يحتوي جسم الإنسان على العديد من المعادن والهرمونات والمواد الكميائية التي تقوم بدور هام من أجل الحفاظ على حيوية الإنسان وقدرته على القيام بدوره في الحياة .
وتعتمد وظيفة كل خلية داخل الجسم على وجود هذه العناصر بتركيز محدد داخلها وخارجها ويحصل الإنسان على احتياجاته من هذه المواد إما بتناولها في طعامه وشرابه أو بتصنيعها داخلياً بواسطة الكبد .
وتقوم الغدد المنتشرة في الجسم بضبط إيقاع كل هذه المواد والحفاظ على تركيزها ويساعدها في ذلك الكليتان اللتان تقومان باخراج المواد الزائدة عن حاجة الجسم عن طريق البول .
ومن بين هذه المواد الحيوية للإنسان الكوليسترول وهو مادة كيماوية تساعد على الحفاظ على جدران الخلايا بحيث تظل متماسكة كما يستفاد منه في تصنيع الأحماض المرارية التي يفرزها الكبد وتساعد على هضم المواد الدهنية الموجودة في الطعام كما يتم تصنيع بعض الهرمونات الحيوية للإنسان باستخدام الكوليسترول ومنها هرمون الكورتيزون والهرمونات الأنثوية وهرمونات الذكورة .
ومما سبق ذكره تتضح أهمية الكوليسترول بنسبة تركيز في الدم لا يقل عنه ولايزيد وهذا التركيز يتراوح بين 150إلى 200 ملجم لكل ديسيلتر من الدم . وقد أظهرت الدراسات والأبحاث أهمية عدم زيادة الكوليسترول في الدم عن المعدل الطبيعي حتى لا تتأثر الشرايين تأثراً مرضياً ويحدث ما يسمى ( بتصلب الشرايين ) والذي يعتبر من أكثر الأسباب المرضية التي تهدد حياة الإنسان بل ومن المتوقع أن يبقى على رأس القائمة في القرن الجديد … !! ما لم تتخذ الإجراءات الحاسمة والفعالة من أجل الوقاية منه .
ومن المهم أن نعلم أن قياس الكوليسترول الكلي في الدم لا يكفي لتحديد فرصة حدوث تصلب الشرايين ولكن ينبغي أن يتم قياس الكوليسترول الكلي والدهون الثلاثية والكوليسترول عالي الكثافة ثم يتم حساب قيمة الكوليسترول الأخطر هو الكوليسترول قليل الكثافة ..
وعلى سبيل المثال إذا أوضح تحليل الدم أن الكوليسترول الكلي في الدم 300 ملجم / ديسيلتر وكانت الدهون الثلاثية 250 ملجم / ديسيلتر وكان قياس الكوليسترول عالي الكثافة / 50 ملجم / ديسيلتر فإنه يمكن تحديد قيمة الكوليسترول قليل الكثافة بالمعادلة الآتية : الكولسترول قليل الكثافة = الكوليسترول الكلي – الكوليسترول عالي الكثافة – 1/ 5 الدهون الثلاثية .
الكوليسترول قليل الكثافة = 300- 50 – 250/ 5 = 200 ملجم / ديسليتر
ولقد أوضحت العديد من الدراسات المعادلات التي يجب أن تكون عليها نسب كل من هذه الأنواع من الدهون في الدم .
ومن بين الدراسات الهامة التي أجريت في هذا المجال الدراسة الكبرى المسماة بالبلد التي تمت فيها الدراسة وهى مدينة فرامنجهام الأمريكية ، وقد بدأت هذه الدراسة منذ أكثر من أربعين عاماً ولا تزال مستمرة ، حيث يتم فحص مواطني هذه المدينة بصفة دورية ومتابعة حالتهم الصحية والأمراض التي تحدث لكل منهم والعلاقة بين هذه الأمراض ونتائج الفحص السابقة من حيث معدل ضغط الدم ونسب الدهون في الدم وغيرها من العوامل التي تساعد على حدوث تصلب الشرايين وخاصة الشرايين التاجية وشرايين المخ … حيث أظهرت الدراسة أن هناك علاقة وثيقة بين زيادة الكولسترول في الدم وحدوث أمراض الشرايين التاجية . كما أن الدراسة الكبرى التي شملت 13000 مواطن أمريكي لدراسة العوامل المسببة لأمراض تصلب الشرايين قد أوضحت أيضاً هذه العلاقة الوثيقة بين ارتفاع الكوليسترول الكلي في الدم وأمراض القلب والشرايين
وقد تبين أنه مع انخفاض الكوليسترول بمقدار 1% تقل نسبة حدوث أمراض الشرايين التاجية بمقدار 2% سواء كان هذا الانخفاض عن طريق إتباع نظام الغذاء فقط أو بإتباع نظام الغذاء والدواء معاً .
ولقد أصبح اليوم جلياً العلاقة بين تصلب الشرايين والإصابة بالأمراض المتعلقة بها وارتفاع الكولسترول في الدم بحيث لا تدع مجالاً للشك .
ولقد قامت العديد من الدراسات العلمية في الكثير من دول العالم لتحديد نسب الدهون في الدم لدى شعوبها لتحديد مصدر الخطر ومحاولة القضاء عليه بالتعرف على المسببات التي قد تختلف من دولة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر بل ومن منطقة إلى أخرى في نفس البلد . كما قامت منظمة الصحة العالمية مؤخراً بعمل دراسة لتحديد هذه المسببات في أكثر من 40 دولة في العالم وهى الدراسة المسماة بدراسة مونيكا . وهذه الدراسة برغم حتميتها وأهميتها إلا أنها لم تشمل أي دولة من أفريقيا أو الدول العربية أو أي من دول الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية ..!!! ونحن نسميها دراسة مونيكا الأمريكية من باب التهكم على هذه الدراسة وإهمالها دول العالم العربي والدول الأخرى .
ولقد بدأت بعض الدول ممن لم تشملهم دراسة مونيكا في عمل دراسة خاصة بهم ومن بين هذه الدول مصر والمملكة العربية السعودية .
وقام بالدراسة المصرية فريق عمل يمثل الجمعية المصرية لتصلب الشرايين واستمرت الدراسة أكثر من خمس سنوات وشملت حوالي سبعة آلاف مواطن من محافظات مصر المختلفة ( القاهرة الكبرى ، الإسكندرية ، السويس ، الشرقية ، المنوفية ، أسيوط ، الوادي الجديد ) ومن أعمار تراوحت مابين 25-75 عاماً من الذكور والإناث .
وأوضحت الدراسة عوامل الخطورة على شرايين القلب لدى المصريين ووجد فيها أن الكوليسترول يزيد عن معدلاته الطبيعية لدى 35 % من مجموع السكان . وأن التدخين يمثل خطراً على قلوب المصريين حيث تصل نسبته إلى 43 % بين الرجال ، 10% بين السيدات . وأن من أخطر المسببات لأمراض شرايين القلب هو عدم الإقبال على الرياضة أو الحركة حيث أظهرت الدراسة أن أكثر من 90% من الرجال والسيدات لا يزاولون أي نوع من أنواع الرياضة بما في ذلك المشي لبضع دقائق يومياً …. !!
لذا كان من الضروري أن تعلم الجهات الحكومية والطبية والشعبية في كل بلد مصادر الخطر على شعوبها درءاً لهذه الأمراض الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان وتؤثر على إنتاجية الدولة وتزيد من الإنفاق الصحي على علاج هذه الأمراض التي قد تتكلف أموالاً طائلة يمكن الإقلال منها بإتباع طرق الوقاية التي أثبتت نجاحاً أكيداً إذا تم إتباعها وتنفيذها بكل دقة .
ولعلي أجدها فرصة مناسبة أن أذكر العوامل التي تساعد على حدوث تصلب الشرايين والأمراض المتعلقة بها لنتفاداها أو نقلل من خطورتها وبالتالي من فرص الإصابة بأمراض الشرايين التاجية .
عوامل لا يمكن التحكم بها :
تقدم العمر
الذكورة
التاريخ المرضي بالعائلة .
الإصابة السابقة بالمرض .
عوامل يمكن التحكم بها :
-
ارتفاع نسب الدهون في الدم ( زيادة الكولسترول الكلي ، زيادة الكولسترول قليل الكثافة ، زيادة الدهون الثلاثية ، نقص الكولسترول عالي الكثافة ) .
-
ارتفاع ضغط الدم الشرياني .
-
السمنة
-
التدخين
-
الإفراط في تناول الطعام وخاصة الدهون الحيوانية
-
عدم مزاولة الرياضة والمشي
-
ارتفاع مستوى الحمض الأميني الهوموسيستين
ويبقى السؤال كيف تسبب زيادة الكوليسترول في الدم تصلب الشرايين ؟
وللإجابة على هذا السؤال المهم للجميع نقول أنه من المعروف أن الشرايين هي الأوعية التي تحمل الدم من القلب إلى كافة أعضاء الجسم ، وتحمل معها الغذاء والمواد الكيماوية والمعادن والهرمونات إلى كل خلية من الخلايا كي تحصل على الطاقة اللازمة للقيام بوظيفتها المنوطة بها ويسير الدم بطريقة سلسة في كل الشرايين السليمة حيث توجد طبقة مبطنة للشرايين من الداخل تحافظ على نعومتها وتساعد على سريان الدم دون تباطؤ وهذه الطبقة الرقيقة تتكون من خلايا متراصة بطريقة محكمة لا تسمح بنفاذ أي مادة من مكونات الدم إلى جدران الشرايين ولذلك فإن الحفاظ على سلامة هذه الطبقة المبطنة من الضروريات التي تساعد على حماية الشرايين صحيحة .
وهذه الطبقة تفرز أيضاً مادة تساعد على توسيع الشرايين لتسهيل مرور الدم بها … فإذا حدث تلف لهذه الخلايا نتج عن ذلك تشقق في هذه الطبقة وظهور ثغرات من الممكن أن ينفذ من خلالها الكوليسترول وخاصة الكولسترول قليل الكثافة – الأكثر خطراً – وينتج عن ذلك ترسبات دهنية داخل جدران الشرايين وتبدأ معركة بين هذا الكولسترول وكرات الدم البيضاء التي تحاول التخلص من هذه الترسبات وكما هو الحال مع أي معركة توجد ضحايا يموت بها بعض الخلايا وتتحول إلى خلايا دهنية تتراكم مع الوقت حتى تظهر تورمات دهنية داخل جدران الشرايين وكلما زاد حجم هذه الترسبات كلما نقص قطر الشريان وأتساعه مما يعوق مسار الدم داخل الشريان … وقد تنفجر إحدى هذه الترسبات مما يجعل صفائح الدم تسارع إلى تلك المنطقة محاولة سد الثغرة التي ظهرت في جدران الشريان وتأتي بعدها كرات الدم الحمراء للمساعدة لعمل وتأكيد نفس الغرض ، وقد يساعد هذا على سد الثغرة وعودة الأمور إلى نصابها ، إلا أنه في كثير من الأحوال تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وينتج انسداد في الشريان يتبعه تراكم صفائح الدم وكرات الدم الحمراء ويتجلط الدم مسبباً انسداداً تاماً في مجرى الشريان وينتج عن ذلك أحد أخطر المضاعفات وهو انسداد الشريان التاجي (جلطة القلب ) ، وقد تحدث نفس التغيرات في شرايين أخرى بالجسم وينتج عنها مضاعفات خطيرة في أجزاء الجسم التي يتوقف سريان الدم إليها .
لذا يجب أن نضع نصب أعيننا مسببات المرض وكيفية الوقاية منه حتى يمكن القول بأننا قد تمكنا من السيطرة على المرض ونجحنا في الحد من خطورته التي عادة ما تكون خطيرة على صحة الإنسان وتهدد حياته وخاصة أمراض الشرايين التاجية ..
تحياتي ..
AG