أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني (93-179هـ / 711-795م) فقيه ومحدِّث مسلم، وثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه، وكان معروفاً بالصبر والذكاء والهيبة والوقار والأخلاق الحسنة، وقد أثنى عليه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». ويُعدُّ كتابه "الموطأ" من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك». وقد اعتمد الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب.
-هو: «أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر واسمه نافع بن عمرو بن الحارث بن غَيْمان بن خُثَيل بن عمرو بن الحارث ذي أصبح بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن هميسع بن حمير بن سبأ». وكان لمالك أربعة أولاد هم: يحيى، ومحمد، وحماد، وفاطمة أم أبيها أو أم البنين
مولده: ختلف العلماءُ في السنة التي وُلد فيها الإمام مالك، فقيل إنه وُلد سنة 90هـ، وقيل 93هـ، وقيل 94هـ، وقيل 95هـ، وقيل 96هـ، وقيل 98هـ، ولكن الأكثرين على أنه وُلد سنة 93هـ في خلافة سليمان بن عبد الملك، ولقد رُوي أن مالكاً قال: «وُلدت سنة ثلاث وتسعين». نشأته: نشأ الإمام مالك في بيت اشتغل بعلم الأثر، وفي بيئةٍ كلُّها للأثر والحديث، أما بيته فقد كان مشتغلاً بعلم الحديث واستطلاع الآثار وأخبار الصحابة وفتاويهم، فجده مالك بن أبي عامر كان من كبار التابعين وعلمائهم، وقد روى عن مجموعة من الصحابة، أما أبوه أنس فلم يكن اشتغاله بالحديث كثيراً، إذ لم يُنسب إلى مالك أنه روى عن أبيه إلا خبراً واحداً يُشك في نسبته إليه، فلم يكن أنسٌ إذن من المشتغلين بالعلم والحديث. ومهما كان حالُ أبيه من العلم ففي أعمامه وجَدِّه غناء، ويكفي مقامهم في العلم لتكون الأسرة من الأسر المشهورة بالعلم، كما كان أخو مالك وهو النضر بن أنس ملازماً للعلماء يتلقى عليهم ويأخذ عنهم. عمله ومصدر رزقه: لم تَذكر كتبُ المناقب والأخبار مواردَ رزق الإمام مالك موضّحةً مبيّنةً، ولكن جاءت أخبارٌ منثورةٌ تكشف عن موارد رزقه، والراجح أن مالكاً كان يعمل بالتجارة، فقد قال تلميذه ابن القاسم: «إنه كان لمالك أربعمئة دينار يتجر بها، فمنها كان قوام عيشه». كما كان الإمام مالك يَقبل هدايا الخلفاء، ولا يعتريه شك في حل أخذها، وإن كان يتعفف عن الأخذ ممن دونهم، فقد سُئل عن الأخذ من السلاطين فقال: «أما الخلفاء فلا شك، يعني أنه لا بأس به، وأما من دونهم فإن فيه شيئاً»، ويُروى أن الخليفة هارون الرشيد أجاره بثلاثة آلاف دينار، فقيل له: «يا أبا عبد الله، ثلاثة آلاف تأخذها من أمير المؤمنين!»، فقال: «لو كان إمامَ عدل فأنصف أهل المروءة لم أر به بأساً»، فهو كان يقبلها لأنها برأيه من إنصاف أهل المروءة.
بعد أن اكتملت دراسة مالك للآثار والفُتيا، اتخذ له مجلساً في المسجد النبوي للدرس والإفتاء، ولقد قال في هذا المقام وفي بيان حاله عندما نزعت نفسه إلى الدرس والإفتاء: «ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاوِر فيه أهلَ الصلاح والفضل والجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع لذلك».وقد كان جلوس مالك للإفتاء في المسجد النبوي بعد أن اكتمل عقله ونضج فكره، وفي حياة بعض شيوخه الذين عاشوا بعد أن نضج واكتمل، ولم تُبين المصادر السنَّ التي جلس فيها مالك للإفتاء بالتعيين الذي لا شك فيه. فقه واصول مذهبه لم يكن للإمام مالك أصولٌ فقهية بالمعنى المعروف، ولم يأخذ عنه أحد من أصحابه منهاجاً أو أصلاً مما عليه فقهه، ولكن استطاع أصحابه ثم أصحابهم من بعدهم أن يستقصوا فقهه، وينتزعوا منه الأصول التي بنى عليها، وأما أصول المذهب المالكي فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب. وفاته مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوماً، ثم جاءته منيته، وأكثر الرواة على أنه مات سنة 179هـ، وقد قال فيه القاضي عياض: «إنه الصحيح الذي عليه الجمهور»، واختلفوا في أي وقت منها، والأكثرون على أنه مات في الليلة الرابعة عشرة من ربيع الثاني منها. وفي رواية عن بكر بن سليم الصراف قال: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها، فقلنا: «يا أبا عبد الله كيف تجدك؟»، قال: «ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون غداً من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب»، قال: «ما برحنا حتى أغمضناه، وتوفي رحمه الله يوم الأحد لعشر خلون من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة». وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم أميرُ المدينة، وحضر جنازته ماشياً، وكان أحدَ من حمل نعشَه. وكانت وصية الإمام مالك أن يُكفَّن في ثياب بيض، ويُصلى عليه بموضع الجنائز، فنُفِّذت وصيته، ودُفن بالبقيع. سقى الله جدثاً بالبقيع لمالك** من المُزْن مرعادَ السحائب مبراقُ BRB |
التصنيفات