03 / 10 / 2022
في مساحة صغيرة جداً داخل المخ البشري لا يتجاوز قطرها بضعة ميلليمترات تقع الذاكرة التي ما زالت حتى الآن لغزاً يحير العلماء قبل الأطباء.
وعلى رغم صغر هذه المساحة، فإن المخ يستطيع أن يخزن فيها كماً هائلاً من المعلومات يقدرها الباحثون بأكثر من 100 بليون معلومة تحتاج إلى ملايين الصفحات في حال تحريرها.
والذاكرة قد تتعرض إلى مشاكل عابرة عادية تحصل من حين إلى آخر للجميع تنتج عادة من قلة الانتباه والتركيز، وهذا أمر طبيعي. لكن المصيبة هي عند الإصابة بأمراض تخلّف وراءها شرخاً عميقاً في الذاكرة إلى درجة أن المصاب قد ينسى أين يقيم، أو أين وضع سيارته، أو أين يوجد الحمام في منزله، أو أسماء أقرب الناس إليه، وهنا الكارثة.
وما نقصده بالشرخ العميق في الذاكرة هو فقدان هذه الأخيرة بحيث لا يستطيع فيها المصاب تعلم المهارات أو الاحتفاظ بمعلومات جديدة، أو حتى عدم إمكانية اكتساب معلومات أخرى مهما كانت بسيطة، إضافة إلى عدم القدرة على تذكر الماضي في شكل تام، واستحالة تذكر الأحداث التي مرت في الأيام السابقة، والتدهور على الصعيد الوظيفي والاجتماعي والعائلي.
وهناك مجموعة من الأمراض التي تسبب ضياعاً في الذاكرة:
1– مرض الزهايمر، وهو داء ناجم عن ضمور في الخلايا العصبية في المنطقة الدماغية المسؤولة عن وظائف الدماغ العليا، خصوصاً تلك التي تتعلق بالذاكرة والتركيز، واللغة وتركيبها، والوعي، والمعرفة، والقدرة على التعامل مع الأحداث، إضافة إلى اضطرابات عصبية ونفسية غير طبيعية مثل التصرفات الشاذة، والخلل في السلوك، واضطرابات في النوم. وفي نهاية المطاف يعيش المريض في عالمه الخاص معزولاً كلياً عن محيطه.
ويشاهد المرض عادة عند أشخاص قطعوا عتبة الستين من العمر، ولكن يمكن حصوله عند أناس في الأربعينات.
وهناك نوعان من مرض ألزهايمر: الأول وراثي ينتقل من طريق الجينات الوراثية من أحد الوالدين أو من كليهما. والثاني لا علاقة له بالوراثة.
وأول العوارض التي يتظاهر بها داء ألزهايمر هو تكرار النسيان للأشياء والأحداث، ومع مرور الوقت تتأثر وظيفة الذاكرة وطريقة الكلام والقدرة على حل المشكلات أو الحكم عليها.
وعلى رغم أن الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى تطور مرض ألزهايمر غير معروفة على وجه التحديد، إلا أن الآلية التي تؤدي إلى اندلاع العوارض الدماغية العصبية معروفة وتعود إلى تشكل شبكة من الألياف الدماغية داخل الخلايا العصبية وإلى تكون لويحات عصبية خارج الخلايا تتألف بشكل أساسي من مادة بروتينية تدعى بيتا أميلويد.
وعلى صـعيد المعطيات الحديثة حول ألزهايمر، أظهرت دراسة قام بها باحثون من جامعة ألاباما البريطانية أن الأشخاص الذين يعانون مشاكل في الذاكرة قد يكونون معرضين بشكل أكبر لخطر الإصابة بالسكتات الدماغية. وفي تعليقه على نتيجة الدراسة، ذكر الباحث المسؤول عنها البروفسور أراهام لتر، أن هذه النتيجة تعتبر أمراً مهماً لتحديد الأشخاص المعرضين لخطر السكتات وبالتالي إيجاد الوسائل التي تحمي منها.
وفي غياب العلاجات الجذرية التي لا تزال في طور البحث والاختيار لمرضى الزهايمر، فإن العلاج يعتمد في الوقت الراهن على معالجة العوارض، وتناول الأغذية الصحية، وتغيير نمط الحياة، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتفاعل مع الآخرين، والانشغال بالأنشطة الترفيهية التي تحفز وظائف المخ في شكل مستمر، مثل المطالعة، والألعاب، والرياضة، والعزف على الآلات الموسيقية.
2- داء باركنسون، وتظهر اضطرابات الذاكرة في هذا المرض ضمن زوبعة كبيرة من العوارض التي يعاني منها المصابون بهذا الداء، إلا أن العارض الأبرز هو الرجفان المنتظم الذي يبدأ في اليدين والأصابع، ثم يمتد ليشمل الرأس والقـدميـن، ويـبدو المـريض كـأنه يدحـرج حبات مسبحة بين إصـبـعي الإبـهام والـسـبابة. ويظهر الرجفان أثناء الراحة، ويختفي أثناء النوم، ومع الحركة الإرادية للطرف المصاب، ويزداد الرجفان مع التوتر والقلق، ويؤدي إلى الصعوبة في الكتابة والإمضاء والرسم، وكذلك تظهر صعوبات على صعيد الأكل، وشرب السوائل. كما يؤثر الرجفان في عملية الحلاقة، وربط الحذاء، وفتح الأزرار وربطها، أو ارتداء الجوارب، أو عد الأوراق النقدية، أو تفريش الأسنان، أو حتى قرع الباب.
ولا بد من التنويه هنا إلى أنه ليس كل رجفان أو بطء في الحركة أو تيبس، هو مرض باركنسون، إذ إن هناك الكثير من الأمراض التي تعطي عوارض مشابهة، لذلك يجب توخي الدقة عند تشخيص هذا المرض.
ومن السمات المميزة لمرض باركنسون هو وجه المريض الجامد الملامح، القليل الحركة، الخالي من التعابير والانفعالات، إلى درجة أن العينين لا ترمشان إلا نادراً.
أيضاً، إن اختلال التوازن يعتبر من سمات مرض باركنسون، فالمريض يصبح غير قادر على المشي بطريقة متوازنة، ويخطو خطوات قصيرة زاحفة، ويتعثر دوماً، ويكون ظهره متصلباً مقوساً إلى الأمام.
وحتى الآن لا يعرف السبب الحقيقي لمرض باركنسون، وكل ما يقال عن أسبابه مجرد احتمالات لم يتم التثبت منها، ومن هذه الأسباب المحتملة نقص المناعة، والفيروس، والوراثة، والمواد السامة، وضمور الخلايا المنتجة للناقل العصبي الدوبامين.
في خصوص العلاج، هناك قفزات نوعية تحققت في هذا المجال، ومع ذلك ما زال العلاج الشافي غير متوافر، وما زالت التحديات كبيرة، لكن البحوث والدراسات مستمرة للوصول إلى الحل الجذري، والنتائج الأولية مبشرة، وفي الانتظار، لا بد من حسن التعامل مع المريض، وإزالة الظروف التي تؤثر سلباً في المصاب، خصوصاً الضغوط النفسية.
3- السكتات الدماغية، وهناك نوعان منها: السكتات التقليدية التي تخلف مناطق واسعة من الدمار في المخ تعطي عوارض آنية نتيجة توقف تدفق الدم إلى تلك المناطق فيحدث خلل في عمل الخلايا الموجودة في هذه الأجزاء، ما قد يعرضها للموت، وهذا ما يتسبب في الشعور ببعض العوارض مثل التنميل، أو الضعف في أحد جانبي الوجه، أو بعض المشكلات في الكلام، أو الصعوبة في المشي، أو مشكلات في الرؤية، والتي تعكس الوظائف التي تتحكم بها الأجزاء التي تعرضت للدمار في المخ.
أما في السكتة الدماغية الصامتة فالوضع مختلف، إذ إن انقطاع تدفق الدم يؤدي إلى تدمير أعداد صغيرة من الخلايا في جزء معين من المخ لا يتحكم بوظائف معينة، ما يؤدي إلى عدم ظهور أية أعراض تذكر، لكن على رغم أن الشخص قد لا يلاحظ وجود أية تأثيرات فورية، فإن السكتات الدماغية الصامتة ربما تتسبب في إعاقة تدفق المعلومات داخل المخ، الأمر الذي يمكن أن يؤثر في الذاكرة، خصوصاً في حال حدوث الكثير من هذه السكتات بمرور الوقت، وهذا على ما يبدو هو السيناريو الشائع، فالسكتات الدماغية الصامتة تستطيع محو الذاكرة من دون سابق إنذار، وهنا تكمن المصيبة.
صحيح أن الشخص لا يعي حدوث السكتات الدماغية الصامتة، إلا أن الخبر السار في الموضوع هو أنه يمكن الوقاية منها وذلك من خلال:
– التحكم بأرقام ضغط الدم لتكون ضمن الحدود الطبيعية المعترف بها.
– الحد من استهلاك الملح.
– التحكم بمستوى الكوليسترول في الدم.
– مراقبة الوزن عن كثب ومنع أي تجاوز في هذا الخصوص.
– هجر التدخين كلياً.
– تناول ما لا يقل عن كوب ونصف كوب من الفاكهة وما لا يقل عن كوبين ونصف من الخضار يومياً.
– تناول أطعمة غنية بالأحماض الدهنية أوميغا-3.
– ممارسة الرياضة، فهذه الأخيرة هي صديق صدوق للمخ عموماً وللذاكرة خصوصاً.
الحل بالجوع!
إذا كنت تريد أن تقوي ذاكرتك وتسترجع المعلومات المخبأة في دهاليزها فلا تصاب بالإحباط، هناك حل بسيط وسهل التطبيق لتقوية الذاكرة، وهو أن تجوع، هذا على الأقل ما أكدته دراسة علمية حديثة أجراها علماء من جامعة يل الأميركية ونشرت نتائجها في مجلة «نيتشر نيروساينس».
ما هو السر؟ الباحثون يقولون إن هرمون الجوع المسمى علمياً «غريلين»، يعمل على زيادة الموصلات العصبية في منطقة الدماغ التي تتشكل فيها ذاكرة الأحداث، والهرمون المذكور يطرح في الدم عندما تكون المعدة خاوية. التجارب التي أجريت على فئران المختبر التي توالدت بعد فقدانها الجين المولد لهرمون غريلين، أكدت ان موصلات الأعصاب بين الخلايا العصبية في منطقة الدماغ المختصة بالذاكرة تراجعت لدى هذه الفئران.
-منقول للفائدة-