التصنيفات
قصص قصيرة

الجدار الاحمر ؟

الجدار الأحمر ؟

ارتقى الديكُ صخرةً صغيرةً و أطلقَ صيحةً قصيرةً كأنه يؤدِّي واجبا ثقيلا ثمّ همس لنفسه قائلا : منذ أن نَقُصَت دجاجاتُ القريةِ أصبح العملُ مُمِلا .. يخرجُ شيخٌ ببطءٍ من داره و يتخذُ سبيلا يعرفُها جيدًا نحو الجامعِ و الظلمةُ لا تزال تُلَملمُ بقاياها بتثاقلٍ عائدةً إلى خدرِها .. يعبر الشيخ ساحةً حِذوَ البُرجِ القَديمِ ، برجٌ ترابيُّ اللونِ قديمٌ جدًّا و لا يعرف أحدٌ تاريخَ بنائه ..و يلحظُ الرَّجلُ أنّ لونَ البرجِ أدكنُ من العادةِ ، لكنَّه يكذّب عينَيه فيلعنُ الشيطانَ و يتحسّرُ على حِدَّة بَصَرِهِ في الماضي .. عَقَِب الصلاةِ عادَ الشَّيخُ وقد بدأ نورُ الشَّمسِ َ ينتشرُ خَجِلًا على الأرضِ ،و على مَقرُبَةٍ مِنَ البرجِ وجدَ جَاره واقفًا مبهوتًا فارتفعَ بِبَصَرِهِ إلى حيث ينظر فهَالَه ما رأى : كان جدارُ البُرجِ المواجِهِ للساحةِ أحمرَ اللونِ .. نعم أحمر اللون ..
في دقائقَ قليلةٍ تجمّعَ أهلُ القريةِ عند البُرجِ و الجدارُ أمامهم شامخٌ بحُمرتِهِ الجديدةِ .. قال مديرُ المدرسةِ : لا يفعلُ هذا إلا الصِّبيانُ ، هؤلاء الشياطين إنّي أعرفهم .. لقد انتظروا انصرافَنا من صلاة العشاء البارحةَ و قاموا بهذه الفعلةِ .. أمَّن على قولِهِ بعضُ الرِّجالِ لكنَّ إمامَ الجامعِ هزَّ رأسه يمينًا و شمالًا رافضًا قولَه : و كيفَ بلغوا أقصى الجِدارِ وهو عالٍ جدًّا كما ترى ؟ و أين آثارُ الطِّلاءِ و رائِحته ؟ إنَّ هذه آية على قُدرةِ الله عزَّ و جلّ ، أرسلها إلينا ليُنَبِّهَنا إلى وُجوبِ طاعتِه بعد ما ظَهرَ من تَجاهُرٍ بمعصيته ..ارتفعت بينَ الحاضرينَ أصواتُ استغفارٍ و استرحامٍ .. في آخرِ الجمعِ وقفت فتاتانِ تستمعانِ إلى ما يقال حولهما، و قالت إحداهما عابثةً و كانت طويلةً أكثرَ من اللازم : لِمَ لا يكونُ اللونُ الأحمرُ صرعةَ الجدرانِ هذا الموسم ؟ أجابتها صديقتُها بحركةٍ مِن رأسِها فقد كانت منشغلةً بحِوارِ عُيونٍ صامتٍ مع شابٍ وسيمٍ على مقربة منها .. و غير بعيدٍ عنهما و قَفَت بعضُ النساءِ يُثَرثِرنَ حولَ الحدثِ و ارتفع عن إحداهن قولها : لا يفعلُ هذا إلا" سيدي سالم "، لا شكَّ أنَّه غاضبٌ بعد اكتشافِ جُثَّةِ الجَنينِ قُربَ ضَريحِهِ ..
انتبهَ الجمعُ إلى صوتِ محرِّكِ دراجةٍ ناريَّةٍ فقد كان العمدةُ منصرفًا بعد أن أخبَر من حوله بأن عليه إعلام السُّلطِ بالأمرِ خشيةَ أن يكونَ ما وقعَ جزءًا من مُخطَّطٍ إرهابيٍّ للاعتداءِ على أمنِ الوطنِ و سَلامَتِهِ ..
مع اشتدادِ حَرارةِ الشَّمسِ تناقَصَ عددُ الواقفينَ أمام الجدارِ فقد غادَرت الفتاتان و كانت إحداهُما تنظرُ إلى الجدارِ نظرةَ امتنانٍ في حينِ كان فَتًى وسيمٌ يسجِّلُ رقمَ هاتفٍ .. انصرفَت كذلك النسوةُ و ذهبت إحداهُنَّ إلى دكانٍ مجاورٍ لتشتري شمعتينِ تقدمُهُما إلى مقامِ" سيدي سالم" و خبزةٍ تُفرِّقُها بين صغار الحي .. و بقي شبّان يتحدَّثون بجدِّيةٍ بالغةٍ و عبَّر أحدهم عن خطورة هذا التَّحوُّلِ و رَبَطه بثقبِ الأوزونِ و الاحتباسِ الحراري ، أما الآخر فقال إنَّه لا بُدَّ من دراسةٍ أركيولوجيةٍ للبرجِ لإدراكِ سرِّ هذا التحولِ أمَّا الثالثُ فحاولَ إقناعهما بأن تَغيُّرَ لونِ الجدارِ إنما هو مؤامرةٌ صهيونيةٌ لتشويهِ الهويةِ و طَمسِ معالمِها..
عند الظهيرةِ فرغ المكانُ من الناسِ إلا صبِيَّيْنِ كان أحدهما يشدُّ قطعَ خيوطٍ قصيرةٍ إلى بعضِها فيصنعُ بها خيطًا طويلًا يضعُهُ لجامًا في فَمِ صديقِهِ و ينصرفان ضَاحِكَيْنِ ..
ارتفعَ صوتٌ جذلانُ عن الجدارِ يقولُ : لقد نَجحت حيلَتي ، لقد جلبتُ انتباهَهم إليَّ ، غدًا سأُغَيِّرُ لوني إلى الأُرجُوانِيِّ ..

فيصل الزوايدي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.