(1) أهرع : أسرع . الهلع : الجزع . الجفل : النفر والشرد .
(2) طل الدم : هدر أو لم يثأر له فهو طليل ومطلول ومطل .
(1) في بعض النسخ : وبلغ والصحب لم ترحل .
(2) في رواية الخطيب التبريزي : سيحتج بالله والمرسل .
(1) أقتنص الطير أو الظبي : اصطاده .
(2) الفلفل : القرب بين الخطوات .
(3) الأفكل : الرعدة من الخوف .
(4) عبد الملك بن مروان والد الخلفاء الأمويين .
* (ما يتبع الشعر) *:
هذه القصيدة المسماة بالجلجلية كتبها عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان في جواب كتابه إليه يطلب خراج مصر ويعاتبه على امتناعه عنه، توجد منها نسختان في مجموعتين في المكتبة الخديوية بمصر كما في فهرستها المطبوع سنة 1307 ج 4 ص 314 وروى جملة منها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 ص 522 وقال : رأيتها بخط أبي زكريا يحيى (2) بن علي الخطيب التبريزي المتوفى 502 .
وقال الاسحاقي في " لطايف أخبار الدول " ص 41 : كتب معاوية إلى عمرو بن العاص : إنه قد تردد كتابي إليك بطلب خراج مصر وأنت تمتنع وتدافع ولم تسيره فسيره إلي قولا واحدا وطلبا جازما، والسلام .
فكتب إليه عمرو بن العاص جوابا وهي القصيدة الجلجلية المشهورة التي أولها :
ومنها أيضا :
(1) مثل يضرب راجع مجمع الأمثال للميداني ص 195 .
(2) أحد أئمة اللغة والنحو قال ابن ناصر : كان ثقة في النقل وله المصنفات الكثيرة . كذا ترجم له ابن كثير في تاريخه 12 ص 171 .
(3) في رواية الخطيب التبريزي :
ومنها أيضا :
ومنها أيضا :
فلما سمع معاوية هذه الأبيات لم يتعرض له بعد ذلك . ا ه .
وذكر الشيخ محمد الأزهري في شرح مغني اللبيب 1 ص 82 هذه الأبيات برمتها حرفيا نقلا عن تاريخ الاسحاقي غير أنه حذف قوله :
وذكر منها ثلاث عشر بيتا ابن شهر آشوب في " المناقب " 3 ص 106 .
وأخذ منها السيد الجزايري في " الأنوار النعمانية " ص 43 عشرين بيتا .
وذكر برمتها الزنوزي في الروضة الثانية من رياض الجنة وقال : هذه القصيدة تسمى بالجلجلية لما في آخرها : وفي عنقي علق الجلجل .
وخمسها بطولها الشاعر المفلق الشيخ عباس الزيوري البغدادي، وقفت عليه في ديوانه المخطوط المصحح بقلمه، ويوجد التخميس في إحدى نسختي المكتبة الخديوية بمصر .
يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون
مهمات مصادر ترجمة عمرو بن العاص .
صحيح البخاري.
صحيح مسلم.
السنن أبو داود.
السنن للترمذي.
السنن للنسائي.
كتاب التاريخ، سليم بن قيس
السيرة النبوية، ابن هشام.
عيون الأخبار، ابن قتيبة.
المعارف، ابن قتيبة.
الإمامة والسياسة، ابن قتيبة
المحاسن والأضداد، الجاحظ.
البيان والتبيين، الجاحظ.
الأنساب، أبو عبيدة.
أنساب الأشراف، البلاذري.
بلاغات النساء، ابن أبي طاهر.
الكامل، المبرد.
المثالثب، الكلبي.
التاريخ، اليعقوبي.
الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان.
الأغاني، أبو الفرج.
الطبقات، ابن سعد.
العقد الفريد، ابن عبد ربه.
مروج الذهب، المسعودي.
المستدرك، الحاكم النيسابوري.
المحاسن والمساوي، البيهقي.
الاستيعاب، ابن عبدالبر.
تاريخ الأمم، الطبري.
تاريخ الشام، ابن عساكر.
ربيع الأبرار، الزمخشري.
الخصايص، الوطواط.
التفسير الكبير، الفخر الرازي.
الترغيب والترهيب، المنذري.
شرح النهج، ابن أبي الحديد.
الكامل، ابن الأثير.
البداية والنهاية، ابن كثير.
تمييز الخبيث، ابن الديبع.
التذكرة، سبط ابن الجوزي.
ثمرات الأوراق، ابن حجة.
السيرة النبوية، الحلبي.
روض المناظر، ابن شحنة
نور الأبصار، الشبلنجي.
جمهرة الخطب، أحمد زكي.
جمهرة الرسائل، أحمد زكي.
دائرة المعارف، فريد وجدي.
* (الشاعر) *:
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد (بالتصغير) بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لوي القرشي أبو محمد وأبو عبد الله .
أحد دهاة العرب الخمس، منه بدئت الفتن وإليه تعود، وتقحمه في البوائق والمخاريق ثابت مشهور تضمنته طيات الكتب، وتناقلته الآثار والسير، وإذا استرسلت في الكلام عن الجور والفجور فحدث عنه ولا حرج، كما تجده في كلمات الصحابة الأولين، فالبغل نغل وهو لذلك أهل (1) ويقع الكلام في ترجمته عن نواحي شتى .
نسبه أبوه هو الأبتر بنص الذكر الحميد (إن شانئك هو الأبتر) وعليه أكثر أقوال المفسرين والعلماء (2) وفي بعض التفاسير وإن جاء ترديد بينه وبين أبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي معيط وغيرهم إلا أن القول الفصل ما ذكره الفخر الرازي من : أن كلا من أولئك كانوا يشنئون رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن ألهجهم به وأشدهم شنئة العاص ابن وائل .
فالآية تشملهم أجمع، ويخص اللعين بخزي آكد، ولذلك اشتهر بين المفسرين أنه هو المراد .
قال الرازي في تفسيره 8 ص 503، روي أن العاص بن وائل كان يقول : إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره، واسترحتم منه، وكان قد مات ابنه عبد الله من خديجة، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير .
وقال ص 504 بعد نقل الأقوال الأخر : ولعل العاص بن وائل كان أكثرهم مواظبة على هذا القول، فلذلك اشتهرت الروايات بأن الآية نزلت فيه .
وروى التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي في كتابه : أن الآية نزلت في
(1) مثل يضرب لمن لؤم أصله فخبث فعله .
(2) راجع الطبقات لابن سعد 1 ص 115، والمعارف لابن قتيبة ص 124، وتاريخ ابن عساكر 7 ص 330 .
المترجم نفسه، كان أحد شانئي رسول الله صلى الله عليه وآله لما مات ولده إبراهيم فقال : إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له .
وذكره بذلك أمير المؤمنين في أبيات له تأتي فقال :
وذكره بذلك عمار بن ياسر يوم صفين وعبد الله بن جعفر في حديثيهما الآتيين .
فالمترجم له هو (الأبتر ابن الأبتر) وبذلك خاطبه أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب له يأتي بقول : من عبد الله أمير المؤمنين إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص شانئ محمد وآله محمد في الجاهلية والاسلام .
تعرفنا الآية الكريمة المذكورة إن كل معزو إلى العاص من الولد من ذكر أو أنثى من المترجم له أو غيره ليسوا لرشدة، فمن هنا تعرف فضيلة عمرو من ناحية النسب، أضف إلى ذلك حديث أمه ليلى العنزية الجلانية .
كانت أمه ليلى أشهر بغي بمكة وأرخصهن أجرة، ولما وضعته ادعاها خمسة كلهم أتوها غير أن ليلى ألحقته بالعاص لكونه أقرب شبها به، وأكثر نفقة عليها، ذكرت ذلك أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لما وفدت إلى معاوية فقال لها : مرحبا بك يا عمة ؟ فكيف كنت بعدنا ؟ فقالت : يا بن أخي ؟ لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير بلاء كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد صلى الله عليه وآله هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون، فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، ولم يجمع بعد رسول الله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار .
فقال لها عمرو بن العاص : أيها العجوز الضالة ؟ أقصري من قولك، وغضي
من طرفك .
قالت : ومن أنت ؟ لا أم لك .
قال : عمرو بن العاص .
قالت يا بن اللخناء النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة بمكة وآخذهن لأجرة، إربع على ظلعك (1) واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها، ولقد إدعاك ستة (2) نفر من قريش كله يزعم أنه أبوك فسألت أمك عنهم فقالت : كلهم أتاني فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل فلحقت به، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر، فأتم بهم فإنك بهم أشبه(3).
وقال الإمام السبط الحسن الزكي سلام الله عليه بمحضر من معاوية وجمع آخر : أما أنت يا بن العاص فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة (4) من قريش فغلب عليك جزارها، ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك فقال : أنا شانئي محمد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل(5) .
وعده الكلبي أبو المنذر هشام المتوفى 206 / 4 في كتابه " مثالب العرب " الموجود عندنا – ممن يدين بسفاح الجاهلية، وقال في باب تسمية ذوات الرايات : وأما النابغة أم عمرو بن العاص : فإنها كانت بغيا من طوايف مكة فقدمت مكة ومعها بنات لها، فوقع عليها العاص بن وائل في الجاهلية في عدة من قريش منهم : أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه كل يزعم أنه ابنه، ثم إنه أضرب عنه ثلاثة وأكب عليه اثنان : العاص بن وائل، وأبو سفيان بن حرب فقال أبو سفيان : أنا والله وضعته في حر أمه .
فقال العاص : ليس هو كما تقول
(1) مثل يضرب لمن يتوعد . ربع في المكان أي أقام به . الظلع : العرج . يقال : ظلع البعير أي غمز في مشيته فالمعنى : لا تجاوز حدك في وعيدك، وأبصر نقصك وعجزك عنه .
(2) في العقد الفريد، وروض المناظر : خمسة .
(3) بلاغات النساء ص 27، العقد الفريد 1 ص 164، روض المناظر 8 ص 4، ثمرات الأوراق 1 ص 132، دايرة المعارف لفريد وجدي 1 ص 215، جمهرة الخطب 2 ص 363 .
(4) في لفظ الكلبي وسبط ابن الجوزي : خمسة .
(5) أخذنا هذه الجملة من حديث المهاجاة الطويلة الواقعة بين الإمام الحسن بن علي وبين عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، في مجلس معاوية رواه ابن أبي الحديد في شرحه 2 ص 101 نقلا عن كتاب المفاخرات للزبير بن بكار، وذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة ص 114 .
هو إبني فحكما أمه فيه فقالت : للعاص .
فقيل لها بعد ذلك : ما حملك على ما صنعت و أبو سفيان أشرف من العاص ؟ فقالت : إن العاص كان ينفق على بناتي، ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا وخفت الضيعة، وزعم ابنها عمرو بن العاص إن أمه امرأة من غنزة بن أسد بن ربيعة .
وكان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون وأمية بن عبد شمس، وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان بن الحكم، وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، وعقبة بن أبي معيط .
(1) وعده الكلبي من الأدعياء في باب – أدعياء الجاهلية – وقال : قال الهيثم : ومن الأدعياء عمرو بن العاص، وأمه النابغة حبشية، وأخته لأمه أرينب (بضم الألف) وكانت تدعي لعفيف بن أبي العاص، وفيها قال عثمان لعمرو بن العاص : لمن كانت تدعى أختك أرينب يا عمرو ؟ فقال : لعفيف بن أبي العاص . قال عثمان : صدقت . إنتهى .
وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى 209 / 11 في كتاب " الأنساب " : إن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان : أبو سفيان، والعاص، فقيل : لتحكم أمه فقالت : إنه من العاص بن وائل .
فقال أبو سفيان .
أما إني لا أشك إنني وضعته في رحم أمه فأبت إلا العاص فقيل لها : أبو سفيان أشرف نسبا .
فقالت : إن العاص بن وائل كثير النفقة علي وأبو سفيان شحيح .
ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله صلى الله عليه وآله :
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت * لنا فيك منه بينات الدلائل
وقال الزمخشري في " ربيع الأبرار " : كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة (بالتحريك) فسبيت فاشتراها عبد الله بن جذعان التيمي بمكة فكانت
(1) وإلى هنا ذكره سبط ابن الجوزي في تذكرته ص 117 عن المثالب .
(2) شرح ابن أبي الحديد 2 ص 101 .
بغيا .
ثم ذكر نظير الجملة الأولى من كلام الكلبي ونسب الأبيات المذكورة إلى أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب .
وقال : جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه ولم تكن بمنصب مرضي فأتاه بمصر أميرا عليها فقال : أردت أن أعرف أم الأمير .
فقال : نعم، كانت امرأة من عنزة، ثم من بني جلان تسمى ليلى وتلقب النابغة، إذهب وخذ ما جعل لك (1) وقال الحلبي في سيرته 1 ص 46 في نكاح البغايا . ونكاح الجمع .
من أقسام نكاح الجاهلية : الأول أن يطأ البغي جماعة متفرقين واحدا بعد واحد فإذا حملت وولدت الحق الولد بمن غلب عليه شبهه منهم .
الثاني : أن تجتمع جماعة دون العشرة ويدخلون على امرأة من البغايا ذوات الرايات كلهم يطؤوها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا فلان .
تسمي من أحبت منهم فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منهم الرجل إن لم يغلب شبهه عليه، وحينئذ يحتمل أن يكون أم عمرو بن العاص رضي الله عنه من القسم الثاني فإنه يقال : إنه وطئها أربعة هم : العاص، وأبو لهب، وأمية، وأبو سفيان، و ادعي كلهم عمرا فألحقته بالعاص لإنفاقه على بناتها .
ويحتمل أن يكون من القسم الأول ويدل عليه ما قيل : إنه الحق بالعاص لغلبة شبهه عليه، وكان عمرو يعير بذلك عيره علي وعثمان والحسن وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
و سيأتي ذلك في قصة قتل عثمان عند الكلام على بناء مسجد المدينة (2) .
* (عبد الله وعمرو) * روى الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام 7 ص 330 : إن عمرو بن العاص قال لعبد الله بن جعفر الطيار ذي الجناحين في مجلس معاوية : يا بن جعفر ؟ يريد تصغيره .
فقال له : لئن نسبتني إلى جعفر فلست بدعي ولا أبتر ثم ولى وهو يقول :
(1) ورواه المبرد في الكامل، ابن قتيبة في عيون الأخبار 1 ص 284، ابن عبد البر في الاستيعاب، وذكر في شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 100، جمهرة الخطب 2 ص 19 .
(2) ذكر قتل عثمان عند الكلام على بناء المسجد ج 2 ص 72 – 88 ولم يوجد هناك شيء مما أو عزاليه .
* (عبد الله وعمرو) * أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه 7 ص – 438 : إن عبد الله بن أبي سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي قدم معاوية وعنده عمرو فجاء الآذن فقال : هذا عبد الله وهو بالباب : فقال : إئذن له .
فقال عمرو : يا أمير المؤمنين ؟ لقد أذنت لرجل كثير الخلوات للتلهي، والطربات للتغني، صدوف عن السنان، محب للقيان، كثير مزاحه، شديد طماحه، ظاهر الطيش، لين العيش، أخاذ للسلف، صفاق للشرف فقال عبد الله : كذبت يا عمرو ؟ وأنت أهله ليس كما وصفت ولكنه : لله ذكور، ولبلاءه شكور، وعن الخنا زجور، سيد كريم، ماجد صميم، جواد حليم، إن ابتدأ أصاب، وإن سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا فاحش عياب، كذلك قضى الله في الكتاب، فهو كالليث الضرغام، الجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دني كمن اختصم فيه من قريش شرارها فغلب عليه جزارها، فأصبح ينوء بالدليل، ويأوي فيها إلى القليل، قد بدت بين حيين، وكالساقط بين المهدين، لا المعتزي إليهم قبلوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي حسب تنازل للنضال ؟ أم بأي قديم تعرض للرجال ؟ أبنفسك ؟ فأنت الخوار الوغد الزنيم .
أم بمن تنتمي إليه ؟ فأنت أهل السفه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهر، ولا بقديم في الاسلام ذكر، غير أنك تنطق بغير لسانك، وتنهض بغير أركانك، وأيم الله إن كان لأسهل للوعث (1) وألم للشعث (2) أن يكعمك (3) معاوية على ولوعك باعراض قريش كعام الضبع في وجاره (4) فأنت لست لها بكفي، ولا لأعراضها بوفي .
قال : فتهيأ عمرو للجواب فقال له معاوية : نشدتك الله إلا ما كففت . فقال عمرو : يا أمير المؤمنين دعني أنتصر فإنه لم يدع شيئا . فقال معاوية : أما في مجلسك هذا فدع الانتصار و
(1) الوعث بالفتح : العسر الغليظ .
(2) يقال : لم الله شعثهم . أي جمع أمرهم . (39 يقال : كعم البعير . أي شد فمه لئلا يعض أو يأكل .
(4) الوجار بكسر الواو وفتحها : حجر الضبع وغيرها
عليك بالاصطبار .
وأشار إلى هذه القصة ابن حجر في الإصابة 2 ص 320 .
إسلامه:
إن الذي حدانا إليه يقين لا يخالجه شك بعد الأخذ بمجامع ما يؤثر عن الرجل في شئونه وأطواره : أنه لم يعتنق الدين اعتناقا، وإنما انتحله انتحالا وهو في الحبشة، نزل بها مع عمارة بن الوليد لاغتيال جعفر وأصحابه رسل النبي الأعظم تنتهي إليه الأنباء عن أمر الرسالة، ويبلغه التقدم والنشور له، وسمع من النجاشي قوله : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ فقال : أيها الملك ؟ أكذلك هو ؟ فقال : ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده (1) .
فراقه التزلف إلى صاحب الرسالة بالتسليم له فلم ينكفئ إلى الحجاز إلى طمعا في رتبة، أو وقوفا على لماظة من العيش، أو فرقا من البطش الإلهي بالسلطة النبوية .
فنحن لا نعرفه في غضون هاتيك المدد التي كان يداهن فيها المسلمين و يصانعهم إبقاءا لحياته، واستدرارا لمعاشه، إلا كما نعرفه يوم كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وآله بقصيدة ذات سبعين بيتا فلعنه صلى الله عليه وآله عدد أبياته .
وهو كما قال أمير المؤمنين : متى ما كان للفاسقين وليا، وللمسلمين عدوا ؟ ؟ وهل يشبه إلا أمه التي دفعت به(2).
وكان كما يأتي عن أمير المؤمنين من قوله : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا، وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا .
قال ابن أبي الحديد في الشرح 1 ص 137 : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو بن العاص لمعاوية لما قاله معاوية : يا أبا عبد الله ؟ إني لأكره لك أن تتحدث العرب عنك إنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا : دعنا عنك .
كناية عن الالحاد بل تصريح به، أي : دع هذا الكلام لا أصل له، فإن اعتقاد الآخرة و إنها لاتباع بعرض الدنيا من الخرافات، وما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط
(1) سيرة ابن هشام 3 ص 319 وغير واحد من كتب السيرة النبوية والتاريخ .
(2) تذكرة خواص الأمة ص 56، السيرة الحلبية وغيرهما .
في الالحاد والزندقة وكان معاوية مثله .
وقال في ج 2 ص 113 : نقلت أنا من كتب متفرقة كلمات حكمية تنسب إلى عمرو بن العاص استحسنتها وأوردتها لأني لا أجحد الفاضل فضله وإن كان دينه عندي غير مرضي .
وقال في ص 114 : قال شيخنا أبو عبد الله : أول من قال بالارجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أنه لا يضر مع الإيمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال : حاربت من تعلم وارتكبت ما تعلم .
فقال : وثقت بقوله تعالى : إن الله يغفر الذنوب جميعا .
وقال في ج 2 ص 179 : وأما معاوية فكان فاسقا مشهورا بقلة الدين والانحراف عن الاسلام، وكذلك ناصره ومظاهره على أمره عمرو بن العاص ومن تبعهما من طغام أهل الشام وأجلافهم وجهال الأعراب، فلم يكن أمرهم خافيا في جواز محاربتهم و استحلال قتالهم .
وهناك كلمات ذكرت في مصادر وثيقة تمثل الرجل بين يدي القاري بروحياته و حقيقته، وتخبره بعجره وبجره (1) وإليك نماذج منها :
1 – كلمة النبي الأعظم :
دخل زيد بن أرقم على معاوية فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما فقال له : عمرو بن العاص : أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين ؟ فقال زيد : إن رسول الله صلى الله عليه و آله غزا غزوة وأنتما معه فرءاكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ثم راءكما اليوم الثاني واليوم الثالث كل ذلك يديم النظر إليكما فقال في اليوم الثالث : إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فإنهما لن يجتمعا على خير .
كذا أخرجه ابن مزاحم في كتاب " صفين " ص 112 ورواه ابن عبد ربه في " العقد الفريد " 2 ص 290 عن عبادة بن الصامت وفيه : إنه صلى الله عليه وآله قاله في غزوة تبوك ولفظه : إذا رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما فإنهما لا يجتمعان على خير .
(1) العجر : العروق المتعقدة . البحر : العروق المتعقدة في البطن . مثل يضرب لمن يخبر بجميع عيوبه .
2 – كلمة أمير المؤمنين عليه السلام:
روى أبو حيان التوحيدي في " الإمتاع والمؤانسة " 3 ص 183 قال : قال الشعبي : ذكر عمرو بن العاص عليا فقال : فيه دعابة فبلغ ذلك عليا فقال : زعم ابن النابغة إني تلعابة، تمراحة، ذو دعابة، اعافس، وامارس . هيهات يمنع من العفاس والمراس (1) ذكر الموت وخوف البعث والحساب، ومن كان له قلب ففي هذا من هذا له واعظ وزاجر، أما وشر القول الكذب، إنه ليعد فيخلف، ويحدث فيكذب، فإذا كان يوم البأس فإنه زاجر وآمر ما لم تأخذ السيوف بهام الرجال، فإذا كان ذاك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم إسته .
ورواه بهذا اللفظ شيخ الطايفة في أماليه ص 82 من طريق الحافظ ابن عقدة .
* (صورة أخرى على رواية الشريف الرضي) * عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وإني امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس، لقد قال باطلا، ونطق آثما، أما وشر القول الكذب، إنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسأل فيلحف، ويسئل فيبخل، ويخون العهد، ويقطع الإل، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ؟ ؟ ! ! ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته، أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، وإنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة(2). نهج البلاغة – 1 ص 145 .
* (صورة أخرى على رواية ابن قتيبة) * قال زيد بن وهب : قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه : عجبا لابن النابغة يزعم إني تلعابة، أعافس وأمارس، أما وشر القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف، و يسئل فيبخل، فإذا كان عند البأس فإنه امرؤ زاجر ما لم تؤخذ السيوف مآخذها من هام القوم، فإذا كان كذلك كان أكبر همه أن يبر قط ويمنع الناس إسته، قبحه
(1) العفاس بالكسر : الفساد المراس : العبث واللعب .
(2) يقال : رضخ له من ماله رضيخة . أي : قليلا من كثير .
الله وترحه . (عيون الأخبار 1 ص 164) .
* (صورة أخرى على رواية ابن عبد ربه) * ذكر عمرو بن العاص عند علي بن أبي طالب فقال فيه علي : عجبا لابن الباغية يزعم إني بلقائه أعافس وأمارس، ألا وشر القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف، و ويسئل فيبخل، فإذا احمر البأس، وحمى الوطيس، وأخذت السيوف مآخذها من هام الرجال لم يكن له هم إلا غرقة ثيابه، ويمنح الناس إسته، فضه الله وترحه . (العقد الفريد 2 ص 287) .
3 – كلمة أخرى له عليه السلام:
لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يوم صفين يدعون إلى حكم القرآن قال علي عليه السلام : عباد الله ؟ أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال، وشر رجال، إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم والله ما رفعوها، إنهم يعرفونها ولا يعملون بها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة . كتاب صفين لابن مزاحم ص 264 .
4 – كلمة أخرى له عليه السلام :
قال أبو عبد الرحمن المسعودي : حدثني يونس بن أرقم بن عوف عن شيخ من بكر بن وائل قال : كنا مع علي بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة في رأس رمح فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا فقال علي : هل تدرون ما أمر هذا اللواء ؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الشقة فقال : من يأخذها بما فيها ؟ فقال عمرو : و ما فيها يا رسول الله ؟ قال : فيها أن لا تقاتل به مسلما، ولا تقربه من كافر .
فأخذها، فقد والله قربه من المشركين وقاتل به اليوم المسلمين، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا إلا أنهم لم يدعوا الصلاة .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 110 .
5 – كتاب أمير المؤمنين إلى عمرو:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل شانئ محمد وآله محمد في الجاهلية والاسلام .
سلام على من اتبع الهدى – أما بعد – فإنك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعا كما قيل : وافق شن طبقة (1) فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك، وكان علم الله بالغا فيك، فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا ما الليل دجا، أو أتى الصبح يلتمس فاضل سؤره، وحوايا فريسته، ولكن لا نجاة من القدر، ولو بالحق أخذت لأدركت ما رجوت، وقد رشد من كان الحق قائده، فإن يمكن الله منك ومن ابن آكلة الأكباد ألحقتكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن تعجزا (2) وتبقيا بعدي فالله حسبكما، وكفى بانتقامه انتقاما، وبعقابه عقابا . والسلام .
* (فائدة) * هذا الكتاب بهذه الصورة ذكرها ابن أبي الحديد (3) في شرحه 4 ص 61 نقلا عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم ولم نجده فيه فمن أمعن النظر في جل ما نقله ابن أبي الحديد عن هذا الكتاب يعلم بأن المطبوع منه هو مختصره لا أصله وهو أكبر من الموجود بكثير .
صورة أخرى له:
فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره، وطلبت فضله، إتباع الكلب للضرغام، يلوذ بمخالبه، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فأذهب دنياك وآخرتك، ولو بالحق أخذت، أدركت ما طلبت، فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما، وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما . والسلام . نهج البلاغة 2 ص 64
(1) مثل ساير له قصة يستفاد منها . شن : اسم رجل . طبقة : اسم امرأة : راجع مجمع الأمثال للميداني 2 ص 321 .
(2) عجز الشئ : مؤخره .
(3) وذكره عنه الدكتور أحمد زكي صفوت في جمهرة الرسائل 1 ص 486 .
6 – خطبة أمير المؤمنين بعد التحكيم:
لما خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكة ورد علي عليه السلام ابن عباس إلى البصرة قام في الكوفة خطيبا فقال : الحمد لله، وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله – أما بعد – : فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب، تورث الحسرة، وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونحلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمر (1) فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه، فكنت أنا وإياكم كما قال أخو هوازن(2):
ألا ؟ إن هذين الرجلين : (عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري) اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، و أماتا ما أحيى القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجة بينة، ولا سنة ماضية، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد (3)، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، واستعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام .
الإمامة والسياسة 1 ص 119، تاريخ الطبري 6 ص 45، مروج الذهب 2 ص 35، نهج البلاغة 1 ص 44، كامل ابن الأثير 3 ص 146 .
ذكر ابن كثير في تاريخه 7 ص 286 هذه الخطبة ولما لم يعجبه ذكر أهل العيث والفساد بما هم عليه، أولم يره صادرا من أهله في محله، أولم يرض أن تطلع الأمة الإسلامية على حقيقة عمرو بن العاص وصويحبه فبتر الخطبة وذكرها إلى
(1) قصير هو مولى جذيمة الأبرش، وكان قد أشار على سيده أن لا يأمن الزباء ملكة الجزيرة، وقد دعته إليها ليزوجها، فخالفه وقصد إليها فقتلته فقال قصير : لا يطاع لقصير أمر . فذهب مثلا .
(2) دريد بن الصمة .
(3) في الإمامة والسياسة : لم يرشدهما الله .
آخر البيت فقال : ثم تكلم فيما فعله الحكمان فرد عليهما ما حكما به وأنبهما، و قال ما فيه حط عليهما .
ا ه وهناك لأمير المؤمنين عليه السلام في خطبه كلمات كثيرة حول الرجل مثل قوله : قد سار إلى مصر ابن النابغة عدو الله وولي من عادى الله .
وقوله : إن مصرا افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا .
(1) نضرب عنها صفحا روما للاختصار .
7 – قنوت أمير المؤمنين بلعن عمرو:
م – أخرج أبو يوسف القاضي في " الآثار " ص 71 من طريق إبراهيم قال : إن عليا رضي الله عنه قنت يدعو على معاوية رضي الله عنه حين حاربه فأخذ أهل الكوفة عنه، وقنت معاوية يدعو على علي فأخذ أهل الشام عنه ] .
وروى الطبري في تاريخه 6 ص 40 قال : كان علي إذا صلى الغداة يقنت فيقول : أللهم ؟ العن معاوية، وعمرا، وأبا الأعور السلمي، وحبيبا، وعبد الرحمن بن خالد، والضحاك بن قيس، والوليد .
فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا، وابن عباس، والأشتر، وحسنا، وحسينا .
ورواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 302 وفي ط مصر ص 636 وفيه : كان علي إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول : أللهم ؟ العن معاوية، و عمرا، وأبا موسى، وحبيب بن سلمة .
إلى آخر الحديث باللفظ المذكور، غير أن فيه : قيس بن سعد مكان الأشتر .
م – وقال ابن حزم في المحلى 4 : 145 : كان علي يقنت في الصلوات كلهن، و كان معاوية يقنت أيضا، يدعو كل واحد منهما على صاحبه ] .
ورواه الوطواط في " الخصايص " ص 330 وزاد فيه : ولم يزل الأمر على ذلك برهة من ملك بني أمية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فمنع من ذلك .
وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 ص 144 بلفظ الطبري .
م – وقال أبو عمر في " الاستيعاب " في الكنى في ترجمة أبي الأعور السلمي : كان
(1) تاريخ الطبري 6 ص 61 و 62 .
هو وعمرو بن العاص مع معاوية بصفين، وكان من أشد من عنده على علي رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه يذكره في القنوت في صلاة الغداة يقول : أللهم عليك به . مع قوم يدعو عليهم في قنوته .
وذكره على لفظ الطبري أبو الفدا في تاريخه 1 : 179 ] .
م – وقال الزيلعي في نصب الراية 2 : 131 : قال إبراهيم : وأهل الكوفة إنما أخذوا القنوت عن علي، قنت يدعو على معاوية حين حاربه، وأهل الشام أخذوا القنوت عن معاوية قنت يدعو على علي ] .
ورواه أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 59 بلفظ الطبري حرفيا إلى قنوت معاوية وزاد فيه : محمد بن الحنفية، وشريح بن هاني .
وذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1 ص 200 نقلا عن كتابي صفين لابن ديزيل (المترجم له ج 1 ص 73) ونصر بن مزاحم . وذكره الشبلنجي في " نور الأنصار " ص 110 .
8 – دعاء عايشة على عمرو:
لما بلغ عايشة قتل محمد بن أبي بكر جزعت عليه جزعا شديدا وجعلت تقنت وتدعو في دبر الصلاة على معاوية وعمرو بن العاص . رواه الطبري في تاريخه 6 ص 60، ابن الأثير في " الكامل " 3 ص 155، ابن كثير في تاريخه 7 ص 314، ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 : 33 .
9 – الإمام الحسن الزكي وعمرو :
روى الزبير بن بكار في كتاب " المفاخرات " قال : اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وعتبة بن أبي سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي عليه السلام قوارص (1) وبلغه عنهم مثل ذلك فقالوا : يا أمير المؤمنين ؟ إن الحسن قد أحيا أباه وذكره، وقال فصدق، وأمر فأطيع، وخفقت له النعال، وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوءنا .
قال معاوية : فما تريدون : ؟ قالوا : ابعث عليه فليحضر لنسبه ونسب أباه ونعبره ونوبخه ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك، ولا يستطيع أن
(1) الكلمة القارصة : التي تنغص وتؤلم . جمع قوارص .
يغير علينا شيئا من ذلك .
قال معاوية : إني لا أرى ذلك ولا أفعله .
قالوا : عزمنا عليك يا أمير المؤمنين ؟ لتفعلن .
فقال : ويحكم لا تفعلوا فوالله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي .
قالوا : ابعث إليه على كل حال .
قال : إن بعثت إليه لأنصفنه منكم .
فقال عمرو بن العاص : أتخشى أن يأتي باطله على حقنا ؟ أو يربي قوله على قولنا ؟ قال معاوية : أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أنه يتكلم بلسانه كله .
قالوا : مره بذلك .
قال: أما إذا عضيتموني وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك فلا تمرضوا له في القول واعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم العار، ولكن اقذفوه بحجره تقولون له : إن أباك قتل عثمان، وكره خلافة الخلفاء من قبله .
فبعث إليه معاوية فجاءه رسوله فقال : إن أمير المؤمنين يدعوك .
قال : من عنده ؟ فسماهم، فقال الحسن عليه السلام : ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.
ثم قال : يا جارية ؟ ابغيني ثيابي، أللهم ؟ إني أعوذ بك من شرورهم، وأدرأ بك في نحورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم كيف شئت وأنى شئت بحول منك وقوة يا أرحم الراحمين . ثم قام فدخل على معاوية .
إلى أن قال : فتكلم عمرو بن العاص فحمد الله وصلى على رسوله ثم ذكر عليا عليه السلام فلم يترك شيئا يعيبه به إلا قاله، وقال : إنه شتم أبا بكر وكره خلافته وامتنع من بيعته ثم بايعه مكرها، وشرك في دم عمر، وقتل عثمان ظلما، وادعى من الخلافة ما ليس له : ثم ذكر الفتنة يعيره بها وأضاف إليه مساوي .
وقال : إنكم يا بني عبد المطلب ؟ لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء واستحلالكم ما حرم الله من الدماء، وحرصكم على الملك، وإتيانكم ما لا يحل، ثم إنك يا حسن ؟ تحدث نفسك إن الخلافة صائرة إليك، وليس عندك عقل ذلك ولا لبه، كيف ترى الله سبحانه، سلبك عقلك، وتركك أحمق قريش يسخر منك ويهزأ بك، وذلك لسوء عمل أبيك، وإنما دعوناك لنسبك وأباك، فأما أبوك فقد تفرد الله به وكفانا أمره، وأما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال، ولو قتلناك ما كان علينا إثم من الله، ولا عيب من الناس، فهل تستطيع أن ترد علينا وتكذبنا ؟ فإن كنت ترى أنا كذبنا في شيء فاردده علينا فيما قلنا، وإلا فاعلم أنك وأباك ظالمان .
فتكلم الحسن بن علي عليهما السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله (إلى أن قال لعمرو بعد جمل ذكرت ص 122) : وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما أخطأك ما رجوت، ورجعك الله خائبا، وأكذبك واشيا، جعلت حسدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام، ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون : أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله : أللهم ؟ إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، أللهم العنه بكل حرف ألف لعنة .
فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن .
وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نكأت (أي : قشرت) قرحة أدميتها .
ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا، ويحك يا بن العاص ؟ ألست القائل ؟ في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي :
تذكرة سبط ابن الجوزي ص 14، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 103، جمهرة الخطب ج 2 ص 12 .
(1) لوى الحبل : فتله . لوت الناقة بذنبها والوت : حركته . المشفر : الشدة والمنعة .
* (بيان) * قوله عليه السلام : لتأتي بجعفر وأصحابه إلى مكة .
يشير إلى هجرته الثانية إلى الحبشة وقد هاجر إليها من المسلمين نحو ثلاثة وثمانين رجلا وثمان عشر امرأة .
وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب، ولما رأت قريش ذلك أرسلت في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة الوليد بهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليسلم المسلمين، فرجعا خائبين، وأبى النجاشي أن يخفر ذمته .
قوله عليه السلام : لما ارتكب من حليلته .
ذلك : إن عمرا وعمارة ركبا البحر إلى الحبشة وكان عمارة جميلا وسيما تهواه النساء، وكان مع عمرو بن العاص امرأته، فلما صاروا في البحر ليالي أصابا من خمر معها فانتشى عمارة فقال لامرأة عمرو : قبليني .
فقال لها عمرو : قبلي ابن عمك .
فقبلته، فهواها عمارة وجعل يراودها عن نفسها، فامتنعت منه، ثم إن عمرا أجلس على منجاف (1) السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر، فلما وقع عمرو سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة، وضغن على عمارة في نفسه، وعلم أنه كان أراد قتله، ومضيا حتى نزلا الحبشة، فلما اطمأنا بها لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي فأدخلته فاختلف إليها، وجعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرا بما كان من أمره فيقول عمرو : لا أصدقك إنك قدرت على هذا، إن شأن هذا المرأة أرفع من ذلك، فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره ورأى عمرو من حاله وهيئته ومبيته عندها حتى يأتي إليه من السحر ما عرف به ذلك قال له : إن كنت صادقا فقل لها : فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه وآتني بشئ منه حتى أصدقك .
قال : أفعل .
فسألها ذلك فدهنته منه وأعطته شيئا في قارورة، فقال عمرو، أشهد أنك قد صدقت لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد من العرب مثله قط : امرأة الملك .
ما سمعنا بمثل هذا، ثم سكت عنه حتى اطمأن ودخل على النجاشي فأعلمه شأن عمارة وقدم إليه الدهن .
فلما أثبت أمره دعا بعمارة ودعا نسوة أخر فجردوه من ثيابه، ثم أمرهن ينفخن في إحليله حتى خلى سبيله فخرج هاربا .
عيون الأخبار لابن قتيبة 1 ص 37، الأغاني 9 ص 56، شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 107، قصص العرب 1 ص 89 .
(1) منجاف السفينة : سكانها الذي تعدل به .
10 – كتاب ابن عباس إلى عمرو :
كتب ابن عباس مجيبا إلى عمرو بن العاص : أما بعد : فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياءا منك، إنه مال بك معاوية إلى الهوى، وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك، فلما لم تر شيئا، أعظمت الدنيا إعظاما أهل الذنوب وأظهرت فيها نزهة أهل الورع، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب، وكسر أهل الدين، فإن كنت تريد الله بذلك فدع مصر، وارجع إلى بيتك، فإن هذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي، بدأها علي بالحق، وانتهى فيها إلى العذر، وبدأها معاوية بالغي، وانتهى فيها إلى السرف، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام، بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه، ولست أنا وأنت فيها بسواء، أردت الله، وأردت أنت مصر، وقد عرفت الشيئ الذي باعدك مني، وأعرف الشيئ الذي قربك من معاوية، فإن ترد شرا لا نسبقك به، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه، ثم دعا الفضل بن عباس فقال له : يا بن أم ؟ أجب عمرا .
فقال الفضل :
الإمامة والسياسة 1 ص 95، كتاب صفين ص 219، شرح ابن أبي الحديد
(1) أسا أسوا وأسا الجرح : داواه .
(2) خيس : ذلل . يقال : خيس الجمل : راضه وذلله بالركوب .
(3) الحسوة المرة من حساء : الجرعة الواحدة ج حسوات .
2 ص 288 .
وهناك أبيات تعزى إلى حبر الأمة ابن عباس في كتاب " صفين " لابن مزاحم ص 300 ذكر فيها عمرا بكل قول شائن .
11 ابن عباس وعمرو :
حج عمرو بن العاص فمر بعبد الله بن عباس فحسده مكانه وما رأى من هيبة الناس له، وموقعه من قلوبهم، فقال له : يا بن عباس ؟ مالك إذا رأيتني وليتني قصرة (1) كأن بين عينيك دبرة (2) وإذا كنت في ملأ من الناس كنت الهوهاة (3) الهمزة ؟ (4) فقال ابن عباس : لأنك من اللئام الفجرة، وقريش من الكرام البررة، لا ينطقون بباطل جهلوه، ولا يكتمون حقا علموه، وهم أعظم الناس أحلاما، وأرفع الناس أعلاما، دخلت في قريش ولست منها، فأنت الساقط بين فراشين، لا في بني هاشم رحلك، ولا في بني عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم، الضال المضل، حملك معاوية على رقاب الناس، فأنت تسطو بحمله، وتسعو بكرمه .
فقال عمرو : أما والله إني لمسرور بك فهل ينفعني عندك ؟ قال ابن عباس : حيث مال الحق ملنا، وحيث سلك قصدنا .
العقد الفريد 2 ص 136.
12 – ابن عباس وعمرو :
حضر عبد الله بن جعفر مجلس معاوية وفيه عبد الله بن عباس، وعمرو بن العاص، فقال عمرو : قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني، والطربات بالتغني، محب للقيان، كثير مزاحه، شديد طماحه، صدود عن الشبان، ظاهر الطيش، رخي العيش، أخاذ بالسلف منفاق بالسرف .
فقال ابن عباس : كذبت والله أنت وليس كما ذكرت ولكنه : لله ذكور ولنعمائه شكور، وعن الخنا زجور، جواد كريم، سيد حليم، إذا رمى أصاب، وإذا سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا عيابة مغتاب، حل من قريش في كريم
(1) القصر والقصرة بفتح الصاد : الكسل .
(2) الدبر بفتح المهملة والموحدة : قرحة الدابة تحدث من الرحل ونحوه ج دبرو ادبار .
(3) الهوهاة : ضعيف القلب . أحمق .
(4) همز الشيطان الانسان : همس في قلبه وسواسا .
النصاب، كالهزبر الضرغام، الجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دنئ، لا كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزارها، فأصبح ألأمها حسبا، وأدناها منصبا، ينوء منها بالذليل، ويأوي منها إلى القليل، مذبذب بين الحيين، كالساقط بين المهدين، لا المضطر فيهم عرفوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي قدر تتعرض للرجال ؟ وبأي حسب تعتد به تبارز عند النضال ؟ أبنفسك ؟ وأنت : الوغد اللئيم، والنكد الذميم، والوضيع الزنيم، أم بمن تنمي إليهم ؟ وهم : أهل السفه و الطيش، والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهروا، ولا بقديم في الاسلام ذكروا، جعلت تتكلم بغير لسانك، وتنطق بالزور في غير أقرانك، والله لكان أبين للفضل، و أبعد للعدوان أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق، فإنه طالما سلس داؤك، و طمح بك رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضر فيها رعيك، ولم يورق فيها غصنك .
فقال عبد الله بن جعفر : أقسمت عليك لما أمسكت فإنك عني ناضلت، ولي فاوضت .
فقال ابن عباس : دعني والعبد، فإنه قد يهدر خاليا إذ لا يجد مراميا، وقد أتيح له ضيغم شرس، للاقران مفترس، وللأرواح مختلس، فقال عمرو بن العاص : دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه فوالله ما ترك شيئا .
قال ابن عباس : دعه فلا يبقي المبقي إلا على نفسه، فوالله إن قلبي لشديد، وإن جوابي لعتيد، وبالله الثقة، وأني لكما قال نابغة بني ذبيان:
هذا الحديث أخرجه الجاحظ في (المحاسن والأضداد) ص 101، والبيهقي في (المحاسن والمساوي) 1 ص 68، وقد مر ص 125 عن ابن عساكر لعبد الله بن أبي سفيان نحوه، وفي بعض ألفاظه تصحيف يصحح بهذا .
13 – معاوية وعمرو :
لما علم معاوية أن الأمر لم يتم له إن لم يبايعه عمرو فقال له : يا عمرو ؟ اتبعني . قال . لماذا ؟ للآخرة ؟ فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا ؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها . قال : فأنت شريكي فيها . قال : فاكتب لي مصر وكورها . فكتب له مصر وكورها .
وكتب في آخر الكتاب : وعلى عمرو السمع والطاعة .
قال عمرو : واكتب : إن السمع والطاعة لا ينقصان من شرطه شيئا .
قال معاوية : لا ينظر الناس إلى هذا .
قال عمرو : حتى تكتب .
قال : فكتب، ووالله ما يجد بدا من كتابتها، ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا في مصر وعمرو يقول له : إنما أبايعك بها ديني .
فقال عتبة : إئتمن الرجل بدينه فإنه صاحب من أصحاب محمد .
وكتب عمرو إلى معاوية :
العقد الفريد 2 ص 291 .
14 – معاوية وعمرو بصورة مفصلة :
كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان يدعوه إلى بيعته، فاستشار معاوية بأخيه عتبة بن أبي سفيان فقال له : استعن بعمرو بن العاص، فإنه من قد علمت في دهائه ورأيه، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته، وهو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن تثمن له بدينه فسيبيعك، فإنه صاحب دنيا، فكتب إليه معاوية وهو بالسبع من فلسطين : – أما بعد – : فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة (1) أهل البصرة، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أذاكرك أمرا .
فلما قرأ الكتاب استشار ابنيه عبد الله ومحمد فقال لهما : ما تريان ؟ فقال عبد الله : أرى أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غايب، فقر في منزلك فلست معجولا خليفة، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشك أن تهلك فتشقى فيها .
وقال محمد : أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها، وأن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر أمرك، فألحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها وأطلب بدم عثمان، فإنك قد استلمت فيه إلى بني أمية . فقال
(1) الرافضة : كل جند تركوا قايدهم .
عمرو : أما أنت يا عبد الله ؟ فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد ؟ فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وأنا ناظر فيه، فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه:
فقال عبد الله : رحل الشيخ . وفي لفظ اليعقوبي : بال الشيخ على عقبيه وباع دينه بدنياه : فلما أصبح دعا عمرو غلامه " وردان " وكان داهيا ماردا فقال : ارحل يا وردان ؟ ثم قال : حط يا وردان ؟ ثم قال : ارحل يا وردان ؟ حط يا وردان ؟ فقال له وردان : خلطت أبا عبد الله ؟ أما إنك إن شئت أنبأتك بما في نفسك .
قال : هات ويحك : قال : اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت : علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا .
ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض الآخرة، فأنت واقف بينهما .
قال : فإنك والله ما أخطأت فما ترى يا وردان ؟ قال : أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك .
قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية، فارتحل وهو يقول :
(1) في شرح ابن أبي الحديد : يغلبها .
(2) غرث غرثا : جاع . فهو غرثان ج غرثى وغراث وغراثي .
فسار حتى قدم على معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه وكايد كل واحد منهما صاحبه، فلما دخل عليه قال : يا أبا عبد الله، طرقتنا في ليلتنا هذه ثلثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر .
قال : وما ذاك ؟ قال ذاك : أن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفات هذا الدين .
ومنها : إن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام .
ومنها : إن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا .
قال : ليس كل ما ذكرت عظيما، أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك ؟ وأما قيصر فاهد له من وصفاء (1) الروم ووصائفها وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع .
وأما علي فلا والله يا معاوية ؟ ما تستوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش، وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه .
وفي رواية أخرى قال معاوية يا أبا عبد الله ؟ إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وقتل الخليفة، وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة، وقطع الرحم .
قال عمرو : إلى من ؟ قال : إلى جهاد علي .
فقال عمرو : والله يا معاوية ؟ ما أنت وعلي بعكمي (2) بعير، مالك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه، و الله إن له مع ذلك حدا وحدودا وحظا وحظوة وبلاء من الله حسنا، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ؟ وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر . قال : حكمت . قال : مصر طعمة . فتلكأ عليه(3) .
(1) الوصيف . الغلام دون المراهق ج وصفاء . مؤنثه الوصيفة ج وصائف .
(2) العكم بالكسر : العدل بالكسر .
(3) تلكأ عن الأمر . أبطأ وتوقف .
وفي حديث : قال له معاوية : إني أكره لك أن يتحدث العرب عنك : إنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا .
قال دعني عنك (1) قال معاوية : إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت .
قال عمر : لا لعمر الله ما مثلي يخدع لأنا أكيس من ذلك .
قال له معاوية : ادن مني برأسك أسارك .
قال : فدنا منه عمرو ويسار فعض معاوية أذنه، وقال : هذه خدعة، هل ترى في البيت أحدا غيري وغيرك ؟ فأنشأ عمرو يقول :
قال : أبا عبد الله ؟ ألم تعلم أن مصرا مثل العراق ؟ قال : بلى ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي قال : فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال لمعاوية : أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك ؟ ليتك لا تغلب على الشام .
فقال معاوية : يا عتبة ؟ بت عندنا الليلة فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية وقال:
(1) مر تحليل هذه الكلمة ص 126 .
(2) البيتان يوجدان في عيون الأخبار لابن قتيبة 1 ص 181 .
(3) الرغبة بكسر المهملة وفتحها : العطاء الكثير .
(4) الشخب : ما يخرج من تحت يد الحالب . الشخبة : الدفعة منه ج شخاب : غرزا الغنم : ترك حلبها لتسمن .
فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو فأعطاه مصراً فقال له عمرو : لي الله عليك بذلك شاهد .
قال له معاوية : نعم لك الله علي بذلك لئن فتح الله علينا الكوفة .
قال عمرو : والله على ما نقول وكيل .
فخرج عمرو من عنده فقال له إبناه : ما صنعت ؟ قال : أعطانا مصر .
قالا : وما مصر في ملك العرب ؟ ! .
قال : لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر، وكتب معاوية على أن لا ينقض شرط طاعة .
وكتب عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا .
فكايد كل واحد منهما صاحبه .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 20 – 24، كامل المبرد 1 ص 221، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 136 – 138، تاريخ اليعقوبي 2 ص 161 – 163، رغبة الآمل من كتاب الكامل 3 ص 108، قصص العرب 2 ص 362 .
15 عمار بن ياسر وعمرو:
اجتمع عمار بن ياسر مع عمرو بن العاص في المعسكر يوم صفين، فنزل عمار والذين معه فاحتبوا بحمايل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص (يعني قال : أشهد أن لا إله إلا الله) فقال عمار : اسكت فقد تركتها في حياة محمد ومن بعده، ونحن أحق بها منك، فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك، وإن شئت كانت خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك، وإن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك، وتكفرك قبل القيام، و تشهد بها على نفسك، ولا تستطيع أن تكذبني .
قال عمرو : يا أبا اليقظان ؟ ليس لهذا جئت إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم، أذكرك الله إلا كففت سلاحهم، وحقنت دمائهم وحرضت على ذلك فعلام تقاتلنا ؟ ! أو لسنا نعبد إلها واحدا ؟ ونصلي قبلتكم، وندعو ودعوتكم ؟ ونقرأ كتابكم ؟ ونؤمن برسولكم ؟ قال عمار : الحمد
(1) يقال : جاء يسحب ذيله : أي يمشي متبخترا انتهز : ابتدر واغتنم .
(2) بزه غلبه . بز الشيئ منه : أخذه بجفاء وقهر .
لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولأصحابي القبلة، والدين وعبادة الرحمن، والنبي والكتاب، من دونك ودون أصحابك، الحمد لله الذي قررك لنا بذلك دونك ودون أصحابك، وجعلك ضالا مضلا لا تعلم هاد أنت أم ضال، وجعلك أعمى، وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك، أمرني رسول الله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت، و أمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم، وأما المارقين فما أدري أدركهم أم لا .
أيها الأبتر ؟ ألست تعلم أن رسول الله قال لعلي : من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ؟ ! وأنا مولى الله ورسوله وعلي من بعده وليس لك مولى .
قال له عمرو : لم تشتمني يا أبا اليقظان ؟ ولست أشتمك، قال عمار : وبم تشتمني ؟ أتستطيع أن تقول : إني عصيت الله ورسوله يوما قط ؟ قال له عمرو : إن فيك لمسبات سوى ذلك .
قال عمار : إن الكريم من أكرمه الله، كنت وضيعا فرفعني الله، ومملوكا فأعتقني الله، وضعيفا فقواني الله، وفقيرا فأغناني الله.
وقال له عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟ قال فتح لكم باب كل سوء .
قال عمرو : فعلي قتله .
قال عمار : بل الله رب علي قتله .
(1) وروى نصر في كتابه ص 165 في حديث : فلما دنا عمار بن ياسر رحمه الله بصفين من عمرو بن العاص فقال : يا عمرو ؟ بعت دينك بمصر، تبا لك، وطال ما بغيت الاسلام عوجا .
ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرته ص 53 وزاد : والله ما قصدك وقصد عدو الله ابن عدو الله بالتعلل بدم عثمان إلا الدنيا .
16 – أبو نوح الحميري وعمرو :
أتى أبو نوح الحميري الكلاعي يوم صفين مع ذي الكلاع إلى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس، وعبد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب، فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو : يا أبا عبد الله ؟ هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر لا يكذبك ؟ قال عمرو : ومن هو ؟ قال ذو الكلاع : ابن عمي هذا و هو من أهل الكوفة .
فقال عمرو : إني لأرى عليك سيما أبي تراب .
قال أبو نوح : علي
(1) كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص 176، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 373 .
سيما محمد صلى الله عليه وأصحابه وعليك سيما أبي جهل وسيما فرعون .
كتاب صفين ص 174، شرح النهج لابن أبي الحديد .
17 – أبو الأسود الدؤلي وعمرو :
قدم أبو الأسود (1) الدؤلي على معاوية بعد مقتل علي رضي الله عنه وقد استقامت لمعاوية البلاد، فأدنى مجلسه، وأعظم جائزته، فحسده عمرو بن العاص فقدم على معاوية فاستأذن عليه في غير وقت الإذن له فقال له معاوية : يا أبا عبد الله ؟ ما أعجلك قبل وقت الإذن فقال : يا أمير المؤمنين ؟ أتيتك لأمر قد أوجعني وارقني وغاظني، وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين .
قال : وما ذاك ؟ يا عمرو ؟ قال : يا أمير المؤمنين ؟ إن أبا الأسود رجل مفوه له عقل وأدب، من مثله للكلام يذكر ؟ وقد أذاع بمصرك من الذكر لعلي، والبغض لعدوه وقد خشيت عليك أن يترى (2) في ذلك حتى يؤخذ لعنقك، وقد رأيت أن ترسل إليه، وترهبه، وترعبه، وتسبره، وتخبره، فإنك من مسألته على إحدى خبرتين، إما أن يبدي لك صفحته فتعرف مقالته، وإما أن يستقبلك فيقول ما ليس من رأيه، فيحتمل ذلك عنه فيكون لك في ذلك عاقبة صلاح إنشاء الله تعالى .
فقال له معاوية : إني امرؤ والله لقل ما تركت رأيا لرأي امرئ قط إلا كنت فيه بين أن أرى ما أكره وبين بين، ولكن إن أرسلت إليه فسألته فخرج من مساءلتي بأمر لا أجد عليه مقدما ويملأني غيظا لمعرفتي بما يريد، وإن الأمر فيه أن يقبل ما أبدى من لفظه فليس لنا أن نشرح عن صدره وندع ما وراء ذلك يذهب جانبا .
فقال عمرو : أنا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفين، وقد عرفت رأي ولست أرى خلافي و ما آلوك خيرا، فأرسل إليه ولا تفرش مهاد العجز فتتخذه وطيئا .
فأرسل معاوية إلى أبي الأسود فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثا فرحب به معاوية وقال : يا أبا الأسود ؟ خلوت أنا وعمرو فتناجزنا (3) في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين .
قال : سل يا أمير المؤمنين ؟ عما بدا لك . فقال : يا
(1) ظالم بن عمرو التابعي الكبير المتوفى سنة 69 وهو ابن خمس وثمانين سنة .
(2) ترى تريأ في الأمر : تراخى فيه .
(3) ناجزه : خاصمه . والمناجزة في الحرب المبارزة .
أبا الأسود ؟ أيهم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : أشدهم حبا لرسول الله صلى الله عليه وآله وأوقاهم له بنفسه .
فنظر معاوية إلى عمرو وحرك رأسه، ثم تمادى في مسألته فقال : يا أبا الأسود ؟ فأيهم كان أفضلهم عندك ؟ قال أتقاهم لربه وأشدهم خوفا لدينه .
فاغتاظ معاوية على عمرو، ثم قال : يا أبا الأسود ؟ فأيهم كان أعلم ؟ قال : أقولهم للصواب وأفصلهم للخطاب .
قال : يا أبا الأسود ؟ فأيهم كان أشجع ؟ قال : أعظمهم بلاء، وأحسنهم عناء، وأصبرهم على اللقاء .
قال : فأيهم كان أوثق عنده ؟ قال من أوصى إليه فيما بعده .
قال : فأيهم كان للنبي صلى الله عليه وآله صديقا ؟ قال : أولهم به تصديقا .
فأقبل معاوية على عمرو و قال : لا جزاك الله خيرا، هل تستطيع أن ترد مما قال شيئا ؟ فقال أبو الأسود : إني قد عرفت من أين أتيت، فهل تأذن لي فيه ؟ فقال : نعم .
فقل ما بدا لك .
فقال يا أمير المؤمنين، إن هذا الذي ترى هجا رسول الله صلى الله عليه وآله بأبيات من الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أللهم ؟ إني لا أحسن أن أقول الشعر فالعن عمرا بكل بيت لعنة .
أفتراه بعد هذا نائلا فلاحا ؟ أو مدركا رباحا ؟ وأيم الله إن امرءا لم يعرف إلا بسهم أجيل عليه فجال لحقيق أن يكون كليل اللسان ضعيف الجنان، مستشعرا للاستكانة، مقارنا للذل والمهانة، غير ولوج فيما بين الرجال، ولا ناظر في تسطير المقال، إن قالت الرجال أصغى، وإن قامت الكرام أقعى (1) متعيص لدينه لعظيم دينه، غير ناظر في أبهة الكرام ولا منازع لهم، ثم لم يزل في دجة ظلماء مع قلة حياء، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار .
فقال عمرو : يا أخا بني الدؤل ؟ والله إنك لأنت الذليل القليل، ولولا ما تمت به من حسب كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الحدية (2) غير أنك بهم تطول، وبهم تصول، فلقد استطبت مع هذا لسانا قوالا، سيصير عليك وبالا، و أيم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديما وحديثا، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وإنك لتوالي عدوه، وتعادي وليه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليقطعن عنه لسانك، وليخرجن من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان (3) في أصل الشجرة .
(1) أقعى الكلب : جلس على استه .
(2) الأجدل : الصقر . والحداة بكسر الحاء : طائر من الجوارح . والعامة تسميه الحدية .
(3) الأفعوان بضم الأول : ذكر الأفعى .
فتكلم معاوية فقال : يا أبا الأسود ؟ أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك .
و قال لعمرو : فلم تغرق كما أغرقت ولم تبلغ ما بلغت، غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والباغي أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره وقوما غير مطرودين، فقام عمرو وهو يقول:
وقام أبو الأسود وهو يقول : ألا إن عمرا رام ليث خفية (1) وكيف ينال الذئب ليث عرين تاريخ ابن عساكر 7 ص 104 – 106 .
18 – حديث أبي جعفر وزيد:
قال أبو جعفر وزيد بن الحسن : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص يوم صفين أن يسوي صفوف أهل الشام فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب ؟ واستوسقت لك البلاد .
فقال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ؟ وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد الله ؟ إن قتل ابن أبي طالب، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك .
فقال لهم عمرو : يا معشر أهل الشام ؟ سووا صفوفكم ؟ أعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا بالله إلهكم، وجاهدوا عدو الله وعدوكم، واقتلوهم قتلهم الله وأدبارهم، واصبروا إن الأرض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 123، شرح ابن أبي الحديد .
هذا أكبر كلمة تدل على ضئولة الرجل في دينه لأنها تنم عن عرفانه بحق أمير المؤمنين عليه السلام ومغبة أمر من ناواه ومع ذلك فهو يحرض الناس على قتاله و يموه عليهم، وهي ترد قول من يبرر عمله باجتهاده أو بعدله .
19 – عمرو وابن أخيه :
كان لعمرو بن العاص ابن أخ (2) أريب من بني سهم جاءه من مصر فقال له : ألا
(1) الخفية : الغيضة الملتفة .
(2) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ابن عم .
تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش ؟ أعطيت دينك، وتمنيت دنيا غيرك، أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب ؟ (1) فقال عمرو : يا بن أخي إن الأمر لله دون علي ومعاوية .
فقال الفتى:
فقال عمرو : يا بن أخي ؟ لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكن الآن مع معاوية . فقال له الفتى : إنك إن لم ترد معاوية لم يردك. ولكنك تريد دنياه ويريد دينك . وبلغ معاوية قول الفتى، فطلبه فهرب فلحق فحدثه بأمر عمرو ومعاوية . قال
(1) يعني كتابا كتبه معاوية لعمرو بمصر وجعلها طعمة له .
(2) يعني معاوية : يقال في النسبة إلى عبد شمس : عبشمى . حشا حشوا : ملا . احتشى : امتلاء .
(3) خدب بالكسر وتشديد الموحدة : سنام البعير الضخم . الأسل : الرماح .
فسر ذلك عليا وقربه قال : وغضب مروان وقال : ما بالي لا أشترى كما اشتري عمرو ؟ ! فقال معاوية : إنما يشترى الرجال لك .
قال : فلما بلغ عليا ما صنع معاوية وعمرو قال :
الإمامة والسياسة 1 ص 84، كتاب صفين لابن مزاحم ص 24، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 138 .
20 – غانمة بنت غانم وعمرو :
بلغ غانمة بنت غانم سب معاوية وعمرو بن العاص بني هاشم وهي بمكة قالت :
(1) الخزر : ضيق العين . الخزرة بالضم : انقلاب الحدقة نحو اللحاظ وهو أقبح الحول .
(2) أدب الصبى : صيره . أرود في السير : رفق وتمهل . الضجر بفتح الفاء والعين . القلق من غم وضيق نفس .
(3) الجزرة . الشاة التي تذبح ج جزر . بالفتح وقد تكسر . الصدر، بالتحريك : رجوع المسافر من مقصده والشاربة من الورد .
يا معشر قريش ؟ والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانئ رسول الله صلى الله عليه وآله إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويكثر منه عويله .
فكتب عامل معاوية إليه بذلك فلما بلغه أن غانمة قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنظفت و ألقي فيها فرش، فلما قربت من المدينة استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم فقال لها يزيد : إن أبا عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته وكان لا تعرفه فقالت : من أنت ؟ كلأك الله .
قال : يزيد بن معاوية .
قالت : فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد .
فتعمر لون يزيد فأتى أباه فأخبره فقال : هي أسن قريش وأعظمهم .
فقال يزيد : كم تعد لها يا أمير المؤمنين ؟ قال : كانت تعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة عام وهي من بقية الكرام، فلما كان من الغد أتاها معاوية فسلم عليها فقالت : على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان .
ثم قالت : من منكم ابن العاص ؟ (1) قال عمرو : ها أنا ذا .
فقالت : وأنت تسب قريشا وبني هاشم ؟ وأنت أهل السب وفيك السب وإليك يعود السب يا عمرو ؟ إني والله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك وإني أذكر لك ذلك عيبا عيبا : ولدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء، تبول من قيام، وتعلوها اللئام، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلا، وأما أنت فقد رأيتك غاويا غير راشد، ومفسدا غير صالح، ولقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرت ولا أنكرت، وأما أنت يا معاوية ؟ فما كنت في خير ولا ربيت في خير، فمالك ولبني هاشم ؟ أنساء بني أمية كنسائهم ؟ ! الحديث .
وهو طويل وقد حذفنا من أوله مقدار ما ذكر، راجع [ المحاسن والأضداد ] للجاحظ ص 102 – 104، وفي ط 118 – 121 و [ المحاسن والمساوي ] للبيهقي 1 ص 69 – 71 .
هذه حقيقة الرجل ونفسياته وروحياته منذ العهد الجاهلي وفي دور النبوة وبعده إلى ما أثاره من فتن إلتفت بها حلقتا البطان في أيام أمير المؤمنين عليه السلام يوم تحيزه إلى ابن آكلة الأكباد لدحض الحق وأهله، وما كان يتحرى فيها من الغوائل وبعدها إلى أن، اصطلمه القدر الحاتم، واخترمته منيته يوم خابت أمنيته
(1) في لفظ الجاحظ : أفيكم عمرو بن العاص ؟ .
فطفق يتغلل بين أطباق الجحيم وتضربه زبانيتها بمقامع من حديد، ولعلنا ألمسناك هذه الحقيقة باليد فلن تجد في تضاعيف هاتيك الأعوام له مأثرة يتبجح بها ابن أنثى خلا ما تقوله زبائنه من أعداء أهل البيت عليهم السلام، وما عسى أن يكون مقيلها من ظل الحق ؟ بعد ما أثبتناه من الحقيقة الراهنة، ووقفنا عليه من أحوال رواة السوء و شناشنهم في افتعال المدايح للزعانفة المؤتلفة معهم في النزعات الباطلة .
وأما تأميره في غزوة ذات السلاسل فلا يجديه نفعا بعد ما علمناه من أنه كان يتظاهر بالاسلام ويبطن النفاق في طيلة حياته، وما كان الصالح العام والحكمة الإلهية يحدوان رسول الله صلى الله عليه وآله على العمل بالبواطن، وإنما يجاري القوم مجاري ظواهرهم لأنهم حديثو عهد بالجاهلية، والاسلام لما يتحكم في أفئدتهم، فلو كاشفهم على السرائر، لانتكصوا على أعقابهم، وتقهقروا إلى جاهليتهم الأولى، فكان يسايرهم على هذا الظاهر لعلهم يتمرنوا باعتناق الدين، ويأخذ من قلوبهم محله، ولذلك أنه صلى الله عليه وآله كان يعلم بنفاق كثير من أصحابه كما أخبره الله تعالى بقوله : و من أهل المدينة مردوا على النفاق .
إلى غيرها من الآيات الكريمة، لكنه يستر عليهم رعاية لما أبرمه حذار الانتكاث، فكان تأمير عمرو مع علمه بنفاقه لتلك الحكمة البالغة غير ملازم لحسن حاله على ما عرفته من كلام مولانا أمير المؤمنين من أنه صلى الله عليه وآله لما عقد له الراية شرط عليه شرطا قد أخلفه .
ويعرب عن حقيقة ما نرتأيه قول أبي عمرو وغيره : إن عمرو بن العاص ادعى على أهل الاسكندرية أنهم قد نقضوا العهد الذي كان عاهدهم، فعهد إليها فحارب أهلها وافتتحها، وقتل المقاتلة، وسبى الذرية، فنقم ذلك عليه عثمان، ولم يصح عنده نقضهم العهد، فأمر برد السبي الذي سبوا من القرى إلى مواضعهم، وعزل عمروا عن مصر وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري مصرا بدله، فكان ذلك بدو الشر بين عمرو بن العاص وعثمان بن عفان، فلما بدا بينهما من الشر ما بدا اعتزل عمرو في ناحية فلسطين بأهله، وكان يأتي المدينة أحيانا ويطعن على عثمان (1) و
(1) الاستيعاب 2 ص 435، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 112 .
ولى عمر عمرو بن العاص على مصر وبقي واليا عليها إلى أول خلافة عثمان، سعر عليه الدنيا نارا، ولما أتاه قتله قال : أنا أبو عبد الله إذا نكأت (1) قرحة أدميتها .
ثم إن عثمان عزله عن الخراج واستعمله على الصلاة، واستعمل على الخراج عبد الله ابن سعد بن أبي سرح، ثم جمعهما لعبد الله بن سعد وعزل عمروا، فلما قدم عمرو المدينة جعل يطعن على عثمان فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به .
فقال : يا بن النابغة ؟ ما أسرع ما قمل جربان (2) جبتك ؟ إنما عهدك بالعمل عام أول، أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بالآخر ؟ والله لولا أكلة ما فعلت ذلك .
فقال عمرو : إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين ؟ في رعيتك .
فقال عثمان : والله لقد استعملتك على ظلعك (3) وكثرة القالة فيك .
فقال عمرو : قد كنت عاملا لعمر ابن الخطاب ففارقني وهو عني راض .
فقال عثمان : وأنا والله لو أخذتك بما أخذك به عمر لاستقمت، ولكني لنت لك فاجترأت علي .
فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه على عثمان .
ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان . ويأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان . ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان .
ولما قصد الثوار إلى المدينة أخرج لهم عثمان عليا فكلمهم فرجعوا عنه وخطب عثمان الناس فقال : إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم، فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد : إتق الله يا عثمان ؟ فإنك قد ركبت نهابير (4) وركبناها معك، فتب إلى الله نتب، فناداه عثمان فقال : وإنك هناك يا بن النابغة ؟ قملت والله جبتك منذ تركتك من العمل .
و في لفظ البلاذري في الأنساب : يا بن النابغة ؟ وإنك ممن تؤلب علي الطغام لأني عزلتك عن مصر .
فلما كان حصر عثمان الأول خرج عمرو من المدينة حتى إنتهت إلى أرض له
(1) نكأ القرحة : قشرها قبل أن تبرأ .
(2) جربان الجبة بضم الميم والراء وكسرهما وتشديد الباء جيبها .
(3) أي على ما فيك من عيب وميل . والظلع في الأصل غمز البعير في مشيه .
(4) جمع نهبورة بالضم : المهلكة .
بفلسطين يقال لها : السبع .
فنزل بها، وكان يقول : أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، والله إن كنت لألقى الراعي فأحرضه عليه .
وفي لفظ البلاذري : وجعل يحرض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم .
فبينما هو بقصره بفلسطين إذ مر به راكب من المدينة فسأله عمرو عن عثمان فقال : تركته محصورا .
قال عمرو : أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار، فلما بلغه مقتل عثمان قال عمرو : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده ؟ إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق (1) وهو أكره من يليه إلي .
فلما بلغه أن عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص لينظر ما يصنع الناس، ثم نمى إليه معاوية بالشام يأبى أن يبايع عليا، وإنه يعظم قتل عثمان ويحرض على الطلب بدمه، فاستشار ابنيه عبد الله ومحمدا في الأمر، وقال : ما تريان ؟ أما علي فلا خير عنده وهو رجل يدل (1) بسابقته، وهو غير مشركي في شيء من أمره .
فقال عبد الله ابن عمرو : توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو عنك راض، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو عنك راض، وتوفي عمر رضي الله عنه وهو عنك راض، أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه .
وقال محمد بن عمرو : أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس ذلك فيه صوت ولا ذكر .
قال عمرو : أما أنت يا عبد الله ؟ فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي، وأسلم في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي، وأشر لي في آخرتي .
ثم خرج عمرو بن العاص ومعه إبناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو بن العاص : أنتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم .
ومعاوية لا يلتفت إلى قول عمرو، فقال ابنا عمرو لعمرو : ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك ؟ ! إنصرف إلى غيره .
فدخل عمرو على معاوية فقال : والله لعجب لك إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني، أم والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا .
فصالحه معاوية
(1) استنظف الشئ . أخذ كله .
(2) أدل وتدلل : انبسط واجترأ .
وعطف عليه .
أنساب الأشراف للبلاذري 5 ص 74، 87، تاريخ الطبري 5 ص 108 – 111 و 224، كامل ابن الأثير 3 ص 68، تذكرة السبط ص 49، جمهرة رسائل العرب 1 ص 388 .
وكان بعد تلك المساومة المشؤمة يحرض الناس على قتل الإمام أمير المؤمنين كما فعله على عثمان حتى قتله وافتخر به بقوله : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع : ثم جعل قميصه وسيلة النيل إلى الرتبة والراتب وقام بطلب دمه قائلا : إن في النفس من ذلك ما فيها .
وممن حث على أمير المؤمنين وألبه حريث مولى معاوية بن أبي سفيان قال ابن عساكر في تاريخه 4 ص 113 : قال معاوية لحريث : إتق عليا ثم ضع رمحك حيث شئت .
فقال له عمرو بن العاص : إنك والله يا حريث ؟ لو كنت قرشيا لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكن كره أن يكون لها حظها، فإن رأيت منه فرصة فاقتحم عليه .
ولما قتل أمير المؤمنين عليه السلام استبشر بذلك وبشره به سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص قال ابن عساكر في تاريخه 6 ص 181 : لما طعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ذهب سفيان يبشر معاوية وعمرو بن العاص بقتله فكتب معاوية إلى عمرو وهو يقول :
هذه نفسية الرجل وتمام حقيقته اللائحة على تجارته البائرة، وصفقته الخاسرة، وبضاعته المزجاة من الدين المبطن بالإلحاد، والمكتنف بالنفاق، ولو لم يكن كذلك لما اقتنع بتلك المساومة، وهو يعرف الثمن والمثمن، ويعلم سابقة أمير المؤمنين وفضله وقرابته ويقول : إن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق . ومع ذلك يظهر بغضه وعداه بقوله : وهو أكره من يليه إلي . ويعترف بالحق ويتحيز إلى خلافه، و
يعرف الموضع الصالح للخلافة ثم يميل مع الهوى ويقول : إنما أردنا هذه الدنيا .
فيبيع دينه لمعاوية بثمن بخس (مصر وكورها) ويؤلب الناس على الإمام الطاهر بنص الكتاب العزيز، ويسر بقتله، ولقد صارح بكل ذلك صراحة لا تقبل التأويل وهي مستفاد من نصوصه ونصوص الصحابة الأولين، وبها عرف في التاريخ الصحيح كما سمعت من دون أي استنباط أو تحوير، فلا بارك الله في صفقة يمينه، ولا غار له بخير .
حديث شجاعته:
لم نعهد لابن النابغة موقفا مشهودا في المغازي والحروب سواء في ذلك : العهد الجاهلي، ودور النبوة، وأما وقعة صفين فلم يؤثر عنه سوى مخزات سوئته مع أمير المؤمنين، وفراره من الأشتر، وقد بقي عليه عار الأولى مدى الحقب والأعوام، وجرى بها المثل وغنى بها أهل الحجاز وجاء في شعر عتبة بن أبي سفيان :
وفي شعر معاوية بن أبي سفيان يذكر عمرا وموقفه كما يأتي :
وفي شعر الحارث بن نصر السهمي :
وفي شعر الأمير أبي فراس :
وفي شعر الزاهي البغدادي:
وقال آخر :
وقال عبد الباقي الفاروقي العمري :
وكان قد تكرر منه هذا العمل المخزي كما سيأتي، ولو كان للرجل شيء من البسالة لجبه معيريه بتعداد مشاهده، وسلقهم بلسان حديد، وهو ذلك الصلف المفوه، وفيما أمر من الحروب كان الزحف للجيش الباسل دونه، فلم يسط أمامه، وإنما كان رئيا في أمرهم يدير وجه الحيلة فيه، كما أنه كان في صفين كذلك لم يبارح سرادق معاوية وطفق يبديه دهائه إلا في موقفين سيوافيك تفصيلهما، ولذلك كله اشتهر بدهاء دون الشجاعة .
قال البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 39 : قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله يوم صفين : تبين لي هل ترى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟ قال عبد الله : فنظرت إليه فرأيته فقلت : يا أبه ؟ ها هو ذاك على بغلة شهباء عليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء .
قال فاسترجع وقال : والله ما هذا بيوم ذات السلاسل ولا بيوم اليرموك ولا بيوم أجنادين، وددت أن بيني وبين موقفي بعد المشرقين .
هذا هو الذي عرفه منه معاصروه، وستقف على أحاديثهم، نعم جاء ابن عبد البر بعد لأي من عمر الدهر فتهجس في " الاستيعاب " فعده من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية مذكورا بذلك فيهم .
ولعل ابن منير (1) المولود بعد ابن عبد البر بعشر سنين وقف على كلامه في " الاستيعاب " وحكمه ببطولة الرجل فقال في قصيدته التترية :
فإليك ما يؤثر في مواقفه حتى ترى عيه عن القحوم إلى الفوارس في مضمار النضال والدنو من نقع الحومة، وتقف على حقيقته من هذه الناحية أيضا، وتعرف قيمة كلام ابن حجر في " الإصابة " 3 ص 2 من : أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، ولا نسائله متى قربه وأدناه .
(1) أحد شعراء الغدير في قرن السادس تأتي هناك قصيدته التترية وترجمته .
أمير المؤمنين وعمرو في معترك القتال بصفين:
كان عمرو بن العاص عدو للحرث بن نضر الخثعمي، وكان من أصحاب علي عليه السلام، وكان علي قد تهيبته فرسان الشام وملأ قلوبهم بشجاعته وامتنع كل منهم من الإقدام عليه وكان عمرو ما جلس مجلسا إلا ذكر فيه الحرث بن نضر الخثعمي وعابه فقال الحرث :
فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فأقسم بالله ليلقين عليا ولو مات ألف موتة . فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي وهو مخترط سيفا، معتقل رمحا، فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه، فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا برجليه، كاشفا عورته، فانصرف عنه علي لاقتا وجهه، مستدبرا له، فعد الناس ذلك من مكارم علي وسؤدده، وضرب بها المثل .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 224، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 110 .
وقال ابن قتيبة في – الإمامة السياسة – 1 ص 91 : ذكروا أن عمرا قال لمعاوية : أتجبن عن علي وتتهمني في نصيحتي إليك ؟ ؟ ! ! والله لأبارزن عليا و لو مت ألف موتة في أول لقائه، فبارزه عمرو فطعنه علي فصرعه، فاتقاه بعورته فانصرف عنه علي وولى بوجهه دونه، وكان علي رضي الله عنه لم ينظر قط إلى عورة أحد حياء
(1) سحقت النخلة: طالت. فهي سحوق بالفتح ج سحق بالضم.
وتكرما وتنزها عما لا يحل، ولا يجل بمثله كرم الله وجهه .
وقال المسعودي في مروج الذهب 2 ص 25 : إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بالبراز إلى أن يبرز إلى علي فلم يجد عمرو من ذلك بدا فبرز، فلما التقيا عرفه علي وشال السيف ليضربه به فكشف عمرو عن عورته وقال : مكره أخوك لأبطل .
فحول علي وجهه وقال : قبحت .
ورجع عمرو إلى مصافه .
اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن عامر، وابن طلحة الطلحات الخزاعي، فقال عتبة : إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجيب، ما فينا إلا موتور مجتاح، أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر، وأما أنت يا وليد ؟ فقتل أباك صبرا، وأما أنت يا ابن عامر فصرع أباك وسلب عمك، وأما أنت يا بن طلحة ؟ فقتل أباك يوم الجمل، وأيتم إخوتك، وأما أنت يا مروان، فكما قال الشاعر (1) .
فقال معاوية : هذا الاقرار فأي غير غيرت ؟ قال مروان : وأي غير تريد ؟ ! قال : أريد أن تشجروه بالرماح .
قال : والله يا معاوية ؟ ما أراك إلا هاذيا أو هاذئا وما أرانا إلا ثقلنا عليك .
فقال ابن عقبة :
فقلت له :
(1) البيت لامرؤ القيس، قوله . صفر الوطاب . مثل يضرب لمن مات أو قتل .
(2) أفلته : خلصه وأطلقه . أفلت : تخلص . علباء من علب اللحم : تغيرت رائحته بعد اشتداده . الجريض : المشرف على الهلاك . الصفر بالحركات الثلاث : الخالي . الوطب : سقاء اللبن ج وطاب .
(3) هجنه الأمر : قبحه وعابه . العكوب بالفتح : الغبار .
فغضب عمرو وقال : إن كان الوليد صادقا فليلق عليا، أو فليقف حيث يسمع صوته وقال عمرو:
(1) تاح تيحا وتوحا : قدر وتهيأ . رجل متيح : أي لا يزال يقع في بلية .
(2) من الزئير : صوت الأسد .
(3) اللبد بالكسر : الشعر المجتمع بين كفي الأسد . ما يجعل على ظهر الفرس تحت السرج ج لبود والباد .
(4) يقال : الرجلان يتخالسان : أي يروم كل منهما قتل صاحبه .
(5) النجيد : الشجاع الماضي فيما يعجز غيره .
(6) كتاب صفين ص 222، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 110، تذكرة السبط ص 51 .
* (وفي رواية سبط ابن الجوزي) * : ثم التفت الوليد إلى عمرو بن العاص وقال : إن لم تصدقوني وإلا فسلوا .
أراد تبكيت عمرو، قال هشام بن محمد : ومعنى هذا الكلام : إن عليا خرج يوما من أيام صفين فرأى عمرو بن العاص في جانب العسكر ولم يعرفه فطعنه، فوقع، فبدت عورته، فاستقبل عليا فأعرض عنه ثم عرفه فقال : يا بن النابغة ؟ أنت طليق دبرك أيام عمرك، وكان قد تكرر منه هذا الفعل .
رواية ابن عباس :
روى نصر بإسناده عن ابن عباس قال : تعرض عمرو بن العاص لعلي يوما من أيام صفين، وظن أنه يطمع منه في غرة (أي : في غفلة) فيصيبه، فحمل عليه علي عليه السلام فلما كاد أن يخالطه أذرى (أي : ألقى) نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه، و شغر 2 (1) برجله فبدت عورته، فصرف عليه السلام وجهه عنه، وقام معفرا بالتراب، هاربا على رجليه، معتصما بصفوفه، فقال أهل العراق : يا أمير المؤمنين ؟ أفلت الرجل .
فقال : أتدرون من هو ؟ قالوا : لا .
قال : إنه عمرو بن العاص تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم (لفظ ابن كثير) فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو إلى معاوية فقال : ما صنعت يا أبا عبد الله ؟ فقال : لقيني علي فصرعني .
قال : احمد الله وعورتك – وفي لفظ ابن كثير : احمد الله واحمد أستك – والله إني لأظنك لو عرفته لما اقتحمت عليه .
وقال معاوية في ذلك :
فغضب عمرو وقال : ما أشد تعظيمك عليا في كسري هذا – وفي لفظ ابن أبي الحديد : ما أشد تغليطك أبا تراب في أمري – هل أنا إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه ؟ . أفترى السماء قاطرة لذلك دما ؟ ! قال : لا ولكنها معقبة لك خزيا . كتاب صفين ص
(1) شغر الكلب : رفع إحدى رجليه فبال .
216، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 287، تاريخ ابن كثير 7 ص 263 .
معاوية وعمرو :
إستأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان فلما دخل عليه استضحك معاوية فقال عمرو : ما أضحكك يا أمير المؤمنين ؟ أدام الله سرورك .
قال : ذكرت ابن أبي طالب وقد غشيك بسيفه فاتقيته ووليت .
فقال : أتشمت بي يا معاوية ؟ وأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك، وأطت (1) أضالعك، وانتفخ منخرك، والله لو بارزته لأوجع قذالك (2) وأيتم عيالك، وبزك سلطانك، وأنشأ عمرو يقول :
(1) أط : صوت . الإبل : حنت .
(2) القذال : بين الأذنين من مؤخر الرأس ج قذل وأقذلة .
(3) البوم والبومة . طائر يسكن الخراب . يضرب به المثل في الشوم .
(4) من رأس يريس . مشى متبخترا . يقال رأس القوم . اعتلى عليهم وغلبهم .
(5) الأمالس والاماليس ج امليس : الفلاة التى ليس فيها نبات .
(6) الدهرس : الشدة والبلية .
(7) نهس اللحم نهسا بفتح العين وكسره : أخذه ونتفه ومده بالفم .
(8) الرمس : الستر والتغطية . ويقال لما يحثى على القبر من التراب : رمس .
فقال معاوية : مهلا يا أبا عبد الله ؟ ولا كل هذا .
قال : أنت استدعيته .
وفي لفظ ابن قتيبة في " عيون الأخبار " 1 ص 169 : رأى عمرو بن العاص معاوية يوما يضحك فقال له : مم تضحك يا أمير المؤمنين ؟ أضحك الله سنك .
قال : أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوأتك يوم ابن أبي طالب، أما والله لقد وافقته منانا كريما ولو شاء أن يقتلك لقتلك .
قال عمرو : يا أمير المؤمنين ؟ أما والله إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك، وربا سحرك (2) وبدا منك ما أكره ذكره ذلك، فمن نفسك فاضحك أو دع .
وفي لفظ البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 38 : دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس فلما رآه مقبلا استضحك فقال : يا أمير المؤمنين ؟ أضحك الله سنك وأدام سرورك وأقر عينك ما كل ما أرى يوجب الضحك .
فقال معاوية ؟ خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما غشيك طرحت نفسك عن دابتك وأبديت عورتك، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ أما والله لقد واقفت هاشميا منافيا ولو شاء أن يقتلك لقتلك .
فقال عمرو : يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك، أما والله لو بدا له من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قذلك، وأيتم عيالك، وأنهب مالك، وعزل سلطانك، غير أنك تحرزت منه بالرجال في أيديها العوالي، أما إني قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحولت عيناك، وأربد شدقاك، وتنشر منخراك، وعرق جبينك، وبدا من أسفلك ما أكره ذكره .
فقال معاوية : حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا .
وفي لفظ الواقدي : قال معاوية يوما لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ؟ لا أراك إلا ويغلبني الضحك قال : بماذا ؟ قال : أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأذريت نفسك فرقا من شبا سنانه، وكشفت سوأتك له .
فقال عمرو : أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك، وربا لسانك في فمك، وعصب
(1) كتاب صفين 253، أمالي الشيخ ص 84، تذكرة السبط ص 52 .
(2) ربا ربوا : انتفخ . السحر بفتح السين وضمه : الرئة .
ريقك، وارتدت فرائصك، وبدا منك ما أكره ذكره لك .
فقال معاوية : لم يكن هذا كله، وكيف يكون ؟ ودوني عك والأشعريون .
قال : إنك لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابك، وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعريون، فكيف كانت حالك .
لو جمعكما مأقط الحرب .
قال : يا أبا عبد الله ؟ خض بنا الهزل إلى الجد : إن الجبن والفرار من علي لا عار على أحد فيهما . شرح ابن أبي الحديد 2 ص 111 .
قال نصر في كتابه ص 229 : وكان معاوية لم يزل يشمت عمرا ويذكر يومه المعهود ويضحك، وعمرو يعتذر بشدة موقفه بين يدي أمير المؤمنين، فشمت به معاوية يوما و قال : لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس وفررتم وإنك لجبان، فغضب عمرو ثم قال : والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية ؟ فهلا برزت إلى علي إذا دعاك إن كنت شجاعا كما تزعم ؟ وقال عمرو في ذلك :
أشار عمرو بن العاص في هذه الأبيات إلى ما رواه نصر في كتاب صفين ص 140 وغيره من المؤرخين من : أن عليا عليه السلام قام يوم صفين بين الصفين ثم نادى يا معاوية ؟ يكررها فقال معاوية : إسألوه ما شأنه ؟ قال : أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة .
فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية : ويحك على م يقتتل الناس بيني وبينك، ويضرب بعضهم بعضا ؟ ؟ ! ! أبرز إلي فأينا قتل صاحبه فالأمر له .
فالتفت معاوية إلى عمرو فقال : ما ترى يا أبا عبد الله ؟ فيما هيهنا، أبارزه ؟ ؟ ! ! فقال عمرو : لقد أنصفك الرجل واعلم أنه إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي . فقال معاوية : يا عمرو ؟ ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله
ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه .
ثم انصرف معاوية راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه خرج علي عليه السلام ذات يوم في صفين منقطعا من خيله ومعه الأشتر يتسايران رويدا يطلبان التل ليقفا عليه وعلي يقول :
إذ برز له بسر بن أرطاة مقنعا في الحديد لا يعرف فناداه : أبرز إلي أبا حسن ؟ فانحدر إليه على تؤدة (1) غير مكترث به حتى إذا قاربه طعنه وهو دارع فألقاه على الأرض، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه، فاتقاه بسر بعورته وقصد أن يكشفها يستدفع بأسه، فانصرف عنه عليه السلام مستدبرا له فعرفه الأشتر حين سقط فقال : يا أمير المؤمنين ؟ هذا بسر بن أرطاة هذا عدو الله وعدوك، فقال : دعه عليه لعنة الله، أبعد أن فعلها ؟ فحمل ابن عم لبسر شاب على علي وهو يقول:
فحمل عليه الأشتر وهو يقول :
فطعنه الأشتر فكسر صلبه، وقام بسر من طعنة علي وولت خيله، وناداه علي يا بسر ؟ معاوية كان أحق بهذا منك .
فرجع بسر إلى معاوية فقال له معاوية : إرفع طرفك قد أدال (2) الله عمرا منك .
فقال في ذلك الحارث بن نضر السهمي :
(1) أي تأنى وتمهل .
(2) أدال الشئ . جعله متداولا . يقال أدال الله زيدا من عمرو، أي نزع الدولة من عمرو وحولها إلى زيد .
كتاب صفين ص 246، الاستيعاب 1 ص 67، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 300، مطالب السئول ص 43، تاريخ ابن كثير 4 ص 30، نور الأبصار ص 95 .
ينبأنا التاريخ أن عمرو ليس بأول رجل كشف عن سوءته من بأس أمير المؤمنين وإنما قلد طلحة بن أبي طلحة فإنه لما حمل عليه أمير المؤمنين يوم أحد ورأى أنه مقتول لا محالة، فاستقبله بعورته وكشف عنها .
م – راجع تاريخ ابن كثير 4 ص 20 و ] ذكره الحلبي في سيرته 2 ص 247 ثم قال : وقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين : الأولى : حمل على بسر بن أرطاة .
والثانية : حمل على عمرو بن العاص فلما رأى أنه مقتول كشف عن عورته، فانصرف عنه علي كرم الله وجهه .
الأشتر وعمرو بن العاص في معترك القتال بصفين:
إن معاوية دعا يوما بصفين مروان بن الحكم فقال : إن الأشتر قد غمني وأقلقني، فاخرج بهذه الخيل في يحصب والكلاعيين فالقه فقاتل بها .
فقال مروان : ادع لها عمرا فإنه شعارك دون دثارك .
قال : وأنت نفسي دون وريدي .
قال : لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء، أو ألحقته بي في الحرمان، ولكنك أعطيته ما في يدك، ومنيته ما في يد غيرك، فإن غلبت طاب له المقام، وإن غلبت خف عليه الهرب .
فقال معاوية :
سيغني الله عنك .
قال : أما إلى اليوم فلن يغن، فدعا معاوية عمرا وأمره بالخروج إلى الأشتر .
فقال : أما إني لا أقول لك ما قال مروان .
قال : فكيف تقول ؟ ! وقد قدمتك وأخرته، وأدخلتك وأخرجته .
قال : أما والله إن كنت فعلت لقد قدمتني كافيا، وأدخلتني ناصحا، وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر وإن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها، ثم قام فخرج في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام القوم وهو يقول :
فلما سمع عمرو هذا الرجز وعرف أنه الأشتر فشل وجبن واستحى أن يرجع وأقبل نحو الصوت وقال :
فغشيه الأشتر بالرمح فزاغ عنه عمرو فلم يصنع الرمح شيئا، ولوى عمرو عنان فرسه وجعل يده على وجهه وجعل يرجع راكضا نحو عسكره، فنادى غلام من يحصب : يا عمرو ؟ عليك العفا ما هبت الصبا . كتاب صفين ص 233، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 295 .
ينبأك صدر هذا الحديث عن نفسيات أولئك المناضلين عن معاوية الدعاة إلى إمامته، ويعرب عن غايات تلك الفئة الباغية بنص النبي الأطهر إماما ومأموما في تلك الحرب الزبون، فما ينبغي لي أن أكتب عن إمام يكون مثل عمرو بن العاص شعاره، ومثل مروان بن الحكم نفسه ؟ ؟ ! ! وما يحق لك أن تعتقد في مأموم هذه محاوراته في معترك القتال مع إمامه المفترضة عليه طاعته – إن صحت الأحلام – ومشاغبته دون
(1) حرك . امتنع من الحق الذي عليه . غلام حرك . خفيف ذكي .
(2) حلك . اشتد سواده فهو حالك وحلك .
الرتبة والراتب ؟؟!!
ابن عباس وعمرو :
حج عمرو بن العاص وقام بالموسم فأطرى معاوية وبني أمية وتناول بني هاشم ثم ذكر مشاهده بصفين، فقال ابن عباس : يا عمرو ؟ إنك بعت دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك ومناك ما في يد غيره، فكان الذي أخذ منك فوق الذي أعطاك، و كان الذي أخذت منه دون ما أعطيته، وكل راض بما أخذ وأعطى، فلما صارت مصر في يدك تتبعك فيها بالعزل والتنقص، حتى لو أن نفسك في يدك لألقيتها إليه، وذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلا بالغدر، ولا منيت إلا بالفجور والغش، و ذكرت مشاهدك بصفين فوالله ما ثقلت علينا وطأتك، ولقد كشفت فيها عورتك، ولا نكتنا فيها حربك، ولقد كنت فيها طويل اللسان، قصير السنان، آخر الحرب إذا أقبلت، وأولها إذا أدبرت، لك يدان : يد لا تبسطها إلى خير، ويد لا تقبضها عن شر، ووجهان : وجه مؤنس ووجه موحش، ولعمري أن من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول حزنه على ما باع واشترى، لك بيان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد ولك قدر وفيك حسد، فأصغر عيب فيك أعظم عيب غيرك .
فقال عمرو : أما والله ما في قريش أحد أثقل وطأة علي منك، ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك .
البيان والتبيين 2 ص 239، العقد الفريد 2 ص 136، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 196 نقلا عن البلاذري .
ابن عباس وعمرو في حفلة أخرى :
روى المدايني قال : وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة وعنده ابنه يزيد، وزياد بن سمية، وعتبة بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وعمرو بن العاص، والمغيرة ابن شعبة، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن أم الحكم فقال عمرو بن العاص : هذا والله يا أمير المؤمنين ؟ نجوم أول الشر، وأفول آخر الخير، وفي حسمه قطع مادته فبادره بالحملة، وانتهز منه الفرصة، واردع بالتنكيل به غيره، وشرد به من خلفه،
فقال ابن عباس : يا بن النابغة ؟ ضل والله عقلك، وسفه حلمك، ونطق الشيطان على لسانك، هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت نزال (1) وتكافح الأبطال، وكثرت الجراح، وتقصفت (2) الرماح، وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولا، فانكفأ نحوك بالسيف حاملا، فلما رأيت الكواثر من الموت، أعددت حيلة السلامة قبل لقائه، والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه، فمنحته رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوأتك، حذرا أن يصطلمك بسطوته، أو يلتهمك (3) بحملته، ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته، وحسنت له التعرض لمكافحته، رجاء أن تكتفي مؤنته، وتعدم صورته، فعلم غل صدرك، وما انحنت عليه من النفاق أضلعك، وعرف مقر سهمك في غرضك، فاكفف غرب لسانك، واقمع عوراء لفظك، فإنك بين أسد خادر، وبحر زاجر، إن تبرزت للأسد افترسك، وإن عمت في البحر قمسك – أي : غمسك و أغرقك – .
شرح ابن أبي الحديد 2 ص 105، جمهرة الخطب 2 ص 93 .
عبد الله المرقال وعمرو:
كان في نفس معاوية من يوم صفين إحن على هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال وولده عبد الله، فلما استعمل معاوية زيادا على العراق كتب إليه : أما بعد : فانظر عبد الله بن هاشم فشد يده إلى عنقه ثم ابعث به إلي، فحمله زياد من البصرة مقيدا مغلولا إلى دمشق، وقد كان زياد طرقه بالليل في منزله بالبصرة فادخل إلى معاوية وعنده عمرو بن العاص فقال معاوية لعمرو بن العاص : هل تعرف هذا ؟ قال : لا .
قال : هذا الذي يقول أبوه يوم صفين :
(1) نزال : اسم فعل بمعنى : انزل . أي حين قال الأبطال بعضهم لبعض : انزل .
(2) تقصفت : تكسرت .
(3) التهم الشئ : ابتلعه بمرة .
فقال عمرو متمثلا:
وإنه لهو، دونك يا أمير المؤمنين ؟ الضب المضب (1) فأشخب أوداجه على أسباجه (أثباجه) ولا ترجعه إلى أهل العراق فإنهم أهل فتنة ونفاق، وله مع ذلك هوى يرديه وبطانة تغويه، فوالذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك ليجهزن إليك جيشا تكثر صواهله لشر يوم لك، فقال عبد الله وهو المقيد : يا ابن الأبتر ؟ هلا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفين ؟ ونحن ندعوك إلى البراز، وأنت تلوذ بشمائل الخيل كالأمة السوداء والنعجة القوداء، أما إنه إن قتلني قتل رجلا كريم المخبرة، حميد المقدرة، ليس بالحبس المنكوس، ولا الثلب (2) المركوس (3) .
فقال عمرو : دع كيت وكيت، فقد وقعت بين لحيي لهذم (4) فروس للأعداء، يسعطك إسعاط (5) الكودن (6) الملجم .
قال عبد الله : أكثر إكثارك، فإني أعلمك بطرا في الرخاء جبانا في اللقاء، عيابة عند كفاح الأعداء، ترى أن تقي مهجتك بأن تبدي سوأتك، أنسيت صفين وأنت تدعى إلى النزال ؟ فتحيد عن القتال خوفا أن، يغمرك رجال لهم أبدان شداد، وأسنة حداد، ينهبون السرح، ويذلون العزيز .
فقال عمرو : لقد علم معاوية أني شهدت تلك المواطن، فكنت فيها كمدرة الشوك، و لقد رأيت أباك في بعض تلك المواطن، تخفق أحشاؤه، وتنق أمعاؤه .
قال : أما والله لو لقيك أبي في ذلك المقام لارتعدت منه فرائصك ولم تسلم منه مهجتك، ولكنه قاتل غيرك، فقتل دونك .
فقال معاوية : ألا تسكت ؟ لا أم لك .
فقال : يا بن هند ؟ أتقول لي هذا ؟ والله لئن شئت لأغرقن جبينك، ولأقيمنك وبين عينيك وسم يلين له خدعاك، أبأكثر من الموت تخوفني ؟ .
فقال معاوية : أو تكف يا بن أخي ؟ وأمر بإطلاق عبد الله، فقال عمرو لمعاوية :
(1) من أضب يضب : أي صاح وتكلم وغاض وحقد .
(2) الثلب : المعيب المهان .
(3) المركوس : الضعيف .
(4) اللهذم : الحاد القاطع من السيوف والأسنة والأنياب .
(5) الاسعاط : إدخال الدواء في الأنف . يقال : أسعطه الرمح أي طعنه به في أنفه .
(6) الكودن : البرذون الهجين . الفيل ج كوادن .
فقال عبد الله يجيبه :
فقال معاوية :
كتاب صفين لابن مزاحم ص 182، كامل المبرد 1 ص 181، مروج الذهب 2 ص 57 – 59، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 176 .
درس دين وأخلاق :
لعل الباحث لا يخفى عليه أن كل سوءة وعورة ذكر بها المترجم له في التاريخ
(1) جمع غلضمة : اللحم بين الرأس والعنق . يعنى : أيام الحرب .
(2) الخضرم بالكسر : البحر العظيم الماء .
(3) في كامل المبرد : عيصه . يعني : أصله .
(4) القماطر بالضم : الشديد .
(5) النهابر والنهابير : المهالك . الواحدة : نهبرة . نهبور . نهبورة .
الصحيح، وما يعزى إليه وعرف به من المساوي في طيات تلكم الكلمات الصادقة المذكورة من الوضاعة والغواية والغدر والمكر والحيلة والخدعة والخيانة والفجور ونقض العهد وكذب القول وخلف الوعد وقطع الإل والحقد والوقاحة والحسد والرياء والشح والبذاء والسفه والوغد والجور والظلم والمراء والدناءة واللئم والملق والجلافة والبخل والطمع واللدد وعدم الغيرة على حليلته .
إلى غير ذلك من المعاير النفسية وأضداد مكارم الأخلاق، ليست هذه كلها إلا من علايم النفاق، ومن رشحات عدم الاسلام المستقر، وانتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبي الأقدس، إذا الاسلام الصحيح هو المصلح الوحيد للبشر، ومهذب النفس بمكارم الأخلاق، ومجتمع الفضايل، وأساس كل فضل وفضيلة، وأصل كل محمدة ومكرمة، وبه يتأتى الصلاح في النفوس مهما سرى الإيمان من عاصمة مملكة البدن (القلب) إلى ساير الأعضاء والجوارح واحتلها واستقر بها .
وذلك أن مثل الإيمان في المملكة البدنية الجامعة لشتات آحاد الجوارح والأعضاء كمثل دستور الحكومات في الممالك الجامعة لإفراد الأشخاص، فكما أن القوانين المقررة في الحكومات والدول مبثوثة في الأفراد، وكل فرد من المجتمع له تكليف يخص به، وواجب يحق عليه أن يقوم به، وحد محدود يجب عليه رعايته، وبصلاح الأفراد وقيام كل فرد منهم بواجبه يتم صلاح المجتمع، ويحصل التقدم و الرقي في الحكومات، كذلك الإيمان في المملكة البدنية فإنه قوانين مبثوثة في الأعضاء والجوارح العاملة فيها، ولكل منها بنص الذكر الحكيم تكليف يخص به، وحد معين في السنة يجب عليه رعايته والتحفظ به، وأخذ كل بما وجب عليه هو إيمانه و به يحصل صلاحه، فواجب القلب غير فريضة اللسان، وفريضته غير واجب الأذن، وواجبها غير ما كلف به البصر، وفرضه غير واجب اليدين، وواجبهما غير تكليف الرجلين وهكذا وهكذا، وإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا، وهذا البيان يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الحافظ ابن ماجة في سننه 1 ص 35، الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان (1) وقوله صلى
(1) وبهذا اللفظ يروى عن أمير المؤمنين كما في " نهج البلاغة " .
الله عليه وآله : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (1) ومن هنا يقبل الإيمان ضعفا وقوة وزيادة ونقصا، ويتصف الانسان في آن واحد بطرفي السلب والايجاب باعتبارين، فيثبت له الإيمان من جهة وينفى عنه بأخرى، ومن هنا يعلم معنى قوله صلى الله عليه وآله : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (2) فلا يتأتى صلاح الممكة البدنية إلا بالسلم العام وقيام جميع أجزائها بواجبها، وامتثال كل فرد منها فيما فرض عليه، ولا يكمل الإيمان إلا بتحقيق شعبه .
وكما أن انتفاء الإيمان عن كل عضو وجارحة مكلفة يكشف عن ضعف إيمان القلب، وتضعضع حكومة الاسلام فيه، إذ هو أمير البدن ولا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره، كذلك الصفات النفسية فإن منها ما هو الكاشف عن قوة الإيمان القلبي وضعفه كما ورد في النبوي الشريف فيما أخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3 ص 171 : إن المرء ليكون مؤمنا وإن في خلقه شيء فينقص ذلك من إيمانه .
ومنها ما يلازم النفاق ولا يفارقه ولا يجتمع مع شيء من الإيمان وإن صلى صاحبه وصام وبه عرف المنافق في القرآن العزيز .
فإليك ما رود عن النبي الأقدس في كثير من الصفات المذكورة المعزوة إلى المترجم له حتى تكون على بصيرة من الأمر، فلا يغرنك تقلب الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد .
1 – آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب . وإذا وعد أخلف . وإذا ائتمن خان . أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم : وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم .
2 – أربع من كن فيه كان منافقا خالصا . ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائمتن خان . وإذا حدث كذب . وإذا عهد غدر . وإذا خاصم فجر، أخرجه البخاري . مسلم . أبو داود . الترمذي . النسائي .
3 – لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له . أخرجه أحمد . البزار .
(1) أخرجه البخاري . مسلم . أبو داود . الترمذي . النسائي . ابن ماجة .
(2) أخرجه مسلم وغيره .
الطبراني . ابن حبان . أبو يعلى . البيهقي .
4 – المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه . متفق عليه .
5 – الكذب مجانب للإيمان . ابن عدي، البيهقي .
6 – المكر والخديعة في النار . الديلمي . القضاعي .
7 – المؤمن ليس بحقود . الغزالي . ابن الدبيع .
8 – لا إيمان لمن لا حياء له . ابن حبان . ابن الدبيع .
9 – الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل . الديلمي . ابن الدبيع .
10 – الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق، الديلمي . القضاعي . ابن الدبيع.
11 – اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة . ابن ماجة . الحاكم . البيهقي .
12 – من أرضى سلطانا بما يسخط به ربه خرج من دين الله . الحاكم .
13 – الحياء من الإيمان . البخاري . مسلم . أبو داود . الترمذي . النسائي . ابن ماجة .
14 – سباب المسلم فسوق وقتاله كفر . البخاري . مسلم . الترمذي . النسائي ابن ماجة .
15 – لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد . ابن حبان . البيهقي .
16 – الشح والعجز والبذاء من النفاق . الطبراني . أبو الشيخ .
17 – لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبدا . النسائي . ابن حبان . الحاكم .
18 – خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل، وسوء الخلق . البخاري . الترمذي وغيرهما .
19 – المؤمن غر كريم والفاجر خب (1) لئيم . أبو داود . الترمذي . أحمد .
20 – إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله .
الأصبهاني .
21 – الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر . الحاكم . الطبراني .
(1) الخب الخداع .
22 – إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الاسلام . ابن ماجة . المنذري .
وفاته :
توفي ليلة الفطر سنة 43 على ما هو الأصح عند المؤرخين وقيل غير ذلك، وعاش نحو تسعين سنة وقال العجلي : عاش تسعا وتسعين سنة .
قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 198 : لما حضرت عمرا الوفاة قال لابنه : لود أبوك أنه كان مات في غزات ذات السلاسل، إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها .
ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا ليته كان بعرا، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي .
قال ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 436 : دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلم عليه وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟ قال : أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا، وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض، لا أرقي بيدين ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي .
فقال له ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ؟ صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء أن تبكي إلا بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم ؟ .
فقال عمرو : وعلى حينها (1) حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي ؟ أللهم ؟ إن ابن عباس تقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى .
قال ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ؟ أخذت جديدا وتعطي خلقا .
فقال عمرو : مالي ولك يا بن عباس ؟ ! ما أرسلت كلمة إلا أرسلت نقيضها .
(1) يعني حين الوفاة .
قال عبد الرحمن بن شماسة : لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله : لم تبكي أجزعا من الموت ؟ ؟ ! ! قال : لا والله ولكن لما بعده .
فقال له : قد كنت على خير .
فجعل يذكره صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وفتوحه الشام، فقال له عمرو : تركت أفضل من ذلك : شهادة أن لا إله إلا الله .
إني كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبق إلا عرفت نفسي فيه، كنت أول شيء كافرا فكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله فلو مت يومئذ وجبت لي النار .
فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله كنت أشد الناس حياء منه فما ملأت عيني من رسول الله صلى الله عليه وآله حياء منه، فلو مت يومئذ قال الناس : هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير ومات على خير أحواله فترجى له الجنة .
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدري أعلي أم لي ؟ ؟ ! ! فإذا مت فلا تبكين علي باكية .
ولا يتبعني مادح ولا نار، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، وشنوا علي التراب فإن جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر . الحديث .
* (فائدة) * يوجد إسم والد المترجم له في كثير من كلمات الأصحاب (العاصي) بالياء وكذا ورد في شعر أمير المؤمنين :
وفي رجز الأشتر :
ويذكر بالياء في كتب غير واحد من الحفاظ، وقال الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2 ص 30 : وعليه الجمهور وهو الفصيح عند أهل العربية .
ثم قال : ويقع في كثير من كتب الحديث والفقه أو أكثرها بحذف الياء وهي لغة وقد قرئ في السبع نحوه كالكبير المتعال والداع .
منقول للفائدة