**
الحمد لله الذي {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد : 27] والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد التواب وعلى كل من زجر النفس عن غيها وثاب.
أما بعد :
قال الحسن البصري رحمه الله : والله ما جالس القرآن أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء : 82]. انتهى.
وصدق رحمه الله، ومصداق قوله مسطور في الكتاب, في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}. [فصلت:44] ، وقوله جل وعز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين}. [يونس:57].
فبيّن جل وعلا أن القرآن هدى وشفاء لصنف، وعمى وخسارة لصنف آخر, فخصَّ جلَّ في علاه المؤمنين بالانتفاع بهذا الكتاب العظيم, ونصَّ على أن الذين لا يؤمنون به يزيدهم خسارة وهو عليهم عمى, والإيمان وعدمه هنا ليس هو مطلق الإيمان, الذي يتصف به كل من انتسب إلى الإسلام, بل هو إيمان حقيقي من جنس إيمان المتقين، كما صرَّح بذلك ربنا عز وجل في أول سورة البقرة فقال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 2]. ثم بيَّن جلَّ وعزَّ صفتهم بقوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة : 3 ، 4]. فهذا هو الإيمان المشروط للانتفاع بالقرآن, وهو قول وعمل, ففيه التصديق والإقرار بالغيب وأمور الآخرة, والعمل متمثلًا في الإنفاق وإقامة الصلاة, وهما لا يقعان من مؤمن إلا بنية وإرادة، منشأهما المحبة، وهي أصل عمل القلب.
—
تتمة..