التصنيفات
القسم العام

حكاية تونس

حكاية تونس من أولها إلى آخرها

تونس ذلك البلد الجميل الهادئ الساكن في غرب أفريقيا.

تطل برأسها داخلة في البحر المتوسط لتقول للناس: "تعالوا تأملوا في خلق الله هنا فهناك بيئة من أجمل ما خلق الله".

عاصمتها في نقطة وصل رئيسة بين أوروبا وأفريقيا في مسالك الطرق البحرية؛ فالنتؤ الذي تقع عليه تونس ويطل على جزيرة صقلية يفصل البحر المتوسط إلى شرق وغرب.

تلك البقعة الجميلة التي تعرف عند المؤرخين المسلمين باسم أفريقيا، فإذا قيل فتحت أفريقيا (مجردة هكذا) فمعناه تونس.

في سنة خمسين من الهجرة دخل الإسلام هناك على يد عقبة بن نافع ثم حملة حسان بن النعمان سنة 84 م الذي وطد الحكم بأفريقية وجعلها مستقلة عن مصر، مع أن مصر فتحت قبلها بسنين.

تميزت تونس بتاريخ عريق جداً يعود لحوالي ثلاثة الآف سنة.
وتنازع عليها الرومان في روما مع أهلها الأصليين، وفعلا كانت الحرب بينهم سجالاً فيوم لك ويوم عليك.

كانت المدينة العريقة هناك هي "قرطاج"، وكانت من الشهرة بحيث أنهم استولوا على البحر الأبيض المتوسط وأحكموا نفوذهم عليه مما أثار روما وقامت بسبب ذلك الحروب الطويلة التي عرفت في التاريخ باسم "الحروب البونية" والتي حاول الرومان الرحماء بتدمير تلك المدينة العريقة.

مرت الليالي والدهور وإذا تونس تدخل تحت الحكم الإسلامي في وقت مبكر، بل وتصبح منطلقاً لجيوش الإسلام ومنبعاً علمياً رئيساً بعد إنشاء مدينة القيروان التي أسسها عقبة بن نافع الفهري، وتصبح بعدها القيروان من أهم مدن الإسلام في تلك النواحي علماً وحضارة وتجارة، كل ذلك بعد منتصف القرن الأول الهجري.

عرفت تونس الجوامع العلمية مبكراً مثل جامع "الزيتونة" الشهير الذي بني في حوالي سنة ثمانين هجرية أي في القرن الأول (قيل أنه نسبة لشجر الزيتون) وأصبح أهلها من أكثر الناس نفعاً في مجال العلوم الشرعية؛ فظهر منها علماء الشريعة مثل الطاهر بن عاشور من المتأخرين، بل إن علم الإجماع كان أبرز علمائه في العالم هو التونسي ابن خلدون الذي لا يخفى على باحث.

فتونس إذاً إسلامية أولاً عربية ثانيا، مهد بطولات، ومنبع فضلاء، ودوحة فاضلة من الجامعات العريقة التي نشرت النور في العالم بأسره مثل أي بقعة في العالم.

تداول السلطة أقوام وممالك هناك فقامت حكومات ودويلات، منها دولة الأغالبة التي حكمت حوالي مئة وعشر سنوات (184- 296) ثم الدولة الفاطمية (296- 362) وهكذا تعاقبت الحكومات الصنهاجية ثم الحفصية حتى الخلافة العثمانية (981- 1298)

ثم قدر الله أن تضعف الدول الإسلامية عموماً، وتدخل تونس تحت الحكم الفرنسي والحماية المقيتة (1398 ه – 1881 م) بغطاء من ملوك ضعفاء لا يملكون شيئاً لنفوسهم فضلاً عن أن يستطيعوا نفع أمة بأكملها. عرف هؤلاء الملوك باسم "البايات" مفرد "باي".

بعد أكثر من ثمانية وسبعين سنة، وبحيلة ذكية خرج الكافر الأصلي ليحل محله الكافر المرتد (كما أفتى بذلك جمع من علماء الإسلام فيه) وهو المدعو "الحبيب بورقيبة".

رضيت فرنسا أن يكون "بورقيبة" حاكماً بتمثيلية صدقها السذج من العرب سنة (1956 م – 1375 ه)

دخلت بعدها البلد الإسلامية في موجة عارمة من التغيير والتزييف والعبث بمقدرات الأمة والاستهتار بالشريعة الإسلامية، بل ونبذها ومحاربتها بكل وسيلة.

في تمسك – عادي طبعاً لحكام العرب – بالسلطة الإنتخابية التي ينص دستورها الانتخابي على أن يتولى السلطة رئيس ينتخب لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرتين.

بعد سنوات معدودة قرر "بورقيبة" أن ينصب نفسه رئيساً مدى الحياة بدستور جديد ينسخ القديم وذلك سنة (1975 م).
أعلن أبو رقيبة أنه لابد من وجوب إلغاء الصيام عن العمال؛ لأنه يقلل الإنتاجية، وأنه لابد من خلع الحجاب في تونس؛ لأنه يؤخر التنمية بزعمه.

وفعلاً قام – كما هو موجود في شريط فيديو بث على الشعب المقهور – بنزع الحجاب بيده القذرة أمام الملأ وهتاف المجرمين وقهر المظلومين.

منع بورقيبة الهالك صلاة الفجر للشباب، وبدأت المخابرات تلاحق من يصلي باستمرار، واعتبار ذلك من الإرهاب الذي ينبغي قمعه ومحاربته.

من أخطر ما فعل:
أن تكلم في مؤتمر عام في سنة 1394 ه زعم فيه أن القرآن متناقض ومشتمل على بعض الخرافات، مع وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إنسان بسيط يسافر في الصحراء كثيراً ويستمع للخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت.
كان هذا الخطاب الذي نشر على سلسلة مقالات بعد ذلك كارثة بكل المعاني المعروفة.

حتى قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في ذلك: "وقد أفزع هذا المقال كل مسلم قرأه أو سمعه؛ لما اشتمل عليه من الكفر الصريح والجرأة على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله من مسؤول دولة تنتسب إلى الإسلام" [الفتاوى 1/84].

بعدها أرسل عدد من علماء العالم الإسلامي برقية يطلبونه الإعتذار والدخول في الإسلام مجدداً، لكنه رفض وأصر على ردته وعناده وكفره.

وكانت الرسالة موجهة من المشايخ: أبو الحسن الندوي أمين العلماء في الهند، وعبد العزيز بن باز العالم المعروف، وحسنين مخلوف مفتي مصر، وأبو بكر جومي رئيس قضاة نيجيريا، ومحمد أمين المصري.

ومما جاء فيها: "فالواجب عليكم المبادرة إلى التوبة والعودة للإسلام وإلا وجب عليكم المبادرة إلى التكذيب الصريح ونشره في العالم بجميع وسائل النشر وإعلان عقيدتكم الإسلامية، وإن عدم التكذيب دليل على الإصرار على الردة ومثار فتن لا يعلم عواقبها إلا رب العالمين".

وهكذا كأن لم يسمع شيئاً مع اشتعال نار الردود في صحف العالم الإسلامي، ولم يبارك مقالته إلا الشيوعيون العرب والمنافقون والمنافقات كما قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [التوبة: 67].

في عهد هذا المأفون الهالك امتلأت السجون بالعلماء والمصلحين – ولازالت – وبدأت رياح الإلحاد الصارخ تدب على وجه الأرض، وتطاولت أعناق المفسدين وبدأت الحملة على كل ما هو شرعي وديني.

يرى بورقيبة أن سبب التخلف هو التمسك بالإسلام، ولما حارب الإسلام لم يحدث أي تقدم أصلاً، فكم دولة تقدمت مثل ماليزيا وأندونيسيا لم تفعل مثل ما فعل.

لم تحرز تونس إلى اليوم أي تميز في ناحية المخترعات والصناعات بل على العكس تزداد الحالة سوء بسبب القهر والحصار الفكري والشرعي على الناس.

بعد هذا العناد وبسفن حربية فرنسية حملت الفارس الجديد وصل الرئيس الجديد "علي بن زين العابدين" وهو النائب السابق ورئيس الإستخبارات في حكومة بورقيبة؛ ليعلن عزل بورقيبة وطرده من الحكم لكبر سنه وعجزه عن إدارة شئون الدولة وذلك سنة 1987 م.

وبذلك بدأت مرحلة الحرب العظمى على الهوية المسلمة من جديد وبأسلوب استخباراتي أكثر صرامة وأكثر ضراوة؛ عشرات الآلاف من المساجين بحجة حب الإسلام أو تدريس الدين مما جعل كثيراً منهم يخرج للدول الأخرى هرباً بدينه، منع الحجاب وفصل كل طالبة أو معلمة في مراحل التعليم العام والعالي ترتدي الحجاب وبقوة القانون، توحيد الأذان عن طريق المسجل، توحيد خطبة الجمعة وتكون من الدولة، الاستهتار بشعائر الدين علناً والسماح لكل شيوعي واشتراكي وملحد بقول ما يريد بحجة الحرية التي يستحقها كل أحد سوى أهل الدين الإسلامي، شتم الإسلام والمسلمين وعدم السماح بالرد على تلك التهم الفظيعة، يوم الجمعة لا يوجد إجازة عمل، والصلاة لا تكون إلا بعد نهاية الدوام قبل صلاة العصر بقليل، منع صلاة الفجر للشباب إلا ببطاقة ممغنطة وتصريح من الحكومة.

بل ومن المفارقات أن الحكومة التونسية تمنع وتشدد على الحجاج بعدم سماع مواعظ الخطباء في موسم الحج في مكة وتجند الإستخبارات لذلك وتمنع دخول الواعظين إلى مخيمات الحج التونسية وتمنع نشر أي كتاب أو نشرة إرشادية لهم مهما كان عنوانها أو موضوعها.

يسكن تونس حوالي عشرة ملايين من البشر يتمتعون بغاية الحرب على دينهم وعقيدتهم، الصلاة ممنوعة اليوم إلا ببطاقة ممغنطة – أي تدخل سافر في الحريات مثل هذا -.

السؤال المطروح الآن: أين منظمة الدول العربية؟ أين منظمة المؤتمر الإسلامي وجهودها في إيقاف هذه الحرب السافرة؟ أين علماء العالم الإسلامي الذين تحركوا لقضية فتاتين في فرنسا منعا من دخول المدرسة بحجاب؟

ووزير ما يسمى بالشؤون الدينية في تونس يقول: "إن الحجاب دخيل ونشاز وغير مألوف على المجتمع التونسي" وقد توعد قاتله الله باجتثاثه من جذوره واصفاً إياه بلباس طائفي وبغيض {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: 5].

أين خطباؤنا عن نصرة المسلمين هناك ؟
أين البيانات التي تستنكر وتشجب ما يحصل هناك؟
أين المسيرات التي نراها وتحركها الجماعات الإسلامية هنا وهناك لنزع حجاب فتاتين وأمة بأكملها تتعرض لنزع الحجاب قسراً؟
هل حقاً نحن أدوات للعب السياسية؟
هل نستطيع كتابة بيانات استنكار توقع من العلماء والكتاب والوجهاء قبل أن يعمنا الله بغضبه؟
هل نستطيع أن نبلغ سفارات دولهم استنكارنا وغضبنا من ذلك؟
هل سيتحرك علماؤنا وخطباؤنا وكتابنا وشعراؤنا لذلك؟
هل ستلحق تونس بأسبانيا وتسقط كما سقطت الأندلس؟ أسأل الله أن يحميها ويحمي أهلها
هل سيستمر سكوتنا عن كل هذه الأمور الفظيعة هناك؟

اللهم لا تفضحنا ولا تؤاخذانا يا رب بسكوتنا عن ذلك.

رسالة الفتاة التونسية

أنين الحرائر في تونس

والله الحال هنا يزداد سوءا يوما بعد يوم..
وكل ما تنشره وسائل الإعلام صحيح 100%.
إني والله وأخواتي في تونس في بلاء عظيم، ونسأل الله الصبر والثبات.
نحن نمنع من الدخول إلى الكليات؛ ما إن تضع أخت محجبة ساقها على عتبة الباب حتى يهبوا نحوها ويصرخوا في وجهها: "انزعي الحجاب أو لا تدخلي".
يقولون لعنهم الله: "أريني شعرك ورقبتك وادخلي".
في الحقيقة قد يتيسر لنا أحيانا أن نتسلل ولكن إذا ضبطت إحدانا داخل الكلية مرتدية الحجاب فيجبرونها على توقيع إلتزام حتى إذا أعادت الكرة تطرد من الجامعة.
هذا حالنا، أما حال المدارس والمعاهد فلا مجال للتسلل أو حتى المحاولة والكثير من الأخوات تركن الدراسة ووقعن في المشاكل مع عائلاتهن.

الآن وبعد ما قالته الجزيرة وبعد ما نقلته من حقائق عن تونس أصبحوا يلاحقوننا حتى في المساجد.
في رمضان كان عدد النساء في المسجد ما شاء الله فجاء أعوان الشرطة وانتصبوا أمام المسجد وانطلقوا في القبض على المحجبات حتى صار المسجد لا يوجد فيه سوى صف أو صفين.

لا أدري أقول لكن فعلا أني كرهت الخروج من البيت لقد سمحوا لنا مؤخرا بارتداء "المحرمة التونسية" ولكنها وجودها كعدمها؛ فهي تغطي الرأس ثم تربط على العنق بحيث لا تغطي الصدر والكتفين وصار هذا وللأسف محتما علينا ارتداؤه أينما ذهبنا فأعوان الشرطة ربما أكثر من المواطنين هنا وهم منتشرون في كل مكان يتقاضون الأجور فقط للإمساك بالمحجبات.
حتى الرجال لم يسلموا؛ فالقميص ممنوع واللحية ممنوعة، وإذا لاحظوا أن أحدهم مواظب على الصلاة في المسجد وخاصة صلاة الصبح يدعونه للتحقيق ويصبح مراقبا.

لا للحجاب..
لا للعباءة..
لا للون الأسود..
لا للقميص..
لا للحية..
لا للإسلام..

وطبعا إذا منع كل هذا فيمنع أيضا أي تجمع أو حلقات لتحفيظ أو تدارس القرآن أو العلم الشرعي.
يحكى لي أن ثلاثة إخوة كانوا يتدارسون كتاب "رياض الصالحين" فألقي عليهم القبض وحكم عليهم بالسجن ثلاثة أشهر.

هل تريدين المزيد أختي؟
هذا ما نعانيه كل يوم..
ربما الحياة قبل أن تتكلم الجزيرة كانت أفضل؛ فعلى الأقل كنا خارج المؤسسات التعليمية نلبس الحجاب (طبعا مع لباس ملون.. فالأسود يجلب لهم الحساسية) ولكن الآن الأمر أصبح أكثر من فظيع.

أسألكن الدعاء فوالله مازال الشيء الكثير وتخنقني العبرات وأنا أحكي لكن..

بعض الأخوات ذهب بها الأمر إلى البحث عن زوج عن طريق النت حتى يخرجها من هذا البلد، وأنا صرت أتحجج بالمرض أو التعب حتى لا اضطر للخروج والذهاب إلى الجامعة.

ادعين لنا يا أخواتي..
أكتب هذه الكلمات وأقول داخل نفسي: "هل تراني سأعود إليكن ثانية بعد ما كتبته" في ظل هذه الحكومة..

لا للنقد..
لا للمعارضة..
ولا للإحتجاج..

فإن لم أعد بعد هذه اللحظة ولاحظتن أني قد غبت طويلا، فاعلمن يقينا أني قد صرت وراء القضبان..
لست أمزح فالوضع والله بهذه الخطورة.

أسألكن الدعاء بظهر الغيب لي ولأخواتي في تونس فنحن نكاد نختنق.

المقالين نقلا عن موقع طريق الإسلام

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.