقع عيناي عليها من قبل أبداً .. و حتى نجمات السينما و فاتناتها ما كن يصل إلى بعض فتنتها و جمالها .. كان جمالها ارستقراطياً .. متعالياً على كل من حولها .. و كان شعرها مصففاً على شكل تاج فوق رأسها .. و قد اشتبك بشعرها حبات عقد ماسي متألق .. تضوي حباته كالنجوم اللامعة .. و في أذنيها تدلى قرطان ماسيان أيضاً .. أما فستانها فكان من الحرير الأسود و قد أحاط بصدرها و ضاق على خصرها .. ثم يتسع لأسفل في تموجات على شكل جناحي فراشة .. فبدت أختي في فستانها الرائع كأنما هي ملاك رقيق بجناحين يستعدان للطيران و مغادرة العالم إلى دنيا أرحب و أوسع .. و قد بان في عينيها نظرة ملكة تستعرض فتنتها و تألقها أمام جموع المسبحين بجمالها ..
أما { ممدوح } فكان يبدو في تلك اللحظة كفارس عاد مظفراً من حروبه .. و كانت مكافأته تلك العروس الفاتنة .. و قد بدا في حلته الزرقاء و ربطة عنقه الحمراء .. كنجم يشع بريقاً و ضياءً وسط سماء معتمة .. و كانت سعادته الحقيقية ناطقة في عينيه .. بأنه من دون رجال العالم جميعاً .. فقد فاز بتلك { الغادة } الفاتنة ..
دق قلبي بعنف .. اغرورقت عيناي بدموع سعادة طاغية لمنظرهما .. ما أجملهما ..
هذا المشهد كنت أظنه لا يحدث إلا في الأحلام .. أو على شاشات السينما .. و لم أكن أظن أنه يمكن أن يكون قريباً مني إلى هذا الحد ..
وقفت على مسافة منهما يمنعني الخجل أن أقترب .. و كان هناك نت يقوم بتصوير الزفة { بالفيديو } .. و قد تعمد المقربون الوقوف بالقرب من العروسين .. حتى تلتقطهم عدسات التصوير ..
و سارت الزفة ببطء صاعدة إلى قاعة الحفل .. و جلس العروسان فوق مقعدين كبيرين أحاطت بهما الورود على شكل قلب كبير تخترقه سهام الحب ..
و كانت أمي تقف بين العروسين يتألق وجهها بمشاعر عجيبة .. و تبدو في عينيها فرحة ليلة زفافها ..
كانت سعادة أمي ب { غادة } لا مزيد عليها .. و كأنما توحدت الاثنتان في تلك اللحظة في كيان واحد ..
و كنت أدرك أنه لا بد من تهنئتي للعروسين باعتباري أخت العروس ..
و كان علي أن أتحرك أمام كل هذا الحشد .. و أصعد إلى حيث يجلس العروسان .. فأقبل أختى و أتمنى لخطيبها حياة سعيدة ..
و لكنني أحسست بخجل قاتل و بعرق غزير ينثال على جبهتي .. لأنني سأكون في بؤرة حدقات كل هذه العيون .. و لأول مرة أحسست بالخجل من ملابسي البسيطة .. و شعري الذي لم أفكر في تهذيبه عند أي كوافير .. و وجهي الذي لم أتعود على تجميله بأي مساحيق ..
و لكن كان علي أن أهنئ العروسين .. مهما كانت وطأة النظرات حوليي .. و مدى خجلي ..
و تحركت في اضطراب .. و ما أن بدوت أمام عيني أمي .. حتى أختفت نظراتها المتألقة البهيجة .. و حل مكانها نظرة أخرى مجهولة غامضة .. كئيبة .. متجهمة ..
عادت أمي التي أعرفها تماماً ..
و أحسست بلفح نظراتها يغوص في قلبي .. و لكنني تماسكت .. اتجهت نحو أختي .. كدت أتعثر في طريقي إليها .. و تقابلت نظراتي بها .. على الفور اختفت ابتسامتها الملكية .. و حل مكانها نفور و عدم ارتياح ..
ارتعشت شفتاي و كدت أبكي .. تمنيت لو أنني اختفيت من عالمها إلى الأبد في نفس اللحظة .. كان في عينيها ما يفصح بأنني نقطة ضعفها الوحيدة التي تتمنى الخلاص منها ..
و كنت أتمنى لو لم أتسبب لها في أي لحظة معاناة .. لو أنني أستطيع أن أختفي عن عينيها .. و عن كل هذا العالم .. و لكنني كنت أدرك أن مئات العيون تحاصرني .. و لم تسمح لي بحرية الهرب ..
احتضنتها و كذت اقبلها .. لكنها دفعتني بخشونة قائلة : انتبهي لئلا تفسدي زينتي .. و كنت قد شاهدت العشرات من صديقاتها و سيدات الحفل يقبلنها فلم تعترض أو تغضب .. ابتسمت لها رغماً عني و قلت : مبروك .. ربنا يتمم بخير ..
ابتسمت لي ابتسامة باردة خالية من الحياة و قالق بصوت مشحون بالسخرية و كأنها تتعمد طعني و جراحي : عقبالك ..
سقطت عيناي الحزينة على { ممدوح } .. لأول مرة أتأمله من هذه المسافة القصيرة .. كان أكثر وسامة و رجولة مما قدرت .. في عينيه عزم و قوة .. لا أدري هل كنت مُصحة في ظنوني أم لا .. عندما لمحت في عينيه تعبيراً من الدهشة و الاستياء .. هل كانت دهشته و استياؤه بسبب تصرف أختي معي .. أم أن ذلك كان بسبب منظري المشوش ؟؟!! ..
رأيته من قبل مرتين فقط في منزلنا .. يوم جاء لطلب يد أختي .. و يوم جاء للاتفاق على الشبكة و المهر و ما إلى ذلك .. و لمحني هو عن بعد .. و لم تظهر على وجهه أي معالم للدهشه .. كأنه يعرف أن الدنيا قادرة على فعل الأعاجيب .. أن تخلق الجمال و أن تنجب عكسه .. و أن تنبت النقيضين من بذرة واحدة .. فلماذا كانت دهشته تلك اللحظة ؟؟ ..
همست أغالب انفعالي و أقول له : مبروك أستاذ { ممدوح } .. رنا يتمم بخير ..
و تحركت أغادر المكان قبل أن أسمع رده ..
لا أكاد أرى أمامي .. دموعي توشك أن تخنقني و تسد الهواء عن مسامي ..
آلاف العيون تلاحقني .. عيون مندهشة .. و عيون مستفسرة .. و عيون مشفقة .. و أخرى ساخرة ..
اقتربت مني أمي بنظرة صارمة و همست لي بصوت بارد : امكثي مكانك ولا تتحركي .. دعي أختك و خطيبها و لا تفسدي عليهما ليلتهما .. لا تحاولي الاقتراب منهما مرة أخرى .. فالحفل يتم تصويره بالفيديو ..
و تحركت أمي مبتعدة و تركتني مقتولة بالحزن .. فما الذي فعلته لأفسد على أختي ليلة خطبتها .. و كل ما قمت به أني تمنيت لها حياة سعيدة ؟؟ ..
هل كانت أمي خجلى أن تراني كل هذه اليون القريبة .. و تعرف أنني أخت تلك العروس الجميلة الفاتنة .. ست الحسن و الجمال ..
و ما ذنبي أنا إن كنت لم أخلق بجمالها .. ولا حتى لجزء منه .. ما ذنبي إذا كان الله قد اختار لي هذه الهيئة و تلك الملامح .. و اختار ل { غادة } أختاً .. جمالها يخطف العقول و القلوب و الأبصار ؟؟ ..
لماذا لم تكن أمي بئر حنان و نبع شفقة يصب في قلبي فيخفف عني هجير أحزاني .. لماذا لا تجئ أحزاني إلا من مشاعرها نحوي .. هي الأصل و أنا فرعها .. فلماذا نلوم أشواك الصبار .. و لا نلوم النبتة التي أوجدته و منحته الحياة ؟؟ ..
أحسست بصداع يكاد يشق رأسي ..
و أشارت ساعتي إلى منتصف الليل .. و لم أعد أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك .. فغادرت القاعة دون أن يشعر أو ينتبه لي أحد ..
هرولت أغادر المكان الواسع إلى حجرتي الضيقة .. و فراشي الصغير .. و وسادتي الباردة .. و دموعي تسيل عليها أنهاراً .. ساخنة .. ملتهبة ..
و كان قلبي يخفق بسؤال حزين مرير .. لماذا لا يحبونني مثلما أحبهم ؟؟ ..
آه عليك يا { سعاد } كم عانيت في هذه الحياة و ليس هذا إلا جزءاً بسيطاً جداً من أحزانها و همومها الكثيرة ..
الجزء الثالث :
الحلم .. و الفارس
رحت أشق طريقي داخل تلك الغابة المظلمة .. كان قلبي يدق بفزع الرهبة .. و نبضي يحتضر خوفاً ..
لا أدري كيف وصلت إلى تلك الغابة .. ولا من الذي ألقاني في جوفها المخيف ..
فتحت عيني لأجد نفسي وسط دروبها المعتمة التي أحس أنها تسلبني طمأنينتي و هنائي .. و أشجارها العملاقة المتشابكة .. التي أشعر أنها توشك أن تلتف حول رقبتي و تخنقني .. و أوراق أشجارها اليابسة الملقاة على الأرض .. فما أكاد أطؤها بقدمي حتى تتكسر تحتها بصوت مفزع .. كأنه آهات كائن يحتضر و يعاني ..
زعق طائر قبيح الصوت بأعلى الأغصان فارتجت فزعاً .. التجأت إلى شجرة قريبة ذات ألوان ودودة لأحتمي بها .. فجأة خرجت من بين أغصان الشجرة حية عظيمة الحجم .. لها وجه انسان اعرفه .. انسان أحبه و يضن علي بحنانه ..
صرخت من الرعب .. اندفعت هاربة و الأغصان تخدش وجهي و ذراعي .. و نعيق البوم يطاردني .. و نقيق الضفادع يسخر مني .. و الغربان السوداء تحلق فوق رأسي زاعقة بصوت شامت .. كأنها تستجلب علي لعنات أبدية ..
جريت و جريت حتى تقطعت أنفاسي .. و ارتميت على الأرض لاهثة .. درت بعيني في المكان الذي وصلته أبحث عن منقذ للأمان .. اكتشفت انني عدت إلى نفس البقعة الأولى .. و أطلت علي الحية ذات الوجه المألوف مرة أخرى .. كان لها ملمس ناعم و ألوان مغرية .. و لكن الموت كان يكمن في أنيابها ذات الطابع البشري .. و نظرات الكراهية في عينيها واضحة حادة ..
كادت تعضني .. صرخت في فزع .. صرخت و صرخت .. فتوقفت الحية عن محاولة إيذائي و تأملتني بعينيها الضيقتين الخبيثتين .. ثم انفجرت ضاحكة ..
اندهشت .. و تراجعت للوراء .. و الحية لا تزال على ضحكها الساخر مني ..