الدكتور : عماد عطا البياتي
شاهدت في التلفزيون وعلى إحدى القنوات الفضائية تقريرا صحفيا مفصلا تبلغ مدته ساعة كاملة تقريبا، يتحدث عن إحدى الشخصيات الطبية المهمة في العالم، وهو طبيب مشهور ومرموق ومختص في جراحة القلب والشرايين التاجية.
تحدث التقرير عن بدايات الطبيب ودراسته وتخصصه ثم عن إنجازاته الطبية وعملياته العبقرية المبدعة التي أجراها لمرضى كثيرون والتي ساهمت في تطور وتقدم المعالجة الجراحية الناجحة المؤثرة للقلب ولشرايينه .
وتناول التقرير كذلك مساهمات هذا الطبيب الرائع علميا وطبيا في مجال التعليم والتدريب وتخريج مجموعة كبيرة من الأطباء المتميزين الذين نهلوا من علمه الغزير وتدربوا على يديه الكفوئتين، إضافة لمساهماته العلمية في إجراء ونشر البحوث الطبية الرصينة وتأليف المقالات والكتب الطبية المتميزة.
راقبت هذا التقرير المشوق المفيد بانتباه واهتمام طوال الساعة وعين على الشاشة وأخرى على دواخل النفس ثم كتبت:
إن هذا التقرير الذي شاهدته استغرق ساعة كاملة، وهذه الساعة عبارة عن مدح وتعظيم وتبجيل لهذا المخلوق الصغير بجسمه، الكبير نسبيا بفعله (الطبي). وسبب المدح هو علمه وعمله المهم العبقري المميز والتقدم الكبير الذي يمتاز به في معالجة قلب الإنسان والنفع المعتبر الذي قدمه للبشرية في هذا المجال وضمن هذا الإختصاص الضيق المحدود.
وهذا المدح والتعظيم والتبجيل مستحق حسب تقديري وللحقيقة المجردة، وإيجابي لأنه مدح لعمل فيه مصلحة الناس ويساهم في علاجهم من الأمراض الخطيرة المستعصية، مع ملاحظة أن الشافي هو الله.
ثم نقلت تفكري نقلة هائلة بعيدة إلى آيات الخالق في خلقه وبيناته المبثوثة في كونه الذي يحيط بنا ويغمرنا، وأعددت تقريرا صحفياً معنويا مع نفسي استغرق ساعة كاملة تقريبا، فقمت ببثه مباشرة على شاشة الكون الكبيرة ورحت أشاهده باهتمام أكبر وانتباه أعمق.
تفكرت في خلق قلبي وما فيه من آيات قدرة ورحمة وإبداع وإعجاز ووضعت يدي اليمني على الجهة اليسرى من الصدر ورحت أستمتع بجمال الإيقاع المنتظم المتناغم المذهل، ثم تفكرت بدقة في بعض تفاصيل آية خلق القلب وبدأت بالتسبيح والحمد والتعظيم لخالقه وخالقي جل جلاله.. ثم تفكرت في خلق قلوب كل الناس وما في ذلك الخلق من عظمة وقدرة ورحمة غير متناهية.. ثم تفكرت في خلق قلوب كل الحيوانات على تنوعها واختلافها فبدأ نور التعظيم في قلبي ينمو ويكبر تدريجيا.. ثم تفكرت في باقي أعظاء جسمي وخلاياي، وباقي البشر والحيوانات والمخلوقات الأخرى والكائنات المجهرية العجيبة التي لا تراها عيني، والنباتات والأشجار والأزهار والثمار.. بأنواعها وأشكالها الجميلة البديعة المدهشة وبتناسقها وتوازنها وتعايشها الدقيق المدهش.. ثم سرحت في الأرض الجميلة الرائعة، والجبال والوديان والسهول، والبحار والبحيرات والأنهار والمخلوقات البحرية.. عالم رهيب لا تنقضي عجائبه وغرائبه.. ثم نظرت نظرة عابرة، لكن متبصرة، إلى السماء والنجوم والأبراج والكواكب والشمس والقمر وما في خلقها ونظامها العجيب من تصميم مذهل وإبداع عظيم معجز أدهش العقول وأرهب القلوب.. يا الله.
انتهى البرنامج المعنوي وأنا أحمل معاني إيمانية جميلة جدا وعزيزة غالية لا تقدر بثمن، بل دونها الروح لو كنت أفقه.. فإذا كنت أعظّم مخلوقا صغيرا فقيرا فانيا لا يملك لنفسه شيئا، ولفعل وعلم متناهي في الصغر والجزئية وفي مجال فرعي وخلال فترة عمره القصيرة، ثم اعتبرت أن هذا التعظيم مستحقا حسب منطقي الدنيوي وثوابت العلم والمجتمع، فما هو واجبي إذا في تعظيم وتسبيح وتنزيه خالق السموات والأرض وما بينهما وخالق المخلوقات كافة من إنسان وحيوان ونبات وخالق كل القلوب والأعظاء والخلايا بإبداع مذهل معجز وعلم سرمدي شامل وقدرة مطلقة، يعجز مجموع العقل الإنساني وحضاراته المتعاقبة عن فهم وكشف واستيعاب ولو جزئية صغيرة منه، والمنعم على كل المخلوقات بالخلق والرزق والتنظيم والتشريف؟!!.
أدركت أن واجب التسبيح والحمد والتعظيم للخالق العظيم هو غاية الوجود الإنساني، وأننا لو قضينا العمر كله في تسبيح وتعظيم متواصل بحظور ذهن وانشراح قلب وبذهول عن حركات بقية الجوارح أثناء كل الفعاليات الإنسانية الضرورية لما أدينا جزءا يسيرا من هذا الواجب الكبير.. وكم هي واسعة رحمة الله بنا من خلال هدايتنا لتعظيم متنوع ضمن العبادات الأساسية والمعاملات الممدوحة شرعا على قدر طاقتنا واستيعابنا.. وإلى الأوقات الممدوحة المندوبة لتأدية ذلك الواجب.. ومباركة التسبيح والتنزيه والتعظيم الصادق الخالص الصحيح ومضاعفة أجره إلى ما شاء الله.
أخذت مسبحة ثم قلت سبحان الله متفكرة ثلاث وثلاثون ثم الحمد لله شاكرة ثلاث وثلاثون والله أكبر معظمة ثلاث وثلاثون وقلت في تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه ودعوت الله بأن يفتح قلبي وعقلي وبصري لمعرفة آياته ومشاهدتها والارتقاء بها إلى التعظيم والتسبيح والتهليل الصادق الخالص المحمود الذي يليق بجلال وجمال الله الخالق، وأن يديمني على هذا الحال ولا أدحرج بعده مثل المرات السابقة إلى منحدرات التيه والغفلة الخطيرة القاتلة.. لي ولجميع الأحباب.