التصنيفات
القسم الاسلامي

ليلة القدر هي أفضل الليالي الكتاب و السنة



ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال سبحانه في أول سورة الدخان: حَم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[1]، وقال سبحانه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ[2]،وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))[3]متفق على صحته. وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير. وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها. وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده. فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال عليه الصلاة والسلام: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر))[4] وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائماً، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيماناً واحتساباً أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها، كان النبي صلى الله عليه وسلم: ((يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها)). وقالت: ((كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشدَّ المئزر)) وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالباً، وقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[5]، وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني))[6]، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير. فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنواع الذكر والعبادة إيماناً واحتساباً حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب وحط الأوزار والعتق من النار. فضلاً منه سبحانه وجوداً وكرماً. وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر. كما قال سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً[7]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر))[8] خرجه الإمام مسلم في صحيحه. ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة وفي ذلك خطر عظيم. فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك وأن يعزم عزماً صادقاً على الاستمرار في طاعة الله وترك المعاصي، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[9]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[10]، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ[11]، ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله وآمنوا به وأخلصوا له العبادة واستقاموا على ذلك تبشرهم الملائكة عند الموت بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن مصيرهم الجنة من أجل إيمانهم به سبحانه واستقامتهم على طاعته وترك معصيته، وإخلاص العبادة له سبحانه، والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب الثبات على الحق، والاستقامة عليه، والحذر من الإصرار على معاصي الله عز وجل. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ[12]. فنسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين في هذه الليالي وغيرها لما يحبه ويرضاه وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم.
[1] سورة الدخان، الآيات 1 – 6.
[2] سورة القدر، كاملة.
[3] رواه البخاري في الصوم باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً برقم 1901، ومسلم في صلاة المسافرين باب الترغيب في قيام رمضان برقم 7060.
[4] رواه البخاري في الاعتكاف باب الاعتكاف في العشر الأواخر برقم 1986، 1992، والترمذي في الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في ليلة القدر برقم 792.
[5] سورة الأحزاب، الآية 31.
[6] رواه الترمذي في الدعوات باب في عقد التسبيح برقم 3513.
[7] سورة النساء، الآية 31.
[8] رواه مسلم في الطهارة باب الصلوات الخمس والجمعة على الجمعة برقم 233.
[9] سورة الحجر، الآية 99.
[10] سورة آل عمران، الآية 102.
[11] سورة فصلت، الآيات 30- 32.
[12] سورة آل عمران، الآيات 133- 136.

من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من مندوب صحيفة الجزيرة بالطائف بتاريخ 24/9/1407هـ – مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الخامس عشر

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن بازرحمه الله


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.