{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأنعام32
– كثيرا ما يرفض طفل أن يتشارك مع أقرانه فيما يملك ، هناك يتعامل بعصبية بالغة مع مصادرة بعض مما لديه لآخرين ، إذ من الصعب ان يتنازل الطفل عن لعبة ، يعطيها او يسمح لآخر بأن يلعب بها، حتى لو كان ذلك الآخرهو شقيقه، صديقه، ابن الجيران اواحد الاقرباء ، فكثيرا ما يتشاجر الأطفال من اجل شيء واحد اذا ما اجتمعوا مع بعضهم البعض .
وفيما يرى الصغار بأنهم بهذا الرفض يدافعون عن رأيهم وحقهم في الاستمتاع بأشيائهم وحدهم ، كما يفعل الكبار تماما ، حيث لايشاركهم اصدقاؤهم في مقتنياتهم الشخصية كالموبايل والملابس والنظارات وغيرها ، فإن الاباء والامهات يعتبرون هذا التصرف أنانية من اطفالهم كثيرا ما تضعهم في مواقف حرجة .
وتوجهت دراسة ميدانية سويدية قادها الباحث ”ارنست فهر” اعتمدت قطعا من الحلوى كمادة اختبار، ل 229 طفلا بمراحل عمرية مختلفة ، وطرحت عليهم خياران ، الاول : ” قطعة لي واخرى لك ”، والثاني ” قطعة لي ،لاشيء لك ”، حيث اتجه الاطفال مابين 3-4 سنوات للاحتفاظ بكامل الغلة دون تقاسمها مع آخرين ، اي الخيار الثاني ، فيما فضل من تتراوح اعمارهم بين 7-8 سنوات التشارك مع اقرانهم بالحلوى اي الخيار الاول ، اذ رغب 80% منهم ان يملك شركاؤهم عدد القطع نفسها ، لكن اذا تبدلت الخيارات ب”قطعتين لي ولاشيء لك ” فقد انخفضت النسبة الى النصف ، اذ ان 40% فقط وافقوا أن يرحل شريكهم خاوي اليدين .
وفي تعليقه على نتائج الدراسة يرفض ”فهر” حصر الاسباب التي تدفع الطفل الى تغيير سلوكه بحسب المرحلة العمرية بالمحيط الاجتماعي فقط، ويقول بأن جزءا من هذا السلوك مبرمج ، فللجينات والثقافة دور كبيرفي تحديد تفاعل الفرد مع الموقف الذي يتعرض له.
وتعد الانانية صفة يكتسبها الاطفال من الوالدين ، و تمتلىء جعبة بعضهم بحكايا ومنها ما هو طريف .. تقول ”أم ”: جهزت كعكة كبيرة لحفل عيد ميلاد طفلي، و قام بدعوة اصدقائه وزملائه في المدرسة، وقبل قدوم المدعوين بساعة تقريبا، خرجت على عجل لاحضار والدة زوجي ”جدة الابناء” من منزلها وهو قريب من مكان سكننا ، وعند عودتي الى المنزل رأيت مشهدا كاد يفقدني صوابي ، يدا خفية اقتلعت الشموع و اتت على نصف الكعكة ، وشوهت الباقي ، ومابين ذهولي سمعت صوت طفلي ”صاحب العيد ” يصرخ من الآم مبرحة في بطنه ، وبدون ان يحكي اية كلمة علمت انه من التهم نصف الكعكة ، فقد كانت اثارها واضحة على جوانب فمه وملابسه تضيف : قضينا الليلة في طوارى احدى المستشفيات. حيث تم اسعافه من حالة اضطراب شديد في الهضم، وبعد ان وصلنا البيت في اليوم التالي قال لي: عندما شاهدت منظرالكعكة الرائع ، قلت لن يشاركني احد بها ،انها لي ، وبدأت في التهامها قبل ان يأتي احد ، كنت اود ان اخفيها في خزانتي ، لكني خفت ان ينكشف امرى ، ، فآثرت ان اكلها ولم استطع فهي كبيرة جدا ..
وفي قصة مشابهة ،تقول ”أخرى: ” بانها قامت باعداد بعض الحلوى والمعجنات ليأخذها ابنها للمدرسة في احد الاحتفالات التي تقام في نهاية العام ، وضعتها في حقيبة صغيرة واعتقدت بانه اخذها معه، وبعد يوم واثناء تنظيفها لغرفته ، اكتشفت بأن الحقيبة تحت سريره ، مايزال فيها الطعام ، وعندما سألته عن السبب الذي دفعه لعدم اخذها معه قال ببراءة : لن ادعهم يأكلون هذه الاشياء التي احبها ..انها لي وحدي .. تسترسل: تحويش النقود حكاية اخرى ، انه يضعها في حصالة ، ولايسمح لاي كان ان يأخذ منها قرشا واحدا ، حتى لو احتجنا الى ذلك . لقد اصبح هذا الصغير عصيا مزعجا انانيا.
وتقترب شكوى ” أب ” مما ورد ، ويقول: ” بأن من الصعب أن يؤخذ من صغيره اي شيء حتى ولو بالحيلة او بوعد قاطع باصطحابه في نزهة او شراء لعبة جديدة ، فأي شيء يمتلكه لايسمح لاحد بالاقتراب منه . ربما اخطأنا في البداية في تربيته ، لأنه ابننا الوحيد ، دللناه اكثر ، اصبح انانيا ومن ثم اراد احتكار كل شيء لنفسه ، فهو يحب ان يأخذ فقط ، لايسمح لاحد ان يستخدم العابه اذا ما قدم من في مثل سنه لزيارتنا مع اسرهم من الاهل والاصدقاء ، كثيرا ما يوقعنا في حرج بالغ .
اما المتهمون بالانانية – أصحاب الايدي الصغيرة فلديهم وجهة نظر مختلفة .. يقول ”منصور7 سنوات ” : يطلب مني ابي وامي السماح لمن يأتي من ابناء الاهل والاصدقاء ان يلعب بألعابي ، لكني ارفض بشدة واغلق غرفتي واجلس مع الكبار، أتعرض للتوبيخ لكن هذا لايهم .
وتضيف”هبة 7سنوات ” : اكره زيارات بعض الاقارب والاصدقاء لان لديهم بنات في مثل سني ، انا لااحب ان يشاركني احد العابي حتى اختي ، إنها لي وحدي .!
وتعتبر هذه المشاركة التي يرفضها الصغار مفتاح التغلب على الانانية ، حيث تساعد في تعلم صفات مهمة مثل التعاون والاعتماد على النفس وعدم التفكير في الذات من خلال رسم أو لعب جماعي ، التي تدفع بالطفل ليتنازل عن بعض انانيته بحسب مختصين .
وينصحون الاهل ايضا بتنبيه الطفل لاحتياجات من حوله بخاصة افراد اسرته واصدقائه ، ليس بالكلام بل من خلال شخوص حية ، كأن يسمح له بأخذ علبة حلوى لاصدقائه في المدرسة او الروضة او الاقارب واصدقاء العائلة ، او حثه على دعوة اصدقائه لتناول الطعام مثلا، اضافة لتعويده ان ينفق ويعطي ويتصدق ايضا على الفقراء ، اذ ان التدرج في تعويد الصغارعلى البذل والعطاء من خلال الاشياء الصغيرة ، يقودهم لعطاء اكبر من اجل الاسرة والمجتمع والوطن ….كريمان الكيالي