النَفْسُ تَبْكِىْ عَلَىْ الدُنْيَاْ وَقَدْ عَلِمَتْ
أَنَ السَلَاْمَة فَيِـــــــهَاْ, تَرْكُ مَاْ فِيْهَاْ
لا دارٌ للمرءِ بعـــدَ الموتِ يسكُنهـا
إلا التي كانَ قبـــــلَ الموتِ يَبْنِيها
***
جاء رجل الى امير المؤمنين الإمام
علي بن ابي طالب رضي الله عنه
قائلا :
يا إمير المؤمنين لقد اشتريت دارا وارجو
ان تكتب لي عقد شراءها بيدك,
ونظر الإمام اليه بعين الحكمة الثاقبة
فوجد الدنيا قد تربعت على عرش قلبه
وملكت عليه أقطاره حتى أنسته ذكر ربه
وأراد الامام ان يذكره ويعلمه الوفاء بالعهد
الذى أخذه الله علينا و نحن في عالم الذرة
( ألست بربكم )
فماذا يفعل امير المؤمنين ليلقن الرجل درسا فى ذكر الله
و عدم نسيان مولاه ..
فماذا يفعل الإمام على أمام هذا الرجل
الذى زاد عنده حب الدنيا حتى اصبح فى قلبه و دمه ؟
أمسك الإمام بقلمه و قرطاسه فكتب قائلا
يريد ان يُذِكّر بالدار الباقية,
كتب بعدما حمد الله وأثنى عليه أما بعد:
فقد أشترى ميت من ميت دارا في بلد المذنبين
وسكة الغافلين لها اربعة حدود,
الحد الأول ينتهي الى الموت
والثاني ينتهي الى القبر
والثالث ينتهي الى الحساب
والرابع ينتهي إما الى الجنة وإما الى النار .
فلما سمع الرجل هذا الكلام من أمير المؤمنين بكى بكاء مرا
وعلم ان الإمام اراد بذلك ان يكشف الحجب الكثيفة عن قلبه الغافل,
فقال الرجل لللامام:
يا أمير المؤمنين إننى قد تصدقت بدارى
على الفقراء و المساكين وأبناء السبيل !!
فانشد الامام قائلا:
النفسُ تَبِكيْ علىَ الدُنيا وَقَدْ عَلِمَتْ
أن السَلامُةُ فيــــــــــــــها تَركُ ما فِيها
لا دارٌ للمرءِ بعــــدَ الموتِ يسكُنهـا
إلا التي كانَ قبــــــلَ الموتِ يَبْنِيها
فـــإن بَنَاهـا بخــــيرٍ طـابَ مَسكنُـهُ
وإنْ بَنـــاهــا بشرٍ خــــــابَ بانِيـــها
ودورُنا لِخــرابِ الــدهــرِ نبنيـــها
فكم ْمدائنٍ فـــي الآفاقِ قـَــدْ بُنِيتْ
أمستْ خراباً وأفنـى الموتُ أهليها
أين َالملوك ُالتي كـــانتْ مُسَلْطَــنَةً
حتى سقاها بكـأسِ الموتِ ساقِيها
أمستْ خرابا وأفنى الموتُ أهليها
لا تركِنَنَّ إلـــى الدنيـا وما فيــهـا
فالمـوتُ لا شـــكَ يُفـنيـنا ويُفنيها
من المَنِـيـَّةِ آمـــــــــــــالٌ تــقـويـهــا
والنفس تنشرها والموت يطويها
وإنــما المــــكارمُ أخلاقٌ مُطهـرةٌ
الدينُ أولها والعـــــــقل ثـانِـيـــها
والعلمُ ثالثها والحـــــلمُ رابعهــــا
والجودُ خامِسها والفضل ساديها
والبِرُ سابِعُـــــــها والشكرُ ثامِنُها
والصبرُ تاسعــها والليـــنُ باقيها
والنفسُ تعلمُ أنّــــــي لا أُصَادقها
ولستُ أرشـدُ إلا حيـــنَ أعصِيها
وأعملْ لدار ٍغداً رِضْوَانُ خازِنها
والجــارُ أحمــدٌ والرحمنُ ناشيها
قصورُها ذهبٌ والمِـــسكُ طِينَتُها
والزّعفـرانُ حشــيشٌ نابتٌ فيـها
أنهارُها من لبن مصفى ومنْ عسـلٍ
والخمرُ يجري رَحِــيقاً في مجاريها
والطيرُ تجري على الأغصانِ عاكفةً
تُوحدُ اللهَ جـــــــــــــــــــهراً في مغانيها
منْ يشتري الدارَ في الفردوسِ يَعمُرها
بركعةٍ في ظــــــــــــــــــــلامِ الليـلِ يُحِيِيها
هل من كلمات سمعها ؟
ام تأثر بصاحب الكلمات التي اخرج كلماته من قلبه
المملوء بحب الله وطاعته ؟
فدخلت الى مسامع قلب هذا الرجل الغافل
فدلته الى طريق الصواب لتكون هذه الدنيا سبيله الى الله
ولم تعد الدنيا اكبر همه و لا مبلغ علمه
وأيقن ان الرازق هو الله و ان المعطى هو الله تعالى
وان خير الديار هي الدار الاخرة :
[FONT=Century Gothic][SIZE=6
من اراد زاداً فالتقوى تكفيه
من اراد عزاً فالاسلام يكفيه
من اراد عدلاً فحكم الله يكفيه
من اراد انيساً فذكر الله يكفيه
من اراد جليساً فالقران يكفيه
من اراد واعظاً فالموت يكفيه
من اراد غنى فالقناعه تكفيه
من اراد زينه فالـــــــــــعلم يكفيه
من اراد جمالاً فالاخلاق تكفيه
من اراد راحه فالاخره تكفيه
ومن لم يكفيه كل هذا
فالنار مثواه وتكفيه