السَلامُ عَليكُمْ وَرحْمة اللهِ وَبرَكاتُه
أَيُّها الآبَاء الكِرَامُ، أَيَّتُها الأُمَّهَاتُ الكَرِيمَاتُ
ها أَنتم تَرونَ أولادَكُم –مَنْ بَنينَ وبنات- يَكبرونَ أمامَكم. فبارَكَ اللهُ لكم فيهم، ورَزَقَكُم بِرَّهم.
حديثي معكم عَن الصِّغَارِ مِنهم، مِمَن لم يَتجاوزوا الثَّانِيَةَ عَشرةَ مِن أعمارِهم.
ستكونُ هذه الكلماتُ مختصرةً، ولنْ تَأخُذَ إلا القليلِ مِنْ وَقتِكُم، ولعلَّها أنْ تُقدِّمَ المفيدَ إنْ شَاءَ اللهُ.
أَيُّهَا الوالدانِ الكَرِيمَانِ: الأَطفَالُ الصِّغَارُ لا يَجبُ عَليهم الصِّيَامُ إلا إذا بَلَغُوا. أمَّا قَبلَ البُلوغِ فإنَّهم يُدَرَّبونَ فَقَط.
ولعلَّكُم تَرَوْنَ حَولَكم أَطفالاً صِغَارًا يَصُومون، فتُقارِنونهم بأَطفالِكم!
لا تَفعَلُوا؛ لأنَّ الأَطفالَ تَختلفُ قُدراتُهم على الصِّيامِ. كمَا أنَّ أولئكَ الأَطفالَ الصَّائمينَ قد يَكونونَ تَمرَّنُوا على الصِّيامِ في فَتراتٍ سَابقةٍ، أو يُطبِّقُ معهم أهلُهم أَساليبَ أنتم لا تَتَّبِعُونها في تَربيتِكُم لأطفالِكم.
سَنعرِضُ هنا بَعضَ الأَفكارِ التي تُساعِدُكُم على أنْ يحرصَ أطفالُكم على الصِّيَامِ.
عندَما تَنبشُونَ في الذَّاكِرةِ ستجدونَ الكثيرَ. هذهِ الذِّكرياتُ مؤثِّرَةٌ، فلا تَستَهِينُوا بها!
والمكافأةُ ليسَ بالضَّرورةِ أنْ تكونَ مالاً، فرُبَّما تَكونُ هَدِيَّةً يَرغبُ الطِّفلُ في الحصولِ عليها، أو تكونُ مُصَاحَبَةَ الطِّفلِ لوالدِهِ عندَ الذهابِ إلى مكانٍ يرغبُ الطِّفلُ في الذهابِ إليه.
والمكافأةُ تختلفُ مِن طفلٍ لآخرَ.
وهذا لا عَلاقَةَ لَهُ بموضوعِ إِخلاصِ العملِ للهِ عزَّ وجلَّ، فَاللهُ جَعَلَ المكافَآتِ للمؤمنينَ على نَوعينِ: منها ما هو دُنيَوِيٌّ (عاجِلٌ محسوسٌ) ومنها ما هو أُخرَوِيٌّ (آجِلٌ غَيْبِيٌّ). أمَّا الطِّفلُ فهو يَهتمُّ للمكافأةِ العاجِلةِ المحسُوسَةِ.
عندَما يَشعرُ الطِّفلُ أنَّ صيامَه محلَّ اهتمامِ وتقديرِ الآخرينَ فهذا حافِزٌ مَعنويٌّ كبيرٌ بالنسبةِ لهُ. والمطلوبُ مِنَّا ألّا نَغفَلَ عن هذا.
والثَّناءُ قد يكونُ للطِّفلِ مَباشرةً، أو يكونُ أمامَ الآخرينَ والطِّفلُ يَسمعُ، وكذلكَ قد يُشارِكُ الآخرونَ في الثَّناءِ على الطِّفلِ. وأيضًا يكونُ الثَّناءُ على الطِّفلِ أمامَ أَقرانِه، لِيَشعُرَ بالفَخْرِ أمامَهم.
ورُبَّما يكونُ الثَّناءُ مَصحُوبًا بالدُّعاءِ، أَو بلَقَبٍ (بَطَل، صَبُور، قَوِيّ)، أو بعِبَارَاتٍ تُشجِّعُهُ على الصِّيامِ، مِثل: (فُلان صَامَ اليومَ، وسَيَصُومُ بَقِيَّةَ رَمضَان) وبالنِّسبَةِ للصِّغَارِ جِدًّا (فلانٌ صَامَ اليومَ إلى الظُّهْرِ، وسيَصُومُ مُستقبلاً إلى المغربِ)
منها: تَعلُّقُهُ بالمسجدِ، لأنَّ الطِّفلَ سيتعايشُ مع هذهِ اللحظاتِ التي يَقِلُّ فيها الناسُ، فيكونُ ذلك فُرصةً للتَّأمُّلِ، فيَشعرُ بالسَّكِينَةِ والطُّمأنينَةِ في المسجدِ، مما يدْعُوهُ للمحافظَةِ على الصَّلواتِ.
ومنها: أنَّه سيُمضِي جُزءًا مِن الوقتِ يَنسى معه الجوعَ والعَطَشَ.
ومنها: أنَّه سَيَقرأُ القرآنَ الكريمَ، ورُبَّما يكونُ قريبًا مِن والدِهِ، ويَطلَب مِن الدِهِ تَصحيحَ بَعضِ الأَخطاءِ.
ومنها: شُعورُ الطِّفْلِ بِعُمْقِ المحبَّةِ بينَهُ وبينَ والدِهِ.
وهذهِ الفوائدُ وغيرُها تجعلُ الطِّفلَ أكثرَ حُبًّا للصِّيَامِ وأكثرَ حِرْصًا عليه.
ومِن الأمورِ التي يُشاركُ فيها الأَطفالُ -دُونَ ضَرَرٍ- تَوزيعُ الأطباقِ ونقلُها، أو صَبُّ العَصيرِ والماءِ، أو أيُّ أعمالٍ أُخرى يَسعَدُ الطِّفلُ بها بِشَرط أنْ تَكونَ تحتَ إشرافِ الأُمِّ مباشرةً.
هذهِ المشارَكةُ مِن الطِّفلِ تَجعلُهُ يَشعرُ بالأهميَّةِ، وتَجعلُ الصَّومَ مُحبَّبًا إلى نفسِهِ، خَاصَّةً إذا كانتِ الأُمُّ أَثناءَ عَمَلِهما مَعًا تحدِّثُهُ عن الصِّيامِ، وتشجِّعُه عليهِ، وأنَّها ستقدِّمُ المأكولاتِ التي يُحبُّها إذا وَاظَبَ على الصِّيامِ.
بعضُ النَّاسِ يُفوِّتُ على نفسِهِ وأطفالِه هذهِ الفُرصةَ بِإدْمَانِ مُشاهَدةِ التلفزيونِ وقتَ الإفطارِ. وهؤلاءِ -الآباءُ الكرامُ والأُمَّهاتُ الكَريماتُ- نَدعوهم إلى اغتنامِ دقائقَ معدودةٍ –وقتِ الإفطارِ- بدونِ تلفزيونٍ لتحقيقِ جَوانبَ تربويَّةٍ كبيرةٍ.
أَيُّها الوالِدانِ الكريمانِ: نحنُ نَتحدَّثُ عن طِفلٍ صغيرٍ يُريدُ ما يُشغِلُهُ عن الأكلِ والشُّربِ. وأنتم تُلاحظونَ أنَّ الأطفالَ أثناءَ لَعِبِهم لا يَهتمُّونَ للأكلِ، أمَّا عندَما يُطلبُ منهم أَداءُ واجبٍ مِن الواجباتِ فإنَّهم يتَمَلْمَلُونَ من الضِّيقِ والضَّجَرِ، وهذا يجعلُهم يَتحجَّجونَ بأنواعِ الحُجَجِ، فإذا اقتَرَنَ ذلكَ بالصِّيامِ، فسيكونُ موقفُهم من الصِّيامِ سَلبيًّا.
المطلوبُ أنْ نراعيَ طبيعةَ الطِّفلِ واحتياجاته، وأنْ يكونَ جزءٌ مِن وقتِهم مَشغولاً بالتَّسلِيَةِ والمرَحِ. ويمكنُكم إيجادُ الكثيرِ من الأفكارِ –مثل المسابقاتِ والألعابِ المنزليَّةِ- التي تجعلُ الصِّيامَ للأطفالِ ممتعًا، دونَ جوعٍ أو عطشٍ.
في هذهِ الحالِ ارجعوا إلى فقرةِ "أطفالي لا يَصُومُون!" واقرأوها مَرَّةً أُخرى.
أطفالُكم لا يجبُ عليهم الصِّيامُ. لكنَّكم تُدرِّبونهم، وهذا التَّدريبُ سيكونُ لهُ أَثَرُه مُستقبلاً إنْ شَاء اللهُ.
فأنتم قدْ نَجَحْتُم في تَدريبِهم!
لا تَقارِنوا أنفسَكم -ولا أطفالَكم- بالآخَرينَ، أنتم تحقِّقونَ النَّجاحَ بما يَتوافقُ مع طَبيعةِ تَربيتِكم لأطفالِكم.. فلا تَشعُروا بالحَرَجِ لأنَّ أطفالَكم لم يَصومُوا.
مُعاقبةُ الطِّفلِ –حِسِّيًا أو معنويًّا- على عدمِ الصِّيامِ خَطَأٌ فَادِحٌ –من الناحيتينِ الشَّرعيَّة والتَّربويَّة-، والواجبُ على الوالِدَينِ عدمُ اللجُوءِ إلى مُعاقبةِ الطِّفلِ إذ لم يَصُمْ، لأنَّ العُقوبةَ تجعلُ مَوقفَهُ من الصِّيَامِ سَلبيًا، ويَرتبطُ الصِّيامُ في ذِهنِهِ بتجرُبةٍ مُؤلمةٍ. بينما المطلوبُ أنْ يكونَ الصِّيامُ مُرتَبطًا بتجاربَ ومواقفَ سَارَّةٍ.
أَيُّها الأَبُ الكريمُ، أَيَّتُها الأُمُّ الكريمةُ: أَشكركما أنْ مَنحتُمَانِي هذا الجزءَ مِن وقتِكم لقراءةِ هذهِ الكلماتِ.
وأسألُ اللهَ عزَّ وجَلَّ أنْ يَجعلَ فيها النَّفعَ، وأنْ يَكتبَ لَنَا ولَكُم الأَجرَ.
ومَا كانَ فيها مِن صَوابٍ فَمِنَ اللهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وما كانَ فيها مِنْ خَطَأ فَمِنْ نَفْسِي ومِن الشَّيطان، واللهُ ورسولُهُ –صلَّى الله عليه وسلَّم- بَريئَانِ مِما أَقولُ.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
وَالسَلامُ عَليكُمْ وَرحْمة اللهِ وَبرَكاتُة
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ