الطبع والتطبع **********
شغلت مسألة الطبع والتطبع أفكارَ مئاتِ الفلاسفة وعلماء النفس والإجتماع عشرات القرون، فكانتْ نتيجة ذلك نظريات متعددة متناقضة، تـؤيد إحداها الطبع الموجود أصلاً في الإنسان عند ولادته، بينما تـؤيد الأُخرى التطبع المكتسب من البيئة والظروف الإجتماعية التي يسبح في لججها. فمِنْ قائلٍ إنَّ الإنسانَ مُسَيرٌ وليس مُخَيَّراً، فإذا عمل شيئاً، فذلك مكتوبٌ على جبينه عند ولادته، سواء أواتاه حظ أمْ سوءُ طالع. كان أبرزُ دعاة هذه النظرية قديماً الأشعرية (نسبة إلى حسن الأشعري المتوفى عام 340 هجرية والذي كان من تلامذة المعزلة وانقلب عليهم ). الإنسان عند المعتزلة مخيرٌ وليس مسيراً، فهو ذو عقل وإرادة حرة وهو مسؤول عن أعماله، لأنً عقله يُريه الصواب من الخطأ، وهذا مضاد للجبرية التي تقول إنً كلً شئ مسببٌ مباشرة من الله، وعلى هذا ذهب الأشاعرة
ألقاه في اليمً ِِمكتوفاً وقال له إيًاكَ إيًاك أن تُبتَـلَّ بالماءِ
إنً إحلالَ الروح في الجسد أو إمتزاجَ الروح بالمادة كان جوهر الفلسفات الهندية والبونانية القديمة، والتي طورها الفلاسفة المسلمون، وظهرتْ في كثير من الشعر العربي قديماُ وحديثاً والتي حبذ أكثرُها الطبعَ، كقول بشار بن برد مثلاً
خُلِقتُ على ما كُنتُ غيرَ مُخيرٍ هواي، ولو خُيرتُ كنتُ المُهذَبا
أُريد فلا أُعطى، وأُعطى ولمْ أُردْ وتكره نفسي أنْ أكونَ المجربا
وقوله أيضاً
والشيخُ لا يترك عـاداتـِه حتّـى يُـوارى في ثـرى رمسه
وقول شاعر آخر
ومُكلفُ الأشياءِ غيرَ طباعها مـُتطـلِّـب في الماء جذوةَ نـارِ
ولكنً أبا العلاء المعري يناقضها
كذب الظن، لا إمامَ سوى العقـلِ مُـشيراً في صبحه والمساءِ
وكذلك
وينشأ ناشئُ الفـتـيان فـينا على ما كـان عـلـًمـَهُ أبـوهُ
وما دانَ الفـتى بـتقىً ولكِنْ يُعلًـمه الـتـديـًنَ أقـربـوهُ
ولكنً الحيْرة تنـتابه فيقـول:
كمْ وعـظ الواعظون فينا وقـام في الـناس أنـبـياءُ
فانصرفوا والبلاءُ بـاقٍ ولـمْ يـزلْ داؤك العَـياءُ
حكمٌ جرى للمليك فـينا أمْ نحن في الأصل أغبـيـاءُ؟
أما الشيخُ إبراهيم اليازجي فقد مزج الطبع والتطبع معاً
ألِفتمُ الهونَ حتى صار عندكمُ طبعا،ً وبعضُ طباعِ المرءِ مُكتَسَبُ
والأمثلة كثيرة جداُ، وما ذُكر لا يُعَدٌ إلا النزْر منها