السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
والد تحت المجهر
الأب: عليك يا أسامة ألا تتلفظ بألفاظ بذيئة لأن المسلم هو من يحفظ لسانه من الوقوع في الشتائم.
حامد: نعم يا أبي فإنك قد قلت لي أن الله يغضب من المسلم الذي يتكلم كلامًا بذيئًا.
وأثناء ذلك الحديث أوقع ياسر الصغير الزهرية.
الأب: أيها الأحمق، أيها الغبي أيها …..
ياسر: لم أقصد ذلك يا أبي؟
الأب: إنك حيوان…
ووقف حامد يعتريه الذهول مما يقوله والده لياسر.
لاشك أن من أكثر العوامل تأشثيرًا في بروز السلوك الحسن لدى الأطفال هو القدوات؛ فالفرد الذي احتك في أول حياته بقدوات يغلب على سلوكياتهم الأفعال الحسنة، فغالبًا ما ستنطبع هذه السلوكيات عليه، خاصة إذا كان هؤلاء القدوات قد أظهروا قدرة على مواجهة الأفعال غير القيمية، واستبدال ذلك بأفعال أكثر قبولًا؛ فلاشك أن مثل هذه التفاعلات تؤدي إلى التزام الأبناء بالأفعال القيمية، خاصة إذا كانت بصورة مبرمجة ومستمرة.
فعلى سبيل المثال: الطفل الذي يرى والده يعطي الفقير الصدقة بانتظام يتطبع بمثل هذه السلوكيات القيمية بدون أن يشعر، والطفل الذي يرى والده لا يغش ولا يرد الإساءة بالإساءة، بل يرد الإساءة بالإحسان؛ لاريب أن هذه السلوكيات ستصبح جزءًا من سجيته وعادته.
ولذلك؛ على الوالدين أن يهتموا بسلوكياتهم في مختلف المراحل العمرية للطفل؛ لأن الطفل يقوم بمحاكاة الوالدين في كل ما يفعلون، ولذلك لا نتوقع من أبنائنا أن يلتزموا بالأفعال القيمية إذا لم نلتزم بها نحن.
ملحوظة مهمة:
لا يندفع الأطفال إلى الأفعال القيمية كمساعدة المحتاج إن شعر بوجود أكثر من شخص يستطيع تقديم العناية له، فالطفل الذي يجد أخاه يبكي لن يندفع إلى تهدئته إن وجد الوالدان يحرصان على ذلك؛ ولذلك يجب على الوالدين أن يصبرا ويُعلِّما الطفل كيف يقدِّم العناية بالآخرين، وكيف يتصرف قيميًّا أثناء وجودهم، ولابد أن يتحملوا الوقت الذي سيضيعه هؤلاء الأطفال من أجل ذلك.
كيف يمكن لموضوع القدوة أن يوجِّه الأطفال للتصرف قيميًّا في سلوكياتهم؟
يتم ذلك عبر مجموعة الأمور التي تدفع الطفل لفعل أو ترك السلوكيات التي يقوم بها قدوته؛ ومنها:
1. فعل السلوك إذا لاحظ الطفل قدوته يقوم بالسلوك:
وفيه يكتسب الطفل سلوكًا جديدًا إذا لاحظ أن قدوته يقوم بأداء ذلك السلوك؛ ولذلك إذا حرص المربون على القيام ببعض السلوكيات القيمية أمام أعين هؤلاء الأطفال دون أن يعلِّقوا على هذه الأفعال؛ فإنهم بذلك يساعدون الأطفال على محاكاتهم.
2. تكرار الطفل للسلوك الذي تلقى قدوته الثناء عليه:
فالطفل، له قدوة يحب أن يقتدي به، فالطفل يمكن أن يكرر سلوكًا جيدًا إذا الناس يمدحون قدوته على هذا السلوك وفيه يتم تدعيم السلوك الذي فعله الطفل تقليدًا لقدوته، ويتكرر عنده إذا رآه نال تحفيزًا على فعل ذلك السلوك، كمثل أن يرى صديقًا له قد جاء بملابس غريبة ثم ينال هذا الصديق (الذي يعتبره قدوة له) ثناءً على هذه الملابس من طلاب المدرسة؛ فإن ذلك سيدفعه إلى تكرار هذا السلوك [علم نفس التعلم، جين إليس].
3. ترك السلوك إذا عوقب قدوته على فعله:
فالطفل قد يمتنع عن السلوك إذا رأى أن قدوته قد عوقب على فعل معين، فالأطفال سيمتنعون عن فعل الأفعال العدوانية في ملعب المدرسة إذا وجدوا أن أقرانهم قد عوقبوا على فعل ذلك، وسيمتنعون أيضًا عن الإجابة عن الأسئلة في الفصل إذا وجدوا أن الإجابات الخاطئة لأقرانهم قد تم السخرية منها.
4. معاودة الاستجابة للسلوكيات المعاقب عليها:
فالأطفال سيقومون بالغش في الامتحانات إذا رأوا قدواتهم قد قاموا بهذه السلوكيات ومرت أفعالهم دون عقاب، حتى لو عوقبوا قبل ذلك على هذه السلوكيات.
مواصفات القدوات المؤثرين:
لا يقوم الأطفال باتخاذ كل من حولهم كقدوات، ولكن هناك عوامل تجعل الأطفال يتخذون مثلًا أحد المدرسين قدوة لهم، وتنفرهم من البعض الآخر؛ ومن هذه المواصفات:
1. الجدارة :
فلابد أن يكون القدوات قادرين على أداء أعمالهم بكفاءة؛ حتى يستحوذوا على عقول وقلوب هؤلاء الأطفال، فالأطفال سيحاولون تقليد مواصفات لاعب كرة سلة محترف وليس مجموعة من هواة كرة السلة، وسيقلِّد الأطفال مدرس الرياضيات المتفوق في مادته وليس مدرس الرياضيات الذي تكثر أخطاؤه على السبورة.
2. الهيبة والقوة :
فالأطفال يميلون إلى تقليد من له هيبة عالمية أو حتى إقليمية، ويتمتع بالقوة المناسبة، ولذلك على الآباء والمدرسين أن يجعلوا الأطفال يحتكُّون بمثل هؤلاء المشاهير؛ كأن يستضيفوا واحدًا من أساتذة الجامعة الملتزمين، أو واحدًا من الدعاة المحترمين وغيرهم من القدوات.
كما ينبغي استخدام وسائل الإعلام والكتب للتعرف أكثر على مثل هؤلاء القدوات، وتعليم الأولاد كيف يقتدون بهم.
3. أن تكون سلوكياته موافقة لنوع الطفل:
سيمتنع الأطفال عن تقليد أي قدوة إذا أدركوا أن سلوكياتها لا تناسب نوعهم، فالأطفال يتولد عندهم من الثقافة المجتمعية ـ مثلًا ـ أن هناك أعمالًا يتوقف فعلها على الرجال أو النساء، وهذا لاشك يضع أمام الطفل حاجزًا للاستفادة من قدوة ما إذا أدرك أن عمله يتعارض مع نوعه، أو سيُعتبر شاذًّا عن نوعه إن سلك نفس الطريق.
4. أن تكون سلوكياته مفيدة ونافعة ومتواكبة مع حياة الطفل:
فالأطفال يميلون إلى تقليد السلوكيات التي يظنون أنها قد تنفعهم في حياتهم ومواقفهم، فالطفل سيقوم بتقليد زملائه في التزين بملابس معينة، إن ظن أن ذلك سيجعله محبوبًا أكثر بين زملائه.
فالأطفال لن يقلدوا من السلوكيات إلا التي يعتقدون أنها نافعة ومنتجة بالنسبة إليهم في حياتهم العملية؛ ولذلك ينبغي على المربين عند تدريس السلوكيات القيمية للأطفال أن يقنعوهم بمدى ارتباطها بمختلف مواقف حياتهم، حتى يضمنوا أن يقوم الأطفال بتقليدها.
كيف نساعد أولادنا على الاقتداء بشخص معين؟
1. الانتباه:
قبل المحاكاة لابد أن يتعلم الأبناء كيف ينتبهون للقدوات، وكيف يلاحظون سلوكياتهم، وكيف يسمعون بانتباه لكلامهم، وكيف يرون حركاتهم.
ويكون هذا بأن تقوم الأُم التي تريد أن تعلِّم طفلها الاقتداء بأبيه في صفة الكرم مثلًا، بجعله ينتبه إلى والده وهو يخدم ضيوفه الذين دعاهم للعشاء، وتخاطبه بعبارات مثل: (انظر إليه وهو يخدم أصدقاءه، تأمل والدك وهو يقدِّم لهم الطعام بيديه ويحثهم على تناوله، هكذا يكون الكرماء).
2. المحاكاة:
فلابد أن يتوفر للطفل المقدرة على تأدية السلوك المرغوب فيه حركيًّا ويتعود على ذلك؛ ولذلك من المهم جدًّا أن يقوم الأطفال بمحاكاة الأفعال فوريًّا بعد مشاهدتهم إياها وهي تُؤدَّى من جانب المربين، حتى يتوفر فرصة للمربين أن يعدِّلوا على هذه السلوكيات؛ مما يجعلها نافعة وقابلة للتطبيق في الواقع العملي.
ففي المثال السابق، تقوم الأُم بِحَث الطفل الصغير على الذهاب إلى المائدة وتقديم أحد أصناف الطعام لضيوف والده.
(إن العلماء يشيرون إلى أن التربية عملية تشكيل وفقًا لنموذج يحتذي به الطفل؛ فكما يتعلم الأطفال الكلام عن طريق التقليد والاستماع والملاحظة؛ فهم أيضًا يكتسبون ميولهم في الحياة ويكتسبون القيم والعادات عن طريق المحاكاة، وبما أن الأطفال يُقلِّدون سلوك من حولهم؛ فلابد وأن يكون لنا كآباء ومربين الأثر الأكبر على تعليمهم، وأن نفكر مليًّا في سلوكياتنا وما نقوله وما نفعله، فنحن بالنسبة لهم القدوة) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، د.سال سيفير، ص(23)].
3. الاحتفاظ:
فلابد أن يتذكر الطفل ما فعله القدوة؛ لذا لابد أن تقدم السلوكيات المرغوبة في صورة صور مرئية وجمل لغوية، حتى يتذكرها الأطفال بسهولة، ولذلك يعد من المفيد جدًّا أن نحفِّظ الأطفال جملًا تعبيرية يؤدونها كلما أدوا السلوكيات المرغوبة حتى لا ينسوها، فهذه الجمل تصف الحركات التي يتكون منها السلوك، ولاشك أن ذلك يعلق في أذهان الأطفال بصورة كبيرة، بحيث يصبح السلوك متبادر إلى الذهن بصورة كبيرة.
ففي المثال الأول؛ بعد أن توجه الأم ابنها للانتباه إلى والده وتدفعه لتقليده في سلوكه، تجعله بعدها يردد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) [متفق عليه].
4. التحفيز:
وهذا من البدهيات؛ فالطفل لكي يقوم بمحاكاة نموذج محدد لابد أن يُثار في نفسه التحفيز المناسب لكي يقوم بتقليد هذا النموذج، مثل أن يكون قد رآه وهو يُحمد على سلوكياته، وعلى النقيض تمامًا ربما يمتنع أحد الأطفال عن محاكاة نموذج معين إذا رآه قد تعرض لعقوبة على سلوكيات، أو رأى هذه السلوكيات غير مناسبة له.
وفي المثال السابق تقوم الأُم بتحفيز ولدها بأن تقول له: (إن أصدقاء والدك يقدِّرونه جدًّا ويحترمونه لهذا الفعل، وكل من يتحلى بصفة الكرم يحبه أصدقاؤه).
إن التحفيز مفيد جدًا للأطفال بل ومهم لأن هذا يدعم السلوك الحسن لديهم، وأيضًا هم بحاجة إلى الحب الذي يدعمهم (فلقد أظهرت دراسة الأطفال الذين أمضوا حياتهم الأولى في المستشفيات أو المؤسسات الأخرى، أن الطفل يحتاج إلى أشياء أخرى أكثر من حاجاته الجسمية، لقد كان هؤلاء الأطفال يُطعمون ويستحمون, ويعتنى بهم بأحسن طريقة علمية سليمة، ولكن كان ينقصهم الرعاية الشخصية الدافئة والتي تقدمها الأم عادة لطفلها، كان ينقصهم الشعور بالمساعدة والتشجيع، كان ينقصهم الشعور بأن هناك من يحتاج إليهم، وباختصار كان ينقصهم الحب الحقيقي، هؤلاء الأطفال كانوا كلما كبروا صاروا غير اجتماعيين يضمرون العداء للمجتمع) [كيف تصبح أبًا ناجحًا، عادل فتحي عبد الله، ص(64)].
ماذا بعد الكلام؟
ـ كن أيها الوالد قدوة لأولادك، فالزم نفسك أولًا قبل أن تلزم أطفالك بفعل السلوكيات الإيجابية.
ـ استخدام التحفيز هام جدًا في اقتداء الأطفال بأشخاص معينين كالآباء، فمثلًا كما رأينا في نموذج الأم التي حفزت ولدها من خلال قولها أن أصدقاء أبيه يحبونه للفعل الحسن الفلاني.
منقول