التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

سلمان الفارسي – الباحث عن الحقيقة

سلمان الفارسي – الباحث عن الحقيقة

من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة..

ومن بلاد فارس، عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان، وفي العلم.. في الدين، وفي الدنيا..

وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمائه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في اعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّ: كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فاذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسلمون..

واذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل، والارادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد..!!

ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها..

وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى.

كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.

ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى..!

وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.

وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.

وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى:

(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).

أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه..

وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها.

انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح..

ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..

وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..

وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟

هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا.

تقدّم سلمان الفارسي وألأقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.

وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.

والله يعلم ، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها..

ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!

**

خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية..

كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا، ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!

وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.

وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..

وحين رآها دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلاعن مرمى الشظايا..

وسمّى بالله، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وهوى به على الصخرة، فاذا بها تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.

ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها، أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:

"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاهرة عليها"..

ثم رفع المعول، وهوت ضربته الثانية، فتكررت لظاهرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع، وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:

"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء، وان أمتيظاهرة عليها".

ثم ضري ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها، وأضاء برقها الشديد الباهر، وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما، وصاح المسلمون في ايمان عظيم:

هذا ما وعدنا الله ورسوله.ز

وصدق الله ورسوله..!!

كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير، حين استعان عليها برسول الله صلى الله عيه وسلم، وكان قائما الى جوار الرسول يرى الضوء، ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها، وواقعا يحياه، فرأى مداءن الفرس والروم..

رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..

رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!

**

وها هو ذا، جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة، ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس الى المسيحية، ثم الى الاسلام..

كيف غادر ثراء أبيه الباذخ، ورمى نفسه في أحضان الفاقة، بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!

كيف بيع في سوق الرقيق، وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟

كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟

تعالوا نقترب من مجلسه الجليل، ونصغ الى النبأ الباهر الذي يرويه..

**

[كنت رجلا من أهل أصبهان، من قرية يقال لها "جي"..

وكان أبي دهقان أرضه.

وكنت من أحب عباد الله اليه..

وقد اجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار التي نوقدها، ولا نتركها نخبو..

وكان لأبي ضيعة، أرسلني اليها يوما، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمهتهم يصلون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم حتى غابت الشمس، ولا ذهبت الى ضيعة أبي، ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري…

وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا في الشام..

وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا..

فحازرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..

وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام، أن يخبروني قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشام معهم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معهم الى الشام..

وهناك سألت عن عالمهم، فقيل لي هو الأسقف، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم، وأصلي وأتعلم..

وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، اذ كان يجمع الصدقات من الانس ليوزعها، ثم يكتنزها لنفسه.

ثم مات..

وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه، ولا أعظم منه رغبة في الآخرة، وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..

وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى، فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟

قال: أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه الا رجلا بالموصل..

فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم، فرحلت اليه، وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..

ثم حضرته الوفاة، فقلت له: الى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا.. يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص اليه فافعل.

وان له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة، اذا رأيته عرفته.

ومر بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم، فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم الى أرضكم؟.. قالوا: نعم.

واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني، وباعوني الى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.

وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فوالله ما هو الا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..

وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.

واني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها اذ أقبل رجل من يهود، من بني عمه، فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة اهنم ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي..

فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا، أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟

فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا..؟

أقبل على عملك..

فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: انكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..

ثم وضعته، فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا..

فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!

ثم رجعت وعدت الى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له عليه السلام: اني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه كلوا باسم الله..

وأكل معهم..

قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!

ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتلن مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فاذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي..

فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..

ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..

وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك"، فكاتبته، وأمر الرسولأصحابه كي يعونوني. وحرر الله رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق، والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.

**

بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله، وترسم له دوره في الحياة..

فأي انسان شامخ كان هذا الانسان..؟

أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة، وفرضته ارادته الغلابة على المصاعب فقهرتها، وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟

أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه الى المجهول بكل أعبائه، ومشاقه، ينتقل من أرض الى أرض.. ومن بلد الى بلد.. ناصبا، كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس، والمذاهب والحياة.. ويظل في اصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى، فيجمعه بالحق، ويلاقيه برسوله، ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض، وعباده المسلمون يملؤن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!

**

ماذا نتوقع أن يكون اسلام رجل هذه همته، وهذا صدقه؟

لقد كان اسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده، وفطنته، وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.

أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.

وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم، وكان نافلة..

فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له..؟ّ

فأجابه سلمان قائلا:

ان لعينك عليك حقا، وان لأهلك عليك حقا، صم وافطر، وصل ونم..

فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:

" لقد أشبع سلمان علما ".

وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا، كما كان يطري خلقه ودينه..

ويوم الخندق، وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..

وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".

وانه بهذا الشرف لجدير..

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:

[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟

أوتي العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف].

ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.

ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا، فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا، اذ جمع أصحابه وقال لهم:

"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!

وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.

لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا، ومجاهدا وعابدا.

وعاش مع خليفته أبي بكر، ثم أمير المؤمنين عمر، ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.

وفي معظم هذه السنوات، كانت رايات الاسلام تملأ الأفق، وكانت الكنوز والأموال تحمل الى المدينة فيئا وجزية، فتورّع الانس في صورة أعطيت منتظمة، ومرتبات ثابتة.

وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها، فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..

فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟

**

افتحوا ابصاركم جيدا..

أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟

انه سلمان..

انظروه جيدا..

انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد الى ركبته..

انه هو، في جلال مشيبه، وبساطة اهابه.

لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه جميعا، ويرفض أن يناله منه درهم واحد، ويقول:

"أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!

**

ثم ماذا يا أتباع محمد..؟

ثم ماذا يا شرف الانسانية في كل عصورها وواطنها..؟؟

لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم، مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر واخوانهم، أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..

فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية، ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم، ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟

ما باله يرفض اامارة ويهرب منها ويقول:

"ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".

ما باله يهرب من الامارة والمنصب، الا أن تكون امارة على سريّة ذاهبة الى الجهاد.. والا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه، فيكره عليها اكراها، ويمضي اليها باكيا وجلا..؟

ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليه فرضا يأبى أنيأخذ عطاءها الحلال..؟؟

روى هشام عن حسان عن الحسن:

" كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها.."

"وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من عمل يديه..".

ما باله يصنع كل هذا الصنيع، ويزهد كل ذلك الزهد، وه الفارسي، ابن النعمة، وربيب الحضارة..؟

لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم.

دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..

قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".

فأجابه سلمان:

" والله ما أبكي جزعا من الموت، ولاحرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا عهدا، فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وهأنذا حولي هذه الأساود"!!

يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!

قال سعد فنظرت، فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة، فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد الينا بعهد نأخذه عنك، فقال:

" يا سعد:

اذكر عند الله همّتك اذا هممت..

وعند حكمتك اذا حكمت..

وعند يدك اذا قسمت.."

هذا هو اذن الذي ملأ نفسه غنى، بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها، ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم، وألا يأخذ أحدهم منها الا مثل زاد الركب..

ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل، مخافة أن يكون قد جاوز المدى.

ليس حوله الا جفنة يأكل فيها، ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..

ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟

وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن، لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الامارة درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس الا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..

وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..

كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه، فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم، حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله، حتى اذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..

وأشار للرجل فأقبل عليه، وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.

واذ هما على الطريق بلغا جماعة من الانس، فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..

وعلى الأمير السلام..؟

أي أمير يعنون..؟!!

هكذا سأل الشامي نفسه..

ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:

عنك أيها الأمير..!!

فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي، فسقط في يده، وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه، واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:

" لا، حتى أبلغك منزلك"..!!

**

سئل يوما: ما الذي يبغض الامارة الى نفسك.؟

فأجاب: " حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها"..

ويدخل عليه صاحبه يوما بيته، فاذا هو يعجن، فيسأله:

أين الخادم..؟

فيجيبه قائلا:

" لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."

وحين نقول بيته فلنذكر تماما، ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا، سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟

وكان البنّاء حصيفا ذكيا، يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. انها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، اذا وقفت فيها أصابت رأسك، واذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..!

فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".

لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لحظة، أو تتعلق به نفسه اثارة، الا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص، ولقد ائتمن عليه زوجته، وطلب اليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.

وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه، ناداها:

"هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!

فجاءت بها، واذا هي صرة مسك، كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.

ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه، ثم ماثه بيده، وقال لزوجته:

"انضجيه حولي.. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وانما يحبون الطيب".

فلما فعلت قال لها:" اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..

وبعد حين صعدت اليه، فاذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.

قد لحقت بالملأ الأعلى، وصعدت على أجنحة الشوق اليه، اذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد، وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.

**

لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..

وآن اليوم أن يرتوي، وينهل..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

شخصيات عربية و ألقاب-الجزء الثاني -شخصيات

ابوالريحان محمد بن أحمد ……….. عالم …………..( البيروني ) . ‏
اسامة بن زيد ……………. صحابي ……………..( ابن حب رسول الله ) .‏
اسماعيل عليه السلام ….. نبي الله ( أبو العرب ) …….( الذبيح ) .‏
الاصفهاني …………… أديب ومؤرخ ………….( محدث الشرق ) .‏
الحجاج بن يوسف الثقفي ……… طاغية ………( ابن المتمنية ) .‏
الحسن بن علي بن أبي طالب …….. صحابي ………( ريحانة رسول الله ) .‏
الحسن بن هاني …………. شاعر عباسي ………( أبو نواس ) .‏
الحسين بن علي بن أبي طالب ……… صحابي ………..( سيد الشهداء ) .‏
الخرباق بن عمرو السهمي ………… صحابي ………..( ذواليدين ) . ‏
الدينوري ……………….. عالم ………………( شيخ النباتيين العرب ) .‏
الرازي …………… فيلسوف وطبيب ……..( جالينوس العرب ) .‏
الزبير بن العوام …….. صحابي مبشر بالجنة ………..( حواري الرسول ) .‏
السماك بن خرشه …………… صحابي ……………..( أبو دجانه ) .‏
الشافعي ………….. فقيه وصاحب مذهب ………..( عالم قريش ) .‏
الطفيل بن عمرو الدوسي ……….. صحابي …………( ذي النور ) .‏
العز بن عبد السلام ………… فقيه ……………..( سلطان العلماء ) .‏
الغزالي ………………… فقيه …………………( حجة الاسلام ) .‏
الفارابي ……………….. عالم ………………….( فيلسوف الاسلام ) .‏
الفارابي ……………….. عالم ………………….( المعلم الثاني ) .‏
الفضل بن العباس ………….. صحابي ……………( رديف رسول الله ) .‏
الكندي ………………. عالم ……………..( فيلسوف العرب ) .‏
المتنبي ………………… شاعر ………………….( شاعر العرب ) .‏
المعتصم …………. خليفة عباسي ……………….( المثمن ) .‏
المقداد بن عمرو الأسود ……… صحابي …………..( فارس الرسول ) . ‏
المهلب بن أبي صفرة ………. قائد اسلامي ………….( شيخ العراق ) .‏
النعمان بن ثابت ………. فقيه / وصاحب مذهب ……..( ابو حنيفة ) .‏
النووي ………………….. فقيه ……………….( محي الدين ) .‏
الوليد بن عبيد الطائي ………… شاعر …………..( البحتري ) .‏
امرؤ القيس ……… شاعر جاهلي …………..( الملك الظليل ) .‏
امرؤ القيس ………….. شاعر جاهلي …………..( ذي القروح ) .‏
بديع الزمان الهمذاني ……….. أديب ………………( رائد فن المقامة ) .‏
بشارة الخوري …………. شاعر لبناني ……………( الأخطل الصغير ) .‏
بلال بن رباح ………….. صحابي ……………….( مؤذن الرسول ) .‏
ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي …… شاعر جاهلي ……( تأبط شراً ) .‏
جابر بن حيان ……………. عالم ………………….( أبوالكيمياء ) .‏
جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام ……. تابعي ………..( ابن ظليل الملائكة ) .‏
جعفر بن أبي طالب ………. صحابي ………………..( الشهيد الطيار ) .‏
جعفر بن أبي طالب ………. صحابي ………………..( أبو المساكين ) .‏
جندب بن جناده ……….. صحابي ………………..( ابو ذر الغفاري ) .‏
حافظ ابراهيم ………… شاعر مصري ………….( شاعرالنيل ) .‏
حذيفة بن اليمان ………… صحابي ………………..( كاتم سر رسول الله ) .‏
حسان بن ثابت ………….. صحابي ……………….. ( شاعر الرسول ) .‏
حفص بن سليمان ……… أول وزير في الاسلام ………( الخلال ) . ‏
حمزة بن عبد المطلب ………. صحابي ……………..( سيد الشهداء ) .‏
حمزة بن عبد المطلب ……….. صحابي …………….( أسد الله ) .‏
حندج بن حجر …………… شاعر جاهلي ………..( امرؤ القيس ) .‏
حنظلة بن أبي عامر الانصاري …….. صحابي ………( غسيل الملائكة ) .‏
خالد بن الوليد ………….. صحابي ……………… ( سيف الله المسلول ) .‏
خباب بن الأرت …………. صحابي …………………( الصابر الأواب ) .‏
خبيب بن عدي ……….. صحابي ………………..( بليع الأرض ) .‏
خزيمة بن ثابت …………. صحابي …………………( صاحب الشهادتين ) .‏
خليل مطران ………… شاعر لبناني …………….( شاعر القطرين ) .‏
ذكوان بن عبد قيس …………. صحابي ……………..( المهاجرالانصاري ) . ‏
رشيد سليم الخوري ……. شاعر لبناني …………….( الشاعر القروي ) .‏
زياد بن معاوية ………. شاعر جاهلي …………….( النابغة الذبياني ) .‏
زيد بن الخطاب ………… صحابي ……………( شهيد اليمامة ) .‏
زيد بن حارثة ………….. صحابي …………..( حب الرسول ) .‏

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

اسماء الصحابة رضي الله عنهم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصحابة

1- مصعب بن عمير :
هو مقرئ المدينة …

2- موسى بن النصير:
أول والٍ مسلم في الاندلس…

3-الامام الحسين:
استشهد في معركة كربلاء…

4-أبو عبيدة بن الجراح:
اطلق عليه الرسول عليه الصلاة والسلام لقب(امين هذه الامة)…

5-عمر بن عبد العزيز:
لقب بخامس الخلفاء الراشدين لعدلة وزهده…

6-أبوهريرة :
أكثره الصابة رؤية للحديث…

7-سلمان الفارسي :
هو صحابي جليل الملقب بالباحث الحقيقي …

8-جعفر بن أبي طالب :
ذو الجناحين في الجنة…

9-زيد بن الحارثه :
أول من أسلم من الموالي…

10_بلال بن رباح:
هو اول من اسلم من العبيد وهو مؤذن الرسول…

11-حمزة عم الرسول:
لقب باسد الله وهو شهيد احد…

12-خالد بن الوليد:
لقب بسيف الله المسلول

13- ابو بكر الصديق:
هو اول خليفة للمسلمين وهو اول من امر بجمع القرأن وترتيبه وهو اول من اسلم من الرجال…

14-عمر بن الخطاب:
هو اول من لقب بامير المومنين وهو الذي هاجر من مكة الى المدينه علل وليس متخفيا…

15-عثمان بن عفان:
لقب بذي النورين…

16-علي بن ابي طالب:
أول من أسلم من الصبيان و هو لم يبلغ الحلم …

17-سميه وزوجها عامر:
هم اول من استشهد في الاسلام…

18-هند بنت اميه:
هي ام المؤمنين ام سلمة…

19-فاطمة بنت الرسول(صلى الله عليه وسلم):
هي سيدة نساء الجنة…

20-خديجة رضي الله عنها:
هي اول من اسلم من النساء…

وانشاء الله افيدكم

منووووووووووول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نسيبة بنت كعب من الشخصيات


(بطلة أحد وما بعدها)
أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية إحدى نساء بني مازن النجار. كانت إحدى امرأتين بايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيعة العقبة الثانية) حسن إسلامها وكانت زوجة (لزيد بن عاصم) وما تركت غزوة إلا وخرجت فيها مع رسول الله تضمد الجرحى وتسقي الجنود وتعد الطعام وتحمس الرجال على القتال.

(ويوم أحد) لما رأت المشركين يتكاثرون حول رسول الله أستلت سيفها وكانت مقاتلة قوية، وشقت الصفوف حتى وصلت إلى رسول الله تقاتل بين يديه وتضرب بالسيف يميناً وشمالاً حتى هابها الرجال وأثنى عليها النبي وقال: (ما ألتفت يميناً ولا شمالا يوم أحد إلا وجدت نسيبة بنت كعب تقاتل دوني). ولقد قالت يا رسول الله: ادع الله أن أرافقك في الجنة فقال: (اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) جرحت يوم أحد جرحاً بليغاً فكان النبي يطمئن عليها ويسأل (كيف حال نسيبة). وعندما أخذت تحث ابنها عبد الله بن زيد عندما خرج يوم أحد فقالت: انهض بني وضارب القوم. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة). وتمضي الأيام، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان في الحديبية، وهي بيعة المعاهدة على الشهادة في سبيل الله كما شهدت يوم حنين، ولما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى ارتدت بعض القبائل عن الإسلام وعلى رأسهم مسيلمة الكذاب، حتى سارعت أم عمارة إلى أبي بكر الصديق- رضي الله عنه – تستأدنه بالالتحاق بهذا الجيش لمحاربة المرتدين فأذن لها فخرجت ومعها ابنها عبد الله بن زيد وأبلت بلاء حسنا وتعرضت لكثير من المخاطر. وعندما أرسل النبي ولدها (حبيب بن زيد) إلى مسيلمة الكذاب باليمامة برسالة يحذر فيها مسيلمة من ادعائه النبوة والكذب على الله فأراد مسيلمة أن يضمه إليه فرفض فقطع جسده عضوا عضوا وهو صابر، فلما علمت (نسيبة) أقسمت أن تثأر منه وخرجت مع البطل خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتال مسيلمة وقاتلت وكانت تصيح (أين أنت مسيلمة اخرج يا عدو الله) وجرحت اثنا عشر جرحا فواصلت الجهاد حتى قطعت يدها فلم تحس بها وتقدم (وحشي بن حرب) بحربته المشهورة ووجهها إلى مسيلمة فصرعه وأجهز عليه ابنها (عبد الله بن زيد) وظل أبو بكر يطمئن عليها حتى شفيت وخرجت مع المسلمين لقتال الفرس، سقط إيوان كسرى وغنم المسلمون غنائم عظيمة بكت وتذكرت النبي وهو يشارك في حفر (الخندق) ويضرب بالمعول صخرة عظيمة وهو يصيح (الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس). وكانت ضمن الغنائم (قطيفة مرصعة بالجواهر واللالئ فكانت من نصيب أم عمارة واحتضنت القطيفة وهي تبكي لهذه المنزلة العالية بين الصحابة
.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الأمير عبد القادر الجزائري(مبدع الحوار بين الأديان)


الأمير عبد القادر الجزائري(مبدع الحوار بين الأديان
التاريخ هو مصدر إلهام الأمة،ووعاء زبده نضالاتها ،ومعدن سبك رجالاتها،فما من أمة أهملت تاريخها إلا وأفل نجمها،والتاريخ صنعه الرجال،فنجد منهم المجاهيل ، والمشاهير،الكل فرضوا صورتهم واسمعوا الدنيا صدى حركتهم،من هؤلاء الأفذاذ:الأميرعبد القادر الجزائر ي ولد الأمير عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر الحسني، الجزائري،يوم الجمعة الموافق للثالث والعشرين(23) من شهر رجب سنة اثنين وعشرين ومائتين وألف للهجرة(1222ه)، الموافق لشهر مايو(أيار) سنة 1807 م، بقرية القيطنة " بوادي الحمام التي أختار مكانها واختطها جده لأمه ،غربي مدينة معسكر،في آسرة تحظى بقسط وافر من الثقافة العربية الإسلامية، تعلم القراءة والكتابة في قريته وعمره خمس سنوات قبل أن يقصد مدينة وهران مع أبيه محي الدين الحسني سنة 1821 ه ، التي نفي إليها وكان يعقد مجالس للعلم والأدب في بيته ، ما ساعد عبد القادر على التعلم، و تمكن من حفظ القرآن ومبادئ الإسلام وهو في سن الثالثة عشر، كان عبد القادر،يبدو جميل الصورة حلو التقاطيع،وسيم الملامح، ذا شخصية عميقة جذابة، يأسر الناس بلطفه، وحسن مزاجه ،وطيب عشرته، و يكسب ثقتهم بثقافته وأمانته. و في تلك السن المبكرة أيضا بدأ ينظم الشعر،فيشجعه والده الذي لم ترتح السلطة التركية لمجالس كان يعقدها مع الأدباء والعلماء، و ما يدور فيها من آراء رغم نفيه من معكر إلى وهران،وبعده عن عرشه، لكن محي الدين، لم يكن هملاً بين الناس، ولا نسيا، بل كان محترما وممن لا يسكتون على الظلم ،ومقتوا التسلط العثماني والانكشاريين، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران" حينها وأدى ذلك الاصطدام إلى تحديد إقامة في بيته، مع أبنه، و بعد سنتين من الاحتجاز تدخل داي الجزائر فسمح لهما بالذهاب إلى الحج معتقدا بأن ذلك وسيلة لإبعادهما عن البلاد حتى و لو لمدة قصيرة.أفرج عنه ،فاختارأن يخرج من الجزائر كلها في رحلة طويلة، وكان الإذن له بالخروج . خرج محي الدين واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجا،وبعدها العودة إلى الجزائر مرورا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، ليصل أخيرًا إلى الجزائر من جديد عام 1828م، فكانت الرحلة بالنسبة للابن رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي،وكان لهذه الزيارة أبلغ الأثر في تعزيز ثقافته و تكوين شخصيته واطلاعه على أنماط مختلفة من الحياة الاجتماعية و السياسية و شؤون الإدارة و الحكم. و خلال هذه الزيارة لم يشعر بالغربة قط، و إنما شعر بالرغم من اختلاف الأوضاع و اللهجات بين قطر و آخر، بخصائص الشخصية العربية ومكوناتها التي تجمع أبعادها جميعا وتؤلف من أبنائها أمة واحدة ذات أصالة متميزة
[ و بعد أكثر من سنتين قضاها في الحج و الترحال, عاد إلى قريته القيطنة اعتزل في بيته لمدة طويلة خصصها للعبادة و المطالعة الكثيرة للكتب فكان يطالع إلى جانب الكتب الدينية والأدبية، كتب الفلسفة و التاريخ التي أنتجها مفكرون مسلمون ،وكان يركز كثيرا في مطالعاته على معرفة الفكر العالمي و الأوروبي،ومستجدات عصره. [/ كان عبد القادر في الثالثة و العشرين من العمر حين أقدمت البواخر الحربية الفرنسية على إنزال 37 ألف جندي في سيدي فرج ،وجاب الخيالة الجزئريون عمق البلاد بسرعة كبيرة لأخطار المواطنين بما حدث، ودعوة المقاومين إلى الصعود للجبهة. وجاء من بلاد القبائل17 ألف مقاتل، و من بأي قسنطينة 12 ألفا، و باي التيطري ،8 آلاف، و باي وهران 6 آلاف، و باي المزاب 4 أنضم إلى هذه الجيوش الحرس التركي .انتظمت المقاومة في محيط العاصمة،في سيدي فرج و الشراقة وسطا والي, و دامت المواجهة شهرا كاملا بقيادة الأغا، صهر الوالي. الذي أعلن استسلامه يوم 4يوليو, و وقع في اليوم الموالي على معاهدة ضمنها نظريا ،ضمانا من طرف الغزاة وتعهد بحماية الممتلكات, واحترام السكّان, و حماية النساء, و المحافظة على حرمة الدين وحرية ممارسة المعتقدات. وتمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليومنعام1830م. استسلم الحاكم العثماني سريعًا،كما أسلفنا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر فبعد أقل من شهر واحد, ويوم 20 يوليو 1830, اجتمع زعماء القبائل في تامنفوست شرق العاصمة و بينهم بومزراق عن التيطري, و زمام عن أفليسان, و محي الدين والد عبد القادر عن منطقة معسكر, و في 23 يوليو 1830 أعلنوا بداية المقاومة الوطنية, فقد انتهت مقاومة الجزائر الرسمية لتبدأ الحرب التحريرية في جزائر الثورة،بعدها فرّق الشقاق بين الإخوة الزعماء وبحث أهالي وأعيان وعلماء "وهران" عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعونه على الجهاد تحت قيادته، فاستقر الرأي على "محيي الدين الحسيني" ، لكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل قيادة الجهاد، فطلبوا من صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقبل السلطان عبد الرحمن، لكن لم يكن جديا ولما كان محيي الدين قد رضي بمسئولية القيادة العسكرية، فقد التفت حوله الجموع من جديد، وخاصة أنه حقق عدة انتصارات على العدو، اقترح أبنه ،قبل الشاب تحمل هذه المسؤولية، وكانت بيعته الخاصة بوادي فروحة عند شجرة الدر دار من بلاد غريس أواخر سنة 1832م ، وتمت البيعة العامة، ولقبه والده ب "ناصر الدين" واقترحوا عليه أن يكون سلطانا ولكنه اختار لقب الأمير وبذلك انجلى ستار السرية وخرج إلى الوجود علنا،وكان ذلك في 13 رجب 1248ه/ نوفمبر 1832.واجه الغزاة بوسائل متعددة منها المعارك الحربية التي قادها طيلة 15سنة منتصرا،انتهت مرحلة المواجهات بعقد مفاوضات مع الفرنسيين.وتوقيع المعاهدة،الأولى المعروفة بمعاهدة " دي ميشال" في 24 فبراير 1834 م. تقر هذه المعاهدة سلطته على الغرب الجزائري وحوض الشلف. بعد المصادقة عليه من طرف الحكومة الفرنسية، لم تحترم الحكومة بنودالمعاهدة، فعزز الأمير نشاطه وأرغم الفرنسيين على العودة إلى طاولة المفاوضات ليمضي و الجنرال يجو معاهدة" التافنة" الشهيرة بتاريخ 30 مايو 1837م، إلا أن فطنته وحكمته قد زادت أعداءه حقدا، فازدادت الحرب ضراوة ، واستسلم عام 1847, بعد خيانة سلطان المغرب ، لينقل إلى سجن( طولون الفرنسية ) ، ثم أطلق سراحه نابليون الثالث ونفاه إلى دمشق عام 1856 حيث عاش زاهدا متصوفا متأملا، ينهل من علوم الدين ورياض المعرفة ويعطي دروسه في الجامع الأموي. وساهم هناك في إنقاذ حياة ألاف المسيحيين من الفتنة الطائفية التي اندلعت في بلا الشام عام 1868، فكانت الواقعة حجرة الاساس و بداية فكرة الحوار بين الأديان والتعايش السلمي للجميع حسب ما جاء في المعرض الذي نظمه المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف. توفي يوم 26 مايو 1883 في دمر ضواحي دمشق عن عمر يناهز 76 سنة، دفن بجوار ضريح الشيخ محي الدين بن عربي الأندلسي، ثم نقل جثمانه إلى الجزائر ودفن بمربع الشهداء ،مقرة العاليا في عام 1966[/ المستقلة، أمير وقائد عسكري عربي قاوم الاحتلال، وجمع الإنسان والمثقف، والفيلسوف والزاهد العابد ،والأمير الحاكم و الفارس والدبلوماسي البارع ،والأسير الكسير، والباحث عن العدالة والحرية في إطار القيم و المبادئ النبيلة.لم تلهه الضغوط التركية وهو شاب،وبعدها الحرب مع الاحتلال الفرنسي ،عن البحث والتنقيب في كنه أمهات القضايا، فكانت رؤيته مستقبلية،(وهو القائل: اعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية وعلى الله الاتكال) هذه كلمات المجاهد حين يحكم، والمستضعف حين يتمكن، خرجت قوية صادقة من قلبه الأبيّ حين أُقيمت دولته، وأُعليت رايته ، إنه الجزائري الأمير عبد القادر، كان له الفضل قي وضح أسس الدولة الجزائرية.والتأسيس السليم لحوار الحضارات، وهو شخصية امتلأت عبر لأولى الأبصار وتذكرة للمتقين من أهل الاعتبار.ولدفي شهر رجب،وبويع في شهر رجب ،وعزل مع ابيه في نفس الشهر، قال شعرا، أصيلا قي الحكمة والسياسة والحب نورد منه البيتين التاليين لمالهما من صلة بموضوعنا
ولازال يحمي الذمار بعزه –"– ولو جمعوا له ما يستطاع دفاعه ولازال سيارا إلى الله داعيا -"- بعلم وحلم ما يضم شراعه
قاد جيوش الجهاد فارسا مغوارا وبطلا منتصرا في أكثر من 40 معركة،فاوض المختصين فكان مفاوضا متمكن حكيما،أسس لقيام الدولة، فلم تعطله باقي المهام،ولم تفسد أخلاقه مغريات الواقع ولم تثنيه عن سعيه المصاعب،هو رجل نكون قد ظلمناه إذا ادعيتا الإلمام بمحاسنه أو حاولنا اختصار مسار حياته إن إقرار الصديق والعدو بخصاله،جعل الجزائر تخلد اسمه بالمسجد الجامعة،الذي يتسع15000مصل،وهويعد إلى جانب الجامعة آية من آيات الفن المعماري الإسلامي ، وحملت اسمه مدينة ،شرق البلاد وقرية غربها، وثانوية بالعاصمة،كما تحمل اسمه مدينه سورية، وحتى الفرنسيين لم ينسوه و قرروا تسمية إحدى ساحاتهم- ساحة الأمير عبد القادر
هذه حقيقة واقع، يختلف عن واقع حال العرب اليوم الذين هم شبيه بمن ضل سواء السبيل،أو كذلك الذي تاه وسط رمال الصحراء في أعز أيام الصيف،فلا هو عاد ولا أحد علم مكانه أو قدر على إرشاده ،الجوع والعطش والروح باقية بلا معنى ،بلا قدرة ولا أمل في النجاة
قادتهم يتيممون على صعيد غير طيب، صعيد أمريكا وربيبتها إسرائيل، وهو أمر لا يوجد له تفسير إلا في قاموس الاستسلام والخضوع للأمر الواقع وحفظ البقية الباقية من ماهية الحياة إلى حين،فلا تفكير ولا حتى تخمين في منفذ النجاة،

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نديم الملاح.. الشيخ الجليل والشاعر (المعلم)

بسم الله الرحمن الرحيم
نديم الملاح.. الشيخ الجليل والشاعر (المعلم)

هزاع البراري – كانت طرابلس في أواخر العهد العثماني، بوابة جبل لبنان الشمالية ، ومفتاح الساحل الممتد جنوباً على شواطىء البحر الابيض المتوسط ، وقد شهدت في تلك الفترة حركة وتجارة ناهضة ، كما اندغمت بحكم موقعها بالهم العربي ، ونالت حظها من القهر والظلم، الذي مارسه الحكام الأتراك ، في ظل النهج الجديد لجماعة الإتحاد والترقي ، فجاءت هذه الظروف الشائكة لتكون البيئة الاجتماعية والسياسية التي ولد فيها الشيخ نديم الملاح، وذلك في عام 1892م ، وهي بلا شك مرحلة حرجة وفاصلة ، وقد ترعرعت طفولته في أزقة طرابلس وحاراتها ، وكانت هذه المدينة الناشطة بوابته للعالم الكبير.
تلقى الشيخ نديم الملاح تعليمه في طرابلس حتى المرحلة الإعدادية ، وقد إرتحل بعد ذلك إلى القاهرة، طلباً للعلم والمعرفة، حيث درس في الأزهر الشريف ، وكان من معلميه الأزهريين العلامة محمد الحسيني الطرابلسي ، وبعد مضي ست سنوات، قضاها في تلقي العلم في الأزهر ، أنهى دراسته نحو عام 1913م ، وعمد فور حصوله على شهادته الأزهرية الى العودة الى وطنه ، وشهد عن كثب ما مرّ على البلاد من تحولات انتهت بسيطرة الفرنسيين على لبنان والشام . وقد كان للملاح نشاط سياسي مناهض للوجود الفرنسي ، الأمر الذي دفع بهم لمطاردته والتضييق عليه ، مما تضطره إلى الإلتجاء للقدس، التي وصلها عام 1920م ، وقد عمل خلال هذه الفترة مدرساً بمدرسة روضة المعارف في القدس ، وكان الملاح في فترة سابقة قد عمل إماماً في الجيش العثماني، وذلك خلال الحرب العالمية الأولى .
استمر الشيخ نديم الملاح في عمله في مجال التدريس في القدس ، لكنه خلال هذه الفترة لم يتخلّ عن فعله النضالي في مواجهة المستعمر أياً كان ، فالأرض عربية الملامح والوطن واحد ، فأسهم في الحركة المناوئة للأنجليز في فلسطين ، فضاقوا به ذرعاً ، وأجبروه على اللجوء الى الاردن ، حيث وصل عمان في عام 1925م ، ولعل المناخ العروبي الذي تأسست عليه إمارة شرق الاردن، شكّل للملاح ملاذاً مشجعاً على الإقامة والعمل في خدمة أمته العربية ، فالتحق بمدرسة تجهيز اربد مدرساً ، بعد ذلك نقل إلى العاصمة عمان حيث عمل معلماً في مدرسة عمان ، أما مدرسة السلط الثانوية فكانت محطته التالية، كمدرس له تأثيره الخاص على طلابه ، وله بصماته في مجال التربية والتعليم ، وكان من بين التلاميذ الذين تعلموا على يديه : فوزي الملقي، موسى الساكت، بهجت التلهوني ، حابس المجالي ، عبد الحليم عباس ونجيب الرشدان. وقد عمل الملاح بعد ذلك محامي شرعي ونظامي ، فلقد التحق بمعهد الحقوق خلال وجوده في القدس عام 1924 م، وحصل بذلك على شهادة الحقوق المقدسية من مجلس العلوم الحقوقية في القدس ، مما مكّنه من العمل في المحاماة في مرحلة لاحقة ، وعيّن عضواً في مجلس الأوقاف الأردني الأعلى عام 1947م ، وقد دخل نديم الملاح إلى مجلس الامة عندما تم تعيينه عضواً في مجلس الأعيان ، وكان له شرف عضوية لجنة النيابة لتسيير شؤون البلاد خلال سفر المغفور له الملك حسين بن طلال أعوام 1956- 1958م ، ومن المناصب الأخرى التي تقلدها هذا الشيخ الجليل دخوله الهئية الإسلامية العليا عضواً منذ العام 1955 وحتى العام 1961م.
يعتبر نديم الملاح شاعراً مجيداً ، تمتاز أشعاره بالعذوبه والرقة ، وقد كان نديماً للملك عبد الله الأول خاصة في مجالسه الدينية والأدبية ، ويصفه من عاصره في شبابه، بأنه كان متوثباً تملأه الحماسه ، واسع المعلومات ، ومهجوساً بالقضايا الوطنية والقومية ، ويعد محاوراً من الطراز الرفيع ، سريع البديهة ، وقد التزم بالعمامة منذ شبابه الباكر.
ولم يكتف بالشعر ، بل كانت له دراسات عديدة في الفقه والعبادرات وعلوم الدين ، وكذلك في اللغة والتاريخ ، فلقد امتاز بالمعرفة الواسعة والثقافة الجامعة ، باللإضافة لدراسته في الأزهر الشريف ومعهد الحقوق في القدس . من دراساته المنشورة : نموذج الفضائل الإسلامية 1945، العقائد الاسلامية 1952، رسالة الروح 1962، حقوق المرأة المسلمة 1969، موجز تاريخ الرق ، في الميزان 1984م ، مختارات في اللغة والادب ، الفلاسفة السبعة 1997م، أما في الشعر فلقد أصدر ديوان شعري بعنوان ( المشاعر ) 1975 ، و ( ديوان نديم الملاح ) 1984م، وترك الملاح عدداً من المخطوطات التي لم تنشر بعد. لقد أخلص نديم الملاح لوطنه الأردن ، وبذل ما في وسعه ليسهم في نهضته ، وما توانى عن تقديم الغالي دفاعاً عن هذا الحصن العربي الاشم ، ولم يتوقف الشيخ نديم الملاح عن الكتابة والعمل حتى خرجت روحه الطاهرة إلى باريها في 17/9/1973م ، وبقي ذكره طيباً ونتاجه خالداً نقياً ، كالشجرة المباركة ، رائحتها زكية وثمرها طيب.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

أشهر فلكي العالم العربي ومن أشهر أعلام الحضارة وعلمائها

اعلام الحضارة

ابن يونس … وأسبقية الرقاص

عمر هلسة – من أشهر فلكي العالم العربي ومن أشهر أعلام الحضارة وعلمائها دارت بينه وبين دافنشي رحى الأولوية في الإختراع والإكتشاف وهي قضية لم يقل فيها التاريخ بعد كلمته لينصف أحدهما على الآخر.
ولد أبو سعد عبد الرحمن بن يونس الصدفي في مصر حوالي العام 338ه/950م وتوفي فيها عام 399ه/1009م وكان أبوه من أشهر المؤرخين في مصر كما وكان جده يونس الصدفي عالماً بالنجوم ومن أصحاب الإمام الشافعي، ويعد ابن يونس من أعظم فلكي مصر قاطبةً ومن أشهر فلكي القرن الرابع الهجري تحديداً وآثاره غيرت الكثير في مسار العلوم إبان العصور الوسطى في أوروبا.
حظي أبو سعد بمكانةٍ عالية عند الفاطميين لما كان عليه من علمٍ وبعد رؤية وكرم خلق فاهتموا به وأجلوا له العطاء فأسسوا له وتلاميذه مرصداً فلكياً قرب مدينة الفسطاط تدل الآثار الباقية منه على أن موقعه تحديداً كان على قمة جبل المقطم.
برع ابن يونس في حساب المثلثات وألف العديد من البحوث القيمة التي أسهمت في تقدم هذا العلم ويعد أول من وضع قانوناً في حساب المثلثات الكروية وكان ابن يونس اول من فسر بدقة عالية ظاهرتا الكسوف والخسوف فرصد كسوف الشمس وخسوف القمر في القاهرة حوالي العام 368ه/978م ليكونان بذلك أول كسوفين في تاريخ البشرية سجلا بدقة متناهية وبطريقة علمية بحتة وجاء حسابه أدق ما عرف إلى أن ظهرت آلات الرصد الحديثة.
من اهم كتب ابن يونس كتاب (الرقاص) الذي فسر فيه حركة الرقاص أو ما يعرف اليوم باسم ”البندول” فتحدث عن مبدأ عمله وكيفية تصنيعه وفوائده واستخداماته واثبت ان زمن ذبذبته تتناسب مع طوله وثقله والمادة التي يصنع منها ليسبق بذلك العلْم الغربي الشهير ليوناردو دافنشي بأربعمائة عام ولا يستطيع أحدٌ أن يجزم بأن دافنشي نسب الرقاص إليه عن ابن يونس لما يعرف عن هذا العالم من إنجازاتٍ غيرت في مسار الحضارة أيضاً ولكن الروايات التاريخية لم تنفِ إطلاع ليوناردوا على مؤلفات من سبقوه من علماء المسلمين وعلى رأسهم ابن يونس الذي كانت كتبه منتشرة في مكتبات أوروبا آنذاك واغلب الظن انه اطلع على كتاب ”الرقاص” أكثر من مرةٍ في مكتبة بيزا في إيطاليا حيث كان يتردد دافنشي كثيراً.
من أهم انجازات العالم العربي ابن يونس الأخرى تصحيحه لزاوية ميل دائرة البروج وزاوية اختلاف المسقط للشمس وبداية ظاهرة الاعتدالين وأورد اكتشافاته هذه في كتابه ”الزيج الحاكمي المكون من أربع مجلدات بدأ بتأليفه بأمرٍ من الخليفة العزيز الفاطمي سنة 380ه وفرغ منه بعد حوالي الخمسة عشرة عاماً ونقله المستشرقون إلى اللاتينية وبقيت نسخه أمهات كتب في جامعات باريس وبرلين والقاهرة لقرونٍ طويلة وله من المؤلفات أيضاً كتاب الميل وكتاب الظل وكتاب تاريخ ”أعيان مصر” والذي جمع فيه عدداً لا بأس به من المشاهدات الفلكية المعروفة من قبله وما اكتشفه من رصده لسماء مصر، ومن أهم ملاحظات ابن يونس التي تستحق الوقوف عندها والتمعن بها ما ذكره في رسائله الفلكية عن حركة القمر وملاحظته أن سرعته في تزايد مستمر، مما يدلل على نبوغ هذا الفلكي العالم في سبر أعماق الفضاء فلم يكتفٍ بالملاحظة فحسب بل أقرنها بالتحليل والحساب ليكون بحق سابق عصره وأوانه.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الخطيب البغدادي علم من أعلام العلم والأدب -شخصيات

1
الخطيب البغدادي

أورد ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان ترجمة الخطيب البغدادي، فقال: "الحافظ أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب، صاحب تاريخ بغداد وغيره من المصنفات؛ كان من الحفاظ المتقنين، والعلماء المتبحرين، ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه، فانه يدلُّ على اطلاع عظيم، وصَنَّف قريباً من مائة مُصنف، وفضله أَشْهَرُ مِن أن يوصَف، وأخذ الفقه عن أبي الحسن المحاملي، والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهما، وكان فقيهاً فغلب عليه الحديث والتاريخ.
وُلِد في يوم الخميس، لِسِتٍّ بقين من شهر جمادى الآخرة، سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة (ه/ آذار/مارس سنة 1002م) ، وتوفي يوم الاثنين، سابع ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة (ه/ آب/ أغسطس سنة 1071م) ببغداد، رحمه الله تعالى، وقال السمعاني: توفي في شوال، وسمعت أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى كان من جملة من حمل نعشه، لأنه انتفع به كثيراً، وكان يراجعه في تصانيفه، والعجب أنه كان في وقته حافظ المشرق، وأبو عمر يوسف بن عبد البر – صاحب كتاب الاستيعاب – حافظ المغرب، وماتا في سنة واحدة"،(..) فدفنوه إلى جانبه بباب حرب، وكان قد تصدق بجميع ماله، وهو مائتا دينار، فرَّقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه، وأوصى أن يُتَصَدَّقَ عنه بجميع ما عليه من الثياب، ووقف جميع كُتُبِهِ على المسلمين، ولم يكن له عقب، وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أحدَ مَن حَمَلَ جنازتَهُ، وقيل: إنه ولد سنة إحدى وتسعين وثلثمائة، والله أعلم، ورؤيت له منامات صالحة بعد موته، وكان قد انتهى إليه علم الحديث، وحفظه في وقته".

2
الخطيب عند الصفدي

توسع الصفدي بترجمة الخطيب البغدادي في كتابه الوافي بالوفيات، فقال: انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان، والقيام بعلوم الحديث، وحُسن التصنيف، ولد بقرية من أعمال نهر الملك تعرف بِهَنِيْقِيَاْ، بهاء مفتوحة، ونون مكسورة، وياء آخر الحروف ساكنة، وقافٍ مكسورة، وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة، وبعدها ألف مقصورة، كذا وجدته مضبوطاً.
قال أبو الخطاب ابن الجراح يمدح الخطيب:

فاقَ الخطيبُ الورى صِدقاً ومعرفةً
وأعجزَ الناسَ في تصنيفِهِ الكُتُبا
حمى الشريعة من غاوٍ يُدنِّسُها
بوضعه، ونفى التدليسَ والكَذِبا
جلَّى محاسنَ بغداذٍ فأودَعَها
تاريْخَهُ مُخْلِصاً لله مُحْتَسِبا
وقال في الناس بالقسطاس منحرفاً
عن الهوى وأزال الشكَّ والرِّيبا
سَقى ثراكَ أبا بكرٍ على ظَمَأٍ
جونٌ ركامٌ يَسحُّ الواكِفَ السّربا
ونِلتَ فوزاً ورضواناً ومغفرةً
إذا تحقَّقَ وعدُ اللهِ واقترَبا

وقال الحافظ أبو طاهر السلفي يمدح مصنفات الخطيب:
تصانيف ابن ثابتٍ الخطيبِ
ألذّ من الصبا الغضّ الرطيبِ
يراها إذ حواها مَن رواها
رياضاً رأسها ترْكُ الذنوبِ
ويأخذ حُسن ما قد صاغ منها
بقلبِ الحافظ الفطنِ الأريبِ
فأيَّةَُ راحةٍ ونعيم عيشٍ
يوازي كتبه؟ أم أيُّ طِيْبِ؟

3
الخطيب البغدادي وطلب العلم

سمع الخطيب البغدادي العلم ببغداد من شيوخ وقته، وبالبصرة والرّيّ والدّينور والكوفة ونيسابور، وقدِم دمشق حاجّاً سنة خمس وأربعين وأربع مائة/1054م، فسمع بها، وبمدينة صور، وقرأ "صحيح البخاري" في خمسة أيام بمكة المكرمة على كريمة المروزية، وعاد إلى بغداد، وصار له قرب من الوزير رئيس الرؤساء، فلما وقعت فتنة البساسيري ببغداد استتر الخطيب، وخرج إلى الشام، وحدَّث بدمشق بعامَّة كُتبه، ثم قصَدَ مدينة صور اللبنانية، وأقام بها، وكان يتردَّد إلى القدس للزيارة، ثم يعود إلى صور، وتوجَّه إلى طرابلس الشام وحلب، وأقام بهما أياماً قلائل، ثم عاد إلى بغداد في أعقاب سنة اثنتين وستين/1070م، وأقام بها سنة إلى أن توفي، وحينئذ روى "تاريخ بغداذ" وروى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني والأزهري وغيرهما.
وكان يقول: شربتُ ماء زمزم ثلاث مرات، وسألتُ الله عزَّ وجلَّ ثلاث حاجاتٍ، آخذاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "ماء زمزم لما شُرِبَ له"، فالحاجة الأولى: أن أُحدِّثَ بتاريخ بغداد، والثانية: أن أملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة: أن أُدْفَنَ إذا مِتُّ عند قبِر بشر الحافي.فلما عاد إلى بغداذ، حدَّث بتاريخه بها، ووقع إليه جزء فيه سماع الخليفة العباسي القائم بأمر الله، فحَمَل الجزء، ومضى إلى باب حجرة الخليفة، وسأل أن يُؤْذَنَ له في قراءة الجزء، فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث، وليس له إلى السَّماع مني حاجة، ولعلَّ له حاجة أراد أن يتوصَّل إليها بذلك، فاسألوه حاجته، فسألوه؟فقال: حاجتي أن أملي الحديث بجامع المنصور، فتقدَّم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذَنَ له في ذلك.ولما مات أرادوا دفنه عند بشر الحافي بوصيةٍ منه، وكان الموضع الذي بجنب قبر بشر قد حَفر فيه قبراً لنفسه، أبو بكر أحمد بن علي ابن زهراء الطريثيثي الصوفي، وكان يمضي إلى ذلك الموضع، ويختم فيه القرآن ويدعو، ومضى على ذلك سنون، فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فيه، فامتنع وقال: هذا قبري قد حفرته، وختمت فيه عدة ختمات، ولا أمكِّنُ أحداً من الدفن فيه، وهذا مما لا يتصور، فانتهى الخبر إلى سعد الصوفي، فأحضر الشيخ أبا بكر ابن زهراء، وقال له: أنا لا أقول لك: أعطهم القبر، ولكن أقول لك: لو أن بشراً الحافي في الأحياء، وأنت إلى جانبه، فجاء أبو بكر الخطيب يقعد دونك، أكان يَحْسُنُ بك أن تقعد أعلى منه?
قال ابن زهراء: لا، بل كنت أقوم، وأُجْلِسُهُ مكاني.
قال أبو سعد: فهكذا ينبغي أن يكون الساعة في حالة الموت، فإنه أحقّ به منك، فطاب قلب ابن زهراء، ورضي بأن يُدفن الخطيب في ذلك الموضع.

4
مكانة الخطيب بين العلماء

روى مُحبُّ الدين ابن النجار بسنده عن أبي الوليد الباجي قال: رأيتُ الْحُفَّاظَ في ديار الإسلام أربعة: أبا ذر عبد بن أحمد، والصوري، والأرموي، وأبا بكر الخطيب، وأما الفقهاء فكثير، انتهى.
وحضر أبو بكر الخطيب درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، فروى الشيخ حديثاً من رواية بحر بن كنيز بالنون والزاء السّقاء، ثم قال للخطيب: ما تقول فيه؟ فقال الخطيب: إن أذِنْتَ لي ذكرتُ حالَه، فأسند الشيخ أبو إسحاق ظهره إلى الحائط، وقعد مثلما يقعد التلميذ بين يدي الأستاذ يسمع كلام الخطيب، وشرع الخطيب في شرح أحواله، و هو يقول: قال فيه فلان كذا، وقال فيه فلان كذا، وشرح أحواله شرحاً حسناً، وما ذكر فيه الأئمة من الجرح والتعديل إلى أن فرغ منه، فأثنى الشيخ أبو إسحاق عليه ثناء حسناً، وقال: هو دارقطني عَهْدِنا.
وكان الخطيب يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه، وربما علّم على الأحاديث. وتفقه الخطيب على المحاملي وعلى القاضي أبي الطيب. وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم يَرَ مثلَ نفسه.

5
مؤلفات الخطيب البغدادي

ألف الخطيب البغدادي كُتُباً كثيرة طُبِعَ بعضُها، وضاع بعضها، ومازال البعضُ الآخر مخطوطاً، وقد ذكر الصفدي كُتُبَ الخطيب التي صنفها فقال: هي "تاريخ مدينة السلام" مائة وستة أجزاء. و"شرف أصحاب الحديث" ثلاثة أجزاء. و"الجامع" خمسة عشر جزءاً. و"الكفاية في معرفة الرواية" ثلاثة عشر جزءاً. و"تلخيص المتشابه" ستة عشر جزءاً. و"تالي التلخيص"، و"الفصل للوصل". و"المدرج في النقل" تسعة أجزاء. و"المكمل في المهمل" ثمانية أجزاء. و"غنية المقتبس في تمييز الملتبس" ستة أجزاء. و"مَن وافقت كنيتُهُ اسمَ أبيه" ثلاثة أجزاء. و"الأسماء المبهمة" جزء مجلد. و"الموضح" أربعة عشر جزءاً. و"مَن حدَّث ونسي"، و"تمييز متصل الأسانيد" ثمانية أجزاء. و"الخيل" ثلاثة أجزاء". و"الآباء عن الأبناء"، و"الرحلة"، و"الاحتجاج بالشافعي"، و"البخلاء" أربعة أجزاء. و"التطفيل" ثلاثة أجزاء. و"القُنوت" ثلاثة أجزاء. و"الرُّواة عن مالك" ستة أجزاء. و"الفقيه والمتفقِّه" اثنا عشر جزءاً. و"المؤتنف لتكملة المؤتلف والمختلف". و"مُبهم المراسيل" ثلاثة أجزاء. و"البسملة من الفاتحة". و"الجهر بالبسملة" جزءان. و"مقلوب الأسماء". و"الأنساب" اثنا عشر جزءاً. و"صحّة العمل باليمين مع الشاهد". و"أسماء المدلسين". و"اقتضاء العلم للعمل". و"تقييد العِلم" ثلاثة أجزاء. و"القول في علم النجوم". و"روايات الصحابة عن التابعين". و"صلاة التسبيح". و"مُسند نعيم بن هماز". و"النهي عن صوم يوم الشك". و"الإجازة للمعدوم والمجهول". و"روايات الستة من التابعين بعضهم عن بعض". و"مُعجم الرواة عن شُعبة" ثمانية أجزاء. و"المؤتلف والمختلف" أربعة وعشرون جزءاً. و"حديث محمد بن سوقة" أربعة أجزاء. و"الْمُسلسلات" ثلاثة أجزاء. و"طُرُقُ قبضِ العلم" ثلاثة أجزاء. و"غسل الجمعة " ثلاثة أجزاء. و"الدلائل والشواهد".

6
شعر الخطيب البغدادي

لم يقتصر نشاط الخطيب البغدادي الثقافي والعلمي على العلوم الشرعية، وإنما قرَضَ الشعر أيضاً، ومن شعر الخطيب رحمه الله قوله:
لا تغبطنَّ أخا الدُّنيا بزخرُفِها
ولا لِلذةِ وقتٍ عجَّلتْ فرَحا
فالدَّهرُ أسرعُ شيءٍ في تقلُّبهِ
وفعله بَيِّنٌ لِلخلق قد وضحا
كم شاربٍ عَسَلاً فيه مَنِيَّتُهُ
وكم تقلَّد سيفاً مَنْ بهِ ذُبِحَا
ومن شعر الخطيب البغدادي قوله:
تغيَّب الخلقُ عن عيني سوى قمرٍ
حسبي مِن الخلق طُراً ذلك القمرُ
محلُّهُ في فؤادي قد تَمَلَّكَهُ
وحاز روحي، وما لي عنه مُصْطَبَرُ
فالشمسُ أقرب منه في تناوُلِها
وغاية الحظِّ منه للورى النظرُ
أردْتُ تقبيلَهُ يوماً مُخالَسَةً
فصار مِن خاطري في خدِهِ أثرُ
وكم حليمٍ رآه ظنَّه مَلَكاً
وراجع الفكرَ فيه أنه بَشرُ
ومن شعره قوله:
لو قِيلَ ما تَتَمَنَّىْ؟ قلتُ في عَجَلٍ:
أخاً صَدُوْقاً أمِيناً غيْرَ خَوَّانِ
إذا فعلتُ جَميلاً ظلَّ يَشكُرُنِي
وإنْ أسَأتُ تَلَقّانِيْ بِغُفرَانِ
ويَسترُ العيْبَ فِي سُخْطٍ وحالِ رِضىً
ويَحفظُ الغيبَ في سِرٍّ وَإعلانِ
وأينَ في الْخَلْقِ هذا عزَّ مَطلَبُهُ؟
فليس يوجدُ ما كَرَّ الْجَدِيدانِ

د. محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن
كلية الدراسات الشرقية والإفريقية

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الداعية الكويتى د.عبد الرحمن السميط

الداعية الكويتى د.عبد الرحمن السميط :

هل أبقي مع أولادي ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يقول:
( لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها ) وأدعو الله أن يكون ذلك رجلاً من قبائل ( الأنتيمور) التي أعمل وسطها حالياً، والتي أسلم فيها عشرات الألوف ينقذني من النار ويكون سبباً في دخولي الجنة.

* كيف تنظرون إلى دور الإعلام الإسلامي في مؤازرة الدعوة؟

الإعلام الإسلامي مقصر، ولكن الدعاة كذلك مقصرون في الكتابة في الصحف أو التحدث في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وأتمنى أن يعطي الإعلام بصورة عامة هموم الدعوة ما يعطيه للرياضة والفن من اهتمام.

* هل جاءت مبادرتك متأخرة بعض الشيء؟

آن الأوان أن أتذكر الموت وداره، خاصة وأن العمر قد انقضى في الركض وراء الدنيا ولا بد لي من صحوة أعود بها إلى الله وأعبده حق العبادة من خلال الدعوة، لهذا قررت أن الوقت قد حان لأعمل لآخرتي، وأن أتفرغ للدعوة في إفريقيا وأن أعيش وسط قبيلة أصلها عربي مسلم فَقَدَت هويتها وضاع منها دينها وتحولت إلى الوثنية، أصلها من الحجاز هاجرت قبل 800 سنة إلى جنوب شرق مدغشقر، ولم يبقَ لها من الإسلام إلا تحريم أكل لحم الخنزير وكراهية الكلب وكتابة كتابهم المقدس بالحروف العربية ولكن بلغتهم، لقد نسيهم الدعاة، فنسوا دينهم وعبدوا الأحجار والأشجار.
لقد قررت أن أعيش بينهم في منطقة نائية في مدغشقر ينعدم فيها كثير من الخدمات، لمساعدتهم على العودة إلى دينهم واستعادة هويتهم..
إن عددهم نصف مليون وهم بحاجة إلى جهود كبيرة وأموال كثيرة، خاصة وأن الكنيسة بدأت العمل بينهم منذ 110 سنوات، وقد وضعنا خطة لنشر الإسلام بينهم لمدة 25 سنة وأنا بصدد جميع مبلغ 50 مليون ريال وقفاً على المسلمين الضائعين من أمثالهم. ومن ريع هذا المبلغ سوف ننفق على رواتب الدعاة والقوافل والدورات الدعوية وكفالة الطلبة في المدارس والجامعات والأيتام وحفر الآبار وتنمية المنطقة دعوياً وتعليمياً واقتصادياً وصحياً، ورغم علمي أن المبلغ المطلوب كبير لكن الله علمني أن أثق فيه وفي عونه.

وقد أسلم عشرات الألوف من أبناء هذه القبيلة، ومعدل تكلفة هداية الشخص الواحد للإسلام 312 ريالاً سعودياً، وقيمة السهم الواحد في هذا الوقف 3125 ريالاً سعودياً، ونحن هنا بحاجة ماسة إلى كفالة المزيد من الدعاة حتى نسهم في هداية هذه القبيلة إلى الإسلام، وطبع وترجمة الكتيبات، وبناء دور الأيتام وحفر الآبار…إالخ.

* ماهي ثمرات هذه الدعوة ؟

لقد أسلم في أثيوبيا وشمال كينيا خمسون ألفاً من قبيلة (البوران)
وأسلم ثلاثون ألفاً في شمال كينيا من قبائل (الغبرا) و(البرجي)
وأسلم مئات الألوف في رواندا ومثلهم في ملاوي
0 ألفاً أسلموا في جنوب تشاد
وستون ألفاً في جنوب النيجر

وعشرات الألوف في جنوب السنغال وغينيا الغابية وبنين وسيراليون وغيرها… وهذا ما جعلني أشعر بعظم مسؤوليتي أمام الله، وأن الطريق طويل والعقبة كؤود والزاد قليل، فكيف ألقي عصا الترحال وهناك الملايين ممن يحتاجون للهداية وأنا بحاجة إليهم يوم القيامة ليشهدوا لي لعلي أدخل الجنة بدعاء واحد منهم؟

لو كانت القضية دنيوية لقلت نعم بملء فمي، فعندي عشرات الأمراض من جلطة بالقلب مرتين وجلطة بالمخ مع شلل قد زال والحمد لله، وارتفاع في ضغط الدم، ومرض السكري وجلطات في الساق، وتخشن في الركبة يمنعني من الصلاة دون كرسي وارتفاع في الكولسترول ونزيف في العين وغيرها كثير، ولكن مَنْ ينقذني من الحساب يوم يشكوني الناس في إفريقيا بأنني لم أسعَ إلى هدايتهم.

وهل أبقي مع أولادي ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها ) وأدعو الله أن يكون ذلك رجلاً من قبائل ( الأنتيمور) التي أعمل وسطها حالياً، والتي أسلم فيها عشرات الألوف ينقذني من النار ويكون سبباً في دخولي الجنة.

* متى تلقي عصا الترحال؟

سألقي عصا الترحال يوم أن تضمن الجنة لي، وما دمت دون ذلك فلا مفر من العمل حتى يأتي اليقين فالحساب عسير.. كيف يراد لي أن أتقاعد وأرتاح والملايين بحاجة إلى مَنْ يهديهم؟ وكيف أرتاح بدنياً وكل أسبوع يدخل الإسلام العشرات من أبناء (الأنتيمور) من خلال برامجنا ونرى كل يوم أن أعداء الإسلام لا يدخرون جهداً ولا مالاً في سبيل إبعاد أبناء هذه القبيلة التي كانت عربية مسلمة عن الإسلام وينفقون كل سنة عشرات الملايين ولديهم عشرات من العاملين هنا؟

* ماذا عن الحادث الذي جرى لك بالعراق؟

الحادث الذي حدث لي بالعراق بعد سقوط النظام السابق لا يستحق الذكر، وكنت قد ذهبت للإغاثة وتعرضت لحادث سيارة وتراكمت المضاعفات والحمد لله رب العالمين.

الأمور في العراق قد اختاط فيها الحابل بالنابل، ولم يعد للإنسان المعتدل مجال للعمل أو المساعدة إلا بصعوبة بالغة.

*هل من أثر للتنصير في الخليج؟

التنصير في الخليج ما زال قاصراً والخطر الأكبر من تغيير القيم والغزو الفكري والعلمانية الملحدة والعولمة،
وهذا تركته لأهل الخليج ليتعاملوا معه بالحكمة.

* ما أكثر المواقف تأثيراً على نفسك؟

المواقف أكثر من أحصيها وكثيرة جداً ولكن ما زلت أذكر قرية غرب السودان أثناء مجاعة 1984م سألناهم: ماذا تطلبون؟ فقالوا: كل أطفالنا ماتوا من الجوع وبدأ الكبار يموتون بعد أن ماتت ماشيتهم وزروعهم؟ نناشدكم الله أن تحفروا لنا قبوراً لندفن موتانا، فنحن عاجزون عن حفرها بسبب الجوع، ونطلب منكم أكفاناً لموتانا.

في تلك الفترة رأيت قرى بكاملها في أثيوبيا مات سكانها وحيواناتهم وزروعهم، ولم أعثر على مسلم واحد يذكر الله، فكلهم إما في القبور أو ماتوا ولم يجدوا مَنْ يدفنهم فبقيت هياكلهم العظمية شاهداً على إهمالنا لهم.

* هل تواجهون خسائر مادية أو بشرية؟

هذا شيء طبيعي ومَنْ يُرِد الراحة الجسدية فليجلس عند زوجته ولا حاجة لله فيه، وطريق الدعوة محفوف بالمشكلات، وكل سنة نفقد حوالي 8–10 من العاملين معنا في الحروب الأهلية التي لا ننسحب منها لأن الحاجة إلى عملنا تكثر،
لقد أصبت مرتين بجلطة في القلب، وأصبت بأمراض كثيرة، ولكن هذا كله يهون إذا عظم الهدف الذي تسعى إليه.

لقد كان المخترع المشهور توماس أديسون يعمل أحياناً 36 ساعة متواصلة دون راحة في اختراعاته،

وعمل كولونيل ساندرز سنتين متواصلتين يحاول تسويق دجاج كنتكي المقلي، وكان ينام في سيارته حتى نجح وأصبح للشركة الآن حوالي عشرة آلاف مطعم في العالم ومبيعاتها السنوية بآلاف الملايين،
وهؤلاء يعملون للدنيا فأين مَنْ يعمل للآخرة من شبابنا ونسائنا؟

وفي تاريخنا قصص مشرفة عن علماء ساروا من أقصى المغرب إلى بغداد لتلقي العلم، وعلماء مثل ابن حنبل عمل حمالاً من بغداد إلى مكة حتى يأخذ حديثاً.
وهذا الإمام النووي لا يعرف له فراش ينام عليه، وكان إذا تعب يستند إلى عمود المسجد وينام ومات وعمره 44 سنة، وترك لنا عشرات الكتب التي ندرسها، ولن ينجح مَنْ لا يدفع ثمن النجاح.

* ما أبرز الصعوبات التي واجهتكم في هذا المضمار؟

كانت وما زالت العقبات المالية، وتوفير الكوادر البشرية المؤهلة هي أكبر عقبة.. إن المال إذا وضع في يدٍ غير حكيمة أو بدون خبرة يتحول إلى نقمة على الدعوة.. وكل اللصوص الذين تزخر بهم إفريقيا أسهم في صنعهم كل مَنْ دفع لهم بحسن نية.

ولكن المال إذا وضع في يد أمينة يديرها عقل حكيم، تتحول إلى بلسم يشفي جراح الأمة، لقد رأيت بعض العاملين في مؤسسات خيرية يوزعون النقود في الشوارع وأغلب المستفيدين يشترون بها السجائر والخمور، ورأيت بعيني أحدهم يوزع على بعض الطلبة المسلمين نقوداً خرجوا جميعاً يتمتعون بها مع نساء الشوارع..!

بينما الكثير من مشاريعنا الدعوية متوقف، بسبب عدم توافر الدعم المادي لها، لهذا أشعر بضرورة عمل أوقاف ثابتة للدعوة الإسلامية ومشاريعها، وأن تُدار هذه الأوقاف باحتراف وبكفاءات عالية، ولنبدأ، وتأكدوا أن الله سيكون بعوننا.

* ماذا جنيت بعد 26 سنة من العمل الدعوي؟

جنيت راحة البال وشعوري بأن حياتي التي قضيتها في مساعدة إخواني في أفريقيا كانت ذات معنى ولها هدف، قد لا أكون قد حققت كل ما أسعى إليه خاصة وأنني كلما وصلت إلى هدف بدأت أسعى إلى هدف أبعد.

* هل يرافقك أبناؤك في الدعوة إلى الله؟

عندما كان أبنائي صغاراً كانت مرافقتي لهم في عطلاتهم المدرسية هي فرصتي، لكي أتعرف عليهم ويتعرفوا عليَّ، لأن الصغار منهم لم يتذكروني إذا جئت إليهم من إفريقيا، أما الآن فقد كبروا وتخرجوا جميعاً، ما عدا واحد على وشك التخرج.

ابني الأصغر عبد الله سيتخرج -إن شاء الله– طبيباً بيطرياً بعد عام ونصف. وأود أن أكون له وقفاً من مالي الخاص –إن استطعت– ينفق من ريعه حتى يتفرغ للدعوة في إفريقيا بدلاً من مزاولة مهنته إذا يسر الله لي وله، وهو فيما أرى راغب جداً في العمل في ميدان الدعوة، وأرجو ألا يفهم من هذا أنني أدعو إلى التبرع لولدي.

* هل أنت داعية أم ماذا؟

أنا أبسط من أن أكون داعية فما زلت في بداية الدرب، والدعوة حقيقة أكبر مني، والسؤال من الأفضل أن يوجه للأبناء حتى يجيبوا عنه وأنا بعيد عنهم الآن في إفريقيا.

* تُرى ما الذي جعلك تترك مهنة الطب؟

العمل بالطب هو نوع من الدعوة ومن عمل الخير، وأنا شاكر جداً للروتين الحكومي الكويتي والبيروقراطية في مستشفياتنا، فلولا الله ثم هذه لما اتجهت نحو العمل الخيري في إفريقيا.

* هل اقتربت من تحقيق هدفك من الدعوة؟

أعيش من أجل إنقاذ إخواني في القارة السمراء، وأموت من أجل ذلك فما زال الهدف الأساس بعيداً جداً ولا وقت لدي الآن للتفكير في غير ذلك.

* الدعاة في الخليج هل أدوا دورهم كاملاً؟

لا أعتقد فيما عشته ورأيته ما يشجعني على قول إن الدعاة في الخليج أدوا دورهم في الدعوة في إفريقيا، نحن جميعاً مقصرون تجاه الله في إفريقيا.

* هل حدث أن تنصر أناس أسلموا على أيديكم؟

لا علم لي بذلك، ولكن لا يعني هذا أنني أنفيه، لقد رأيت مرتدين وحدثتهم ولكن لم أقابل مرتداً أسلم على يديّ حتى الآن.

* هل تذوقت طعم الفشل؟

لا نجاح أبداً بدون الفشل، النملة لا تستطيع تسلق الحائط بدون أن تسقط أكثر من مرة، والطريق إلى النجاح يمر دائماً بمحطات من الفشل، ولا خير فيمن يستسلم في المعركة الأولى.

* كيف تعاملت معك القبائل الإفريقية؟

بعض القبائل المسلمة في غرب إفريقيا فرحت بي كعربي مسلم يزورهم وأهدوني ثوباً ملكياً ونصبوني ملكاً عليهم وعندما عرضوا عليّ جارية لخدمتي رفضت
وأذكر في زيارة إلى قرية في سوازيلاند لحفر بئر هناك وجدنا المحكمة التقليدية منعقدة تحت شجرة، ولأننا لا نعرف العادات وقفنا احتراماً للمحكمة، ويبدو أن هذه جريمة في عرفهم فمروا في طابور يبصقون علينا أو يقذفون حرابهم بين أرجلنا وقالوا إن المفروض أن يحاكموننا لإهانتنا عاداتهم، طبعاً لم نحفر البئر، ولم نرجع مرة أخرى لهذه القرية..

وقد عرض عليّ الزواج أكثر من مرة من بنات زعماء إلا أنني مشغول بما هو أهم، وهو الدعوة ومن تزوج بالدعوة لا وقت له للزواج من بنات الناس.

* في أي جانب تنحصر مهمتكم في إفريقيا؟

مهمتنا هي دعوة الإنسان الإفريقي وإعادة بنائه ثقافياً ودينياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً، وتنمية المجتمع المهمش في إفريقيا، ولا شيء كالعلم الصحيح والدعوة بالحكمة في تحصين الإنسان من الردة.

* تعرضت للموت كثيراً.. كيف كانت ردة فعلك؟

الموت لا يأتي إلا في يوم مكتوب، ولن يموت الإنسان إلا بأجله، لقد سجنت مرتين مرة في بغداد عام 1970م وكدت أعدم ومرة 1990م عندما اعتقلتني المخابرات العراقية في الكويت، ولم أعرف مصيري، وعذبت في بغداد حتى انتزعوا اللحم من وجهي ويدي وقدمي، ولكنني كنت على يقين من أنني لن أموت إلا في اللحظة التي كتبها الله.

* في الختام مَنْ تتوقع أنه سيحمل مشعل العمل في ذات الدرب؟

إن أرحام المسلمات لم تصب بالعقم لتنجب مَنْ هو خير من عبد الرحمن السميط، ولقد أنجبت أمهاتنا صحابة رسول الله والتابعين والعلماء الأفذاذ والمجاهدين والمجددين وغيرهم، وكلهم خير ديناً ودنيا من عبد الرحمن السميط.

ولعلم قرائكم أنني تركت العمل الإداري منذ مدة وأعيش – كما ذكرت– في مكان نائي بعيد يصعب الوصول إليه، مما يعني أنني بعيد عن العمل الإداري منذ مدة، ويسرني أن تنشروا عنواني في مدغشقر وهو كالتالي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نبذة تاريخية عن الإمام أحمد بن حنبل

بسم الله الرحمن الرحيم

سبع وسبعوه عاماً هجرياً هي حياة الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- عاشها في عصر من أزهى عصور الإسلام سلطاناً، وحضارة وثقافة، عاصر فيها ثمانية من الخلفاء العباسيين: المهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل. وشاهد الإمامُ عظمة الخلافة العباسية، فقد ثبّتت قواعدها، وامتد سلطانها في أيام المهدي، وتألقت حضارتها، وعظمت هيبتها في زمن الرشيد والمأمون، وتوالت انتصاراتها في خلافة المعتصم، وظلت في قوة وازدهار في عصري الواثق والمتوكل.
وكان النفوذ السياسي في هذا العهد للعنصر الفارسي –في الغالب- لأنه الذي ساعد على قيام الدولة العباسية، ونشر دعوتها، وثلّ عرش الأمويين. وإنْ كان للخليفة العباسي الرأي الأخير والكلمة النافذة. وربما أوجس في نفسه خيفة من معاونيه الفرس، فبطش بهم، كما فعل المنصور بأبي مسلم الخراساني، وكما فعل الرشيد بالبرامكة، والمأمون بالفضل بن سهل.
وإذا كانت الدولة الأموية لم يتمكن فيها الأعاجمُ، فإن دولة بني العباس أصبحت أعجمية خراسانية كما يقول الجاحظ، فالفرس أكثرُ من تولى الأعمال للمنصور، واتخذ الخلفاء ذلك سنة. وفي عصر الرشيد زاد نفوذ الفرس في الدولة لمكانة البرامكة، وأصبح منصب الوزارة فيهم، وظل نفوذهم في ازدياد بتوالي السنين.
واتخذ الفضلُ بن يحيى البرمكي الوزير جنداً من العجم سماهم: العباسية، بلغ عددهم نحو خمس مئة ألف رجل، وجعل ولائهم للعباسيين.
وأقام الرشيد وغيره من الخلفاء علاقات بينه وبين ملوك غربي أوروبا، ومن بينهم شارلمان، ودفع ملوك الدولة الرومانية الشرقية الضرائب للخلفاء.
وفي عهد المعتصم كوّن الخليفة فرقة عسكرية كبيرة في جيش الخلافة من الأتراك بلغ عددها نحو سبعين ألفاً. ولما ضاقت بهم بغداد، وكثرت الخصومات بينهم وبين الفرس، وبينهم وبين العامة، أتى المعتصم (سامراء فاتخذها معسكراً لجيشه وحاضرة ملكه منذ عام 221 ه، وأصبحت مدينة عظيمة في مدة قليلة، وظلت عاصمة الخلافة حتى عام 289 ه.
وكانت أم المعتصم (ماردة) تركية من السغد، ولاطمئنانه إلى الأتراك صاروا موضع ثقته وإيثاره، وقد أثر ذلك على العناصر الأخرى، وأخذ النفوذ في الخلافة ينتقل منذ عهد المعتصم رويداً رويداً إلى الأتراك، وقد أساء بعضُهم التصرف، وأضر بالناس، وانتهك هيبة الخلافة، فكرههم الناسُ. وقد هجا (دعبل) الشاعرُ المعتصمَ بسبب ذلك، فقال:
وهمُّك تركيّ عليه مهانة*فأنت له أمّ وأنتَ له أبُ
وكان الفتح بن خاقان –المقتول عام 247 ه- وزير المتوكل تركياً، وقد عهد إلى الجاحظ أن يكتب رسالة عن مناقب الأتراك وعامة جند الخلافة ليخفف بها من كراهية الناس لهم، ولكن ذلك لم يُجْدِ.
وقد حفل عصرُ الإمام أحمد بكثرة ثورات العلويين، وخروجهم على الخلافة لاضطهاد العباسيين لهم، وبخاصة في عهدي الرشيد والمتوكل.
ولم تخلُ البلادُ في عصر الإمام من الفتن والحروب والثورات، كثورة الراوندية –أتباع ابن الراوندي الرافضي- والزنادقة في فارس والعراق، والخرّمية أتباع بابك الخرمي الذي ملك الجبل أكثر من عشرين عاماً (201-223 ه) حتى قضى المعتصم على ثورته.
وكانت غزوات الصيف والشتاء مستمرة، وأكثر ما كانت موجهة إلى الإمبارطورية الرومانية الشرقية في سهول آسيا الصغرى –وخاصة في زمن الرشيد والمعتصم-.
وقامت إمارات مستقلة في نواحي دولة الخلافة، كالدولة الطاهرية في خراسان –وهي فارسية- والدولة الدلفية بكردستان –وهي عربية- وسواهما.
وقد كان للفقهاء والمجتهدين سلطانهم في الخلافة، ومكانتهم في الدولة، وكان الإمام أحمد –الذي كان جده من المجاهدين في سبيل قيام الدولة، وكان أبوه قائداً صغيراً من قوادها – يدعو للدولة بالاستقامة، وللناس بالرشد، ومع غضبه من أمور الخلافة فلم يحرض الناس على الخلفاء، والخروج عليهم، لمخالفة ذلك لأحكام الشريعة، وما ينتج عنه من المفاسد العظيمة.
وقد نأى عن الخلافة واعتزلها، وامتنع عن أخذ الأعطيات، وابتعد عن السياسة إلى العلم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشايع الولاة ولم يحرض عليهم. وعاش راغباً عن العطاء، منصرفاً للعلم انصرافاً تاماً. ومع ذلك فقد قاوم مذاهبهم المنحرفة من مثل القول بخلق القرآن، ووقف كالطود الشامخ في تلك المحنة التي ابتلي فيها المسلمون، ولم يثبت فيها إلا القلة. فرحمه الله وجميع الصابرين.
وتميزت الحياة الاجتماعية في هذا العصر بتعدد العناصر التي يتألف منها المجتمع: من عرب وفرس وترك وروم وهنود وزنوج.. وغير ذلك من الأجناس التي يربط بينها رابط الإسلام وتجتمع تحت كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكان النفوذ في الخلافة ينتقل بين أيدي القواد والوزراء من الفرس والترك، وكان الثراء والترف يشمل طبقة كبيرة من المجتمع –كبار رجال الدولة، وبعض رجال التجارة والصناعة- وقد مظاهر ذلك الثراء والترف في عمران المدن وبناء القصور وما أنفق فيها. فروايات التاريخ –وإن كانت فيها مبالغة- تروي أن المعتصم أنفق على بناء (سامراء) أموالاً طائلة، وكذلك فعل المتوكل في بناء قصره الجعفري، وتنقل أيضاً: أن محمد بن سليمان الهاشمي أهدى إلى الخيزران –زوجة المهدي- مئة وصيفة، في يد كل واحدة جام من ذهب، وزنه ألف مثقال، مملوء مسكاً.
وكان في المجتمع كثير من الفقراء ومتوسطي الحال من عامة الناس، وقد صوّر أبو العتاهية حياة هؤلاء في قصيدة تحدث فيها عن الغلاء، فقال للرشيد:
مَن مبلغ عني الإما
مَ نصائحاً متواليَه
إني أرى الأسعارَ أس
عارَ الرعية عاليَه
مَن للبطونِ الجائعا
تِ وللجسومِ العاريه

ولتعدد عناصر المجتمع، وتنوع الحياة الاجتماعية واختلاف الوجهات والآراء كانت البلاد معرضة للنِّحَل، ومجالاً للمذاهب السرية، وأصحاب الدعوات المختلفة. فكان فيها أهل السنة والحديث، وكان فيها التشيع برجالاته، والاعتزال بطوائفه، وكانت فيها الفلسفة بمختلف مذاهبها، والعلوم الحديثة بشتى أنواعها. وكان لأهل السنة والجماعة دور كبير في مكافحة الشك في الدين والفساد في المجتمع والدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة. وكان بين جميع هذه الطوائف جدل شديد ومناقشات وخصومات. وهكذا عاش الناس في امتزاج وتوليد بين مختلف العناصر والأجناس، وفي صراع شديد بين الآراء والمذاهب: بين دعوة الإسلام الخالصة، ودعوات الشعوبية الجامحة، وبين حياة الإيمان وحياة الزندقة، وبين عيشة الجد وعيشة اللهو، مما أثر في الحياة الاجتماعية في هذا العصر.
ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله بعيداً عن ذلك كله، بل كان له أثره في حياته كأي عالم يهتم بمشكلات أمته ويسعى لصلاحها.
وصاحب ذلك ازدهارُ بغداد وحضارتها، وازدهار العواصم الإسلامية الكبرى في مختلف أنحاء العالم الإسلامي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده