رجل منَّ الله تعالى عليه بالمال وأنعم عليه بالنعمة والخير، وشاء الله عز وجل أن يصاب بمرض في القلب فسافر إلى الخارج للعلاج حيث إن مرضه جعله ضعيف البنية، وصارت حالته الصحية تسوء يوما بعد يوم. وهناك في المستشفى المشهور بعلاج القلب نصحه الأطباء بعمل عملية مستعجلة وقالوا له: "إن نتيجة العملية غير مضمونة وذلك لخطورتها ولكن من الأفضل عملها".
عندما سمع هذا الكلام من الأطباء طلب منهم تأجيل موعد العملية كي يعود إلى بلده لعدة أيام ليسلم على أهله ومعارفه لعله لا يلقاهم بعد إجراء العملية وحتى يؤدي ما عليه من حقوق للناس، فوافق الأطباء على طلبه على أن يعود بأسرع وقت ولا يتأخر لأن أي تأخير فيه خطر على قلبه.
عاد إلى بلده ومكث مع أهله وأدى ما عليه من حقوق وأنجز بعض أعماله الضرورية واستعد للسفر وقبل سفره وهو يسير مع أحد أصدقائه في إحدى الطرق وبالقرب من محل أحد الجزارين رأى امرأة عجوزا تجمع فتات اللحم والعظام من الأرض قرب محل الجزار، فرقَّ لحالها وناداها وسألها عن سبب فعلها ذلك، فقالت له: إنه الفقر والحاجة فلدي ثلاث بنات ونحن نعيش حياة قاسية دون معيل وأنا أجمع ما ترى لأسد به رمق بناتي وجوعهن حيث إننا لم نذق اللحم منذ مدة طويلة وأصابتنا فاقة وحاجة لا يعلم بها إلا الله عز وجل.
فلما سمع كلامها أخذ بيدها إلى الجزار وقال له: أعط هذه المرأة ما تحتاج إليه من لحم، قالت: كيلو يكفينا.
قال: بل كيلوان، وكل أسبوع. ودفع له مقدما عن سنة كاملة. فرفعت العجوز المسكينة يدها إلى رحمن السموات والأرض ورحيمهما تبتهل إليه تدعو لهذا الرجل الحنون العطوف دعوة صادقة نابعة من القلب، وما إن أنزلت العجوز يدها حتى شعر الرجل المريض بالنشاط والصحة تتحرك في جسده وأحس بقوة وحيوية لم يكن يحس بهما من قبل، وعاد الرجل إلى بيته فاستقبلته إحدى بناته فقالت له: ما شاء الله عليك يا أبي أرى علامات الصحة والنشاط والعافية تبدو على محياك!!
فأخبرها بالقصة فسعدت كثيرا لذلك، ودعت لوالدها بأن يشفيه الله، ويسعده كما أسعد هذه الأم المسكينة وأسعد بناتها.
غادر الرجل بلاده ودخل المستشفى، وفيها فحصه الأطباء فذهلوا وتفاجأوا وقالوا: هذا مستحيل.. مستحيل لقد زال المرض وذهبت العلة، كل التقارير السابقة والفحوصات كانت تشير إلى خلل كبير في القلب.. من عالجك؟!! من شافاك؟!! من أعاد إليك صحتك؟ كيف تشافيت بهذه السرعة؟!!
فرد عليهم وهو ينظر إلى السماء بعين دامعة: شفاني أرحم الراحمين
إن الله تعالى على كل شيء قدير، لقد كان هذا الرجل أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، وجاء ليودع أهله وأحبابه وعندما رق قلبه لهذه العجوز المسكينة ورحمها كان هناك من هو أرحم منه وأكرم: الله الرحمن الرحيم، فجزاء عطفه وحنانه على هذه المرأة البائسة رحمه الله وشفاه وأعاد إليه صحته فالراحمون يرحمهم الرحمن، وصدق من قال: "ارحم من دونك يرحمك من فوقك".
قال الله تعالى: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ". سورة الأعراف: الآية 56
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر".
رواه أحمد