حبي الأسير
رغد
بالكاد ذهبت مع والدتي و شقيقتي الكبرى رانيا و زوجة أخي منى للسوق في ذلك اليوم و بينما كنا نتجول رأيت إمرأة اعرفها فهي والدة مازن زميلي في الجامعة و لكن الغريب في الأمر بأن أمي تعرفها أيضا مع أنها لم ترها من قبل. كانت الخالة فاتن سعيدة جدااا للقائها بصديقة عمرها التي لم ترها منذ سنوات طويلة، و لكن سعادتها أصبحت أضعافا عندما عرفتها بنفسي و أخبرتها بأني زميلة ابنها في الجامعة و قد رأيتها مرة عندما كانت تنتظر مازن أمام باب الجامعة ليوصلها لمكان ما . جاءت معنا الى المنزل و جلست تتحدث مع والدتي عن الأيام الخوالي و ذكرياتهما معا في أيام الدراسة ثم بدأت تتحدث معي و تسألني عن طموحاتي و أفكاري و غيرها الكثير من الأسئلة . بعد مرور يومان و عندما عدت من الجامعة أخبرتي أمي بأن الخالة فاتن تريد ان تخطبني لابنها …… في تلك اللحظة اعتقد بأن دقات قلبي أصبحت مليون دقة في الدقيقة أحسست بأني سأطير من السعادة فكم تمنيت أن تأتي هذه اللحظة و لم اعلم بأن القدر سيجمعني بالشخص الذي احبه بمثل هذه الصدفة … أجل …. أنا أحب مازن أحبه كثيرا أحبه من اعماق قلبي أحببته منذ سنتين عندما رأيته للمرة الأولى في الجامعة و مازلت أحبه حتى الآن ربما حتى أكثر من البداية حبه كالورود في قلبي تنمو و تكبر مع كل إشراقة شمس. مازن رجل تتمناها كل الفتيات فهو وسيم جدا جذاب قوي مثقف و من عائلة راقية إلا أنه عصبي و مغرور دقيق الملاحظة و مزاجه متقلب و رغم ذلك كان طيب القلب و حنون و أنا أحبه بكل عيوبه و مميزاته ، لم أخبر أحد عن حقيقة مشاعري تجاهه فقد دفنت حبه في قلبي أحببته بين و بين نفسي لأنني كنت أظن بأنه لا يبادلني المشاعر و لا يعتبرني سوى مجرد زميلة بالنسبة له و لكنني كنت مخطئة فهو يحبني و إلا لما طلب من والدته أن تخطبني له . ياإلهي هل توجد سعادة أكبر من التي أنا فيها الآن وأخيرا حلمي سيتحقق .
رن الهاتف و كانت زميلتي في الجامعة و صديقة عمري مريم تسألني للمرة السابعة : "هل وصل مازن ؟" و أنا أجيبها بهدوء : " لا لم يأتي بعد ". مريم هي أعز صديقاتي وأنا اعتبرها بمثابة شيقيقتي فنحن قد تربينا معا لأن والدة مريم تكون واحدة من أعز صديقات أمي أما والدها كان شريك والدي في العمل و لكنه توفي قبل 5 سنوات و تلك الأيام كانت تيعيسة و مؤلمة جدا على عائلة مريم . لم تكن مريم تعلم بحقيقة مشاعري تجاه مازن فقد كانت تظن بأني اعتبره مجرد زميل لا أكثر لذلك عندما أخبرتها بموضوع الخطبة وبأني أحب مازن دُهِشت كثيرا ولم تصدق الامر في البداية وعاتبتني لأني أخفيت عنها حقيقة مشاعري تجاه مازن فنحن كنا مقربتان جدا من بعضنا و مازلنا كذلك .
بينما كنت اتحدث بالهاتف رن جرس الباب فقفزت من سريري و نظرت في المرآة لأتفقد شكلي للمرة المئة على ما اعتقد ، ثم قلت بتوتر و أنا احاول السيطرة على نفسي : "مريومة يجب ان اذهب الآن يبدو أنهم قد وصلوا ، ادعي لي بأن تسير الأمور على خير " .
تقدمت ببطئ نحوهم و قدمت العصير فطلبت مني أم مازن تلك السيدة الحنونة بأن اجلس الى جوارها بعد لحظات بدأ والد مازن بالتحدث مع والدي وأخي الكبير سامر بهدوء عن أحوال البلد وأمور العمل . بدى لي السيد نضال والد مازن رجلا رزينا مثقفا و جديا في حديثه و يبدو رجلا طيب القلب أيضا . مازن يشبه والده إلى حد كبير حتى في طريقة كلامه وأيضا يحمل الكثير من ملامحه كوجهه الوسيم الجذاب أما عيناه الرمادية الساحرة فقد ورثها عن أمه السيدة فاتن التي كانت تتكلم مع والدتي عن حياتها مع عائلتها و الظروف الصعبة التي مروا بها تشاركم أختي رانيا و زوجة أخي و التي هي ابنة عمي منى الكلام . أخي فراس الذي يبلغ من العمر 16 عاما جلس على الكرسي الخشبي الهزاز و وضع ياسمين ابنة منى و سامر التي تبلغ من العمر 4 سنوات على حجره و اخذ يداعبها بهدوء ، أما مازن فقد كان هادئا لم يتحدث كثيرا و اذا اراد التكلم تحدث بصوت هادئ ناعم رزين مهذب و واثق . أما بالنسبة إلي أنا فقد بقيت طوال الوقت صامتة ولم أتكلم إلا إذا سألني أحدهم سؤالا ، كنت ارتجف من التوتر مازلت لا أصدق بأنهم جاءوا الى منزلنا ليخطبوني لابنهم الوحيد مازن .
لم استطع ان ارفع عيني عن الارض فقد كان يجلس أمامي مباشرة و لكني تشجعت و قررت أن أخطف نظرة سريعة و بالفعل رفعت عيني لانظر إليه و لكن سرعان ما وضعتهما بالأرض ثانية لكن ليس خجلا بل حزنا فعندما نظرت إليه وجدت عينيه مليئة بالألم و الأسى و شيء من القلق و التردد و لكن ليس ذلك القلق الطبيعي الذي يحدث في مثل هذه الموافق بل قلق من نوع أخر .
رحل هو و أهله على وعد بالقدوم بعد أسبوع لتكون مهلة لي كي اقرر بعد أن طلب والدي ذلك . في اليوم التالي بعد عودتي من الجامعة و قد لاحظت عدم قدوم مازن في ذلك اليوم و ما زادني قلقا هو أن صديقتي مريم لم تأتي هي الأخرى فقد كنت أنوي أن أحدثها أكثر عن الموضوع و اسألها عن رأيها . شعرت بأني أريد ان اتحدث مع أمي و أخبرها عن تلك النظرة في عيني مازن في ذلك اليوم . بعد حديثي مع والدتي اطمئنيت قليلا فقد أخبرتني بأن هذه الامور طبيعية قبل الزواج فلابد من التوتر و القلق و بأن كل شيء سيصبح على ما يرام و بأني متوترة مثله تماما لأنني سأنتقل الى مرحلة جديدة في الحياة سأتزوج و أُؤسس عائلة و ستصبح لدي مسؤوليات كبيرة و أن هذه الأمور هي من تقلقني و تقلقه هو أيضا . اقتنعت قليلا بكلام أمي أو ربما اردت أن اقنع نفسي فقد بدا كلامها لي منطقيا نوعا ما ، أنه التوتر ليس أكثر و سيخف مع مرور الأيام أجل أنه يحبني لابد أنه يحبني و إلا لما جاء مع عائلته ليخطبني ، صحيح ؟
بعد تناولي الغداء مع أفراد أسرتي قررت الاتصال بمريم للاطمئنان عليها و معرفة سبب غيابها فليس من عادة مريم أن تتغيب عن الجامعة ، عندما اتصلتُ على هاتفها المحمول أجابتني شقيقتها الكبيرة حنان و أخبرتي بأنهم نقلوا مريم الى المشفى ، فأسرعت بالذهاب إليها وعندما وصلت أخبرتني أمها و هي تبكي منهارة أن تلك النوبة القلبية قد عاودتها من جديد فقد كانت مريم المسكينة تلك الفتاة الرائعة الأشبه بالملاك مصابة بمرض خطير في القلب . سألتُ حنان شقيقتها الكبيرة أن تخبرني ما حدث مع مريم بالتفصيل الممل فقالت بصوت مختنق و هي تحاول منع دموعها من الانهيار على خديها : " لا اعلم ما الذي حدث لها ، البارحة لم تتعشى و طوال الليل كانت تبكي وعنما سألتها عن سبب بكائها لم تجبني و طلبت مني أن اتركها بمفردها فاستجبت لطلبها لأني لم أكن أريد الضغط عليها فمريم حساسة كثيرا و في الصباح قالت بأن بطنها تؤلمها و لا تريد الذهاب الى الجامعة اليوم فلم نصر عليها أنا و أمي و تركناها بشأنها على الرغم من أنه ليس من عادتها أن تتغيب عن الجامعة ثم خرجنا انا و والدتي الى السوق لشراء بعض الخضار ، تركناها بمفردها في المنزل مع أخي الصغير محمد و عندما عدنا وجدنا محمد يدرس في غرفته أما هي فقد كانت مرمية على الارض في الشرفة تحتضن هاتفها بكلتا يديها كانت متعرقة جدا تلهث أنفاسها بقوة و تسعل بشدة و تبكي بحرقة أسرعنا إليها و اتصلنا بالأسعاف لأن منظهرها كان مريعا ".
عدت الى المنزل متأخرة في ذلك اليوم لأني أصريت على أن ابقى مع والدة مريم و أختها و أخيها حتى اطمئن على حالة صديقتي و أوصلهم الى البيت بعد أن اخبرنا الطبيب بأننا نستطيع إخراجها اليوم و بأنها اصبحت بخير الآن الحمد لله و انهم قد سيطروا على الوضع و لكن لابد من تنال الأدوية بانتظام و إلا ساءت حالتها أكثر و يجب عليها زيارة الطبيب من فترة إلى أخرى . وصلت الى المنزل لأجد أمي و أبي ما يزالان مستيقظين متنظرين عودتي . سألاني عن مريم فأخبرتهما بأنها بخير الان ثم ذهبت الى غرفتي غيرت ثيابي و رميت نفسي على السرير لقد كنت متعبة جدا بعد يوم طويل و شاق . هناك طرقات على باب غرفتي ابتسمت لابد أنها ياسمين ابنة أخي الكبير سامر و زوجته ابنة عمي منى ، فُتِحَ الباب و أطلت ياسمين برأسها و هي تقول بصوت طفولي ناعم : " عمتي رغد هل تسمحين لي بالدخول ؟ " . مددت يدي في اتجاهها و قلت بصوت هادئ و حنون : " تعالي يا صغيرتي ". دخلت بسرعة الى الغرفة أغلقتْ الباب بهدوء و أمسكتْ بيدي الممدودة نحوها قلت و أنا ألعب بخصلات شعرها الناعمة : "أخبريني يا حبيبتي ما الأمر ؟ ". نظرت إلي ببراءة و قالت بصوت خافت مرتجف:" أنا لا أريد النوم في غرفتي بعد الآن فالكثير من الوحوش موجودة هناك وأنا خائفة أرجوك دعيني أنام بجانبك الليلة أرجوك" . ضحكت من قلبي و قلت لها بمرح :"أحقا هناك وحوش؟". أومأت برأسها و قالت : " لماذا تضحكين أخفضي صوتك رغد أرجوك و إلا سمعونا أنهم الآن في غرفتي هل يمكن أن أنام معك الليلة فقط الليلة ".
"حسنا يا حلوتي سأسمح لك بالنوم معي الليلة و سأحكي لك حكاية أيضا ، ما رأيكِ؟ ". قفزت الصغيرة على السرير و هي تهتف بسعادة ومرح :" هييييييي أنت أفضل و أحلى عمة في العالم كله أنا أحبك كثيرا يا رغد ". يا إلهي ما أجمل و ما أحلى هذه الطفلة ! قلت لها و أنا اضع سبابتي على فمي : " أوووش أنا أيضا أحبك يا ياسمين و لكن توقفي الآن و إلا سمعتك الوحوش الشرير و جاءت لتأكلنا " نظرت إلي ياسمين بفزع و قالت :" ياإلهي نسيت الوحوش". ضممتها الى صدري و أنا اضحك و قلت : " ياسمين حبيبتي لا يوجد في هذا العالم شيء اسمه وحوش ابدا ابدا أنها مجرد خيال لا أكثر ،هل فهمتني يا صغيرتي ؟ لذلك يجب عليك ألا تخافي منهم ابدا". نظرت إلي بتشكك و قالت : " هل حقا هم خيال و لكني رأيتهم " قلت لها وانا اداعب أرنبة أنفها :"حبيبتي أخبريني هل كذبت عليك من قبل؟" هزت رأسها بمعنى لا فأكملت " إذن صدقيني حبيبتي إن ما رأيته ليس وحشا لأنه لا وجود للوحوش ابدا ولا تخافي من أي شيء يا ياسمينتي الصغيرة لأن الله سبحانه و تعالى معك و سيحميك من كل أذى هل فهمتني الآن يا صغيرتي؟ " أومأت الصغيرة برأسها فأحتضنتها بقوة و قبلت وجنتيها الناعمة ثم بدأت اسرد عليها قصة بياض الثلج والأقزام السبعة و أنا ألعب بخصلات شعرها الأسود الناعم بهدوء حتى نامت بين ذراعي تأملتُ وجهها الطفولي البريء وابتسامة هادئة مرسومة على شفتاي ياإلهي كم أنا أعشق هذه الياسمينة الصغيرة وكم اتمنى أن أنجب فتاة رائعة مثلها طفلة صغيرة تكون أبنتي أنا … ترى هل سأصبح أم في يوم من الأيام هل سيصبح لدي أطفال صغار احبهم ارعاهم أحميهم واسمعهم ينادوني بكلمة ماما ترى هل سأكون أم جيدة ؟ اتعرفون ماذا أنا لا أريد شيء من هذه الحياة سوى منزل صغير جميل و دافء يجمعني مع مازن و أطفال صغار يشبهونه نعيش بسعادة و حب معا الى الابد هذه هي أمنيتي الوحيدة و حلمي الذي ادعي الله في كل ليلة أن يحققه .
مضت خمسة أيام عادية جدا كنت اذهب الى الجامعة و أعود الى المنزل اتناول الغداء وألعب مع ياسمين قليلا ثم اشاهد التلفاز بعد ذلك اخلد الى النوم . في تلك الأيام مريم لم تأتي الى الجامعة و أنا قمت بزيارتها في منزلهم مرتين المرة الأولى كنت بمفردي و ما لاحظته بأنها كانت شاحبة جدا في ذلك اليوم و كئيبة نوعا ما فلم تكن تلك الفتاة المرحة الضحوكة التي كانتها من قبل كانت تتحدث وكأنها فقدت أملها بالحياة و كانها أضاعت شيء ما و كأن أحدهم سلب منها روحها أما المرة الثانية لم أكن لوحدي فقد جاءت أمي و رانيا معي للإطمئنان عليها. في ذلك اليوم حدث أمر غريب مع صديقتي مريم لم استطع تفسيره فقد جاءها اتصال من شخص أظنه يريد الإطمئنان عليها و لكني لاحظت توترها و ارتباكها و احمرار وجنتيها وهي تتحدث مع ذلك الشخص المجهول .
بالنسبة لمازن فأنا لم أره في الجامعة و أظن بأنه لم يأتي و لم أسمع عنه أي خبر . البارحة اتصلت السيدة فاتن بوالدتي لتسأل عن أحوالنا وأخبرتنا بأنهم سيأتون بعد ثلاثة أيام الى منزلنا لمعرفة قراري النهائي بخصوص الخطبة . تكلمت معي و أخبرتني عن مدى اشتياقها لرؤيتي و سألتني عن صحتي و هذه الأمور . إن حماتي إمرأة طيبة القلب جدا و حنونة و هذا الشيء رائع أنا اقصد أن نتفق أنا و حماتي هو أمر جيد .
في اليوم التالي كنت مرهقة جدااا و حزينة لأجل مريم فقد ساءت حالتها و تم نقلها الى غرفة العناية المركزة و هذه المسكينة الآن بين الحياة و الموت فقد قال الطبيب أن قلبها لم يعد يحتمل أكثر و يلزمها عملية زرع قلب في أسرع وقت ممكن . كانت عائلة مريم منهارة بعد سماعها كلام الطبيب و أنا لم استطع ترك صديقتي الوحيدة تصارع الموت وحدها فبقيت في المشفى مع عائلتها ادعُ الله بأن ينقذها و لكني لم استطع عدم التفكير في أن مازن و أهله قادمون بعد غد ليعلموا ما هو قراري النهائي و بينما كنت افكر في كل الأمور تفاجأت بهاتفي يرن وما فاجئني أكثر أن المتصل هو مازن يطلب مني أن أقابله حالا لنتحدث في موضوع مهم فوصفت له مقهى هادئ بجوار المستشفى كي أكون قريبة من مريم . وبالفعل وجدته ينتظرني في ذلك المكان و رؤيته أفرحتني كثيرا . جلست أمامه و ألقيت التحية عليه فرد على تحيتي بهدوء صافحني و طلب لي مشروبا باردا ، بدى متوترا و مرتبك و بعد فترة صمت طالت حوالي الربع ساعة بدأ حديثه بأنني شابة جميلة رائعة خلوقة ذكية و من عائلة محترمة و راقية و أن ألف شاب يتمناني و انه سيكون لي مستقبل مشرق بعد أن انهي دراستي و اتخرج من الجامعة .
رغم كل هذا المديح الذي سمعته من مازن قلبي لم يكن مطمئنا لما سيأتي بعد ذلك و قد كنت محقة فما سمعته بعد كل ذلك المديح كان أشبه بخنجر استقر في أحشاء قلبي و أبى إلا أن يمزقه
_ " رغد أريد أن اطلب منك طلبا و كلي أمل أن تتفهميني و تنفذيه " .
_ " تفضل ".