تشابك غامض ..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته …
أقدم لكل عضو اليوم بداية رواية اكتبها كهاوٍ يكتب ليملأ وقت فراغه و لم آتِ ككاتبٍ متفننٍ فى فنون اللغة ملمٌ بكل تفاصيلها , مجرد هاوٍ اراد ان يشارك إخوانه خواطره على هيئة رواية يكتبها –اذا سُمح له- فى شكل فصولٍ كلما أنجزت جزئا نشرته و تشاركته معكم. أرجو أن يكون ما سأقدمه خفيف الحث جليل التأثير على القارئ و إعذرونى إن كان بالإسلوب ركاكةً او ضعفًا …
بدأت يومى فى منزلى و مستقرى الجديد الذى لم اعهد مثله و لم استحسن هيكله و الذي أتمنى أن اهجره فى القريب العاجل لأعود الى موطنى الأصلى الجدير بى و لكن كيف السبيل فهناك يجلس والدى متساندًا الى جانب الخيمة التى نقنطها الأن و غير بعيد منه اخذت أمى تطهى لنا ما يجلبه أخى من فضلات طعامٍ إنهمك فى تجميعها , كنت لا أدرى لماذا إنتقلنا الى هذه الخيمة البغيضة و لماذا تركنا قصرنا فى جنة وطننا و لا أعرف حتى كم من الوقت سنقضى فى هذا المكان البغيض .
رغم صغر سنى فى ذلك الحين لكنى أدركت خصلةً من خصال الخلق كرهتها من حينها فقبل أيامٍ كان عيد ميلاد أخى الوحيد الذى يفوقنى فى عدد السنين بأحد عشرة سنة و قد أقام والدى لذلك حفلًا صاخبًا و كنت فى غاية السعادة حينها لا لأن أخى الأكبر سيكمل عامه العشرين ولا لذلك الحفل الصاخب الذى أعدت له والدتى الوانًا من الطعام , لم يكن كل هذا يعنينى بل كان كل ما أنتظره هو أن يتصل أبى بعمى ليدعوه للحفل فقد كان له ولدًا فى مثل سنى كنا كلما تقابلنا صغنا من المرح ضروبًا و أشكالًا لا نهاية لها.
كنت أنتظر وصوله بفارغ صبرى فكلما دق جرس الباب هرولت إتجاهه لعله يخفى ورائه وجه عمى البشوش و إبنه الصديق و أخيرًا تحقق أملى و رجائي عندما سمعت أبى يحيي عمى على باب شقتنا و يداعب إبنه فى بهجةٍ و سعادة و لكنه لم يستطع الإستمرار فى ذلك فقد كنت أسحب ابن عمى من يده نحو غرفتى فلدينا الكثير لننجزه و لكل من والدينا مديحًا كاذبًا لينجزاه فلديهما أصدقاء فى الغرفة المجاورة ينتظر كل منهم أن يسمع من الوالدين اكاذيبهما إفتخارًا بها و يُنتظَر كل من عُرِف صديقًا أن يأخذ دوره فى تبادل الأكاذيب التى يبذل قصارى جهده فى إقناع الأخرين بها حتى يكاد هو نفسه يصدقها و يرمى نفسه فى عالم الوهم المطلق فهناك يجلس أستاذ محمود المحامى بأحد مكاتب المحاماة و هو و إن كان فاشلًا فى إقناع القاضى ببرائة موكليه فهو ليس بالفاشل فى إقناع أصدقاءه بأنه أمهر محامى تم إنجابه على وجه هذه الأرض , و بجانبه يتربع عم سيد البقال الذى لا يتوقف لسانه عن مدح محاسن بضاعته و جمال متجره و هو لا يكتفى بذلك فحسب بل أيضًا يلقى بالأكاذيب على مسامع أصدقاءه فيسخر و يلهو بسمعة باقى تجار الحارة كما الهو انا و ابن عمى بألعابنا الجميلة .
كنت بالكاد اسمع المهندس عامر و هو يمدح زوجته و يذكر حسن علاقتهما ببعضهما البعض و يلقى هو الأخر بالأكاذيب فقد رأيته فى سابقة هذه الليلة متخفيًا تاركًا بيته و زوجته طالبًا من أخيه فى صوت هامسٍ محرجٍ لم أسمعه و لكننى إستنتجته من حركة شفائه ان يأويه فى بيته هذه الليلة فقد تشاجر مع زوجته.
كنت اخاف الإقتراب من هذه الغرفة حين يوجد بها الكبار لأننى ظننت أن الشياطين تحفها و تتخلل من بداخلها
و كنت أتمنى أن يتوقف بى الزمن فلا اصل لسن السادسة عشر و يتم الزج بى رغمًا عنى داخل هذه الغرفة الكئيبة بحجة أننى أصبحت رجلًا و لا أرى صلةً فى واقع الأمر بين الرجولة و هذه الغرفة.
لم أشعر ذلك اليوم بمرور الوقت و كأنه يخدعنا كأعدائنا يمر كالريح فى أوقات السعادة و تتوقف عقاربه عن الدوران فى ساعات الشقاء.
ذهبت فى تلك الليلة السعيدة لعائلتى الى سريرى الناعم المريح متمنيًا تكرار يومٍ كهذا او حتى أن يكون كل يومٍ هو عيد ميلاد أخى لأقابل ابن عمى فنكشف عن أشكالٍ جديدةٍ للمرح و لعل أمنيتى لم تكن قوية بما يكفى لتهزم الأقدار …
بقلمى / MnsMas
عندما ايقظتنى امى فى صباح اليوم التالى – كما كنت أعتقد – تلمست فى كلامها صوتًا غريبًا لم أعهده عليها و قد إنتظرت طويلًا حتى تخرج امى من الغرفة لأكمل نومى كما كنت أفعل فى كل صباحٍ مشرقٍ و لكنى لم الحظ فى تلك اللحظة اى بادرة ضوءٍ لصباحٍ مشرقٍ فقد كان سوادًا قاتمًا و رغم ذلك لم ابالى فقد كان لى شعور طفلٍ يريد العودة لنومه مجددًا ليستعيد حلمه الجميل.
لم تمضِ لحظات طوال حتى وجدت نفسى أطير فى الهواء لم تكن قوةً خارقةً من قواى التى ظننت انى أمتلكها بسذاجة عقل الأطفالِ بل كانت يد ابى تحملنى و تجرى رجله به الى خارج المنزل حيث وجدت عمى بسيارته و قد تحول وجهه البشوش الى شكلٍ آخر اجهله و سيارته التى مُلِئت بأمتعة أسرته و التى كنت اظن انه سيجد ما لا يحتاجه منها ليرميه موفرًا مكانًا فى سيارته لنا.
لا أعرف ما كان يدور فى رأسه حينها و لكن كان يمكننى ان ارى بعينيَ التى يتخللها النعاس كيف أسرعت السيارة مختفية وراء المنازل الخاوية و كان يمكننى سماع ابى يتفوه بافظع الألفاظ فى حق اخيه.
لم نكن وحدنا فى الشارع انذاك فقد إكتظ الشارع عن آخره على غير عادته فكان مِن مَن حولنا اناسًا يهرعون الى حيث لا اعرف و آخرون يصيحون و ابى من بين كل هؤلاء ينقب عن مَلَكٍ فى الأرض لعله يحمله مع أسرته فيأخذنا الى حيث لا أدرى .
حاولت معرفة ما يحدث فكنت كلما سألت والداى ارى الكلمات الحبيسة تحاول الخروج من أفواههما فلا تستطيع و لكنى شعرت أن شيئا ليس بالجيد يوشك أن يحدث و مع ذلك لم أشغل نفسى فى التفكير بالأمر فقد رأيت حافلةً كبيرةً أسرع لها أممٌ من الناس و شاهدت ابى يجرنى و معنا امى و اخى يسرعان الى الحافلة التى توقفت ليخرج منها رجل جيشٍ متحدثًا الى الناس فى لهجةٍ قوية شارحًا لهم كلامًا لم أفهمه و لكنى اذكر اننى سمعته يقول بصوته الغليظ كلمة "العدو" و التى ميزتها من بين باقى الكلمات فدائمًا ما يَرِد هذا اللفظ على لسان شخصيات الكرتون و دائمًا ما تكون الهزيمة من نصيب مَن يطلق عليه هذا اللفظ.
طلب الرجل ان يتوافق أهل الشارع على خمس عشرة أسرةٍ منهم لركوب الحافلة و لا اعلم إن كان هذا تنبؤٌ بالغيب أم حكمةٌ تعلمتها من وجه عمى فقد علمت أن أمثال هؤلاء الناس فى وقت الشدة لا يملكون القدرة على التوافق فيما بينهم فقد كانت كل العيون منصبةٌ على حصد مكانٍ داخل هذه الحافلة كأنهم ستقلهم الى جنة خلدهم , و حقيقةً لا أعلم ما فعله ابى لنحظى أنفسنا بمكانٍ داخل هذه الحافلة و لكننى كنت سعيدًا لذلك رغم انى لم اكن ادرى الى اين تقلنا هذه الحافلة , ببرود الأطفال الذى إمتلكته فى ذلك الحين وضعت رأسى على جانب الحافلة إستعدادًا للنوم و ليتنى القيت نظرة وداعٍ أخيرةٍ على منزلى قبل الدخول فى نومٍ عميق.
بقلم / MnsMas
ها انا الأن وسط الخيام فوق نار الصحراء الصفراء على أرضٍ تملأها أجسام بشر القوا بأجسادهم من شدة عنائهم على الصفراءِ , ها انا أرى من كانوا معنا بالأمس القريب حولنا فى الصحراء تحت الشمس الحارقة فى مكانٍ فسيح لا به زرعٌ و لا ماءٌ و لا طعام.
لماذا نحن فى هذا المكان ؟ هل تكون رحلة نظمتها القرية أم كابوثًا مؤلمًا أنتظر نهايته بحلول موعد استيقاظى , كان يجب علي أن أفهم ما يحدث حولى رغم صِغَر سنى فأرسلت سمعى لينصت الى ما يقوله بعض الرجال بالجوار و حاولت بعقلى الصغير أن استوعب ما يُقال و بعد فترةٍ من الاستنتاج للكلام الذى يجاهد سمعى لإستخلاصه من حديث الرجال و يكافح عقلى الصغير لفهمه تيقنت الأمر و ليتنى لم أفعل فقد كانت الحقيقة مؤلمةٌ حقًا..
إنها الحرب اللعينة التى تدخل على أخضر الحدائق فتحوله الى إحمرار اللهيب و تقلب بياض النهار الى سواد الليل , و قد كان للمعتدين ما ارادوه من خيراتٍ و نعيم فقد كان من العجيب ما كنت أسمعه عن يقظة عيونٍ حارسة و أمجاد أيادٍ ماهرة و بطولات جيشٍ فدائي و الذى لم أجد من مظاهره نطفةً آنذاك, كان الناس فى حارتنا يتحدثون عن قوة جندنا و عزة شعبنا و كان من المهين حقًا أن يدخل المعتدى ليعتدى فلا يجد جندًا للإعتداء الا قليلًا مِن مَن تماسكوا و ترابطوا , بل و من العجيب أيضًا أن لا يجد شعبًا من ذوي العزة بل يدخل فى هدوءٍ أرضًا قدمها سكانها هديةً و فضلوا حياة الذل عن موت العزة ,شعبًا تفرق هربًا الى كل صوبٍ طالبين مساندة من ظنوه صديقًا* و لكن هيهات هيهات لما يطلبون فلا تستعمل هذه الكلمة بين الدول بل هى سياسة المكسب فمِن قبل كانت الدولة التى نقف على حدودها الأن- المسماه بلباستر – تحاول منافقتنا بأساليبٍ عدة مما يبتكره السياسيون من طرق النفاق طمعًا فى خيرات و نِعَم الغير , اين ذهب هذا النفاق و كيف تحول بنا الحال و استحال , ننافقهم و نتوسل اليهم ليسمحوا لنا بمأوى نحتمى به او برزقٍ نُطعَم منه او حتى بشربة ماءٍ يُحسنوا لنا بها, كل ما قدموه لنا هو قطعةٌ باليةٌ من القماش لكل أسرةٍ هاربةٍ مستجيرة.
مرَّت الأيام و لم يتغير الحال , كانت أيام شدةٍ و شقاء و العهد فيها انها سرعان ما تتحول الى ايام يسرٍ و نعيم و لكنى لم اكن أرى لها اى بارقة نورٍ يُأمل ان تغلب ظلام الذل , مرَّت الأيام ليأتى هذا اليوم الكئيب و كنا على موعدٍ مع الحزن المريرفقد وصل مسامعى صراخًا و عويلًا يخرج من خيمةٍ من خيام الصحراء التى إتخذها ابناء وطنٍ ناكرى الجميل موطنًا لهم , لم أفزع من شدة الصوت و لا من اندفاع الناس نحو مصدره فقد تعودت ذلك فى تلك الأرض النائية عن روحى بل كان الفزع كل الفزع عندما تبينت مصدر الصوت …
بقلمى / MnsMas