ومعلوم أن قوة المحبة لكل محبوب يتفاوت الناس فيها تفاوتا عظيما
ويتفاوت حال الشخص الواحد في محبة الشيء الواحد بحيث يقوي الحب تارة ويضعف تارة بل قد يتبدل أقوي الحب بأقوى البغض وبالعكس
قال تعالي لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلي قوله قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده وإبراهيم هو إمام الحنفاء الذين يحبهم الله ويحبونه وهو خليل الله
وقال تعالي أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين
وقال تعالي أيضا لا أحب الأفلين وقال بعد ذلك إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
وقد قال تعالي ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله
ولا ريب أن محبة المؤمنين لربهم أعظم المحبات وكذلك محبة الله لهم هي محبة عظيمة جدا كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي قال يقول الله تعالي من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي
بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته ولا بد له منه
وقد تأول الجهمية ومن اتبعهم من أهل الكلام محبة الله لعبده علي أنها الإحسان إليه فتكون من الأفعال
وطائفة أخري من الصفاتية قالوا هي إرادة الإحسان وربما قال كلا من القولين بعض المنتسبين إلي السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم
وسلف الأمة وأئمة السنة علي إقرار المحبة علي ما هي عليه
وكذلك محبة العبد لربه يفسرها كثير من هؤلاء بأنها إرادة العبادة له وإرادة التقرب إليه لا يثبتون أن العبد يحب الله
وسلف الأمة وأئمة السنة ومشايخ المعرفة وعامة أهل الإيمان متفقون علي خلاف قول هؤلاء المعطلة لأصل الدين بل هم متفقون علي أنه لا يكون شيء من أنواع المحبة أعظم من محبة العبد ربه
كما قال تعالي والذين آمنوا أشد حبا لله وقال
تعالي فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وقال تعالي قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره فلم يرض إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليهم من الأهلين والأموال حتى يكون الجهاد في سبيل الله الذي هو من كمال الإيمان
قال تعالي إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ولهذا وصف الله المحبين له الذين يحبهم هو بالجهاد فقال تعالي من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم
واما تنازع الناس في لفظ العشق فمن الناس من أهل التصوف والكلام وغيرهم من أطلق هذا اللفظ في حق الله كما روي عبد الواحد بن زيد فيما يؤثره عن أحد أنبياء الله أنه قال عشقني وعشقته
وقال هؤلاء العشق هو المحبة الكاملة التامة وأولي الناس بذلك هو الله فإنه هو الذي يجب أن يحب أكمل محبة وكذلك هو يحب عبده محبة كاملة
ولو قيل أن العشق هو منتهى المحبة أو أقصاها أو نحو ذلك فهذا المعني حق من العبد فإنه يحب ربه منتهي المحبة وأقصاها والله يحب عبده مثل إبراهيم ومحمد صلي الله عليها وسلم تسليما أقصي محبة تكون لعباده ومنتهاها وهما خليلا الله
كما ثبت في الصحيح عن النبي انه قال إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وقال
لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله
وذهب طوائف من أهل العلم والدين إلي إنكار ذلك في حق الله ولا ريب أن هذا اللفظ ليس مأثورا عن أئمة السلف
هذا والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين