• كارثة سببها عسكري سابق يقدم شهاداته العيانية على وحشية جيشه..
أمريكا التي تصور نفسها على أنها"حامية" الديمقراطية العالمية، وأكبر دول العالم "تحضرا" وحرية في التعبير ، وتعطي نفسها حق فرض "النصائح" وحق معاقبة هذا البلد واحتلال ذاك، وتدمير البنية التحتية لذلك، ويتبجح رئيسها بأنه "يتفهم شعور المظلومين في العالم"، هي نفسها أمريكا التي احتجزت أكثر من عشرة آلاف نسخة من كتاب وأحرقتها، رافضة حق الاطلاع على وقائع وأحداث وحقائق تعتبرها "سرية للغاية" لا يحق لأحد الاطلاع عليها خارج أسوار البنتاجون، مع أن تلك الحقائق لم تخرج مباشرة من البنتاجون، بل خرجت من كتاب ألّفه جندي لم يكن "معروفا" لدى وزارة الدفاع الأمريكية نفسها التي تبرر "جهلها تصرفه" بأن لها آلاف العاملين في مجالات الاستخبارات والأمن القومي، لكنه صار اليوم مثيرا للجدال، بل ذكرت الواشنطن بوست بتاري7/9/2017م أن البنتاجون عرض شراء "الحقوق الملكية الفكرية" للكتاب كي يصدر نسخة معدلة منه، بعد أن تم إتلاف النسخ المطبوعة وحرقها دفاعا عن "الأمن القومي الأمريكي" !
"عملية القلب المظلم" ليس مجرد كتاب سردي أو حديثاً عن مرحلة بعينها من وجهة نظر شخصية. فكاتبه "أنطوني شيفر"، جندي سابق في الجيش الأمريكي، كما اشتغل في جهاز المخابرات بالتنسيق مع أجهزة مخابراتية دولية، وقد عايش الرجل صراعات داخلية في الجيش الأمريكي بين الجمهوريين والديمقراطيين في السنوات الأخيرة، ومارس الحرب على الطريقة الأمريكية في أفغانستان، مثلما مارسها في السجون السرية التي فتحها الجيش الأمريكي في دول أوربا الشرقية لتعذيب المعتقلين وأكثرهم-إن لم يكونوا كلهم- من المسلمين!!
وعليه فإن شهادته لا بد أنها تفضح كل التعتيم الذي فرضه الجيش الأمريكي للدفاع عن نظرية " الحرب "الوقائية" على الإرهاب" التي تحولت آليا إلى احتلال همجي للدول وإلى إذلال قمعي غير مسبوق ضد شعوب العالم الثالث (آسيا، أفريقيا). صحف فرنسية كثيرة كشفت أن النسخ التي "تم تهريبها" من الكتاب تباع في بعض المواقع بسعر خرافي، وأن الطلب عليها غير مسبوق، وهو ما جعل البنتاجون يتحرك ضد المواقع الالكترونية الأمريكية والكندية التي استطاعت الحصول على النسخة الأصلية من الكتاب، وقامت بتصوير الصفحات التي تم حذفها، مما جعل عملية فهم أسباب الحذف حتمية، ليس لأن الجندي تجاوز الخط الأحمر في "التعامل مع مخيلته" كما قال أحد أعضاء مجلس الشيوخ، بل لأن ثمة وقائع رهيبة سردها الكاتب وفق شهادته الخاصة عليها، فهو كان شاهد عيان يروي ما رآه، إذ ذكر موقع "شبيغل" الألماني أن الجندي الأمريكي استعمل 500 مرة عبارة " لقد كنت حاضرا عندما" و استعمل 420 مرة عبارة "كنت شاهدا على ذلك"، كما استعمل 108 مرة عبارة " الأمر فوق الوصف، مروع ولكنه حقيقي" وهي العبارات التي تعني حجم الجرائم التي ارتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان الذي ركز الجندي كتابه عليه، وأيضا درجة الهمجية التي عومل بها أسرى أفغان وعرب تم اعتقالهم بتهمة التعاون مع تنظيم القاعدة أو مع حركة الطالبان..
وموقع "أنفوغرييا" الفرانكفوني وصف الكتاب بالقنبلة الموقوتة، ليس لأن البنتاجون تدخل كمؤسسة عسكرية فدرالية لوقف توزيعه، وليس لأنه تناول حرب تريد أمريكا إخفاء تفاصيلها والجرائم المرتبكة فيها باسم "مكافحة الإرهاب"فحسب، بل لأن البنتاجون أعدم عمليا عشرة آلاف نسخة من الكتاب حرقاً، وهي جريمة رهيبة تضاف إلى جرائم الدفاع الأمريكي، ف"حتى الكتاب لم يسلم من الحرب على ما يسمى بالإرهاب"، لكن الحقيقة الأخرى التي أفاق عليها البنتاجون هي أن ثمة نُسَخاً لم تصل إليها أياديه، ويعتقد أن الكاتب نفسه سربها عبر بريده الالكتروني إلى جهات كثيرة، بدليل أن مواقع كندية وعدت بنشر الكتاب الكترونيا في الأيام القادمة، وهذا يعني أن ثمة نسخاً أصلية من الكتاب سرّبت إلى خارج الحدود، وأن حرق العشرة آلاف نسخة لن يثني العالم عن اكتشاف الوجه البشع من الحرب الأمريكية القذرة على الإرهاب الذي ربطته آليا بالإسلام وبالمسلمين، بدليل أن أغلب معارك أمريكا تدار على الأراضي الإسلامية.
أحداث سبتمبر ..صورة مختلفة !
ما تسرب في مواقع فرنسية عن الكتاب يجعله مثيرا للجدال حقا، ربما لأنه يسرد الحكاية من البداية، أي من الدوافع "المختلقة" التي جعلت صقور البيت الأبيض يخططون لاحتلال دول بعينها، مثل أفغانستان على سبيل المثال لا الحصر. حيث ذكر موقع "أنفوغرييا" الفرانكفوني أن ما ورد في الكتاب عن الجزء المتعلق بأحداث سبتمبر 2022، لا يختلف عما توصلت إليه جهات لم تصدّق الرواية الأمريكية الرسمية من سرد الأحداث، عبر اتهام المسلمين بتنفيذ العملية كذريعة واضحة لاحتلال أفغانستان (مواقع يهودية فرنسية تكلمت عن احتمال وجود التابوت "المقدس" في منطقة ما بأفغانستان، مثلما فجرت صحيفة لوجورنال وديمانش الفرنسية فضيحة جورج دبليو بوش عبر نشر جزء من الكتاب الفرنسي الذي سرد المكالمة التي أجراها بوش مع جاك شيراك وقال له فيها :إن ثمة احتمالاً كبيراً لوجود يأجوج ومأجوج في العراق، وأن الحرب التي تقودها أمريكا في العراق "وطبعا في أفغانستان !" حرب دينية مقدسة) !..
ولماذا ترفض السلطات العسكرية الأمريكية نشر معلومات عن أحداث سبتمبر على اعتبار أن أمريكا تتهم المسلمين بتلك الأحداث؟
هذا لأن الحقائق التي ذكرها الكتاب تدين وزارتي الدفاع والاستخبارات الأمريكية مثلما تدين الموساد الإسرائيلي الذي شارك مباشرة في الجرم، واستفادوا إعلاميا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا منه إلى أبعد حد، بل وجعلوا منظمات دولية كهيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي تنحاز إلى الأطروحة المناوئة للمسلمين كدول وكشعوب وكدين إلى حد حظر رموزه الدينية بأكثر من شكل في العديد من دول العالم، وطبعا مزيدا من القمع ومن الحروب المفتوحة على المقاومة الفلسطينية الموجه إليها تهمة الإرهاب مباشرة خدمة للكيان الصهيوني مباشرة..
المستنقع الأفغاني:
تحدث موقع " أنفوغرييا" الفرانكفوني عن أن الكتاب الأمريكي المحظور" عملية القلب المظلم" قد تطرق إلى المستنقع الأفغاني الذي وقع فيه قادة الجيش الأمريكي معتقدين أن أفغانستان ليست أكثر من نزهة برية يمكن القيام بها لتمرين عضلات المارينز، قبل أن يكتشف المحتلون أنهم وقعوا على وجوههم في أكبر حملة تأديب من قبل مجاهدين يؤمنون بأن الجهاد جزء من تحرير البلد من المحتل، وأن الموت استشهادا أهم من الحياة تحت الاحتلال.. فأفغانستان التي استنزفت الأمريكيين ماديا وبشريا أصبحت الكابوس الحقيقي للجنود الأمريكيين الذين فشلوا فشلا رهيبا ومهينا في أفغانستان، بل إن حركة طالبان صارت تلقنهم الدروس تلو الأخرى ميدانيا وعمليا، فلم تنفع لا أقمار صناعية تترصد التحركات ولا الوسائل التقنية ولا الاختراقات التي كانوا يراهنون عليها أمام حركة قوية ثابتة، تعي ما تفعله والأهم أنها تعرف طريقتها في تطبيق منهجها القتالي ميدانيا إلى درجة تحولت فيها أفغانستان إلى مقبرة حقيقية للجنود الأمريكيين وحلفائهم المجرمين..
وذكر الموقع نفسه أن ما جاء في الكتاب المحظور يتناول نفسية الجنود في أفغانستان، وكيف أن الذين يقع عليهم قرار الانتقال للحرب في أفغانستان يصابون بالاكتئاب وارتفعت في صفوفهم محاولات الانتحار التي وقعت بين الجنود، بعضهم قبل السفر إلى أفغانستان والبعض الآخر بعد أول حالة ذعر يتعرضون إليها من قبل حركة طالبان، حيث يصاب الجنود بالإحباط الذي يصل أحيانا إلى الهلوسة، وكيف أن الأطباء النفسانيين الذين يعالجونهم يستخدمون لتهدئتهم أدوية تصل إلى حُقن المورفين لتحذيرهم وجعلهم في حالة أخرى كالآلات، وكيف أن الجنود يُمنعون من التواصل مع عائلاتهم خوفا من أن يعترفوا لهم بخوفهم ورعبهم وحالة الذعر التي يشعرون بها أو بنوع الأدوية التي يتعاطونها للبقاء هناك !
ومهما يكن فإن لجوء البنتاجون إلى حرق عشرة آلاف نسخة من كتاب وتقديم نسخة "معدلة" و"منقحة"منه بعد شراء الحقوق الملكية للطبعة القديمة والجديدة يعتبر بحد ذاته سابقة خطيرة، ولأن العديد من المواقع الغربية وعدت بنشر الكتاب الأصلي كاملا فنتوقع أن نقرأ حقائق خطيرة أخرى تتعلق أيضا بالجانب المخابراتي الأمريكي مع دول أخرى، وبخاصة أن الواشنطن بوست تكلمت عن قسم مخابراتي خطيري تناولته النسخة الأصلية من الكتاب يفضح المؤلف فيه تواطؤ جهات دولية في تعذيب الأسرى، وفي التحقيق مع المعتقلين، بمن فيهم النساء، وأغلبهم من المسلمين..