أما بعد :
الله سبحانه وتعالى خلقنا ، وخلق لنا السمع والبصر والفؤاد ، والأيدي ، والأرجل والعقل والقلب.وهذه كلها نعم عظيمة أنعم بها علينا ، وقد منحنا الله هذه النعم من أجل أن نستعملها فيما يرضي الله تعالى.
وأخطر هذه النعم وأهمها فيما يؤاخذ الله به ، وفيما يتعامل الناس به ، هو اللسان لذا قال محذراً في ذلك: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول:اتق الله فينا ، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا)).
وفعلاً فاللسان هو المعبر عما في القلب ، فمكنون نفسك ، يعبر عنه لسانك.والكلمة التي ينطق بها اللسان ، لها خطرها، ولها شأنها في الدنيا والآخرة.
والإنسان يمتاز عن غيره بالكلمة ، والمسلم يعصم ماله ، ويعصم نفسه ، ويعصم عرضه ولا يجوز لأحد أن يناله بسوء في شيء من ذلك كله ، إذا نطق بالكلمة التي بها العصمة وهي أن يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكتاب الله تعالى أفضل كلام ينطق به اللسان، هو أعظم الكلام على الإطلاق، فإذا نطقت بالكلمة من كتاب الله كان لك بكل حرف عشر حسنات.ومن قرأ سورة الإخلاص مرة واحدة ، فكأنما قرأ ثلث القرآن؛ لأنها سورة التوحيد وسورة تنزيه الله وتعظيمه سبحانه وتعالى.
وأحاديث رسول الله كلها كلمات يستنير بها القلب ، وتنشرح لها النفس وفيها منهجنا في الحياة وكيف نسير على ما يرضي الله سبحانه وتعالى.
وقد حث ربنا سبحانه وتعالى عن قول الكلمة الطيبة بأنواعها في آيات كثيرة قال تعالى: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
والدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكلام الطيب وقال سبحانه أيضاً مؤكداً على ذلك ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [النحل: 125]. وقال أيضاً وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33]. بل إن الله دعا إلى الكلام الطيب حتى مع المخالفين في الدين والاعتقاد وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ [العنكبوت: 46]. وبيَّن سبحانه أن الشيطان يحرص على التحريض بين الناس. وأن الكلام الطيب هو الذي يفسد مخططات هذا الشيطان فقال: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا [الإسراء: 53]. وبيَّن سبحانه وجوب الكلام الطيب مع الناس عامة فقال وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83]. وقال: وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [النساء: 5]. وقال فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا [الإسراء: 28]. هذا بشكل عام.
ثم بين سبحانه أن للوالدين الحق الأول على الإنسان في مخاطبتهما بالكلام اللين والطيب فقال: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء: 22، 23].
وقد لا تستطيع أن تقدم المال للناس وللفقراء منهم والمساكين لكنك تستطيع أن تقدم لهم الكلام الطيب قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة: 263]. وقال وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ [الضحى: 10]. ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يدخل بها الجنة)).
كما بين سبحانه الثواب العظيم الذي يترتب على قول الطيب فقال يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70، 71].
إذن الكلمة الطيبة لها أهميتها وقيمتها وتأكد يا عبد الله أنك إذا نطقت بالكلمة الطيبة من رضوان الله سبحانه لا تلقي لها بالاً قد تدخل بها الجنة.وإذا نطقت بالكلمة الطيبة فإنها ستبعدك عن النار كما أخبر : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) وأنت أيضاً إذا قلت سبحان الله أو سبحان الله وبحمده العظيم ، فأنت تسمع النبي وهو يقول : ((كلمتان حبيبتان للرحمن، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)). ومن قال في مائة مرة سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وكل هذا من الكلام الطيب.
وكذلك الرجل أو المرأة الذي يعتاد الكلمة الطيبة ويعتاد الكلمة الحلوة ، يتاجر بها مع الله سبحانه ويأخذ على كل كلمة طيبة عشر حسنات، فإذا قال لأخيه المسلم:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كان له ثلاثون حسنة. وإن قال: كيف حالك يا أخي ، أو قال له: أنا مستعد لمساعدتك أرجو أن تطمئنّي عليك ، كلمة طيبة ، تأخذ عليها عشر حسنات إذا ، وإذا كنت مع الناس بشوش الوجه طيب الكلمة فأنت تتاجر مع الله بقدر كلماتك الطيبة مع الناس، ولذا قال ((والكلمة الطيبة صدقة ، وأمرٌ بمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة)).
والكلمة الطيبة تقولها لليتيم وتقولها للأهل ، وتقولها للأقارب ، وتقولها للخدم ، وتقولها لأصحاب الحاجات، وإن كنت موظفاً تقولها للجميع ، وتدخل السرور على المسكين والضعيف.
تكسب الناس في الدنيا ، وتكسب الأجر أيضاً، بل قد يدخلك الله الجنة من أجل ذلك.لأن النبي قال: ((أطب الكلام، وأطعم الطعام ، وصل بالليل والناس نيام ، تدخل الجنة بسلام)).
أخي المسلم:إن كلمة تنطق بها تذكر فيها ربك وتسبحه وتقدسه أو تؤلف بها قلوب الناس لهي خير لك من الدنيا وما فيها ، لهي خير من كل ما تملك ، لهي خير من أرضك وسمائك وخير لك من مالك وولدك وأهلك ، لأنها باقية لك تنير لك الطريق غداً إذا لقيت الله، والله يقول : مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96]. من أنا ؟ ومن أنت؟ من نطفة مهينة خلقنا ومن تراب، خلقنا وصرنا عظاماً ولحماً ، وفي بطوننا ، وفي أجوافنا ما نستقذره وننفر منه ، ومع ذلك إذا نطق اللسان .. كلا الطيب وقال لا إله إلا الله ، والله أكبر ، سبحان الله ، كأن الأرض والسموات تهتز كلها لذكر الله بهذا الكلام الطيب.
يقول ابن مسعود:إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى:إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تبارك الله ، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ، ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الله عز وجل ثم قرأ ابن مسعود قول ربه تبارك وتعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10].
الله أكبر، أين نحن من هذا الكمال ، وهذا الجمال ، وأين نحن من طيب الكلام ، وأين نحن ..
إننا لو نظرنا إلى رسول الله وكيف كان كلامه نتعلم ونستفيد ، لوجدنا خادمه أنس يقول "لقد خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي قط: أف ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا ، وكان يحب الكلام الطيب ويبغض الكلام الفاحش بل ويبغض صاحبه وكان يقول: ((إن الله لا يحب الفحش والتفحش)) وكان يقول: ((إن الله يبغض الفاحش البذيء)).
وقد تعلم هذا المنهج سلفنا الصالح فطبقوه قولاً وعملاً فهذا أبو بكر الصديق وهو العفيف النظيف اليد واللسان. دخل عليه عمر بن الخطاب في يوم من الأيام فرآه يجر لسانه فيقول له ما هذا رحمك الله ؟ فيقول الصديق:هذا الذي أوردني المهالك.
وكان أحدهم يقول:المؤمن يقل الكلام ويكثر العمل ، والمنافق يكثر الكلام ويقل العمل.
وقال أحدهم:اجعلوا الكلام كلمتين كلمة نافعة في أمر دنياكم.وكلمة باقية في أمر آخرتكم .. قول : الكلمة الطيبة:لأنه إذا كنا مؤمنين صادقين فلا إيمان إلا بالكلمة الحلوة، أما الذي ينطق بالكلمة المرة ، والكلمة الحسنة ، والكلمة الفاحشة فإنه مؤاخذ بها، وقد ترديه كلمة واحدة كما قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يسخط الله بها عليه إلى يوم القيامة)).
إن الذين قست قلوبهم تدنست نفوسهم ، وتعودوا قالة السوء ونشروا بين الناس الفحشاء من القول ، هم أعظم الناس جرماً في الدنيا والآخرة قال ابن مسعود :أكثر الناس وقوفاً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل ، إننا نرى ونسمع العجب من بعض السفهاء. فترى الرجل الذي يسب الدين ، ويسب المسلمين ، والمرأة التي تسب ربها وكتاب ربها ، هؤلاء جميعاً كفرة مرتدون وإن لم يتوبوا فمصيرهم جهنم مع أعتى الكافرين والمجرمين.
ومن هؤلاء من يدعي الإسلام وهو يسب المسلمين بل ويسب أقرب الناس إليه من زوجة أو ولد أو جار مع أن النبي يقول: ((المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)) ومع أنه يقول: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).
وهو مع هذا يسب ويشتم بل ويلعن أيضاً مع أن النبي أخبرنا أن اللعنة تصعد إلى السماء تبحث عن مكان لها فلا تجد وتعود إلى الأرض لتبحث عن مكان فلا تجد ثم تقول أين أذهب فيقال لها: اذهبي إلى صاحبك الذي تكلم بك فكوني عليه إلى يوم القيامة. نعم تعود اللعنة على من قالها إذا كان الملعون لا يستحقها ورغم ذلك نسمع الشتم واللعن والسب والكلام القبيح كم من زوجة باتت باكية بسبب كلمة نابية سيئة ، وكم من يتيم بات حزيناً بسبب كلمة سيئة ، وكم من جار أحس بالآلام والحزن يمزق كبده لأنه سمع من جاره كلمة خبيثة سيئة ، وكم من بائع ومشتر غضب الله عليهما لأنهما كذبا وحلفا بالله كذباً وغش بعضهما بعضاً ، كم من إنسان يداهن بالكلمة ، وينافق بالكلمة ، ويكذب على الرؤساء والمدراء بالكلمة ، ويتدخل بينهم ليدس السم في العسل ضر إخوانه بالكلمة السيئة التي تمزق المتآلفين ، بل كم من كتاب وفنانين ورؤساء لا يعملون بالإسلام كانت الكلمة سبباً في إسقاط شعوبهم وإشعال النار بينهم وبين إخوانهم وجيرانهم بسبب كلمة وذلك لأن الكلمة لها منزلة خطيرة ، ورب كلمة توجد الحزن والشقاء والتعاسة بين الناس. وتسبب غضب الله على الإنسان لأنه يقول: لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً [النساء: 148]. فهل نبدأ بإعطاء أنفسنا فرصة التدريب على الكلمة الطيبة ، والكلمة الحلوة لكي نحظى برضاء الله سبحانه وتعالى.
وكم من كلمة فرقت بين صديقين ، وكم من كلمة أوجدت حقداً في القلوب وضغينة في النفوس.
وكم من كلمة أخرجت المسلم من الإسلام إلى الكفر ، وكم من كلمة أبطلت عمل صاحبها.
كل منا يدرك أن الحياة مليئة بالخير كما أنها مليئة بالشر ولكن الشر أكثر. وأهل الخير قلة وأهل الشر كثرة. وأنتم معشر المؤمنين خير أمة أخرجت للناس ، وأنتم دواء الإنسانية. وقادة البشرية وعليكم المعول وفيكم الأمل فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، وأحسنتم لأمتكم ، وأحسنتم إلى دينكم وجعلتم الغير يقول " هذا هو الإسلام.دين الخلق ودين الأدب ودين الكلمة الحلوة ، وسعدت بكم الحياة وسعدتم بالحياة ".
هذا كله سيحدث إذا تكلمنا بالكلام الطيب وتركنا الكلام السيء.
إذن فلنحرص على قول الكلمة الطيبة ، والابتعاد عن الكلمة الخبيثة من كذب وغيبة ونميمة وشتم ولعن.
ولا نريد من البعض أن يقول: نحن نتكلم بدون ضوابط ولكن قلوبنا سليمة ونحن لا نقصد شيئاً. ونقول: إن الذي يقول هذا الكلام هو مغفل كبير بل هو كاذب لأنه يقول على الله بغير علم ، ويفتي بغير فهم كما قال تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [النحل:116].
إن عليك أن تعلم أن أي كلمة سوء تقولها ستحاسب عليها حتى وإن لم تتنبه لها، لأن النبي أخبر ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوى بها سبعين خريفاً في النار)) إنه لم يكن يقصدها وقد يكون قالها ثم نسيها ومع هذا فهو من أهل النار.
ثم شئت أم أبيت فما تقوله بلسانك يعبر عما في قلبك يقول يحيى بن معاذ " القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها قال ابن القيم: "فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج" أي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقة ذلك كذلك نطعم ما في قلب الرجل من لسان فيتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك. وهنا قد يقول قائل إذاً ما هو الحل وكيف التعامل مع آفات اللسان؟ فنقول:
أولاً : عود نفسك على الصمت وقلة الكلام فقد قال : ((من صمت نجا)) وقال: ((إنك لن تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك)).
ثانياً:إذا أردت الكلام فتكلم ولكن بخير لأن كل كلمة ستسجل عليك مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]. لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ [النساء: 114].
ثالثاً:ابتعد عن الكلام الذي ليس له نفع أو ليس له مبرر لأن النبي قال: ((أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه)).
رابعاً:حاسب نفسك دائماً على الكلام الذي تقوله ولتكن صادقاً في هذا الحساب:ولقد رؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم ، فلما سئل عن حاله قال:منذ تركتكم وأنا موقوف على كلمة قلتها، قلت:ما أحوج الناس إلى المطر، فقيل لي:وما يدريك أنا أعلم بمصلحة عبادي أم أنت.
كلمة واحدة سببت له هذا الحساب الشديد ترى لو أننا حاسبنا أنفسنا على ما نقوله دائماً هل كنا كما نحن الآن؟.
خامساً : صاحب من ترى فيهم الصلاح والتقوى ومن يصونون ألسنتهم عن المعاصي وابتعد بل واهرب من كل سفيه لا يراعي خلقاً ولا أدباً ولا حياءً وصدق رسول الله ((من وقي بطانة السوء فقد وقي)) وقال: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)).
سادساً:اشغل نفسك بالطاعات وخاصة بذكر الله لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل واملأ فراغك فيما يعود عليك بالنفع واترك الناس بكف لسانك ومالك وللناس ولعيوبهم.إن عليك أن تعلم أنك إن أغضبت أحداً أو سببته أو شتمته أو سخرت منه فإنك بذلك تهديه حسناتك التي تعبت من أجل الحصول عليها. فهل يفعل هذا عاقل فمالك وللناس ، اشتغل بنفسك المليئة بالعيوب والأخطاء. حتى ولو واجهت سفيهاً أو شخصاً تعدى عليك بكلمة نابية أو فعل دنئ فلا تنزل إلى مستواه ولا تجاره فالله يقول: خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ [الأعراف: 199]. فإذا واجهت سفيهاً فلا تجاره ولا تكن مثله بل كن أفضل منه والشاعر يقول :
ثم أنت إن قابلت الإساءة بالإحسان والظلم بالعفو كسبت خيري الدنيا لأن الله يقول:ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور: 22].
سابعاً : عليك بالدعاء:ادع الله دائماً والجأ إليه وابتهل إليه في أن يحفظ لسانك، واخلص في دعائك وقل كما كان يقول : ((اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيتي)) وهكذا فإن القضية تحتاج إلى مجاهدة وتدريب لذلك فلنبدأ بتدريب أنفسنا على الكلمة الطيبة والبسمة الحانية والأسلوب العذب الرقيق حتى نسعد في الدنيا والآخرة فهل نفعل؟ نرجو ذلك ونتمناه.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعمنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين…آمين.