يؤمل أن تحيي الطعنات القاتلة في جسد ” شهيدة الحجاب” مروة الشربيني الضمير الغربي عموما؛ فيعيد النظر بالإسلام بعيدا عن الصور النمطية المشوهة. صحيح أن تلك الطعنات الغادرة لا تعبر عن السياق العام للمجتمعات الغربية والمؤسسات إلا أنه يتصل بخيط خفي بالمواقف السياسية والفكرية التي يعبر عنها الإعلام والفنون والقرارات الحكومية أحيانا.وحتى لا نكبر أخطاء الغرب ونصغر أخطاء مجتمعاتنا علينا أن نتذكر مروة قاوقجي التي طردت من مجلس النواب التركي بسبب الحجاب وعلينا أن نتذكر التمييز العنصري ضد المحجبات الذي تمارسه بعض الدول العربية والإسلامية وبعض مؤسسات القطاع الخاص.
انتقلت مروة إلى رحمة الله، وعلينا أن نبني على استشهادها من خلال إتمام ما بدأته من رسم صورة زاهية للعربية المسلمة في الغرب. صورة تؤسس لشراكات في عالم متجاور ومختلف. فهي تمثل أجمل ما في مجتمعاتنا. هي صيدلانية وأم لطفل في الثالثة وزوجها الذي تلقى الطعنات الغادرة وهو يدافع عنها كان سيناقش الدكتوراه خلال أيام. هذه الصورة الزاهية جذبت ألمانا إلى الإسلام بقدر ما نفَرت ألمانيا إلى درجة قتلها.
المواطنة الألمانية “أنجيلا ترو” صديقة مروة الشربيني قالت إنها اعتنقت الإسلام بفضل الشهيدة، وذلك بعد أن أظهرت لها مروة سماحة الإسلام من خلال مساعدتها لها عندما قدمت إلى مصر، وهي تعلم أنها من ديانة مختلفة.
وأشارت أنجيلا ترو -سمر حاليا- في تصريحات لصحيفة “اليوم السابع” إلى “جدعنة” مروة معها، ووقوفها بجانبها وهي غريبة عن مصر، سواء في الإقامة أو التعليم، مؤكدة “أنا لا أحتاج أن أدعو لمروة لأنها احتسبت شهيدة عند الله”.
كانت الأولى على المدرسة طوال مراحلها الدراسية المختلفة، إضافة إلى أنها كانت بطلة رياضية.
وتعود جذور حادث مقتل مروة إلى نحو عام، عندما نشبت مشاجرة بين مروة ومواطن ألماني من أصل روسي يدعى “أليكس” داخل إحدى الحدائق، فما كان من هذا المواطن إلا أن نزع حجابها، فرفعت مروة دعوى قضائية، وحكم القضاء لها بتغريم المتهم 750 يورو؛ إلا أنه استأنف الحكم.
وأثناء نظر القضية الأربعاء الماضي انهال عليها بنحو 18 طعنة في أنحاء متفرقة من جسدها، وحينما تدخل زوجها للدفاع عنها طعنه أيضا، وبعد دخول رجال الشرطة إلى القاعة أطلقوا الرصاص على الزوج ظنا منهم أنه الجاني.
على بشاعة الجريمة علينا أن نلاحظ أن المؤسسات أنصفت مروة. فهي قُبلت وزوجها في الجامعات الألمانية وعندما تعرضت لممارسة عنصرية أنصفها القضاء. وهذا لا يحدث في بلدان عربية وإسلامية. وفي المجمل ظل الفعل منبوذا من المجتمع ونظر لمروة في ألمانيا باعتبارها ضحية والقاتل باعتباره مجرما.
الخطوة التالية علينا أن ننقل التجريم من القضاء إلى خيال الناس، فصورة الحجاب في الثقافة المسيحية ليست صورة سلبية فهي صورة مريم العذراء وصور الراهبات. وفي بلداننا ظل غطاء الرأس لباسا تقليديا للمسلمة والمسيحية حتى القرن الماضي. وكان غطاء الرأس رمزا للحرة وكشفه رمزا للجارية.
لم يعد الحجاب في المجتمعات الإسلامية مجرد التزام ديني، بل هو تعبير عن الاعتزاز بالهوية في مواجهة الآخر سواء كان الغرب أم الأنظمة المرتبطة به. وهو رمز لقيم العفة والطهارة والنظافة في عالم يراد له أن يتحول إلى سوق رقيق أبيض. فالمحجبة تريد أن تقول أنا لست منكم، وهي تشاهد مظاهر الابتذال وتسليع المرأة في سوق نخاسة الجواري.
نحتاج جميعا، نحن والغرب، إلى تمارين قاسية للقبول بالآخر المختلف، فالقبول به هو مدخل الحوار والشراكة، والنفور منه هو مدخل الصدام والصراع. والحوار لا يكون بين متشابهين بل بين مختلفين. وألمانيا التي أنتجت أعظم الأفكار والصناعات أنتجت أسوأ ما شهده القرن الماضي، وهو الفكر العنصري النازي الذي أعتقد أن الناس يجب أن يكونوا متشابهين ولو بالقوة