التصنيفات
القسم العام

ما هو تعريف السياسة في العراق الجديد ؟؟

ما هو تعريف السياسة في العراق الجديد ؟؟

بالأمس القريب كنت جالسا مع مجموعة من الأصدقاء وطرح هذا السؤال… ما هو تعريف السياسة؟ وبصوت يشوبه الاستخفاف والسخرية حاول الجميع إعطاء تعريف للسياسة… فأخبرنا هو بقصة أو طرفة وجدها على الانترنت عندما كان يبحث عن تعريف مقنع لهذا المصطلح…
تقول الطرفة:
"جاء طفل صغير يوما إلى والده يسأل… ما هي السياسة يا بابا؟ فكر الوالد قليلاً… فمن الصعب تفسير هذا المصطلح لطفل صغير… قال الأب أن السياسة هي العلاقة التي تحكم مجموعة من الأشخاص داخل البلد… ولنأخذ منزلنا كمثال… أنا الأب باعتباري الشخص الذي ينفق على البيت امثل "رأس المال" ووالدتك لأنها تدير اغلب شؤون المنزل تعتبر "الحكومة" والخادمة التي تقوم بأعمال المنزل تعتبر "الطبقة العاملة" و أنت تمثل "الشعب" و أخوك الرضيع هو "المستقبل"… فكر الطفل قليلاً وبدا عليه انه مقتنع بالفكرة…
في المساء أفاق الطفل الصغير على صراخ أخيه الرضيع… ذهب ليرى ما المشكلة… فوجد الطفل الرضيع غارق في القذارة ويحتاج لتنظيف… ذهب الطفل الصغير ليطلب من الخادمة أن تأتي لتغير ملابس الرضيع وتنظفه… فوجد الأب يلهو مع الخادمة في غرفتها… ذهب الطفل للأم فوجدها غارقة في النوم…
وقف الطفل وقال السياسة هي أن يضل "الشعب" في حيرة وهو يرى "رأس المال" يلهو بـ "الطبقة العاملة" في حين تغط "الحكومة" في نوم عميق ويتطلع "للمستقبل" فيراه غارقاً في القذارة…".
وقبل يومين التقيت بصحفية شابة ضمن أعمال ورشة عمل في بغداد… في معرض الحديث قالت الصحفية إن العراق لا أمل له في الخروج من هذه الأزمة لأننا مازلنا غير قادرين على التقدم بخطوات واثقة إلى الإمام… قلت لها ان هناك العديد من المشاكل والعقبات ولكن هناك الكثير من الدول التي مرت بما نمر به حاليا… حدثتها عن كوريا الجنوبية وكيف خرجت من سلسلة من الحروب كانت نتيجتها مدن مدمرة بالكامل وحروب أهلية لم تنتهي إلا بفصل الكوريتين… لكنهم خلال فترة 30 سنة استطاعوا أن يبنوا سابع اقتصاد بالعالم… رغم افتقار كوريا الجنوبية للمصادر الطبيعية وضعف القطاع الزراعي وقلة الخبرات التقنية في ذلك الوقت… فسألتني إذا حالنا الآن أفضل من كوريا الجنوبية في الخمسينات والستينات؟ قلت لها بالتأكيد فنحن نمتلك المصادر الطبيعية ولدينا أراضي منبسطة تسهل عملية بناء البنا التحتية ولدينا مصادر بشرية في كثير من الاختصاصات…الخ
فسئلت "أين الخلل إذا؟؟؟"… قلت لها أن الخلل هو في وضع السياسات… ولا اقصد بالسياسة(Politics) هنا العلاقات بين الأحزاب والكتل والبرلمان والدستور…الخ بل اقصد بها السياسة بمعنى المنهج والخطط الإستراتيجية للبلد(Policies)… المشكلة المتأصلة والمتجذرة هي أن أعلى مستوى للتخطيط في البلد هو وضع البرامج وليس تبني سياسات عامة لإدارة شؤون الدولة… حيث أن السياسة هنا هي المضلة العامة التي تنبع منها البرامج التنموية والتي بدورها تؤدي لتنفيذ مشاريع وكل مشروع يتضمن العديد من الأنشطة وكل نشاط له مجموعة من الأشخاص المستفيدين… هذه هي السلسلة المنطقية لإدارة شؤون دولة… لكن ما يحصل ألان هو التخطيط لبرامج ومشاريع بشكل مباشر دون التفكير بالصورة الأكبر… لذلك أنا لا استغرب من أن يحفر الشارع عشرات المرات… مرة من اجل إصلاح المجاري ومرة من اجل الكهرباء ومرة من اجل الماء ومرة لان القمة العربية قادمة ومرة لان هذه المنطقة يسكن فيها مسئول في الدولة…
من الواضح ان عدم وجود سياسة عامة يؤدي إلى هدر مهول بالأموال والمصادر والطاقة… يزعزع الثقة بين المواطن والحكومة… يضعف الشعور بالمواطنة… وتنتفي كل القيم والمبادئ… لان مثل هذه البرامج هي بيئة جيدة جداً لانتعاش الفساد الإداري… والفساد الإداري برأيي هو المشكلة الأساسية وهي مشكلة اكبر وأعمق من الإرهاب والتفجيرات… فإذا ذهبنا مع الرأي القائل بان الإرهاب دخيل على المجتمع العراقي – مع إني أتحفظ على هذه الفكرة كون أن ما عشناه من حروب يؤدي بشكل طبيعي لخلق ثقافة العنف – فأن الفساد الإداري أقدم وأعمق… ولن يحل بمجرد ملصقات مكافحة الفساد في دوائر الحكومة ولا بالأقلام التي تحوي على كاميرات التي توزعها هيئة النزاهة على مخبريها… فلفساد ومع الأسف وصل إلى مستويات عليا في الدولة…
من خلال السياسات يمكن حصر كافة المشاكل وترتيبها حسب الأولوية وبناء علاقة بين الجهات المعنية بحيث ينجز العمل بالمجاري والكهرباء والماء ويتم إرضاء المسئولين وترتيب البلد للقمة العربية في برنامج نابع من سياسة عامة تهدف لتحسين الخدمات المقدمة للمواطن العراقي… من خلال السياسات العامة يمكن أن تتضح العلاقات وبناء خطط للتقييم ومحاسبة الجهة المقصرة بشكل صحيح ليس من اجل الانتقام من هذه الجهة أو تلك ولا من اجل مصالح سياسية ولكن من اجل تقديم خدمة أفضل وعدم تكرار الأخطاء… حيث إننا نلاحظ بشكل واضح أن الخطاء الذي يحصل في السليمانية مثلا يكرر وبشكل ساذج في البصرة… هذا مع العلم أن رسم السياسات يهدف إلى الإفادة من تجارب دول أخرى… فمثلا لا يجب أن يقع العراق في خطاء وقعت فيه الإمارات أو الأردن أو ألمانيا أو أمريكا قبل عقد أو عقدين من الزمان…
الحكومات المتعاقبة على العراق باختلاف أجنداتها وايدولوجياتها كان بينها عوامل مشتركة أبرزها عدم الاعتماد على ذوي الاختصاص في وضع سياسات واضحة الأهداف والمعالم… الكثير من القرارات والقوانين نابعة من ردود أفعال أنية يعتقد أنها تستجيب لمشكلة معينة دون التفكير بالصورة الأكبر والأعم ولأشمل… باعتقادي أن الحكومات القادمة ستكون أكثر عقلانية وتفكر بالأهداف قصيرة المدى والبعيدة المدى… فالمعادلة الديمقراطية بسيطة… "قدم خدمات أفضل للشعب تحصل على أصوات أكثر" ليومنا هذا لم تتبع هذه المعادلة بشكل صحيح ولكن اعتقد أن العراق في مساره الصحيح… فالدورة الانتخابية القادمة لن تكون كسابقاتها…
قد يسأل القارئ متى سنرى هذه التغيرات وهذه السياسات… والجواب بسيط… مادمت تستطيع القراءة وتصفح الانترنت فلن تستطيع أن ترى هذا المستقبل المشرق… ولكننا جميعاً مسئولين عن تحقيق هذا المستقبل لأبنائنا أو لأحفادنا…

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.