التصنيفات
قصص قصيرة

**مونديال بنكهة أخرى!! ** بقلمي -قصة رائعة

في الغرفة الواسعة جلست الفتيات أكبرهن لم تبلغ بعد السادسة و العشرين في إجتماعهن المسائي المعتاد مع التلفاز الذي جذبهن بخياراته التي تزيد عن الألف رغم أن الروتين جعل تلك الخيارات مصدراً للملل أكثر منه للتغير.
تركت أكبرهن شروق جهاز التحكم عن بعد و ألتفتت إلى أخواتها الثلاث موجهة لهن
حديثاً سيكون أكثر متعة

" اليوم حضرت مباراه مع صديقاتي" أتسعت حدقات أعين أخواتها " ياي..روعه" " و أي فريقين تباروا اليوم؟؟" تاركاتن التلفاز ليتحدث مع نفسه بعد أن تملكهن الشوق لمعرفة المزيد " المباراه اليوم كانت بين الأرجنبين و ألمانيا.. تخيلوا من ربح المباراه؟؟" ثم أخذت شروق نفساً عميقاً، مما زاد من ضربات قلوب أخواتها و زاد شعلة الحماس المشتعلة أصلاً، ثم ضربت كفاً بكف " اليوم فازت ألمانيا على الأرجنتين"، صدم الخبر الجميع أبعد كل هذا الزخم الإعلامي و إستعراض العضلات تخسر أمام ألمانيا؟؟ لا أحد ينكر قوة الفريق الفائز و لكن لم يتوقع أحد هذه النتيجة. " طيب.. و كيف حال ماردونا و ميتسي؟؟" بعد أن تملكت إحداهن الشفقة، لكن شروق تملكتها الضحكة و ردت " يا حرام مساكين.. ماردونا إنهار و بكى في ارض الملعب.. و ميتسي لم يحضر أصلاً تخيلو كيف بيكون شعوره!!" لا يمكن لحديث و تعليقات شروق أن تكون كافية بالنسبة لأخواتها فمن حضر المباراة و شاهد وجوه المشجعين من كلا الطرفين لا يقارن بمن سمع تعليقاتهم و آرائهم بعد نهايتها. " شروق.. طيب لو حضرنا معاك مباراه؟؟" و كان لهم ما أردن.

بمساعدة عامل المقهي، إختارت الأخوات الأربع مكان بين الممرات أمام شاشة البلازما، الشيء الوحيد الذي يشعر مرتادي المقهى بفعاليات كأس العالم، لتوضع طاولتهن و كراسيهن و قوائم الطلب. لم يكن يفصل قسم العائلات في المقهى القريب من السوق عن قسم العزاب سوى مساحة الإستقبال الصغيرة، لذا فرائحة تبغ المدخنين قد طالتهن كذلك بحيث طغت على رائحة البن و كونت هي و الإضاءة الكئيبة للمقهى أكبر مصدراً للضيق(الإزعاج).. لكن لا بأس كل ذلك سيتلاشى مع المباراه.

إستندت شروق على المقعد الإسفنجي الوثير ثم تلفتت يمنه و يسره و أزالت نقابها في خفة بحركة جريئة لم تجرأ أخواتها على فعلها " لا أحد ينظر إلينا الآن.. الكل مشغول مع المباراه". ثم أمسكت بقائمتها الخاصة لتطلب من الطعام و الشراب مستغلة إعلانات رعاة كأس العالم التي لحقتها أغاني مونديال جنوب أفريقيا وإحتست قهوتها على أصوات المعلق الرياضي " إعزائي المشاهدين و المشاهدات… السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.. ستقام الآن المباراه الفاصلة بالنسبة للفريقين الأسباني و الألماني و التي ستحدد من سيباري الطواحين الهولنديه في المباره الحاسمة.. فأهلا وسهلا بكم جميعاً..ونتمنى لكم متابعة شيقة".

في الفترة التي تسبق تسديد أي هدف من أي الفريقين، رأت الفتيات أن يستغلن مواهبهن الفطرية في التعليقات الجانبية " ههه.. المعلق الرياضي تحسين مره متحمس.. يسب هذا و يشتم هذا.. و يمدح هذا.. ويذكر أمجاد الفريقين… مره متفاعل مع الجو" فأكملت شروق " هذا المعلق أفضل من السابق… هذا مره يحمس الجمهور الرياضي.. جاء قبله واحد تحسين كل ساكت.. ما بقى إلا يقول للمشاهدين ناموا أحسن" لكنه قطع عليهن لذه تمتعهن بالتعليقات الساخرة بصوته الذي بدأ أكثر جهورية " الكره الآن مع المنتخب الألماني.. و الذي يسددها لشفاين شتايغر.. و يسدد… لاااااا.. كيف ضيعت هذي الفرصه" كادت الفتيات و الحاضرات يستمتعن بلذه الصراخ لولا ضياع الفرصة.. التي أستغلها الفريق المنافس أحسن إستغلال " يمررها للمنتخب الأسباني .. و تصل إلى خيسوس.. و يسدد.. هداااااف.. الهدف الأول للمنتخب الأسبانيييييي.. خذ بالك يا شفاين شتايغررر"
لم يصرخ أحد من الحاضرات الذي
قررن أن يتعصبن للألمان قبل المجئ فأكيد" لن يفوتها لهم الألمان.. فبدل الهدف .. سيسدد الألمان عشره" و أعترضت أحد الأخوات " لا.. هذا أكيد غش.. أكيد أن الحكم متعصب" و قد أخذت بها مشاعرها المحمومة، لكن شروق ردت بلهجة المنتصر " هه.. لا يا حبيبتي.. هذا ما فيه غش.. هذا المنتخب الأسباني.. و راح تتأكدون من عظمة أسبانيا لما يسددون الهدف الثاني.. أصبروا كم دقيقه بعد" و صدقت توقعات شروق. في نهاية المباراه ضربت أحدى الأخوات الأربع كفاً بكف " لا.. ما أصدق .. أسبانيا تفوز.. هذه أشكال ناس تفوز.. كل واحد منهم أصغر من الثاني.. قسم بالله أشكالهم ما خلصوا الثانويه بعد.. يفوزون على ألمانيا.. طيب و التمرينات… فجأه ينهزمون بسهوله!!.. السنه هذه غريبه عجيبه بصراحه" عدلت شروق من وضعية النقاب ثم علقت بصيغة الآمر الناهي " خلاص من اليوم الكل يشجع أسبانيا.. ما نبغي خونه.. و لو صار في خساره.. رغم أنها مستحيله .. الكل يحادد.. واضح" ثم أكملت " المره الثانيه .. راح نحضر أبكر من كذا" سألتها أختها " متى المباراه النهائية؟؟" فردت شروق " بعد إسبوع".

رغم أن الحاضرات في المره السابقة كن كثيرات إلا أن هذه المره أصبحن أكثر من المعتاد الأمر الذي جعل الأخوات الأربع يغبطن حظوظهن " الحمد لله حضرنا مبكر هذه المره… لو كنا حاضرات متأخر مثل المره السابقه ما لقينا لنا محل" و قد تميزت القاعة ليس فقط بعدد الحاضرات لكن أيضاً بالحماس البادي عليهن الذي جعل إحداهن تجلب ولديها اللذان لم يتجاوزا بعد الخامسه من العمر فتصبغهما بالأحمر لون المتادور الأسباني حتى يزمرا للفريق مثلما يفعل المشجعين في الملعب و لكن من أمام شاشة البلازما. إبتسمت الأخوات الأربع لتلك الفكره و هامست إحداهن الأخريات " يا حياتي.. ملبستهم أحمر و مسكتهم علم أحمر كتبت عليه( يارب esp)" فردت الأخرى مكملة التعليق " لا و التيجان فوق روسهم.. هه.. ماتحسون إنه ثقيل".
أخذت الركلات و التمريرات من كلا الفريقين و التي تنتهى بدون نتيجه و قتأ أطول مما توقعته الحاضرات. بعد نصف ساعة من الحملقة في الشاشة البلازمية ، شعر الجميع بالملل و بدأت الأحاديث الجانبية و المناقشات أو بمصطلح آخر لدى بعضهن التعليقات " يا حرام… صار زمان للفريقين و ما سدد أحد أي هدف.. أنا
والله شفقانه على هالصغار اللي صار لهم نصف ساعة يدورون في القاعة يشجون أسبانيا" فردت أختها " هه.. أمهم مره ديكتاتوريه.. تبغي توسع صدر النسوان في المقهى على حساب رجليهم" و أكملت الثالثه " هه.. تلقينهم مزعجينها في البيت و قالت ليه ما أدوخهم اليوم عشان لما يرجعوا البيت ينامون بدون ما يتعبوني". من خلال تجربتهن الخاصة يحتاج الطفل الذي يشعر بالنوم إلى حوالي نصف ساعة على الأقل من الإزعاج و البكاء يرتفع من خلالها ضغط الوالدين و بعض الأحيان الخادمة ثم يسقطوا من النوم.

إرتشفت إحدى الأخوات رشفة من الموكاتشينوا لتبدئ حديثاُ أكثر أهمية " ما تلاحظون يا بنات أن الشوط الثاني راح ينتهي و ما تسدد و لا هدف.. أف.. و الله ملل" فردت عليها أختها ممازحة " الظاهر أنهم ينتظرونك تطلعين من المقهى..هه هه" لكن على عكس ما توقعته لم ترق المزحه لهن، فجاء دور شروق لتبدي رأيها في الموضوع مع صفارة الحكم التي أنهت الشوط الثاني " ما راح يصير ركلات ترجيح .. راح يصير فيه أشواط إضافية" أكملت أختها الذي أرادت تلطيف الجو الثقيل " هه.. تخيلوا يصير فيه أشواط حتى الصباح" فردت شروق " و هذا اللي راح يصير" " كيف يعني ما راح يصير فيه ركلات ترجيح!! " " لأ.. أبداً".

مع بداية الأشواط الإضافية، إنتهى رصيد الروح الرياضية من كلا الفريقين خاصة الطواحين الهولندية و بدأت حلبة المصارعة فالمسألة بالنسبة للفريقين في غاية الخطورة لتواجد ليس فقط المشجعين المخلصين بل أيضاً الرؤساء و الحكام.. " يعني.. قلة أدب… كم مره يضرب هولندي إسباني بقوه.. و لأ .. و عادي كأن ما صار شيء .. تنحسب لهم بطاقه صفرا في النهاية" نفست إحدى الإخوات عن غيظها لأخواتها لما لم تجد متنفس آخر، و وجدت من يشاركها في التنفيس " أصلاً هذا خلى الهولنديين يتمادون.. الحكم متساهل معاهم" فردت عليها شروق التي وصلتها الأخبار للتو " لأ.. الحكم مو متساهل و لا غبي.. الحكم متعصب.. تصدقون إن في شائعات تقول أنه يكره الأسبان… لكن تدرون أحسن شيء سوى فيه المعلق الرياضي أنه هزئه و قال له جبان".. و أكملت أختها " تحسون المباراه ما راح تعدي على خير.. إذا كل مره.. يبغي يسدد الأسبان يدفونهم و يكسرونهم الهولنديين.. شكلهم في آخر المباراه راح يصيرون كلهم معوقين".

لكن لن تصدق توقعاتهن ففي لحظة حاسمة و تحت ضغط الجمهور و بقية حكام المباراه أخرج الحكم المتعصب البطاقة الحمراء لصالح المنتخب الأسباني الأمر الذي أستقبله الحاضرات بالهتاف والتشجيع و التعليقات الحانبية الطريفة من الهادئات " و أخيراً… ما بغى يعطيهم.. الحمد لله في اللحظة المناسبة".
و قد كانت البطاقة الحمراء بطاقة السعد والحظ على الأسبان الذين أرتفعت معنوياتهم مقابل نزول معنويات الفريق المنافس "
الكره الآن مع المنتخب الأسباني.. ويأخذها خيسوس ويسدد..هداااااف" ووووااااووو علا الضجيج في كل القاعة.

هل هناك أي أمل للهولنديين يحفظوا به مياه وجوههم؟ هل سيسددون هدفاً في الوقت الضائع؟ بصراحه " هذا مستحيل… الهولنديين خلاص ما فيهم أي طاقه يكملون المباراه" و أعلن الحكم صافرة النهاية على الهدف الأسباني الوحيد الذي قلب القاعة رأساً على عقب.
" بصراحه المباراه كانت مره حماسية..
بعد سنوات طويلة أسبانيا تفوز أحس أني راح أبكي لهم… كسروا كل التوقعات الأرجنتينيه و الألمانيه و البرازليه"
فردت أختها و هي تضرب على أرقام الهاتف الجوال " بنات
ما يصير يعني كأس العالم كل سنه بدل كل أربع سنوات… أحسن من جو الملل في البيت"

**نهاية القصة**

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.