وأَصْبَحْتُ في أَرْضٍ يَحَارُ بها الْقَطا وترهَبُها الجِنَّانُ وهى سّوارِحُ
بَعِيدَةُ أَقْطَارِ الدَّيامِيمِ، لَوْ عَدا «سُلَيْكٌ» بها شَأْواً قَضَى وَهْوَ رازِحُ
تصيحُ بها الأصداءُ فى غسَقُ الدجى صِياحَ الثكالى هيَّجتها النوائحُ
تَرَدَّتْ بِسَمُّورِ الْغَمَامِ جِبالُها وماجت بتيَّارِ السيولِ البطائحُ
فأَنْجادُها لِلْكَاسِراتِ مَعَاقِلٌ وأغوارها للعاسلاتِ مسارحُ
مهالكُ ينسى المرءُ فيها خليلهُ وَيَنْذُرُ عَنْ سَوْمِ الْعُلا مَن يُنافِحُ
فَلاَ جَوَّ إِلاَّ سَمْهَرِيٌّ وقاضِبٌ ولا أرضَ إلا شمرىٌّ وسابحُ
ترانا بها كالأُسدِ نرصدُ غارةً يطيرُ بها فتقٌ منَ الصبحِ لامحُ
مَدافِعُنَا نُصْبُ الْعِدَا، ومُشاتُنَا قِيَامٌ، تَلِيها الصَّافِناتُ الْقَوارِحُ
ثلاثةُ أصنافٍ تقيهنَّ ساقةٌ صيالَ العدا إن صاحَ بالشَّرِّ صائحُ
فَلَسْتَ تَرَى إِلاَّ كُماةً بَوَاسِلاً وجُرْداً تَخْوضُ الْمَوْتَ وَهْيَ ضَوابِحُ
نُغيرُ على الأبطالِ والصبحُ باسمٌ ونأوىِ إلى الأدغالِ واللَّيلُ جانحُ
بَكَى صاحِبِي لَمَّا رَأَى الْحَرْبَ أَقْبَلَتْ بأبنائها، واليومُ أغبرُ كالحُ
ولَمْ يَكُ مَبْكَاهُ لِخَوْفٍ، وإِنَّمَا تَوَهَّمَ أَنِّي في الْكَرِيهَةِ طَائِحُ
فقال اتَّئد قبلَ الصيالِ، ولاتكن لنَفسكَ حرباً، إنَّنى لكَ ناصحُ
أَلَمْ تَرَ مَعْقُودَ الدُّخانِ، كَأَنَّمَا عَلَى عَاتِقِ الْجَوْزاءِ مِنْهُ سَرائِحُ؟
وقَدْ نَشَأَتْ لِلْحَرْبِ مُزْنَةُ قَسْطَلٍ لَهَا مُسْتَهلٌّ بِالْمَنِيَّةِ راشِحُ
فلا رأي إلاَّ أن تكونَ بنجوةٍ فإنكَ مقصودُ المكانةِ واضحُ
فقلتُ تعلَّم أنما هى خطَّة يَطُولُ بها مَجْدٌ، وتُخْشَى فَضَائِحُ
فَمَا كُلُّ ما تَرجُو مِنَ الأَمْرِ ناجعٌ ولا كُلُّ مَا تَخْشَى مِنَ الْخَطْبِ فَادِحُ
فقدْ يهلكُ الرعديدُ فى عقرِ دارهِ ويَنْجُو مِنَ الحَتْفِ الْكَمِيُّ الْمُشَايِحُ
وكلُّ امرئٍ يوماً ملاقٍ حِمامهُ وإن عار فى أرسانهِ وهو جامحُ
فما بارحٌ إلاَّ معَ الخيرِ سانِحٌ ولا سَانِحٌ إِلاَّ مَعَ الشَّرِّ بارِحُ
فَإِنْ عِشْتُ صافَحْتُ الثُّرَيَّا، وإِنْ أَمُتْ فأنَّ كريماً منْ تضمُّ الصفائحُ[شعر؛ محمود سامي البارودي