وليد وصل المغامسي
الحمد لله رب العالمين وبعد:
فمما لاشك فيه أن الثورة السورية تزداد زخما وكثافة وشكيمة وقوة وخبرة كل يوم ، وتتخطى رقاب الموانع ،وتترقى في مدارج العزة كل جمعة ، وهي باتت على أعتاب التحول إلى كتلة بشرية هائلة ستجرف النظام بمشيئة الله إلى مكب التاريخ
ومما لا ريب فيه أن النظام السوري يزداد كل يوم تخبطا وإرهاقا ورعونة ، ويتهاوى في دركات التيه والجهالة ، وكأنه طبع على بصيرته وختم على قلبه ، وخطاب بشار الأسد الثالث والأخير بإذن الله دليل ساطع على تخبط النظام وفقدانه البوصلة ، فهو خطاب فلسفي أجوف مفكك ومتناثر ، تطغى عليه العجرفة التي تخفي وراءها خوفا عميقا ورعبا شديد من القادم .
والمطلع على الأحداث هناك يعلم أن تحولات نوعية تكاد تظهر في الأفق لهذه الثورة تنبئ بأخبار سارة ؛ ليس للشعب السوري وحسب .. بل للأمة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها .
والشيء الغريب الذي لا أجد ما يبرر غرابته ؛ هو وقوف الأنظمة العربية موقف المتفرج على الشعب السوري الأعزل – إلا من إيمانه وتوكله على ربه – وهو ينازل هذا النظام الوحشي النادر عبر التاريخ ، وهم – أي الأنظمة العربية – من أكثر من سيجني ثمار سقوط هذا النظام ؛ الذي ما فتىء يحيك لهم المؤامرة تلو المؤامرة ..
ألا قاتل الله الرعونة والخرف والذعر …
بل الأغرب من ذلك كله والذي يجعل المرء يحتار في أمره ويلتبك في فكره وتتلاعب فيه الظنون ، صمت بعض العلماء والمفكرين عن ما يجري هناك ؛ وهم يعلمون علم اليقين أن المشروع الإسلامي سينتعش بقوة وسيقفز قفزات مرثونية بسقوط هذا النظام .
ما قيمة أن يحمل العالم بين جنبيه نصوص الوحيين التي تحذر من الظلم والظالمين ، وخطورة الركون إليهم والسير في ركابهم ، وشناعة السكوت عن إنكار المنكر ، وبشاعة السكوت عن الحق ، ويتلوها على الناس بالليل والنهار ؛ ثم إذا نادى منادي العمل رأيته يلوذ بحائط السلامة ، ويصمت صمت أهل القبور ، لا يتحرك له لسان ولا يقشعر له جنان .
ألا تبا للعجز وسحقا للخوف …
بل إن الذي يسكب في القلب مرارة كبيرة ، ويشعرك بلوعة وحرقة في صدرك ، خرس بعض الحركات الإسلامية وعلى رأسها حركات المقاومة عن المجازر والفظائع التي ترتكب على أيدي جلاوزة النظام وجلاديه ، وهي تعي جيدا أن سقوط هذا النظام سيغلق بازار المتاجرة بها واستغلالها واختراقها ، وجعلها مطية لأهدافه التي لا تمت إلى المقاومة بصلة ، وسيوقف صفقة بيعها في سوق النخاسة التي يعرضها النظام كل يوم مقابل مساعدته في الخروج من مأزقه .
ألا بعدا للتخليط وضيق الأفق …
رحيل هذا النظام فيه من الخير والبركة للعالم العربي والإسلامي الكثير والكثير ؛ ولا نبالغ إذا قلنا أن سقوط هذا النظام سيعد منعطفا تاريخيا مهما في سير الأمة نحو استعادة هويتها وعزها ومجدها ونهضتها ورقيها .
ليس سرا ….أن هناك عدة مشاريع استعمارية تتنافس على منطقتنا الحيوية ؛ أقواها وأخطرها المشروع الصهيوأمريكي والمشروع الصفوي ؛ اللذان ينتظران أي فرصة سانحة حتى ينقضا عليها ويفترسانها بضراوة وأي فراغ حتى يملآنه حتى الثمالة ، وهذا النظام السوري بطريقة أو بأخرى هو بمثابة قاعدة ارتكاز جوهرية تحمل هاذين المشروعين وخاصة المشروع الصفوي .
قد يظن البعض أن في هذا الوصف تهويل ومبالغة وظلم وتعدي على هذا النظام !!!
حسنا … النظام السوري لديه الكثير من الأوراق الثمينة التي يمسك بها ؛ ويحسن اللعب بها لتحقيق مصالحه وأهدافه ؛ لذلك تجده محط أنظار الجميع وشريكا يسعى الكبار لخطب وده والتعاون معه ….
من هذه الأوراق
ورقة تغييب أهل الشام عن معادلة التأثير والتغيير في الأمة عبر الرقابة والاستبداد والقهر ، بل واستخدام كل مقدرات سوريا وشعب سوريا لتحقيق مصالح القائد الأوحد .
وورقة الموقع الإستراتيجي فسوريا جزءاً من رأس الجسر، الذي يربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا ـ حيث يلتقي الشرق والغرب بصورة فريدة ، وهي من دول المواجهة مع إسرائيل وهي بوابة تركيا على العالم العربي وهي المنفذ البري الوحيد للبنان ……
وورقة الجولان وأمن إسرائيل التي تتنعم وترفل بما يقارب أربعة عقود من الهدوء والطمأنينة على تلك الجبهة – جبهة الممانعة والصمود زعموا –
وأوضح وصف لطريقة استغلال هذه الورقة تصريح فاعل الخير الكبير رامي مخلوف حين قال «إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا، فلن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يمكن لأحد أن يضمن ماذا يمكن أن يحدث، لا سمح الله، إن حدث أي شيء للنظام».
وورقة التحالف مع الدولة الصفوية ، وهو تحالف قديم منذ الثورة الإيرانية وصل مداه إلى العظم في السنوات الأخيرة ، وتخدع الأنظمة العربية نفسها إن ظنت يوما أنها تستطيع أن تفك هذه العلاقة الإستراتيجية الوطيدة .
وورقة التلاعب بالقضية الفلسطينية ، فمن المعلوم أن القضية الفلسطينية رافعة لكل من أراد أن يظهر ويشتهر بين الشعوب العربية – سواء كان دولة أو حزب أو فردا ، وفي نفس الوقت كانت ستارا ودثارا لكل من أراد تمرير مشاريعه المشبوهة ، وجسرا لكل طامع في دور كبير توليه إياه الدول الاستعمارية الكبرى ، وعلى هذا الأساس تعامل معها النظام السوري وكذلك النظام الإيراني .
وورقة حزب الله ، فالقاصي والداني يعلم أن سوريا هي بمثابة الرئة التي يتنفس منها حزب الله ، وأنها محطة ترانزيت يمر منها الدعم الإيراني اللا متناهي لحزب الله ، وهو يمثل لها ورقة الجوكر الحمراء في اللعب مع الجميع….
وورقة لبنان ، فسيطرة النظام السوري المطلقة على لبنان خلال أكثر من ربع قرن، جعلته يمتلك إحدى أهم أوراق الضغط السياسي في المنطقة ، وأهلته لدور إقليمي متضخم ، واستطاع عبر مكوثه الطويل في لبنان أن يصنع طبقة سياسية وعسكرية وأمنية لبنانية موالية له ، وأن يحتفظ بجزء كبير من نفوذه- بعد انسحابه – عن طريق وكلائه في مؤسسات الجيش والأمن والسلطة اللبنانية ، وهاهو اليوم يبدأ بتحريك هذه الورقة عبر إعطاء الضوء الأخضر لحكومة ميقاتي ، وعبر تأجيج الصراع الطائفي في طرابلس .
وورقة تأمين حدود العراق …وورقة الابتزاز والارتزاق والخدمات القذرة…
إذاً … بسقوط هذا النظام ستسقط الكثير من هذه الأوراق ، أو على الأقل ستصفر وتجف وتضعف مؤذنة بإذن الله بموت شجرة المشروع الصفوي وإضعاف المشروع الصهيوأمريكي ….
بل لا أظن أني أبالغ أو أهذي إذا قلت أن سقوط هذا النظام الطائفي ، ومجيء نظام إسلامي عادل سيفسد زواج المتعة بين المشروع الصهيوأمريكي والمشروع الصفوي ؛ والذي يصاغ عقده ويكتب منذ سنوات خلف الكواليس ؛ بعد تبادل للقبلات والمطارحات في أفغانستان والعراق ، ولم يبق إلا إعلان وثيقة العقد بعد أن جرب كل منهما الآخر ، لتتحول العلاقة بين المشروعين من نزوات سياسية تمليها الضرورة إلى رابط استراتيجي وثيق …
من أراد المزيد في هذا الشأن فليطلع على كتابين مهمين وهما مترجمان للغة العربية
كتاب "رهينة خميني" .. الثورة الإيرانية والمخابرات الأمريكية البريطانية لمؤلفه "روبرت كارمن درايفوس" و هو باحث فرنسي متخصص في الشئون الإستخبارتية شغل في أواخر السبعينات و مطلع الثمانينات مدير قسم الشرق الأوسط في مجلة انتلجنس ريفيو
وكتاب "التحالف الغادر عن خفايا العلاقات الإيرانية الإسرائيلية "أو "التحالف الشرير بين أمريكا وإسرائيل وإيران "لمؤلفه "تريتا بارسي "
الخلاصة
أن بنية النظام السوري- وهيكله – في أصلها وجوهرها بنية طائفية مصلحية قائمة على الوثنية العقدية والسياسية ، ومتمركزة حول عبادة القائد والتماهي فيه والقمع الوحشي لكل من يخالفه ، تغطيها طبقة مكياج رقيقة من العلمانية المصطنعة من ماركة حزب البعث السوري ..
يقول أنور السادات ملخصا نظام الأسد: “إن نظام البعث في سوريا كان أولاً علوياً (نصيريا) ، وثانياً بعثياً، وثالثاً سورياً ” ونحن نقول أن هذا النظام هو أولا عائليا وثانيا طائفيا وثالثا وحشيا ورابعا انتهازيا متلونا وخامسا مرتزقا وشوكة سامة في خاصرة الأمة ..
ولذلك فإن من أوجب الواجبات في هذه الأيام أن تجتمع الأمة وتتضافر وتتعاون على إسقاطه ، وطي هذه الصفحة النتنة المخزية من تاريخ الشام ،
وليعلم الشعب السوري وخاصة الأخوة الذين مازالوا على كراسي المدرجات يتفرجون على إخوانهم الأبطال الذين كسروا قيود الخوف والمهانة ونفضوا عن أبدانهم سنوات طويلة من الذل والصغار ؛ أن النظام إذا انتصر في هذه المعركة – لا قدر الله – سيزداد توحشا وظلما وقمعا ، وسيدفعون سنوات طويلة من العبودية هم وأبنائهم وربما أحفادهم ، وسيبكي التاريخ دما أن الشعب السوري أشاح بوجهه عن خيوط الشمس التي بدأت تلامس وجنتيه ..
وليعلم أولئك العلماء والمفكرين الصامتين أن الفرصة باتت محدودة أمامهم في أن يتداركوا أنفسهم ويلفظوا خوفهم ، وإلا فإن التاريخ لا يرحم والشعوب لا تصفح ، وقبل ذلك كله رب العزة والجلال مطلع عليهم عالم بسرائرهم وخلجات أنفسهم ..
ولتعلم الحركات الإسلامية جمعيا وعلى رأسها حركات مقاومة أن مشروعهم لابد أن يبقى مشروعا أصيلا ، طاهرا نقيا عزيز الجانب عظيم الشأن بعيدا عن الأيدي المنغمسة في الدماء المتلطخة بالعار ، والنفوس المنطوية على كل قبيح وشر ..
ولتعلم الأنظمة العربية أن هذا النظام لو كتب له النجاة وخرج من أزمته سالما ، فإنهم سيعضون أصابعهم ندما وحسرة على هذه الفرصة الثمينة التي انساحت من بين أيديهم ، وسيصبح المشروع الصفوي شديد الوطأة عليهم وسيغدو المشروع الصهيوأمريكي أكثرا استعبادا لهم وامتصاصا لثرواتهم ومقدراتهم ..