التصنيفات
قصص قصيرة

الحيوان المسقوم

في عشية يوم تغلبت تخيلاتي على عاقلتي مررت بأطراف أحياء المدينة ووقفت امام منزل مهجور تداعت اركانه وحطت دعائمه ولم يبق منه سوى اثر يخبر عن هجر طويل ويدل على زوال محزن.فرايت كلبا يتوسد الرماد
وقد ملأت القروح جسمه الضعيف واستحكمت العلل بهيكله المهزول, فصار يرمق الشمس الجانحة نحو الغروب بعين وست عليها اشباح الذل وبدت فيها مظاهر القنوط واليأس, فكأنه درى بأن الشمس قد اخذت تسترجع حرارة انفاسها عن تلك البقعة المهجورة البعيدة عن الاولاد مضطهدي الحيوان الضعيف , فصار يرمقها بعين اسفه مودعه . فاقتربت منه على مهل وادا لو عرفت النطق بلسانه فأعزيه في شدائده وأبدي له شفقة في بؤسة,
ولما دنوت منه خافني وتحرك ببقايا حياة قاربت على الانحلال مستنجدا بقوائم شلتها العلة وراقبها الفناء.واذ لم يقو على النهوض نظر الي نظرة فيها مرارة استرحام وحلاوة استعطاف , نظرة فيها انعطاف وملامة , نظرة قامت مقام النطق ,فكانت افصح من لسان الانسان وابلغ من دموع المرأة. ولما تلاقت عيناي بعينه الحزينتين تحركت عواطفي وتمايلت تأثراتي فجسمت تلك النظرات وابتدعت لها اجسادا من كلام متعارف بين البشر. نظرات مفادها: كفى مابي يا هذا, وكفى ماعنيت من اضطهاد الناس, وماقاسيت من ألم الامراض .امض واتركني وسكينتي استمد من حرارة الشمس دقائق الحياة.فقد هربت من مظالم ابن ادم وقسوته والتجأت الى رماد اكثر نعومة من قلبه واختبأت بين خرائب اقل وحشية من نفسه. اذهب عني ,فما انت الا من سكان ارض مابرحت ناقصة الاحكام ,خاليه من العدل …انا حيوان حقير لكنني خدمت ابن ادم وكنت في منزله مخلصا ووفيا ,وفي رفقته متربصا وجاسوسا . كنت شريكا في احزانه ,ومغتبطا في افراحه ,متذكرا ايام بعده ,مرحبا عند مجيئه ,وكنت اكتفي بفتات مائدته واسعد بعظم جرده بأضراسه. ولكن لماشخت وهرمت وانشبت الامراض في جسمي اظافرها نبذني وابعدني عن داره وصيرني ملعبة لصبيان الازقة القساة ,وهذفا لنبال العلل ,ومحطا لرحال الاقذار . وانا , يا ابن ادم ,حيوان ضعيف,لكني وجدت نسبة كائنة بيني وبين الكثيرين من اخوانك البشر الذين اذا ماضعفت قواهم قل رزقهم وساء حالهم . انا مثل جنود ياربون عن الوطن في شبيبتهم ويستثمرون الارض في كهولتم , حتى اذا جاء شتاء الحياةوقل نفعهم ابعدوهم ونسوهم . انا مثل امرأة تجملت صبية لتفرح قلب زوجها وسهرت اما في ليالي لتربية الاطفال , وتعبت امرأة لتربية رجال المستقبل ولكن لما شاخت وعجزت اصبحت نسيا منسيا وأمرا مكروها …اه ما اظلمك يا ابن ادم وما اقساك !
كانت نظرات ذلك الحيوان تتكلم وقلبي يفهم ونفسي تراوح بين شفقتي عليه وتصوراتي بأبناء بجدتي . ولما اغمض عينيه لم أشأ ازعاجه فذهبت…

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.