ألفت فرحتي التحليق بعيدا عن مهجتي ، تتوارى على مراحل عن ناظري، متنكرة في أردية من نسج غيوم السماء . خلفت ساحتي فضاء مدلهما ، قاتما تذرو أساطينه جحافل الرياح . فرحتي تزورني غبا في جنح السحر . تزعجها أطباق موائدي من دموع وسهر . تركب موج بحري الهادر، تغوص بين ثنايا طموح قلبي الحائر . تسابق العواصف ، تحاكي الهتاف الهاب من أعماق الجب المستعر . تجوب الأكوان ، تطوي الزمان ، تغطي الفيافي بليل دامس . تهوي ، تندس في ركام الأجداث المعدة للمقابر . تؤم صلاة الموت ، تقيم محفل احتفاء . تناجي قلبي عبر دقاته ، تتحسس فيه دفقة الإباء . كانت هناك ولم تزل ، لعلها موؤودة بالوباء ، أو مركونة بين أكوام المهملات على حافة تلك الضفة البيضاء . غدا واقعي أحاديث ذات شجون عمت كائنات الأرض والسماء . ضاع إبائي مع تأجيل النفير من أمس أمس إلى هذا المساء .
تساءلت ، ما الذي جرى لهدير موجي الطامح ؟ أين اختفى من أضلعي لهيبها اللافح ؟ كيف قيدت أدرعي بحبال سبات مستفز كاسح ؟ طفقت أغلي فوق جمر متقد ، يزداد التهابا بتعالي الزئير الجامح . أذوب مرات كل حين ، قبيل إشراقة الصبح الطافح .
أيقظتني فرحتي حين عادت ، غدوت بها أردد شدو المفازة والوفاء . تزايد خفقي توالت بشائري ، ترنمت خمائلي على وقع أنشودة الإباء . أطلت بحلولها الشمس من خدرها ، رسمت على ثغرها بسمة الهناء . بدوت سعيدا أرفرف عاليا ، أحلق فوق جموع بقايا الأشلاء .
استقرت فرحتي بجوار خيمتي ، وطوحت بعيدا بتقاعسي ، وحل الهناء. أيقنت أنها رحلت عني تذمرا من تخاذلي واتكالي ، واليوم ولت لما أصبحت لدي الحياة إما اندحار أو مفازة وارتقاء . |