الحمد لله الذي خص هذه الأمة المحمدية، بما أدخر لها من الفضائل السنية، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير البرية، وبعد:
5/ ميادين الجمال : من خلال ما سبق ذكره من تقسيم الجمال إلى حسّي ومعنوي ، نستطيع أن ننطلق منه ، لمعرفة ميادين الجمال ومجالاته وهي : –
أ-الطبيعة : فالطبيعة بكل ما تحتويه من أرض وسماء ، وإنسان وحيوان ، ونبات وجماد ، تصلح ميدانا" رحبا" ، ومجالا" فسيحا" للجمال ، والقرآن الكريم حين تناول "الطبيعة" لفت الإنسان إلى كثير من دقائقها . وأسلوب القرآن في عرض مشاهد الجمال من الطبيعة على نوعين :
– نوع إجمالي : وذلك أن يتناول الأشياء الكلية على وجه الإجمال ، ثم يحوّل النظر إليها ، كي يعيش المرء معها بعمق وتمعن ، ويستخرج منها نتائج وأسرارا" . قال تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فهذا المشهد العظيم لوحة من الطبيعة ، التي لا تحدها الأبعاد والأنظار ، يسرح فيها العقل والبصر ، ليستنتج منها نتائج معينة ، الجمال ليس بآخرها .
– نوع تفصيلي : وذلك أن يتناول جزءا من أجزاء الطبيعة ، ومظهرا من مظاهرها ، ويرشد إلى الجمال فيه ، بالتصريح أو بالتلميح . قال تعالى : { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ }
ب-الإنسان : الإنسان ميدان آخر للجمال ، يتخلله الجمال منذ مرحلة تكوينه ونشأته ، إلى مرحلة نضجه وتكامله ، بل إن الجمال من أبرز سمات الإنسان التي نوه بها القرآن الكريم ، للدلالة على قدرة الله تعالى وإبداعه ، يمتن الله به على عباده ، فيقول تعالى : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } وقال جل وعلا : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وقال عز سبحانه : { يا أيها الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }{ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } فالتسوية التامة للإنسان ، هي النقطة الأساسية ، التي ينطلق منها جمال الإنسان ، لأن عدم الخلل والنقص في بنيته ، دليل على جماله وقد خلق الله الإنسان فبلغ به من الإحسان والإتقان ما بلغه . نكتفي بهذا القدر والى غد ان شاء الله
التصنيفات