فضلاً عن أثبتته الابحاث والتجارب من فوائد لما يفرزه جلد الانسان من العرق، فان هنالك فوائد أيضاً لما تفرزه العيون من دموع. وهذا تأكيد جديد على التوقف عن اتخاذ اجراءات وقائية ضد بكاء الطفل، وهي شهادة علمية على فائدة البكاء لأسباب عاطفية، أبرزها المواساة لفقدان عزيز مهم، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما نلاحظه خلال شهري محرم وصفر حيث تهبّ الملايين في العالم لإحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته في كربلاء وبتلك الصورة المفجعة التي ما تزال تهزّ الوجدان الانساني.
فقد وجد العلماء في جامعة آيوا الأميركية، أن البروتين الطبيعي (لاكتوفرين)، الموجود بتراكيز عالية في الدموع والمخاط وحليب الثدي، يمنع البكتيريا من التجمع، ويساعد في المحافظة على سلامة الرئتين والتجاويف. وفسروا ذلك بأن هذا البروتين يحرم البكتيريا من الحديد اللازم لتغذيتها وتكاثرها، فتترك الطبقات الحيوية التي كونتها وتنتقل لتبحث عن مصدر آخر، عندما تواجه هذا النقص.
وأظهر بحث جديد نشرته مجلة (الطبيعة) العلمية، أن أحد المكونات الطبيعية لإفرازات الجسم، مثل العرق والدموع، تمنع تحول البكتيريا إلى أنواع مقاومة للدواء، مما يساعد في تطوير عقاقير علاجية فعالة ضد الإصابات الإنتانية المزمنة. وأوضح الباحثون أن الطبقات الحيوية الرقيقة الصلبة التي تشكلها البكتيريا تعد مشكلة صحية كبيرة، وهذه الطبقات شديدة المقاومة للمضادات الحيوية، وهي تغطي عادة المفاصل الصناعية، وتسبب التهابات مميتة في الرئتين عند المرضى المصابين بالتليف الكييسي.
ولاحظ الباحثون بعد تنمية سلالات بكتيرية من نوع (سودوموناس آريجينوزا) التي تعيش في الرئتين عند المرضى المصابين بالتليف الكييسي على شرائح زجاجية، أن البكتيريا تضاعفت وتكاثرت، ووصلت أعدادها للملايين خلال أسبوع واحد، أما عند معالجتها ببروتين (لاكتوفرين) فلم تستطع البكتيريا التضاعف وتكوين الطبقات الحيوية الصلبة.
ويرى الخبراء أن أثر هذا البروتين على البكتيريا يقدم طريقة جديدة للتخلص من الإصابات الانتانية الناتجة عن الطبقات الحيوية بتجويعها وحرمانها من غذائها، مشيرين إلى أن الكثير من الدراسات ركزت على إعاقة الإشارات الكيميائية التي تستخدمها المستعمرات البكتيرية للتواصل. ولفت الاختصاصيون إلى أنه بالإمكان رش المزروعات الطبية والجروح ببروتين (لاكتوفرين) أو دواء آخر يمتص الحديد، لمنع تشكل الطبقات الحيوية من البكتيريا، ويمكن لمرضى التليف استخدامه عن طريق الاستنشاق.
يقول تبارك وتعالى مخاطباً الناس: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم /34). بالفعل لا نستطيع أن نعدّ نعم الله عز وجل، لأن العلم في كل يوم يكشف عن فوائد جديدة لم نكن نشعر بها من قبل. وبعد ما مرّ يتأكد أن هذا الجلد الرقيق والجميل مسخّر لخدمتنا ولضمان سلامتنا، وهنا ندرك شيئاً من معاني الآية الكريمة: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثية / 13).
إذن، فما على الانسان سوى التفكّر والتدبّر في هذه النعم العظيمة قبل أن يقدم ويفعل أي شيء لاسيما ما يتعلق بالجلد، وهو أول ما يبتلى بأعمالنا وحركاتنا، فهل يجدر بالانسان ان يشكر هذه النعمة أم يوغل في ارتكاب الحرام عبر هذا الجلد الجميل والثمين، بمد اليد على المال الحرام أو لمس المرأة الحرام أو حتى الاساءة الى انسان ما وغير ذلك كثير…؟
من هنا نجد تحذير القرآن الكريم شديدٌ لنا حيث يصور لنا الموقف المرعب يوم القيامة، لنتأمل: "وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ" (فصلت /19-24).
إن هذا الجلد الذي كان يدفع عنك أذى الجراثيم في الدنيا سيكون سبباً في تذوقك للألم والعذاب يوم القيامة، لنتصور معاً هذا المشهد حيث يصور لنا الله نتيجة كل من يستكبر ويكذب بالله وبرسوله، يقول تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا" (النساء 56)