قليلاً من الشاي كثيراً من الكعك
… تماماً كالأيام الخالية
تأليف : أدهم محمد
الفصل الاول
هاا قد اقتربت نعم انه هو.. وياله من مكان
يكفى ان اراه دون حتى ان ادخله
يكفى ان انظر الى تلك اليافطة المعلقة فوق المكان واقرأ ما فيها .. كلمةً واحدة
كلمةً ترجعنى اكثرُ من 60 عام . . .
الذكريات الاصدقاء النساء الباشاوات الفنانين الادباء السياسيين
كل من له اسماً وصوتاً وعلماً وادباً فى المجتمع كان يأتي لهذا المكان
هذا المكان الذى لى فيه ذكريات كثيرة منها الجميل والمضحك والحزين
منها الانكسار والالم ومنها ايضا الحب
انه … جروبى
اول من ادخل الآيس كريم فى مصر
والبتي سويس والمارون غلاسيه والكريم شانتى وبول دى شكولاه وانواع من الشكولاتة لن تجدها الا فى مكانين هنا وفي أوروبا
واشياءً كثيرة لن تعرفها او تراها ولا تذوقها الا فى جروبى
جروبى الذى اذا اعتدت على ان تفطر على طريقتة فقد تظل دائما اسير هذا المكان لكى تأتى اليه وتتناول افطارك فيه
مممم كم اشتقت الى الكرواسان الطازج الذى تبدأ به صباحك
اليوم الذى يمرعليك دون ان تأتى اليه وتتناول افطارك فقد لا تفطر فى هذا اليوم
هذا المكان قد تجلس فيه ويكون بجوارك ام كلثوم تتناول افطارها
فقد كان كثيراً من الفنانين من زوار وزبائن جروبى فيما مضى
كل من تسمع عنهم تراهم هنا فى جروبى
حتى انى كنت اعلم ان احد المشاهير كان يأتى الى جروبى
وهو لا يريد ان يأتى ولكنه يأتى فقط ليكون من زبائن جروبى
نعم فقد اتى زماناً على جروبى كان من افضل مقاهى العالم . . .
انى أتذكر جيدا اول مرة اتيت فيها الى جروبى عندما كنت فى السنة الاولى فى كلية الطب فى اربيعينات القرن الماضى اتيت مع زميلاً لى
كان اسمه خالد ولقد ظل طوال الطريق يحكى لى عن المكان وعن الحفلات التى
تقام فى حديقتة الخلفية والعروض السينمائية وزبائنه الذين كانوا من الوزراء والادباء والاغنياء والسياسين والاجانب
يحكى فقط وانا استمع فقط ونترك العنان لخيلنا ليصف ويصور مالم نره من قبل
يحكى بما سمع فأنه لم يذهب الى جروبى الا مرة واحدة حتى وصلنا الى جروبى
ورغم كبر المبلغ الذى كان معنا والذى ظللنا ندخره من مصروفنا الخاص لأكثر من شهرين غير اننا كنا خائيفين ان لا نستطيع ان ندفع الحساب فقد قال خالد لى انه لم ياتى هاهنا الا مرة واحدة مع احد اصدقائه من ابناء الباشاوات الذى دعاه لتناول الغداء معه فى جروبى فذهب معه لذا فهو لم يكن يعرف المكان جيدا ولا كما سيكفل اذا تناولنا قطعة جاتوه وفنجان من الشاى
ولكن كان من المهم ان خالد قد أتى الى جروبى حتى ولو مرة واحدة فنحن ابناء الطبقة الوسطى البسيطة كنا لا نجرؤ على دخول جروبى ولا يحق لنا فهو من الاماكن التى كنا لا نستطيع الدخول فيه مثل محلات كليماتيانوس و شيكوريل فتلك كانت اماكن مقصورة على الطبقة العليا كالباشوات والبهوات وابنائهم … نعم كان ذلك قبل ثورة يوليو 1952
فقبل الثورة كان هناك تفاوت كبير بين الطبقات
لذا فقد قرر خالد ان يستخدم اسم صديقه ابن الباشا حتى نستطيع الدخول دون خوف من شىء .. ما كنا نمتلكه هو ثلاثة جنيهات ورغم ان الثلاثة جنيهات فى تلك الفترة كانت مبلغا كبيرا ولكننا كنا خائفين
ذهبنا ولبسنا افخم ماعندنا من ملابس وبالتحديد فقد استعار خالد بدلة من احد اصدقاءه الاغنياء اما انا فلبست بدلة كنت لا البسها الا فى المناسبات
وعند دخولنا كنا كتائهين نعم تماما كأننا من كوكب اخر لم ننتظر ان يستقبلنا احد العاملين فى المحل او حتى ننظر فى المكان لكى نراه جيداً ولكننا اخذنا نبحث عن طاوله اى طاوله لكى نجلس عليها او بالمعنى الصحيح نخفى انفسنا فيها فقد كنا فى ارتباك شديد وكأننا دخلنا دون ان يأذن لنا انه لامر مضحك حقا كنا نشعر بالخجل الشديد كطفل كسر شىء ما ويبحث عن مكان يختبىء فيه
وظللنا نبحث عن مكان لنجلس فيه ولم تجد اعيننا الحائرة شىء
حتى قال لى خالد وهو يضع يده فى جيبه :
افتكر انى النهارده يوم بيكون الزبائن كتيرة
فقلت له فى تهكم واضح:
اظن يامسيو خالد انى انت اللى اخترت اليوم
اه طبعا بس ياريت تكون تفتكر ان حضرتك اللى اخترت الميعاد
لقد كان موقف جميل ومضحك ظللنا نتجادل فى من هو السبب فى اننا لم نجد مكان لنجلس فيه حتى قال لنا احد العاملين هو يشير بيده :
اتفضلو يابهوات استريحو
كان يشير الى طربيزه كانت خلفنا…خلفنا ونحن نتجادل من صاحب المشكلة وهى خلفنا
وقبل ان نجلس سأل خالد عن صاحبه وقال فى تكبر
حسين بيه ابن ماهر باشا جيه النهارده
فرد الخادم
لاء بيه ماشرفناش النهارده
ثم جلسنا ونحن نشعر بالخجل الشديد .. ثم اتى لنا العامل ونحن فى سرحان فيما نره ان تره النساء كما تراها فى السينما ان ترى الباشاوات كما فى الصحف كان منظر غريبا علينا… ان تشعر انك بين النجوم دون ان تحلق فى السماء وقال فى ادب شديد:
تطلبوا حاجه يابهوات
وهنا وبالتحديد كانت المشكلة والشىء المضحك لقد نسى خالد ماكنا نريده فقد اتفقنا مسبقا على اننا سوف نشرب الشاى ونأكل الكثيير من قطع الجاتوه الى جانب وهنا ضع الف خط الآيس كريم
ولن يفرق معنا ان نكون كالاطفال ونحن نتناوله فى نهم شديد ولو كلفنا ذلك ان نغسل صحون مطعم جروبى
فقد كنا نسمع عن آيس كريم جروبى ولم نأكله من قبل … آيس كريم جروبى الذى كان عماله يحملونة على الدراجات ويذهبون به امام المدارس الراقيه ليبيعونه لتلاميذ تلك المدارس.. قد تشعر عندم اقول ذلك ان جروبى كان يبحث عن الزبائن بالعكس ان فى نفس الوقت الذى كان هذا التلميذ يشتري فيه الآيس كريم من احد عمال جروبى فى الشارع
كانوا باشاوات البلد ووزرائهم واعلى طبقة فى المجتمع يأتون الى جروبى ليتناول حلويات بتي سويس او الشكولا او الشاى او اى شىء يقدمه لهم جروبى
بل وحتى الملك فاروق وأسرته نالو ايضاً نصيبهم من عالم جروبى… ايضا لقد كان جاتوه جروبى لشىء اخر بل كل ماكان يصنعة جروبى كان شىء اخر
وظل يتهته خالد ولا يعلم مايقول و لم استطيع ان اساعده ولو بكلمة واحدة فقد كنت مثله تمام … واخير نطق خالد ولكنه قال شىء لم يفهمه الخادم فقد قال جملة ظلت معنا ومعى انا على الخصوص نتذكرها ونرددها فيما بيننا لقد قال بلغة عريبة فصحى
نريد قليلاً من الشاى وكثيراً من الكعك
قال هذا وسكت وكأنه لا يعلم ماذا قال… وظللت انا اضحك والخادم لا يفهم حتى استطعنا اخيراً ان نتذكر كلمه جاتوه
وبالمعنى الصحيح اننا لم ننسها ولكننا كنا فى ارتباك ثم طلبنا منه ان يحضر لنا الشاى والجاتوه فقد كانت كلمة جاتوه فى زمننا قليلة الاستخدام جدا
ولا يعرفها الا القليل
ولكننا لم نطلب الآيس كريم وأجلناه لمرات اخرى ظللنا فيها نتمتع بأنواع واشكال آيس كريم جروبى
هاا انا اقف الان تحت يافطة المطعم واقرأ جيدا J. GROPPI
تماماً كالأيام الخالية ويكون خلفى ميدان وتمثال سيلمان باشا سابقاً وطلعت حرب حالياً
سليمان باشا الفرنساوي جَدُّ الملكة نازلي لأمها
نعم ذاك الرجل الذى ترك بلاده ودينه واعتنق الاسلام وعاش فى مصر وهو صاحب الفضل فى بناء الجيش المصري
غريب ماحدث ان تبنى شىء ويكون لك الفضل الأكبر فى تكوينه
ثم تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن تأتى ثورة يوليو 1952
لتقوم بنقل تمثال سيلمان باشا وتجعله بالمتحف الحربى ويوضعون مكانة تمثال لطلعت حرب ومن يفعل ذلك هو الجيش المصرى طبعا
هم لم يفعلوا جريمة.. ولكن رجل كـ سيلمان باشا يعد احد اسباب وجود وتكوين الجيش المصرى
وهكذا الايام تذهب بشخص ليأتى اخر.. تأتى بطلعت حرب الذى اعطى بلاده الكثير ذو العقلية الاقتصادية الفذة الذي لولا حبه لبلده وشعبه وانه اعطهما الكثير لظل ورثته يصرفون من ماله الى الان
ولكن ما استغربه الان ان يبدأ وجود تمثال طلعت حرب مع قرب عصر وظهور الاشتراكية العربية ذلك الخليط من الشيوعية الشرقية والرأسمالية الغربية والقومية العربية ايضا
فقد كان العالم فى انقسام مابين شيوعية ورأسمالية وكان يجب علينا ان نختار ولكننا لم نختار اى منهما بل مزجنا بينهم وكانت صاحبة النصيب الاكبر الشيوعية
خليط يتيح لك ان تملك الدولة القطاعات الحيوية واداوت الانتاج
كقناة السويس والشركات الكبرى وفى نفس الوقت ان نحترم الملكية الخاصة والارث
واعتقد الذى جعلنا نفعل ذلك هو تمسكنا بديننا ولكن لو نفعل كل مايقوله ديننا.. لقد مرت بى فترة بعد سقوط الشيوعية وترقيع الرأسمالية وسقوط الافكار التى طالما كنا نرددها ونؤمن بها وسقوط اشخاص كنا نظنها انها لن تسقط وضلال افكار كنا نظن انها هى الهداية ومرور الكثير من الاحداث الغير متوقعة
شعرت فى تلك الفترة اننى قد قرأت لكثير من الناس بل اكثر من الكثير وطبقت وغير طبق كثير من الافكار ثم وجدنا وبكل بساطة انها غير صالحة
فى تلك الفترة سألت نفسى لقد قرأت وفهمت الكثير عن اشياء
لكى اؤمن بها ولكنى لم اقرأ وافهم الشىء الذى مؤمن به القرآن الكريم
ما اقصده ايها الساده ليس ان اقرأ آياته عدة مرات هكذا دون ان افهما فهما صحيحا دون ان اعرف لماذا انزلت و لاي سبب نزلت
فقررت ان اقرأ القرأن كما انزل وان افهمه كما انزل كان ذلك فى تسعينات القرن الماضى فى اشد فترات مصر ارهابا
وقد كانت الدهشه ان تشعر وتعتقد انك تفهم الكثير
فيأتى القرأن ليثبت لك عكس ذلك
ان تبحر وتغوص فى عالم التفسير ان تجيد اكثر من لغة اجاده تامة ولا تجيد لغة القرأن
نعم ان للقران لغة غير التى نتكلم به ونتبادلها بيننا
انها اللغة العربية لا اقصد بذلك
اننا لا نتحدث العربية ولكننا نتحدث بجزء من جزء منها ان فى القرأن لاشياء واشياء ولكى تعرفها او تشعر بها
عليك ايجادة العربية ومعانيها و ادواتها او معرفتها على الاقل و قراءة ايضا تفسيرات تلك الايات فقد تمر بأيات تجعلك تفكر فيها شهور انى لتذكر ايات كنت اقرأها واتأملها ايام
اه ه اه ه …انى لتنهد الان ولكنى لا اعلم ائتنهد لراحة ام لألم
كنت اجد كثير ممايفهمه ويعلمه عقلى يناقض كثير مماافهمه واعلمه من القرآن ولكنى كنت اصر على ان يجب ان استوعب ما يقوله القرآن حتى يكون قاب قوسين او ادنى من نقيضة الذى فى عقلى وهنا تبدأ معركة الافكار من سوف ينتصر مايفهمه عقلى او مايقوله القرأن وكنت انتظر وكان فى بعض الاحيان يطول الانتظار وفى النهاية كنت اجد الانتصار للقرأن الكريم
نعم .. وهاا انا اقترب من طلعت باشا حرب وانظر اليه جيدا رغم الزحام وكبر سنى استطعت الوصول اليه كنت اقول منذ قليل ان وجود تمثالك هنا طلعت باشا فى فترة الخمسينات والستينات لغريب بعض الشىء ولكن هل حقا هو غريب لمعاصرتة ووجوده فى عصر الاشتراكية
ذلك لان طلعت حرب عن ما اعرفه عنه لم يكن ان يكون شيوعيا ذلك لان طلعت حرب كان متدينا والشيوعيه تنكر الدين من اصله فلقد هاجم قاسم امين وكان من المعارضين فى فكرة تحرير المراة على طريقة قاسم امين بل والف كتاباً للرد على كتاب قاسم امين
وايضا هو كان يعترف بالطباقات فى المجتمع ولا ينكرها ولا يكرها وفى نفس الوقت كان يساعد ليس فقيرا او مسكيا بل كان يساعد شعبا بأكمله فى النهوض به
لكن الاشتراكية العريبة لم تدعوا لانكار الدين ولكنها كان بها كثير من افكار الشيوعية
ان وجود تمثال طلعت حرب الذى كان كله مايملكه لشعبه وبلده فى اشهر ميادين البلد
ليقول لا للاشتراكية ونعم ولكن ليس لرأسمالية
التى تقول لك ان تكسب بأى طريقة كانت.. لك ان تصبح غنى بمتصاص دماء عمالك
لك ان تحتكر وشعبك فى اشد ماتحتكره.. ولك ايضا ان تبيعه لهم بأى ثمن كان
ولكن نعم لان تحلم وتفكر وتنجح من اجلك ومن اجل الاخرين ولن يسرق نجاحك احد
لا يسرق نجاحك احد … تلك كلمة سمعتها منذ زمن رغم انه قيلت من رجل صوته جميل شجى دائما ما احببنا صوته الا انه قالها بمرارة تجعلك لاتتحمل سماعها سرقوا حلمى سرقوا نجاحى
يرددها فى ألمً شديد … انه محمد فوزى ايها الساده الملحن الناجح والمطرب الناجح والممثل الناجح والمنتج الناجح ان تترك كل هذا النجاح لتتفرغ لشى واحد
شركة مصر فون اول شركة للاسطوانات في الشرق الأوسط
التى كانت الضربة القاضية لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تتحكم فى السوق كيفما تشاء وبالسعر الذى تريده
ليأتى محمد فوزى وشركته ويبيعون الاسطوانه بسعر ارخص بكثيير مما كانت عليه
وتنجح الشركة وتزيد مبيعاتاها وتكبر وتشتهر وتكون اكبر الشركات فى مصر فى اقل من ثلاثة سنوات
ثم تأتى الحكومة لتأميمها هكذا تأتى لك الدولة وبكل بساطة لتأخذ ماقمت انت بفعله تأخذ الشىء الذى تعيش من اجله وتجعل محمد فوزى موظفا فيها برتبة مدير
ما اصعب ان تكون ضيف وانت صاحب البيت … تلك كانت الصدمة الكبرى الاكبر فى حياة محمد فوزى ليعانى بعد ذلك من اكتئاب حاد ثم يصاب بمرض لا يستطيع الاطباء معرفته لتمر خمس سنوات يعيشها فى صراعا شديدا مع المرض
ويموت محمد فوزى رحمة الله عليه
لقد احزنت نفسى دون سبب مالى ومال تلك الذكريات
لقد ابتعدت عن تمثال طلعت حرب ..
ما اعلمه وافهمه هو ان يجب ان تتدخل الدولة
ولكن بقدر وذلك القدر ان زاد او كثر قلب الموازين وادى الى السقوط اى يجب ان يكون بالقدر الكافى حسب الظروف وماتحتاجة الدولة ولا يزيد على ذلك
فعندما اتى الكساد العظيم تعلمت دول كثيرة منه… تعلمت ان من الخطأ ترك النظام الاقتصادى الحر دون توجيه بل يجب ان يكون اقتصاد موجه
يجب ان تتدخل الدوله بقدر يحفظ الاقتصاد ولكن لا يقتله
ان التأميم شىء مهم بل وضرورى فقد قامت مثلا انجلترا بعد ازمة الكساد العظيم بتأميم شركة إنتاج الفحم الإنجليزية
ولكن ان من اهم وظائف التأميم هو حفظ النظام الاقتصادى وقوته وليس ان تقوم بتأميم كل شىء تجده ناجح كشركة مصر فون
امممم ارى ان نفسى تداعبنى كى اناقشها فى هدوء
مع قليلا من الشاى وكثيرا من الكعك …تماما كالايام الخالية
الجامعة والطلبة والمظاهرات والاصدقاء .. نجلس سويا ونتناقش ونتكلم ونتحاور
الجامعة لقد كم اشتقت اليها والى رؤيتها كما الساعة الان
انها تجاوزت الرابعة ونصف
هل سيكون من المناسب ان اترك سيارتى واستقل سيارة اجرة لكى اذهب الى الجامعة هااا نعم ليكون ذلك
لنبحث الان عن سيارة الاجرة ولكن على ما اعتقد انه يجب ان امشى قليلا لكى اجد سيارة