الأب جنّى وبنّى
– لم يكن يدرك أبعاد تلك النصيحة التي كانت تعيد تكرارها على مسامع أمه، كان من الصعب على طفل في مثل سنه أن يفهم ما الذي تقصده الجدة ب (الرجل جنىّ والمره بنىّ ) ، استغرقه فهم كلا المهمتين وقتا طويلا ! يقول عامر43عاما : لم أتوقف كثيرا عند تفسيرالشق الاول من القول ، اكثر ما اختلط علي فهمه ان تكون امرأة رقيقة مثل امي بنىّ تقوم بحمل الطوب وخلط الإسمنت ، تعمل بالعراء مع العمال تحت اشعة الشمس الحارقة والمطر الغزير ، البناء مهمة شاقة من اختصاص الرجال وحدهم .
يضيف : بعد أن كبرت فهمت ماكانت ترمي إليه جدتي ، كانت تهوّن على امي مسؤوليتها الكبيرة ، التحق ابي باعارة ، لم نكن نراه الا في اجازة الصيف كل عام ، يمكث حوالي شهر، ثم يسافر ، صحيح كان يعمل من اجلنا ، لكننا افتقدنا حبه وحنانه، وجوده في حياتنا، الولد يحتاج الى أبيه كثيرا.
عصر مختلف تتقاذفه ادوات العولمة يتطلب دورا اكبر للاب ، لايكفي ان ينفق بل يجب ان يساهم في رعاية الاطفال وتوجيههم ، حديث لآخر أب لثلاثة أطفال يؤكد بأن دوره في الأسرة اختلف كثيرا عن ابيه ، الذي اضطره العمل للتنقل والسفر ، بينما هو يحرص ان يكون موجودا مع اطقاله ، يقوم بتوصيلهم الى المدرسة في الصباح ، يتابع امور دراستهم ، يرافقهم الى اماكن التسوق واللهو و….
الأب المعيل بعبارة اخرى الحاضرالغائب لايزال موجودا في كثير من الاسر، عوامل كثيرة ساهمت في تعزيز ذلك ، انشغال رب الاسرة بالعمل ، والإعتقاد بأن تربية الأبناء مسؤولية الام وحدها ، والآباء لايملكون المهارات الضرورية التي تؤهلهم لهذا الدور، فيما ترجح دراسات حديثة بأن الاختلاف بين ارتباط كل من الاب والام بالأبناء يعود لعدة عوامل ..هرمونات الرجل ، موروثات اجتماعية وثقافية جعلت التربية منوطة بالأم ، فالأب يحتاج فترة طويلة حتى يشعر بطفله ، فيما احساس الام يكون متوفرا والجنين ما يزال في احشائها.
تقول هناء بأن دور زوجها ، يقتصر فقط على الانفاق على الأسرة، تربية الابناء وتدبير شؤونهم اوكلها لها فهو مشغول دائما في العمل ، حتى في يوم العطلة لايكلف نفسه تدريس احدهم او مناقشته في ذنب ارتكبه او حتى عقابه.
تحاول أم لخمسة أبناء سميرة ان تعزز من حضور الاب الذي اضطرته الظروف للعمل في الخارج ، تقول : لايمكن ان اتخذ قرارا دون ان نعود اليه ، برغم انني اعرف رده انني صاحبة الشأن ، اريد ان يعلم الابناء ان قراراته هي التي تنفذ في البيت، حتى تبقى له هيبته وسط اسرته ، حتى وإن كان بعيدا .!
يفتقد قصي 12عاما وجود والده حيث يعمل في بلد عربي ولايراه الا في اجازة الصيف، امه من تتابع وحدها اموره في المدرسة والبيت ..
يقول : كثيرا ما اتمنى ان اكون مثل بقية زملائي ابي هو من يقوم بتوصيلي الى المدرسة ، ويحضر الحفلات والاجتماعات التي يدعى لها اولياء الامور .
تعيش منى 16عاما تجربة مختلفة ، انفصل الوالدان ، لاتعرف ابيها الا من خلال مبلغ من النقود يرسله كل شهر ، لاتراه الا كل بضعة أشهر ، تفتقد حبه وحنانه والاحساس بالامان.
في كتابه الحاجة الى دور الاب يؤكد استاذ علم النفس د.كايل رويث بأن مشاعرالابوة لاتظهر لدى الرجل الا بعد ولادة الطفل الأول ثم تتعززبالتدريج ، على خلاف الانثى التي تمارس امومتها من خلال الدمى والعرائس التي تلهو بها وهي طفلة صغيرة ، ومع ذلك فإن احساس الطفل بأبيه يوازي علاقته بامه ، ومهما اكتسب من مهارات تمكنه من التفرقة بين بكاء الجوع او الالم فإن الاسلوب التربوي لوليده يكون متميزا .
تؤكد دراسات حديثة بأن عملية توزيع الادوار القديمة داخل الاسرة ، وحصر مهام الام في العناية بالاطفال عاطفيا وجسديا واجتماعيا ، وابقاء الاب في صورة المعيل يجب ان تتنهي ، فللاب دوره في التربية و ارتباطه بأبنائه عامل مهم في تفوقهم وتميزهم في المدرسة ، كما أن غياب الاباء عن المنزل لمدة عامين او اكثر يساهم في تناقص ذكائهم وتحصيلهم المعرفي ، بل ويجنح بسلوكهم نحو العدوانية عكس اقرانهم الذين يجدون الرعاية والاهتمام من الاب والام معا .كريمان الكيالي