النساء وقصائد الحب
قصص الغرام العربية تأخذ طابعاً خاصاً من خلال اعتمادها على البيئة والعادات والتقاليد، ومن هنا نجد أن المرأة الشرقية تلتزم دائماً بتلك العادات ولعل منها التزامها بيتها وإذا خرجت منه نجدها تلتحف بإزار وحجاب حتى لايراها الرجال.. ولكن نجد أن هناك المشاعر التي تسكن في داخل المرأة مثلها مثل الرجل من حيث الحب والهيام والغرام وهذا يجعل هناك دافعاً لخلق القصص الغرامية المتشحة بالبيئة الصادقة التي تدفع كل محب وهائم إلى السير في تلك القصة الغرامية. والنساء وهن بهذه القصص نجد أنهن قد أبدعن في تلك الصورة لأنهن أقرب إلى المصداقية في عشقهن وهيامهن وكثير منهن يملك فكر شاعر تصف مشاعرها في قصيدة تجسد فيها صورة حبها وقصتها وذكراها فمثلاً قصة عنترة، تحولت من الخيال كثيراً وذهبت في الحب والشجاعة مذاهب شتى ولكنها في حقيقة الواقع تمثل آداب أهل الجاهلية العالية وأخلاقهم وحروبهم، ومن ثم جاءت على غرارها عدة قصص غرامية حافلة بمآثر الشجاعة والمروءة والكرم والوفاء كقصة قيس وجميل بثينة وتوبة بن حمير وليلى الأخيلية التي هي إلى الصدق أقرب منها إلى الخيال. المرأة العربية أخذت تلك القصص الغرامية على الطريقة الجدية التي فيها إثارة وإحساس مرهف، فنجدها تصف قصتها وتئن تحت وطأة لحظاتها الغرامية وهي تستعرض ذكرياتها واطلالها التي تسكن في داخلها، ومن هنا قرأنا الكثير والكثير من قصص وقصائد نساء شاعرات اتخذن الصدق والبيئة عنواناً لهن لذلك الحبيب. الشاعرة طفله بنت علي الجنفاوي من شمر، شاعرة صورت معاناتها وألمها لابنها الصغير عندما طلبت منه في أحد الأيام أن يجد لها حلاً في تسهيل زيارتها لأهلها وتذكر له المسافة التي تصل بها إلى أهلها وكان زوجها آنذاك غير موجود ثم مالبث أن حضر وقال لها: اتركي باقي الحديث وان شاء الله سيسهل كل صعب، ثم قالت: حال الحجر والدبدبة والنفودي ياخو هيا من دون مايود بالي إلى أن تقول: لوكان ماودي أبيح سدودي لاشك بيت السد من باح خالي هنا تتجلى صورة الفراق والذكرى وبالمقابل الدعاء بأن يجمع شملها بأهلها وهي تحاكي (أخو هيا) أي ابنها الذي له أخت اسمها (هيا)، ولعلها وهي بهذه القصة والذكرى تنعى أخوها الذي ذهب لطلب الرزق وترك والده الكبير في السن والذي مرض ومات بعد غياب ابنه فتقول مخاطبة شقيقها: يالله تعود لحالتي عقب ماصار وتريح بالي بعد شي جرالي إلى أن تقول: والشايب اللي يكرم الضيف والجار ويقال نعم لاحصل له مجالي هنا امتزاج القصة بالذكرى من تلك الشاعرة التي يتضح لنا من خلال قصائدها الحزن والآه والصبر والشجاعة والتحمل في زمن الشدة وهنا لابد القول بأن المرأة هي الأقرب لعاطفة الكتابة والنسج الشعري. وتبقى المرأة شاعرة من داخلها بوفائها وصدقها وارتباطها الوثيق بمن تحب وتعشق، فهذه شاعرة رائعة تدعى هداية العطاوية ترثي زوجها الذي بلغها نبأ موته بسبب الجدري فتقول في صورة حب حزينة: قلبي كما شيهانه بيضها فقش ألمح راح ولابقى إلاقفوشه نجد هنا صورة أخرى تنم عن مدى الإرتباط العاطفي للمحبوب الذي فقد من حبيبته في صورة شاعرية جميلة ممزوجة بمعان حزينة. وكثيراً ماتكون احاديث المجالس من خلال سياق مثل تلك القصص الرائعة والقصائد المترجمه لها، خصوصاً المشهور منها ولازالت بعض تلك القصائد المشهورة متداولة حتى وقتنا الحاضر وهذا شيء جميل جداً أن تبقي في الذاكرة دون نسيان أو إهمال لأن فيها عبراً وحكماً، بل صور عاطفية رائعة تتجسد في مدى الإخلاص والحب الصادق وكذلك العتاب اللذيذ الذي يتكئ على روح المعاناة والدموع وهنا قصة الشاعرة مزنة بنت مكازي العطعيط التي عاشت قصة حب مع شخص أحبته كثيراً وهامت فيه مدة طويلة ولكن هناك من الوشاة من قاموا بمحاولة العبث بقصة الحب تلك بينهما وأخبروها بأن حبيبها قد تزوج وهم يريدون بذلك إفساد حب الإثنين من باب الحقد أو الكراهية وقيل إن تلك الفتاه أغمي عليها وسقطت من ظهر السانية وأغمي عليها فأقبل عليها الحاضرون ومنهم اخوانها الذين حملوها ولما وعت من إغمائها ورأت من حولها وجدت عشيقها الذي اعتذر منها عما بدر من الوشاة وأخذ يدافع عن نفسة فقالت مجاوبه بهذه الأبيات المشهورة: من عافنا عفناه لوكان غالي ومن باعنا بالرخص بعناه بزهود هنا هذه الرباعية فيها من الصور الكثير وفيها من الدقة الكثير أيضاً عن تلك المعاناة عن ذلك العتاب القوي، فلو تمعنا في استهلال الشاعرة للقصيدة لوجدنا القوة في البناء الشعري وهذا هو المطلوب ولكن نجد أن هناك أيضاً بيتاً قوياً وهو البيت الثاني الذي به جملة (يمسك العود) فمسك العود هنا قسم معروف سابق الزمان عند أهل البادية وهو ان المحتاجين أي العاشقين عندما يعطي الآخر يمين الولاء والصدق في الحب والإخلاص يمسك بيده عوداً وشأن الحب عند العرب لايستهان به إطلاقاً. وإذا كانت هذه الفتاه قد بادلت ابن عمها الحب، فهذا ليس غريب يعرفه العرب وغيرهم صدق حبها وسرعة تأثرها من مجرد سماع كلمة بسيطة لم تصدر من محبوبها نفسه قالها الوشاة جعلت منها انسانة غاضبة كان جوابها أبياتاً قوية تدخل إلى أعماق ذلك المعني بها، وهنا شيء هام هو أن مثل هذا الحب القائم على الشرف والعفة لايحط من قيمة المرأة على الإطلاق ولاينقص من هيبة الرجل، وكثير من النساء اللواتي فارقن الحياه نتيجة لحب شخص. والحب وهو أمر تقتضية الفطرة البشرية أي حب كان ومنه تعلق النفس بمن لايربطه فيها صلة قرابه وأعني بذلك حب الرجل للمرأة أو حب المرأة للرجل وهو معروف عند العرب منذ أقدم العصور والأجيال وهذا بالطبع لم يكن للرجال وحدهم بل للنساء أيضاً. والفتاة المحبة لم تقل الشعر أو تذيع سرحبها إلا في حالتين الأولى: وفاة الرجل الذي أحبته والثانية: إذا تزوج من أمرأة أخرى وعند ذلك تصفه بخياتة أمانة الحب وهنا قصة تلك الفتاة العربية الصريحة التي قالت في قصيدتها الرائعة الممزوجة بالعتاب: ياعين كفي عبرتك لاتهلين لاينتشر دمعك همايل على ماش وكما أسلفت سابقاً ماللبيئة من أهمية في نثر إبداع الشاعرات مثلهن مثل الشعراء، فإننا نجد أنهن أبدعن في شعرهن حد الإبداع وسمون به عالياً حتى صورن لنا معاناتهن الصادقة في الحب والهيام، فطريقة الحب معروفة عند العرب منذ أبعد العصور نظراً لاختلاطهم في المنازل أيام الربيع أو على المياه في الصيف، ثم إفتراقهم بعد ذلك وشغف بعضهم بالحب. أما الحاضرة فهم يحبون ولكنهم لايواجهون كما يواجه محبو البادية نظراً لتقارب منازلهم وسهولة اتصالهم ببعض. والمعذره على الاطاله |
||
التصنيفات