التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

عن الفقيد الفنان ناجي العلي -شخصيات

«إيطاليا- جنوة: «عرب.إت

عن جريدة «الجريدة المغربية»

رحل عنا قبل اثنى عشرة سنة، بعد أن أهدر دمه بالطريقة التي طالما توقعها، هكذا على الرصيف و الهامش رمزا الى انتمائه الأزلي و الأبدي الى البسطاء المفجوعين تاريخيا بكربهم اليومي وقلقهم الدائم، لكن ما لم يتوقعه – ربما – هو أن يكون الرصيف ، لمدينة ضبابية، بلندن
فلا أحد يستطيع اليوم الكشف عن "السر" الذي كان وراء ركوب ناجي العلي السخرية الى درجة حدودها الخطيرة، ألم يكن عليما بالمشهد الدامي الذي طالما رسمه على لوحاته ؟ أكيد، لكن "حنظلة" هو الذي أوقعه في شر / خير البلية
لقد أنقذ حنظلة ناجي ، كما كان يقول هو نفسه، من السقوط في الفرح المجاني أو التماهي مع المؤسسات . حنظلة هذاالطفل "المعتر" رث الملابس، حافي القدمين الذي أولانا قفاه منصرفا الى حكمه الخاصة . طفل "الصباح البسيط الفاجع" كما يسميه الشاعر محمود درويش. هذا الذي تحول الى أيقونة شاهدة "بصمت" و غيره على ما يحدث في المنطقة العربية، فهو يصمت أحيانا ، و يرفع الحجارة تارة أخرى، أو يحتج بتحريك القدم أو الرأس ، أو ينحني متألما وراء الأشواك الخانقة لفلسطين، أو يتوارى وراء الصليب تماهيا مع يد المسيح التي ترمي بالحجارة ، كصورة لعنف المأساة و تجلياتها في القيامة المتجددة . فحنظلة، ليس الا صوت من لاصوت لهم ، فهو الذي كان يجد نفسه تلقائيا ضمن صف المحرومين و الضحايا
عالم ناجي الابداعي كومة من الأحزان و من الموت المتنوع، سواء بخناجر العدو أو سكاكين الاخوة ، أو صواريخ اسرائيل، أو الموت في ضيافة الأنظمة العربية أو جوعا أو حزنا…، فعالم ناجي موسوعة من الآلام .
لقد تخلى بسرعة عن طموحه في أن يصير فنانا تشكيليا، لادراكه منذ البداية بأن رسالته كانت من النوع البسيط المباشر بالأبيض و الأسود . فقد كان ناجي يتوجه قبل أي شيء بفنه الى أبناء المخيمات و مقاتلي المتاريس، و ليس الى النخبة المثقفة و السياسية، بالرغم من أن أعماله كانت تثير اعجاب مختلف الفئات
كان من المفترض أن تنتهي حملات الكاتم الصوتي الذي أودى بحياة ناجي مباشرة بعد عملية اغتياله الجبانة، لكن على ما يبدو فالحملات ضد ناجي لاتزال مفتوحة ما دامت قضايا رسوماته على قيد الواقع الموجع . فقبل فترة كتب رشاد أبوشاور في جريدة القدس، يقول أن جهات أمنية فلسطينية داهمت دار نشر في الضفة الغربية، و صادرت المجموعة الكاملة لرسومات ناجي العلي . فلماذا يحاربونه حيا و "ميتا" ؟ ألا يزال حنظلة يمارس هوايته المفضلة باحراجهم و اغراقهم في خزيهم ؟.. لماذا قتلوا ناجي العلي ، هذا الفنان الكاريكاتوري الساحر/ الساخر ، ذلك "الفنان الذي يبدو لي أن الفن لايعنيه، كما نعته بذلك محمود درويش، ما دام الفن يسيل من أطراف أصابعه ".. فمن قتله؟
نشرت جريدة الأوبزرفر البريطانية في أحد أعدادها السابقة كاريكاتورا للفنان ناجي العلي ، تحت عنوان النكتة، و هو الرسم الذي يعتقد الى حد بعيد و مباشر، أنه كان وراء عملية اغتيال الفنان بلندن عام 1987 .
اختصر ناجي وقائع الكاريكاتور في أن الأول يسأل الثاني : بتعرف رشيدة مهران ؟ .. الثاني يجيب : لا… الأول يسأل : سامع فيها ؟ … الثاني يجيب : لا… الأول يقول للثاني : بتعرف رشيدة مهران و لاسامع فيها !! و كيف صرت عضو بالأمانة العامة للكتاب و الصحافيين الفلسطينيين ؟.. لكن مين يللي داعمك بهالمنظمة يا أخو الشليتة!!
يقول الفلسطينيون – حسب صحيفة عرب تايمز – أن الصحافية التونسية رشيدة مهران كانت عشيقة لعرفات و أنها كتبت عنه كتابا ، ويروى أيضا أنها كانت ذائعة الصيت و مسموعة الكلمة في الأوساط الفلسطينية.
من جهة أخرى فقد سبق لمجلة الأزمنة العربية التي كان يصدرها في قبرص غانم غباش (الشهيد ) و التي كانت تمثل وجهة نظر المعارضة في الامارات، أن نشرت بعد الاغتيال و في عددها رقم 170 الصادر في 15 غشت 1987 ، لقاء صحفيا كانت قد أجرته مع ناجي العلي قبيل اغتياله بيومين في منزله بلندن، و بحضور زوجته أم خالد، جاء فيه أن " ياسر عرفات وقف عام 1975 في مدرسة عبد الله السالم في الكويت ليخطب في الطلبة قائلا " من هو هذا الناجي العلي ؟ قولوا له اذا لم يتوقف عن رسومه لأضع أصابعه في الأسيد ".. كاتب اللقاء غانم غباش نقل عن ناجي العلي قوله الاضافي متسائلا " هل تعرفون رشيدة مهران ؟ لا تظنوا انها احدى الفدائيات… رشيدة مهران سيدة مهمة تركب الطائرة الخاصة لرئيس منظمة التحرير و تسكن قصرا في تونس… رسمت عن رشيدة مهران و بعدها انهالت تهديدات و تهاني و عواصف… تصوروا أن واحدا من طرف أبو أياد أبلغني سروره عن الرسم، وقال لي بأنني فعلت الشيء الذي عجز الكبار في المنظمة عن فعله، ولكنه قال لي " بهذا قد تجاوزت الخطوط الحمر و أنه خائف علي و أنه يجب أن أتنبه على حالي، فقلت له "يا أخي لو اتنبهت على حالي، لما بقي لدي وقت أتنبه فيه اليكم.." . فقيدنا اذن، كان على علم تام بالمخاطر المحذقة ، اذ من غيره في الساحة العربية كان سيجرؤ على تمثيلهم كاريكاتوريا ؟ من كان سيسخر منهم كما فعل عندما رسم في احدى المرات وجوها و علق تحتها مخاطرا بالتالي " الثورة بدها رجال… بدها رجال أعمال "
أما عن الخطوط الحمراء فقد كان يقول"… كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي .. أنا أعرف خطا أحمر واحدا و أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف و استسلام لاسرائيل ."
و كدليل آخر، فان ناجي كان منشغلا بموضوع اغتيال الكتاب، عندما تم قتل كتاب في ايران، ثُم اغتيال الكاتب العراقي عادل وصفي في بيروت… فقد رسمه ناجي العلي و هو يكتب مقالا بعنوان "الديمقراطية"، وقد قطعت المقال ثلاث رصاصات ؟ فسأله زهير الجزائري " لماذا ثلاثة رصاصت ، فواحدة تكفيه ؟ فأجاب ناجي ، من أجل تحديد الفاعل بشعاراته الثلاثة "وحدة، حرية، اشتراكية "…
ولد الشهيد ناجي سليم حسين العلي عام 1936 في قرية الشجرة الفلسطينية الواقعة بين الناصرة و طبريا . نزح سنة 1947 مع عائلته الى جنوب لبنان، حيث استقر بهم المقام في مخيم عين الحلوة … تلقى دروسه الابتدائية في عين الحلوة، و كان يضطر لقطع الدراسة كي يعمل في بساتين الليمون و في وقت لاحق حصل على دبلوم في الميكانيك من مدرسة مهنية في طرابلس شمال لبنان .. في أواخر الخمسينات، التحق بأكاديمية الفنون فيبيروت…تمت ملاحقته مرارا من قبل المخابرات اللبنانية و دخل السجن مرات عديدة، حالا دون اتمامه لدراسته، فنتقل الى صور، حيث عمل مدرسا للرسم في الكلية الجعفرية… وفي عام 1963 سافر الى الكويت، وعمل في مجلة الطليعة، ثم انتقل الى جريدة السياسة حتى عام 1975، ومنها عاد الى بيروت للعمل في جريدة السفير. و في سنة1977 عاد الى "السياسة" الكويتية ثم ترك الكويت الى بيروت عام 1983 ليراسل منها جريدة الوطن الكويتية، ثم رجع الى الكويت ليعمل في القدس الى أن تم ابعاده من الكويت، و يروى أن ذلك تم بطلب من ياسرعرفات سنة 1985 ، فطار الى لندن ليعمل في مكتب القدس ، وكانت النقطة الرابطة بين كل هذه الصحف التي اشتغل بها ناجي العلي انها كانت تقرأ ابتداء من الصفحة الأخيرة حيث رسوماته، بالرغم من المعلومات الغنية التي تحفل بها الجريدة . حتى أطلقوا النار عليه عند خروجه من مقر الجريدة و ظل يصارع الموت في المستشفى الى أن توفي متأثرا باصابته في 29 آب 1987 ، تاركا وراءه أكثر من أربعين ألف رسم كاريكاتوري و ثلاثة كتب و ملايين العشاق الذين بكوه على طول خريطة العالم العربي
وحده الكومبيوتر المتواجد الآن بقر الشرطة البريطانية "اسكوتلند يارد" يحوي ملفا مطويا منذ سنوات مضت عن جريمة قتل آثمة، سجلت ضد مجهول / معلوم، و ضحيتها رسام كاريكاتور فلسطيني متميز، كان يعيش بلندن حيث أنهت الرصاصة "طائشة" من كاتم الصوت حياة هذا الفنان الذي يحمل اسم : ناجي العلي

طارق السعدي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

عمرو بن العاص -شخصيات

عمرو بن العاص
المتوفى سنة 43

معاوية الحال لا تجهل * وعن سبل الحق لا تعدل
نسيت احتيالي في جلق * على أهلها يوم لبس الحلي ؟
وقد أقبلوا زمرا يهرعون * مهاليع كالبقر الجفل (1)
وقولي لهم : إن فرض الصلاة * بغير وجودك لم تقبل
فولوا ولم يعبأوا بالصلاة * ورمت النفار إلى القسطل
ولما عصيت إمام الهدى * وفي جيشه كل مستفحل
أبا البقر البكم أهل الشأم * لأهل التقى والحجى أبتلي؟
فقلت : نعم، قم فإني أرى * قتال المفضل بالأفضل
فبي حاربوا سيد الأوصياء * بقولي : دم طل من نعثل(2)
وكدت لهم أن أقاموا الرماح * عليها المصاحف في القسطل
وعلمتهم كشف سوأتهم * لرد الغضنفرة المقبل
فقام البغاة على حيدر * وكفوا عن المشعل المصطلي
نسيت محاورة الأشعري * ونحن على دومة الجندل؟
ألين فيطمع في جانبي * وسهمي قد خاض في المقتل
خلعت الخلافة من حيدر * كخلع النعال من الأرجل
وألبستها فيك بعد الأياس * كلبس الخواتيم بالأنمل
ورقيتك المنبر المشمخر * بلا حد سيف ولا منصل
ولو لم تكن أنت من أهله * ورب المقام ولم تكمل

(1) أهرع : أسرع . الهلع : الجزع . الجفل : النفر والشرد .
(2) طل الدم : هدر أو لم يثأر له فهو طليل ومطلول ومطل .

/ صفحة 115 /
وسيرت جيش نفاق العراق * كسير الجنوب مع الشمأل
وسيرت ذكرك في الخافقين * كسير الحمير مع المحمل
وجهلك بي يا بن آكلة الكبود * لأعظم ما أبتلي
فلولا موازرتي لم تطع * ولولا وجودي لم تقبل
ولولاي كنت كمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل
نصرناك من جهلنا يا بن هند * على النبأ الأعظم الأفضل
وحيث رفعناك فوق الرؤوس * نزلنا إلى أسفل الأسفل
وكم قد سمعنا من المصطفى * وصايا مخصصة في علي؟
وفي يوم " خم " رقى منبرا * يبلغ والركب لم يرحل
وفي كفه كفه معلنا * ينادي بأمر العزيز العلي
ألست بكم منكم في النفوس * بأولى ؟ فقالوا : بلى فافعل
فأنحله إمرة المؤمنين * من الله مستخلف المنحل
وقال : فمن كنت مولى له * فهذا له اليوم نعم الولي
فوال مواليه يا ذا الجلال * وعاد معادي أخ المرسل
ولا تنقضوا العهد من عترتي * فقاطعهم بي لم يوصل
فبخبخ شيخك لما رأى * عرى عقد حيدر لم تحلل
فقال : وليكم فاحفظوه * فمدخله فيكم مدخلي
وإنا وما كان من فعلنا * لفي النار في الدرك الأسفل
وما دم عثمان منج لنا * من الله في الموقف المخجل
وإن عليا غدا خصمنا * ويعتز بالله والمرسل (2)
يحاسبنا عن أمور جرت * ونحن عن الحق في معزل
فما عذرنا يوما كشف الغطا ؟ * لك الويل منه غدا ثم لي
إلا يا بن هند أبعت الجنان * بعهد عهدت ولم توف لي

(1) في بعض النسخ : وبلغ والصحب لم ترحل .
(2) في رواية الخطيب التبريزي : سيحتج بالله والمرسل .

/ صفحة 116 /
وأخسرت أخراك كيما تنال * يسير الحطام من الأجزل
وأصبحت بالناس حتى استقام * لك الملك من ملك محول
وكنت كمقتنص في الشراك(1) * تذود الظماء عن المنهل
كأنك أنسيت ليل الهرير * بصفين مع هولها المهول
وقد بت تذرق ذرق النعام * حذارا من البطل المقبل
وحين أزاح جيوش الضلال * وافاك كالأسد المبسل
وقد ضاق منك عليك الخناق * وصار بك الرحب كالفلفل(2)
وقولك: يا عمرو ؟ أين المفر * من الفارس القسور المسبل؟
عسى حيلة منك عن ثنيه * فإن فؤدادي في عسعل
وشاطرتني كلما يستقيم * من الملك دهرك لم يكمل
فقمت على عجلتي رافعا * وأكشف عن سوأتي أذيلي
فستر عن وجهه وانثنى * حياء وروعك لم يعقل
وأنت لخوفك من بأسه * هناك ملأت من الأفكل(3)
ولما ملكت حماة الأنام * ونالت عصاك يد الأول
منحت لغيري وزن الجبال * ولم تعطني زنة الخردل
وأنحلت مصرا لعبد الملك(4) * وأنت عن الغي لم تعدل
وإن كنت تطمع فيها فقد * تخلى القطا من يد الأجدل
وإن لم تسامح إلى ردها * فإني لحوبكم مصطلي
بخيل جياد وشم الأنوف * وبالمرهفات وبالذبل
وأكشف عنك حجاب الغرور * وأيقظ نائمة الأثكل
فرإنك من إمرة المؤمنين * ودعوى الخلافة في معزل
ومالك فيها ولا ذرة * ولا لجدودك بالأول

(1) أقتنص الطير أو الظبي : اصطاده .
(2) الفلفل : القرب بين الخطوات .
(3) الأفكل : الرعدة من الخوف .
(4) عبد الملك بن مروان والد الخلفاء الأمويين .

/ صفحة 117 /
فإن كان بينكما نسبة * فأين الحسام من المنجل ؟
وأين الحصا من نجوم السما ؟ * وأين معاوية من علي ؟
فإن كنت فيها بلغت المنى * ففي عنقي علق الجلجل (1)

* (ما يتبع الشعر) *:
هذه القصيدة المسماة بالجلجلية كتبها عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان في جواب كتابه إليه يطلب خراج مصر ويعاتبه على امتناعه عنه، توجد منها نسختان في مجموعتين في المكتبة الخديوية بمصر كما في فهرستها المطبوع سنة 1307 ج 4 ص 314 وروى جملة منها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 ص 522 وقال : رأيتها بخط أبي زكريا يحيى (2) بن علي الخطيب التبريزي المتوفى 502 .
وقال الاسحاقي في " لطايف أخبار الدول " ص 41 : كتب معاوية إلى عمرو بن العاص : إنه قد تردد كتابي إليك بطلب خراج مصر وأنت تمتنع وتدافع ولم تسيره فسيره إلي قولا واحدا وطلبا جازما، والسلام .
فكتب إليه عمرو بن العاص جوابا وهي القصيدة الجلجلية المشهورة التي أولها :

معاوية الفضل لا تنس لي * وعن نهج الحق لا تعدل
نسيت احتيالي في جلق * على أهلها يوم لبس الحلي ؟
وقد أقبلوا زمرا يهرعون * ويأتون كالبقر المهل

ومنها أيضا :

ولولاي كنت كمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل
نسيت محاورة الأشعري * ونحن على دومة الجندل ؟
وألعقته عسلا باردا * وأمزجت ذلك بالحنظل(3)

(1) مثل يضرب راجع مجمع الأمثال للميداني ص 195 .
(2) أحد أئمة اللغة والنحو قال ابن ناصر : كان ثقة في النقل وله المصنفات الكثيرة . كذا ترجم له ابن كثير في تاريخه 12 ص 171 .
(3) في رواية الخطيب التبريزي :

فألمظه عسلا باردا * وأخبأ من تحته حنظلي
/ صفحة 118 /
ألين فيطمع في جانبي * وسهمي قد غاب في المفصل
وأخلعتها منه عن خدعة * كخلع النعال من الأرجل
وألبستها فيك لما عجزت * كلبس الخواتيم في الأنمل

ومنها أيضا :

ولم تك والله من أهلها * ورب المقام ولم تكمل
وسيرت ذكرك في الخافقين * كسير الجنوب مع الشمأل
نصرناك من جهلنا يا بن هند * على البطل الأعظم الأفضل
وكنت ولن ترها في المنام * فزفت إليك ولا مهر لي
وحيث تركنا أعالي النفوس * نزلنا إلى أسفل الأرجل
وكم قد سمعنا من المصطفى * وصايا مخصصة في علي

ومنها أيضا :

وإن كان بينكما نسبة * فأين الحسام من المنجل ؟
وأين الثريا وأين الثرى ؟ * وأين معاوية من علي ؟

فلما سمع معاوية هذه الأبيات لم يتعرض له بعد ذلك . ا ه‍ .
وذكر الشيخ محمد الأزهري في شرح مغني اللبيب 1 ص 82 هذه الأبيات برمتها حرفيا نقلا عن تاريخ الاسحاقي غير أنه حذف قوله :

وحيث تركنا أعالي النفوس * نزلنا إلى أسفل الأرجل

وذكر منها ثلاث عشر بيتا ابن شهر آشوب في " المناقب " 3 ص 106 .
وأخذ منها السيد الجزايري في " الأنوار النعمانية " ص 43 عشرين بيتا .
وذكر برمتها الزنوزي في الروضة الثانية من رياض الجنة وقال : هذه القصيدة تسمى بالجلجلية لما في آخرها : وفي عنقي علق الجلجل .
وخمسها بطولها الشاعر المفلق الشيخ عباس الزيوري البغدادي، وقفت عليه في ديوانه المخطوط المصحح بقلمه، ويوجد التخميس في إحدى نسختي المكتبة الخديوية بمصر .
يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون

/ صفحة 119 /

مهمات مصادر ترجمة عمرو بن العاص .
صحيح البخاري.
صحيح مسلم.
السنن أبو داود.
السنن للترمذي.
السنن للنسائي.
كتاب التاريخ، سليم بن قيس
السيرة النبوية، ابن هشام.
عيون الأخبار، ابن قتيبة.
المعارف، ابن قتيبة.
الإمامة والسياسة، ابن قتيبة
المحاسن والأضداد، الجاحظ.
البيان والتبيين، الجاحظ.
الأنساب، أبو عبيدة.
أنساب الأشراف، البلاذري.
بلاغات النساء، ابن أبي طاهر.
الكامل، المبرد.
المثالثب، الكلبي.
التاريخ، اليعقوبي.
الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان.
الأغاني، أبو الفرج.
الطبقات، ابن سعد.
العقد الفريد، ابن عبد ربه.
مروج الذهب، المسعودي.
المستدرك، الحاكم النيسابوري.
المحاسن والمساوي، البيهقي.
الاستيعاب، ابن عبدالبر.
تاريخ الأمم، الطبري.
تاريخ الشام، ابن عساكر.
ربيع الأبرار، الزمخشري.
الخصايص، الوطواط.
التفسير الكبير، الفخر الرازي.
الترغيب والترهيب، المنذري.
شرح النهج، ابن أبي الحديد.
الكامل، ابن الأثير.
البداية والنهاية، ابن كثير.
تمييز الخبيث، ابن الديبع.
التذكرة، سبط ابن الجوزي.
ثمرات الأوراق، ابن حجة.
السيرة النبوية، الحلبي.
روض المناظر، ابن شحنة
نور الأبصار، الشبلنجي.
جمهرة الخطب، أحمد زكي.
جمهرة الرسائل، أحمد زكي.
دائرة المعارف، فريد وجدي.

/ صفحة 120 /

* (الشاعر) *:
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد (بالتصغير) بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لوي القرشي أبو محمد وأبو عبد الله .
أحد دهاة العرب الخمس، منه بدئت الفتن وإليه تعود، وتقحمه في البوائق والمخاريق ثابت مشهور تضمنته طيات الكتب، وتناقلته الآثار والسير، وإذا استرسلت في الكلام عن الجور والفجور فحدث عنه ولا حرج، كما تجده في كلمات الصحابة الأولين، فالبغل نغل وهو لذلك أهل (1) ويقع الكلام في ترجمته عن نواحي شتى .
نسبه أبوه هو الأبتر بنص الذكر الحميد (إن شانئك هو الأبتر) وعليه أكثر أقوال المفسرين والعلماء (2) وفي بعض التفاسير وإن جاء ترديد بينه وبين أبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي معيط وغيرهم إلا أن القول الفصل ما ذكره الفخر الرازي من : أن كلا من أولئك كانوا يشنئون رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن ألهجهم به وأشدهم شنئة العاص ابن وائل .
فالآية تشملهم أجمع، ويخص اللعين بخزي آكد، ولذلك اشتهر بين المفسرين أنه هو المراد .
قال الرازي في تفسيره 8 ص 503، روي أن العاص بن وائل كان يقول : إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره، واسترحتم منه، وكان قد مات ابنه عبد الله من خديجة، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير .
وقال ص 504 بعد نقل الأقوال الأخر : ولعل العاص بن وائل كان أكثرهم مواظبة على هذا القول، فلذلك اشتهرت الروايات بأن الآية نزلت فيه .
وروى التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي في كتابه : أن الآية نزلت في

(1) مثل يضرب لمن لؤم أصله فخبث فعله .
(2) راجع الطبقات لابن سعد 1 ص 115، والمعارف لابن قتيبة ص 124، وتاريخ ابن عساكر 7 ص 330 .

/ صفحة 121 /

المترجم نفسه، كان أحد شانئي رسول الله صلى الله عليه وآله لما مات ولده إبراهيم فقال : إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له .
وذكره بذلك أمير المؤمنين في أبيات له تأتي فقال :

إن يقرنوا وصيه والأبترا * شاني الرسول واللعين الأخزرا

وذكره بذلك عمار بن ياسر يوم صفين وعبد الله بن جعفر في حديثيهما الآتيين .
فالمترجم له هو (الأبتر ابن الأبتر) وبذلك خاطبه أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب له يأتي بقول : من عبد الله أمير المؤمنين إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص شانئ محمد وآله محمد في الجاهلية والاسلام .
تعرفنا الآية الكريمة المذكورة إن كل معزو إلى العاص من الولد من ذكر أو أنثى من المترجم له أو غيره ليسوا لرشدة، فمن هنا تعرف فضيلة عمرو من ناحية النسب، أضف إلى ذلك حديث أمه ليلى العنزية الجلانية .
كانت أمه ليلى أشهر بغي بمكة وأرخصهن أجرة، ولما وضعته ادعاها خمسة كلهم أتوها غير أن ليلى ألحقته بالعاص لكونه أقرب شبها به، وأكثر نفقة عليها، ذكرت ذلك أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لما وفدت إلى معاوية فقال لها : مرحبا بك يا عمة ؟ فكيف كنت بعدنا ؟ فقالت : يا بن أخي ؟ لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير بلاء كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد صلى الله عليه وآله هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون، فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، ولم يجمع بعد رسول الله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار .
فقال لها عمرو بن العاص : أيها العجوز الضالة ؟ أقصري من قولك، وغضي

/ صفحة 122 /

من طرفك .
قالت : ومن أنت ؟ لا أم لك .
قال : عمرو بن العاص .
قالت يا بن اللخناء النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة بمكة وآخذهن لأجرة، إربع على ظلعك (1) واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها، ولقد إدعاك ستة (2) نفر من قريش كله يزعم أنه أبوك فسألت أمك عنهم فقالت : كلهم أتاني فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل فلحقت به، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر، فأتم بهم فإنك بهم أشبه(3).
وقال الإمام السبط الحسن الزكي سلام الله عليه بمحضر من معاوية وجمع آخر : أما أنت يا بن العاص فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة (4) من قريش فغلب عليك جزارها، ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك فقال : أنا شانئي محمد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل(5) .
وعده الكلبي أبو المنذر هشام المتوفى 206 / 4 في كتابه " مثالب العرب " الموجود عندنا – ممن يدين بسفاح الجاهلية، وقال في باب تسمية ذوات الرايات : وأما النابغة أم عمرو بن العاص : فإنها كانت بغيا من طوايف مكة فقدمت مكة ومعها بنات لها، فوقع عليها العاص بن وائل في الجاهلية في عدة من قريش منهم : أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه كل يزعم أنه ابنه، ثم إنه أضرب عنه ثلاثة وأكب عليه اثنان : العاص بن وائل، وأبو سفيان بن حرب فقال أبو سفيان : أنا والله وضعته في حر أمه .
فقال العاص : ليس هو كما تقول

(1) مثل يضرب لمن يتوعد . ربع في المكان أي أقام به . الظلع : العرج . يقال : ظلع البعير أي غمز في مشيته فالمعنى : لا تجاوز حدك في وعيدك، وأبصر نقصك وعجزك عنه .
(2) في العقد الفريد، وروض المناظر : خمسة .
(3) بلاغات النساء ص 27، العقد الفريد 1 ص 164، روض المناظر 8 ص 4، ثمرات الأوراق 1 ص 132، دايرة المعارف لفريد وجدي 1 ص 215، جمهرة الخطب 2 ص 363 .
(4) في لفظ الكلبي وسبط ابن الجوزي : خمسة .
(5) أخذنا هذه الجملة من حديث المهاجاة الطويلة الواقعة بين الإمام الحسن بن علي وبين عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، في مجلس معاوية رواه ابن أبي الحديد في شرحه 2 ص 101 نقلا عن كتاب المفاخرات للزبير بن بكار، وذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة ص 114 .

/ صفحة 123 /

هو إبني فحكما أمه فيه فقالت : للعاص .
فقيل لها بعد ذلك : ما حملك على ما صنعت و أبو سفيان أشرف من العاص ؟ فقالت : إن العاص كان ينفق على بناتي، ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا وخفت الضيعة، وزعم ابنها عمرو بن العاص إن أمه امرأة من غنزة بن أسد بن ربيعة .
وكان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون وأمية بن عبد شمس، وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان بن الحكم، وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، وعقبة بن أبي معيط .
(1) وعده الكلبي من الأدعياء في باب – أدعياء الجاهلية – وقال : قال الهيثم : ومن الأدعياء عمرو بن العاص، وأمه النابغة حبشية، وأخته لأمه أرينب (بضم الألف) وكانت تدعي لعفيف بن أبي العاص، وفيها قال عثمان لعمرو بن العاص : لمن كانت تدعى أختك أرينب يا عمرو ؟ فقال : لعفيف بن أبي العاص . قال عثمان : صدقت . إنتهى .
وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى 209 / 11 في كتاب " الأنساب " : إن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان : أبو سفيان، والعاص، فقيل : لتحكم أمه فقالت : إنه من العاص بن وائل .
فقال أبو سفيان .
أما إني لا أشك إنني وضعته في رحم أمه فأبت إلا العاص فقيل لها : أبو سفيان أشرف نسبا .
فقالت : إن العاص بن وائل كثير النفقة علي وأبو سفيان شحيح .
ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله صلى الله عليه وآله :
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت * لنا فيك منه بينات الدلائل

ففاخر به إما فخرت ولا تكن * تفاخر بالعاص الهجين بن وائل
وإن التي في ذاك يا عمرو حكمت * فقالت رجاء عند ذاك لنائل
: من العاص عمرو تخبر الناس كلما * تجمعت الأقوام عند المحامل(2)

وقال الزمخشري في " ربيع الأبرار " : كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة (بالتحريك) فسبيت فاشتراها عبد الله بن جذعان التيمي بمكة فكانت

(1) وإلى هنا ذكره سبط ابن الجوزي في تذكرته ص 117 عن المثالب .
(2) شرح ابن أبي الحديد 2 ص 101 .

/ صفحة 124 /

بغيا .
ثم ذكر نظير الجملة الأولى من كلام الكلبي ونسب الأبيات المذكورة إلى أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب .
وقال : جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه ولم تكن بمنصب مرضي فأتاه بمصر أميرا عليها فقال : أردت أن أعرف أم الأمير .
فقال : نعم، كانت امرأة من عنزة، ثم من بني جلان تسمى ليلى وتلقب النابغة، إذهب وخذ ما جعل لك (1) وقال الحلبي في سيرته 1 ص 46 في نكاح البغايا . ونكاح الجمع .
من أقسام نكاح الجاهلية : الأول أن يطأ البغي جماعة متفرقين واحدا بعد واحد فإذا حملت وولدت الحق الولد بمن غلب عليه شبهه منهم .
الثاني : أن تجتمع جماعة دون العشرة ويدخلون على امرأة من البغايا ذوات الرايات كلهم يطؤوها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا فلان .
تسمي من أحبت منهم فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منهم الرجل إن لم يغلب شبهه عليه، وحينئذ يحتمل أن يكون أم عمرو بن العاص رضي الله عنه من القسم الثاني فإنه يقال : إنه وطئها أربعة هم : العاص، وأبو لهب، وأمية، وأبو سفيان، و ادعي كلهم عمرا فألحقته بالعاص لإنفاقه على بناتها .
ويحتمل أن يكون من القسم الأول ويدل عليه ما قيل : إنه الحق بالعاص لغلبة شبهه عليه، وكان عمرو يعير بذلك عيره علي وعثمان والحسن وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
و سيأتي ذلك في قصة قتل عثمان عند الكلام على بناء مسجد المدينة (2) .
* (عبد الله وعمرو) * روى الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام 7 ص 330 : إن عمرو بن العاص قال لعبد الله بن جعفر الطيار ذي الجناحين في مجلس معاوية : يا بن جعفر ؟ يريد تصغيره .
فقال له : لئن نسبتني إلى جعفر فلست بدعي ولا أبتر ثم ولى وهو يقول :

(1) ورواه المبرد في الكامل، ابن قتيبة في عيون الأخبار 1 ص 284، ابن عبد البر في الاستيعاب، وذكر في شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 100، جمهرة الخطب 2 ص 19 .
(2) ذكر قتل عثمان عند الكلام على بناء المسجد ج 2 ص 72 – 88 ولم يوجد هناك شيء مما أو عزاليه .

/ صفحة 125 /
تعرضت قرن الشمس وقت ظهيرة * لتستر منه ضوءه بظلامكا
كفرت اختيارا ثم آمنت خيفة * وبغضك إيانا شهيد بذلكا

* (عبد الله وعمرو) * أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه 7 ص – 438 : إن عبد الله بن أبي سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي قدم معاوية وعنده عمرو فجاء الآذن فقال : هذا عبد الله وهو بالباب : فقال : إئذن له .
فقال عمرو : يا أمير المؤمنين ؟ لقد أذنت لرجل كثير الخلوات للتلهي، والطربات للتغني، صدوف عن السنان، محب للقيان، كثير مزاحه، شديد طماحه، ظاهر الطيش، لين العيش، أخاذ للسلف، صفاق للشرف فقال عبد الله : كذبت يا عمرو ؟ وأنت أهله ليس كما وصفت ولكنه : لله ذكور، ولبلاءه شكور، وعن الخنا زجور، سيد كريم، ماجد صميم، جواد حليم، إن ابتدأ أصاب، وإن سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا فاحش عياب، كذلك قضى الله في الكتاب، فهو كالليث الضرغام، الجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دني كمن اختصم فيه من قريش شرارها فغلب عليه جزارها، فأصبح ينوء بالدليل، ويأوي فيها إلى القليل، قد بدت بين حيين، وكالساقط بين المهدين، لا المعتزي إليهم قبلوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي حسب تنازل للنضال ؟ أم بأي قديم تعرض للرجال ؟ أبنفسك ؟ فأنت الخوار الوغد الزنيم .
أم بمن تنتمي إليه ؟ فأنت أهل السفه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهر، ولا بقديم في الاسلام ذكر، غير أنك تنطق بغير لسانك، وتنهض بغير أركانك، وأيم الله إن كان لأسهل للوعث (1) وألم للشعث (2) أن يكعمك (3) معاوية على ولوعك باعراض قريش كعام الضبع في وجاره (4) فأنت لست لها بكفي، ولا لأعراضها بوفي .
قال : فتهيأ عمرو للجواب فقال له معاوية : نشدتك الله إلا ما كففت . فقال عمرو : يا أمير المؤمنين دعني أنتصر فإنه لم يدع شيئا . فقال معاوية : أما في مجلسك هذا فدع الانتصار و

(1) الوعث بالفتح : العسر الغليظ .
(2) يقال : لم الله شعثهم . أي جمع أمرهم . (39 يقال : كعم البعير . أي شد فمه لئلا يعض أو يأكل .
(4) الوجار بكسر الواو وفتحها : حجر الضبع وغيرها

/ صفحة 126 /

عليك بالاصطبار .
وأشار إلى هذه القصة ابن حجر في الإصابة 2 ص 320 .
إسلامه:
إن الذي حدانا إليه يقين لا يخالجه شك بعد الأخذ بمجامع ما يؤثر عن الرجل في شئونه وأطواره : أنه لم يعتنق الدين اعتناقا، وإنما انتحله انتحالا وهو في الحبشة، نزل بها مع عمارة بن الوليد لاغتيال جعفر وأصحابه رسل النبي الأعظم تنتهي إليه الأنباء عن أمر الرسالة، ويبلغه التقدم والنشور له، وسمع من النجاشي قوله : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ فقال : أيها الملك ؟ أكذلك هو ؟ فقال : ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده (1) .
فراقه التزلف إلى صاحب الرسالة بالتسليم له فلم ينكفئ إلى الحجاز إلى طمعا في رتبة، أو وقوفا على لماظة من العيش، أو فرقا من البطش الإلهي بالسلطة النبوية .
فنحن لا نعرفه في غضون هاتيك المدد التي كان يداهن فيها المسلمين و يصانعهم إبقاءا لحياته، واستدرارا لمعاشه، إلا كما نعرفه يوم كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وآله بقصيدة ذات سبعين بيتا فلعنه صلى الله عليه وآله عدد أبياته .
وهو كما قال أمير المؤمنين : متى ما كان للفاسقين وليا، وللمسلمين عدوا ؟ ؟ وهل يشبه إلا أمه التي دفعت به(2).
وكان كما يأتي عن أمير المؤمنين من قوله : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا، وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا .
قال ابن أبي الحديد في الشرح 1 ص 137 : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو بن العاص لمعاوية لما قاله معاوية : يا أبا عبد الله ؟ إني لأكره لك أن تتحدث العرب عنك إنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا : دعنا عنك .
كناية عن الالحاد بل تصريح به، أي : دع هذا الكلام لا أصل له، فإن اعتقاد الآخرة و إنها لاتباع بعرض الدنيا من الخرافات، وما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط

(1) سيرة ابن هشام 3 ص 319 وغير واحد من كتب السيرة النبوية والتاريخ .
(2) تذكرة خواص الأمة ص 56، السيرة الحلبية وغيرهما .

/ صفحة 127 /

في الالحاد والزندقة وكان معاوية مثله .
وقال في ج 2 ص 113 : نقلت أنا من كتب متفرقة كلمات حكمية تنسب إلى عمرو بن العاص استحسنتها وأوردتها لأني لا أجحد الفاضل فضله وإن كان دينه عندي غير مرضي .
وقال في ص 114 : قال شيخنا أبو عبد الله : أول من قال بالارجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أنه لا يضر مع الإيمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال : حاربت من تعلم وارتكبت ما تعلم .
فقال : وثقت بقوله تعالى : إن الله يغفر الذنوب جميعا .
وقال في ج 2 ص 179 : وأما معاوية فكان فاسقا مشهورا بقلة الدين والانحراف عن الاسلام، وكذلك ناصره ومظاهره على أمره عمرو بن العاص ومن تبعهما من طغام أهل الشام وأجلافهم وجهال الأعراب، فلم يكن أمرهم خافيا في جواز محاربتهم و استحلال قتالهم .
وهناك كلمات ذكرت في مصادر وثيقة تمثل الرجل بين يدي القاري بروحياته و حقيقته، وتخبره بعجره وبجره (1) وإليك نماذج منها :
1 – كلمة النبي الأعظم :
دخل زيد بن أرقم على معاوية فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما فقال له : عمرو بن العاص : أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين ؟ فقال زيد : إن رسول الله صلى الله عليه و آله غزا غزوة وأنتما معه فرءاكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ثم راءكما اليوم الثاني واليوم الثالث كل ذلك يديم النظر إليكما فقال في اليوم الثالث : إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فإنهما لن يجتمعا على خير .
كذا أخرجه ابن مزاحم في كتاب " صفين " ص 112 ورواه ابن عبد ربه في " العقد الفريد " 2 ص 290 عن عبادة بن الصامت وفيه : إنه صلى الله عليه وآله قاله في غزوة تبوك ولفظه : إذا رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما فإنهما لا يجتمعان على خير .

(1) العجر : العروق المتعقدة . البحر : العروق المتعقدة في البطن . مثل يضرب لمن يخبر بجميع عيوبه .

/ صفحة 128 /

2 – كلمة أمير المؤمنين عليه السلام:
روى أبو حيان التوحيدي في " الإمتاع والمؤانسة " 3 ص 183 قال : قال الشعبي : ذكر عمرو بن العاص عليا فقال : فيه دعابة فبلغ ذلك عليا فقال : زعم ابن النابغة إني تلعابة، تمراحة، ذو دعابة، اعافس، وامارس . هيهات يمنع من العفاس والمراس (1) ذكر الموت وخوف البعث والحساب، ومن كان له قلب ففي هذا من هذا له واعظ وزاجر، أما وشر القول الكذب، إنه ليعد فيخلف، ويحدث فيكذب، فإذا كان يوم البأس فإنه زاجر وآمر ما لم تأخذ السيوف بهام الرجال، فإذا كان ذاك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم إسته .
ورواه بهذا اللفظ شيخ الطايفة في أماليه ص 82 من طريق الحافظ ابن عقدة .
* (صورة أخرى على رواية الشريف الرضي) * عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وإني امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس، لقد قال باطلا، ونطق آثما، أما وشر القول الكذب، إنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسأل فيلحف، ويسئل فيبخل، ويخون العهد، ويقطع الإل، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ؟ ؟ ! ! ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته، أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، وإنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة(2). نهج البلاغة – 1 ص 145 .
* (صورة أخرى على رواية ابن قتيبة) * قال زيد بن وهب : قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه : عجبا لابن النابغة يزعم إني تلعابة، أعافس وأمارس، أما وشر القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف، و يسئل فيبخل، فإذا كان عند البأس فإنه امرؤ زاجر ما لم تؤخذ السيوف مآخذها من هام القوم، فإذا كان كذلك كان أكبر همه أن يبر قط ويمنع الناس إسته، قبحه

(1) العفاس بالكسر : الفساد المراس : العبث واللعب .
(2) يقال : رضخ له من ماله رضيخة . أي : قليلا من كثير .

/ صفحة 129 /

الله وترحه . (عيون الأخبار 1 ص 164) .
* (صورة أخرى على رواية ابن عبد ربه) * ذكر عمرو بن العاص عند علي بن أبي طالب فقال فيه علي : عجبا لابن الباغية يزعم إني بلقائه أعافس وأمارس، ألا وشر القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف، و ويسئل فيبخل، فإذا احمر البأس، وحمى الوطيس، وأخذت السيوف مآخذها من هام الرجال لم يكن له هم إلا غرقة ثيابه، ويمنح الناس إسته، فضه الله وترحه . (العقد الفريد 2 ص 287) .
3 – كلمة أخرى له عليه السلام:
لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يوم صفين يدعون إلى حكم القرآن قال علي عليه السلام : عباد الله ؟ أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال، وشر رجال، إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم والله ما رفعوها، إنهم يعرفونها ولا يعملون بها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة . كتاب صفين لابن مزاحم ص 264 .
4 – كلمة أخرى له عليه السلام :
قال أبو عبد الرحمن المسعودي : حدثني يونس بن أرقم بن عوف عن شيخ من بكر بن وائل قال : كنا مع علي بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة في رأس رمح فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا فقال علي : هل تدرون ما أمر هذا اللواء ؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الشقة فقال : من يأخذها بما فيها ؟ فقال عمرو : و ما فيها يا رسول الله ؟ قال : فيها أن لا تقاتل به مسلما، ولا تقربه من كافر .
فأخذها، فقد والله قربه من المشركين وقاتل به اليوم المسلمين، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا إلا أنهم لم يدعوا الصلاة .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 110 .

/ صفحة 130 /

5 – كتاب أمير المؤمنين إلى عمرو:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل شانئ محمد وآله محمد في الجاهلية والاسلام .
سلام على من اتبع الهدى – أما بعد – فإنك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعا كما قيل : وافق شن طبقة (1) فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك، وكان علم الله بالغا فيك، فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا ما الليل دجا، أو أتى الصبح يلتمس فاضل سؤره، وحوايا فريسته، ولكن لا نجاة من القدر، ولو بالحق أخذت لأدركت ما رجوت، وقد رشد من كان الحق قائده، فإن يمكن الله منك ومن ابن آكلة الأكباد ألحقتكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن تعجزا (2) وتبقيا بعدي فالله حسبكما، وكفى بانتقامه انتقاما، وبعقابه عقابا . والسلام .
* (فائدة) * هذا الكتاب بهذه الصورة ذكرها ابن أبي الحديد (3) في شرحه 4 ص 61 نقلا عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم ولم نجده فيه فمن أمعن النظر في جل ما نقله ابن أبي الحديد عن هذا الكتاب يعلم بأن المطبوع منه هو مختصره لا أصله وهو أكبر من الموجود بكثير .
صورة أخرى له:
فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره، وطلبت فضله، إتباع الكلب للضرغام، يلوذ بمخالبه، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فأذهب دنياك وآخرتك، ولو بالحق أخذت، أدركت ما طلبت، فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما، وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما . والسلام . نهج البلاغة 2 ص 64

(1) مثل ساير له قصة يستفاد منها . شن : اسم رجل . طبقة : اسم امرأة : راجع مجمع الأمثال للميداني 2 ص 321 .
(2) عجز الشئ : مؤخره .
(3) وذكره عنه الدكتور أحمد زكي صفوت في جمهرة الرسائل 1 ص 486 .

/ صفحة 131 /

6 – خطبة أمير المؤمنين بعد التحكيم:
لما خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكة ورد علي عليه السلام ابن عباس إلى البصرة قام في الكوفة خطيبا فقال : الحمد لله، وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله – أما بعد – : فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب، تورث الحسرة، وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونحلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمر (1) فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه، فكنت أنا وإياكم كما قال أخو هوازن(2):

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

ألا ؟ إن هذين الرجلين : (عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري) اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، و أماتا ما أحيى القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجة بينة، ولا سنة ماضية، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد (3)، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، واستعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام .
الإمامة والسياسة 1 ص 119، تاريخ الطبري 6 ص 45، مروج الذهب 2 ص 35، نهج البلاغة 1 ص 44، كامل ابن الأثير 3 ص 146 .
ذكر ابن كثير في تاريخه 7 ص 286 هذه الخطبة ولما لم يعجبه ذكر أهل العيث والفساد بما هم عليه، أولم يره صادرا من أهله في محله، أولم يرض أن تطلع الأمة الإسلامية على حقيقة عمرو بن العاص وصويحبه فبتر الخطبة وذكرها إلى

(1) قصير هو مولى جذيمة الأبرش، وكان قد أشار على سيده أن لا يأمن الزباء ملكة الجزيرة، وقد دعته إليها ليزوجها، فخالفه وقصد إليها فقتلته فقال قصير : لا يطاع لقصير أمر . فذهب مثلا .
(2) دريد بن الصمة .
(3) في الإمامة والسياسة : لم يرشدهما الله .

/ صفحة 132 /

آخر البيت فقال : ثم تكلم فيما فعله الحكمان فرد عليهما ما حكما به وأنبهما، و قال ما فيه حط عليهما .
ا ه‍ وهناك لأمير المؤمنين عليه السلام في خطبه كلمات كثيرة حول الرجل مثل قوله : قد سار إلى مصر ابن النابغة عدو الله وولي من عادى الله .
وقوله : إن مصرا افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا .
(1) نضرب عنها صفحا روما للاختصار .
7 – قنوت أمير المؤمنين بلعن عمرو:
م – أخرج أبو يوسف القاضي في " الآثار " ص 71 من طريق إبراهيم قال : إن عليا رضي الله عنه قنت يدعو على معاوية رضي الله عنه حين حاربه فأخذ أهل الكوفة عنه، وقنت معاوية يدعو على علي فأخذ أهل الشام عنه ] .
وروى الطبري في تاريخه 6 ص 40 قال : كان علي إذا صلى الغداة يقنت فيقول : أللهم ؟ العن معاوية، وعمرا، وأبا الأعور السلمي، وحبيبا، وعبد الرحمن بن خالد، والضحاك بن قيس، والوليد .
فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا، وابن عباس، والأشتر، وحسنا، وحسينا .
ورواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 302 وفي ط مصر ص 636 وفيه : كان علي إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول : أللهم ؟ العن معاوية، و عمرا، وأبا موسى، وحبيب بن سلمة .
إلى آخر الحديث باللفظ المذكور، غير أن فيه : قيس بن سعد مكان الأشتر .
م – وقال ابن حزم في المحلى 4 : 145 : كان علي يقنت في الصلوات كلهن، و كان معاوية يقنت أيضا، يدعو كل واحد منهما على صاحبه ] .
ورواه الوطواط في " الخصايص " ص 330 وزاد فيه : ولم يزل الأمر على ذلك برهة من ملك بني أمية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فمنع من ذلك .
وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 ص 144 بلفظ الطبري .
م – وقال أبو عمر في " الاستيعاب " في الكنى في ترجمة أبي الأعور السلمي : كان

(1) تاريخ الطبري 6 ص 61 و 62 .

/ صفحة 133 /

هو وعمرو بن العاص مع معاوية بصفين، وكان من أشد من عنده على علي رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه يذكره في القنوت في صلاة الغداة يقول : أللهم عليك به . مع قوم يدعو عليهم في قنوته .
وذكره على لفظ الطبري أبو الفدا في تاريخه 1 : 179 ] .
م – وقال الزيلعي في نصب الراية 2 : 131 : قال إبراهيم : وأهل الكوفة إنما أخذوا القنوت عن علي، قنت يدعو على معاوية حين حاربه، وأهل الشام أخذوا القنوت عن معاوية قنت يدعو على علي ] .
ورواه أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 59 بلفظ الطبري حرفيا إلى قنوت معاوية وزاد فيه : محمد بن الحنفية، وشريح بن هاني .
وذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1 ص 200 نقلا عن كتابي صفين لابن ديزيل (المترجم له ج 1 ص 73) ونصر بن مزاحم . وذكره الشبلنجي في " نور الأنصار " ص 110 .
8 – دعاء عايشة على عمرو:
لما بلغ عايشة قتل محمد بن أبي بكر جزعت عليه جزعا شديدا وجعلت تقنت وتدعو في دبر الصلاة على معاوية وعمرو بن العاص . رواه الطبري في تاريخه 6 ص 60، ابن الأثير في " الكامل " 3 ص 155، ابن كثير في تاريخه 7 ص 314، ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 : 33 .
9 – الإمام الحسن الزكي وعمرو :
روى الزبير بن بكار في كتاب " المفاخرات " قال : اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وعتبة بن أبي سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي عليه السلام قوارص (1) وبلغه عنهم مثل ذلك فقالوا : يا أمير المؤمنين ؟ إن الحسن قد أحيا أباه وذكره، وقال فصدق، وأمر فأطيع، وخفقت له النعال، وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوءنا .
قال معاوية : فما تريدون : ؟ قالوا : ابعث عليه فليحضر لنسبه ونسب أباه ونعبره ونوبخه ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك، ولا يستطيع أن

(1) الكلمة القارصة : التي تنغص وتؤلم . جمع قوارص .

/ صفحة 134 /

يغير علينا شيئا من ذلك .
قال معاوية : إني لا أرى ذلك ولا أفعله .
قالوا : عزمنا عليك يا أمير المؤمنين ؟ لتفعلن .
فقال : ويحكم لا تفعلوا فوالله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي .
قالوا : ابعث إليه على كل حال .
قال : إن بعثت إليه لأنصفنه منكم .
فقال عمرو بن العاص : أتخشى أن يأتي باطله على حقنا ؟ أو يربي قوله على قولنا ؟ قال معاوية : أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أنه يتكلم بلسانه كله .
قالوا : مره بذلك .
قال: أما إذا عضيتموني وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك فلا تمرضوا له في القول واعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم العار، ولكن اقذفوه بحجره تقولون له : إن أباك قتل عثمان، وكره خلافة الخلفاء من قبله .
فبعث إليه معاوية فجاءه رسوله فقال : إن أمير المؤمنين يدعوك .
قال : من عنده ؟ فسماهم، فقال الحسن عليه السلام : ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.
ثم قال : يا جارية ؟ ابغيني ثيابي، أللهم ؟ إني أعوذ بك من شرورهم، وأدرأ بك في نحورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم كيف شئت وأنى شئت بحول منك وقوة يا أرحم الراحمين . ثم قام فدخل على معاوية .
إلى أن قال : فتكلم عمرو بن العاص فحمد الله وصلى على رسوله ثم ذكر عليا عليه السلام فلم يترك شيئا يعيبه به إلا قاله، وقال : إنه شتم أبا بكر وكره خلافته وامتنع من بيعته ثم بايعه مكرها، وشرك في دم عمر، وقتل عثمان ظلما، وادعى من الخلافة ما ليس له : ثم ذكر الفتنة يعيره بها وأضاف إليه مساوي .
وقال : إنكم يا بني عبد المطلب ؟ لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء واستحلالكم ما حرم الله من الدماء، وحرصكم على الملك، وإتيانكم ما لا يحل، ثم إنك يا حسن ؟ تحدث نفسك إن الخلافة صائرة إليك، وليس عندك عقل ذلك ولا لبه، كيف ترى الله سبحانه، سلبك عقلك، وتركك أحمق قريش يسخر منك ويهزأ بك، وذلك لسوء عمل أبيك، وإنما دعوناك لنسبك وأباك، فأما أبوك فقد تفرد الله به وكفانا أمره، وأما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال، ولو قتلناك ما كان علينا إثم من الله، ولا عيب من الناس، فهل تستطيع أن ترد علينا وتكذبنا ؟ فإن كنت ترى أنا كذبنا في شيء فاردده علينا فيما قلنا، وإلا فاعلم أنك وأباك ظالمان .

/ صفحة 135 /

فتكلم الحسن بن علي عليهما السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله (إلى أن قال لعمرو بعد جمل ذكرت ص 122) : وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما أخطأك ما رجوت، ورجعك الله خائبا، وأكذبك واشيا، جعلت حسدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام، ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون : أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله : أللهم ؟ إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، أللهم العنه بكل حرف ألف لعنة .
فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن .
وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نكأت (أي : قشرت) قرحة أدميتها .
ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا، ويحك يا بن العاص ؟ ألست القائل ؟ في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي :

تقول ابنتي : أين هذا الرحيل ؟ * وما السير مني بمستنكر
فقلت : ذريني فإني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر
لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر
وشانئ أحمد من بنيهم * وأقولهم فيه بالمنكر
وأجري إلى عتبة جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر
ولا أنثني عن بني هاشم * وما اسطعت في الغيب والمحضر
فإن قبل العتب مني له * وإلا لويت له مشفري(1)

تذكرة سبط ابن الجوزي ص 14، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 103، جمهرة الخطب ج 2 ص 12 .

(1) لوى الحبل : فتله . لوت الناقة بذنبها والوت : حركته . المشفر : الشدة والمنعة .

/ صفحة 136 /

* (بيان) * قوله عليه السلام : لتأتي بجعفر وأصحابه إلى مكة .
يشير إلى هجرته الثانية إلى الحبشة وقد هاجر إليها من المسلمين نحو ثلاثة وثمانين رجلا وثمان عشر امرأة .
وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب، ولما رأت قريش ذلك أرسلت في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة الوليد بهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليسلم المسلمين، فرجعا خائبين، وأبى النجاشي أن يخفر ذمته .
قوله عليه السلام : لما ارتكب من حليلته .
ذلك : إن عمرا وعمارة ركبا البحر إلى الحبشة وكان عمارة جميلا وسيما تهواه النساء، وكان مع عمرو بن العاص امرأته، فلما صاروا في البحر ليالي أصابا من خمر معها فانتشى عمارة فقال لامرأة عمرو : قبليني .
فقال لها عمرو : قبلي ابن عمك .
فقبلته، فهواها عمارة وجعل يراودها عن نفسها، فامتنعت منه، ثم إن عمرا أجلس على منجاف (1) السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر، فلما وقع عمرو سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة، وضغن على عمارة في نفسه، وعلم أنه كان أراد قتله، ومضيا حتى نزلا الحبشة، فلما اطمأنا بها لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي فأدخلته فاختلف إليها، وجعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرا بما كان من أمره فيقول عمرو : لا أصدقك إنك قدرت على هذا، إن شأن هذا المرأة أرفع من ذلك، فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره ورأى عمرو من حاله وهيئته ومبيته عندها حتى يأتي إليه من السحر ما عرف به ذلك قال له : إن كنت صادقا فقل لها : فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه وآتني بشئ منه حتى أصدقك .
قال : أفعل .
فسألها ذلك فدهنته منه وأعطته شيئا في قارورة، فقال عمرو، أشهد أنك قد صدقت لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد من العرب مثله قط : امرأة الملك .
ما سمعنا بمثل هذا، ثم سكت عنه حتى اطمأن ودخل على النجاشي فأعلمه شأن عمارة وقدم إليه الدهن .
فلما أثبت أمره دعا بعمارة ودعا نسوة أخر فجردوه من ثيابه، ثم أمرهن ينفخن في إحليله حتى خلى سبيله فخرج هاربا .
عيون الأخبار لابن قتيبة 1 ص 37، الأغاني 9 ص 56، شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 107، قصص العرب 1 ص 89 .

(1) منجاف السفينة : سكانها الذي تعدل به .

/ صفحة 137 /

10 – كتاب ابن عباس إلى عمرو :
كتب ابن عباس مجيبا إلى عمرو بن العاص : أما بعد : فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياءا منك، إنه مال بك معاوية إلى الهوى، وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك، فلما لم تر شيئا، أعظمت الدنيا إعظاما أهل الذنوب وأظهرت فيها نزهة أهل الورع، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب، وكسر أهل الدين، فإن كنت تريد الله بذلك فدع مصر، وارجع إلى بيتك، فإن هذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي، بدأها علي بالحق، وانتهى فيها إلى العذر، وبدأها معاوية بالغي، وانتهى فيها إلى السرف، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام، بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه، ولست أنا وأنت فيها بسواء، أردت الله، وأردت أنت مصر، وقد عرفت الشيئ الذي باعدك مني، وأعرف الشيئ الذي قربك من معاوية، فإن ترد شرا لا نسبقك به، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه، ثم دعا الفضل بن عباس فقال له : يا بن أم ؟ أجب عمرا .
فقال الفضل :

يا عمرو حسبك من خدع ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آس(1)
إلا تواتر طعن في نحوركم * يشجي النفوس ويشفي نخوة الراس
هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم * حتى تطيعوا عليا وابن عباس
أما علي فإن الله فضله * بفضل ذي شرف عال على الناس
إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة (2) * أو تبعثوها فإنا غير أنكاس
قد كان منا ومنكم في عجاجتها * ما لا يررد وكرل عرضة الباس
قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة * هذا بهذا وما بالحق من باس
لا بارك الله في مصر لقد جلبت * شرا وحظك منها حسوة الكاس(3)
يا عمرو إنك عار من مغانمها * والراقصات ومن يوم الجزا كاس

الإمامة والسياسة 1 ص 95، كتاب صفين ص 219، شرح ابن أبي الحديد

(1) أسا أسوا وأسا الجرح : داواه .
(2) خيس : ذلل . يقال : خيس الجمل : راضه وذلله بالركوب .
(3) الحسوة المرة من حساء : الجرعة الواحدة ج حسوات .

/ صفحة 138 /

2 ص 288 .
وهناك أبيات تعزى إلى حبر الأمة ابن عباس في كتاب " صفين " لابن مزاحم ص 300 ذكر فيها عمرا بكل قول شائن .
11 ابن عباس وعمرو :
حج عمرو بن العاص فمر بعبد الله بن عباس فحسده مكانه وما رأى من هيبة الناس له، وموقعه من قلوبهم، فقال له : يا بن عباس ؟ مالك إذا رأيتني وليتني قصرة (1) كأن بين عينيك دبرة (2) وإذا كنت في ملأ من الناس كنت الهوهاة (3) الهمزة ؟ (4) فقال ابن عباس : لأنك من اللئام الفجرة، وقريش من الكرام البررة، لا ينطقون بباطل جهلوه، ولا يكتمون حقا علموه، وهم أعظم الناس أحلاما، وأرفع الناس أعلاما، دخلت في قريش ولست منها، فأنت الساقط بين فراشين، لا في بني هاشم رحلك، ولا في بني عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم، الضال المضل، حملك معاوية على رقاب الناس، فأنت تسطو بحمله، وتسعو بكرمه .
فقال عمرو : أما والله إني لمسرور بك فهل ينفعني عندك ؟ قال ابن عباس : حيث مال الحق ملنا، وحيث سلك قصدنا .
العقد الفريد 2 ص 136.
12 – ابن عباس وعمرو :
حضر عبد الله بن جعفر مجلس معاوية وفيه عبد الله بن عباس، وعمرو بن العاص، فقال عمرو : قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني، والطربات بالتغني، محب للقيان، كثير مزاحه، شديد طماحه، صدود عن الشبان، ظاهر الطيش، رخي العيش، أخاذ بالسلف منفاق بالسرف .
فقال ابن عباس : كذبت والله أنت وليس كما ذكرت ولكنه : لله ذكور ولنعمائه شكور، وعن الخنا زجور، جواد كريم، سيد حليم، إذا رمى أصاب، وإذا سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا عيابة مغتاب، حل من قريش في كريم

(1) القصر والقصرة بفتح الصاد : الكسل .
(2) الدبر بفتح المهملة والموحدة : قرحة الدابة تحدث من الرحل ونحوه ج دبرو ادبار .
(3) الهوهاة : ضعيف القلب . أحمق .
(4) همز الشيطان الانسان : همس في قلبه وسواسا .

/ صفحة 139 /

النصاب، كالهزبر الضرغام، الجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دنئ، لا كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزارها، فأصبح ألأمها حسبا، وأدناها منصبا، ينوء منها بالذليل، ويأوي منها إلى القليل، مذبذب بين الحيين، كالساقط بين المهدين، لا المضطر فيهم عرفوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي قدر تتعرض للرجال ؟ وبأي حسب تعتد به تبارز عند النضال ؟ أبنفسك ؟ وأنت : الوغد اللئيم، والنكد الذميم، والوضيع الزنيم، أم بمن تنمي إليهم ؟ وهم : أهل السفه و الطيش، والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهروا، ولا بقديم في الاسلام ذكروا، جعلت تتكلم بغير لسانك، وتنطق بالزور في غير أقرانك، والله لكان أبين للفضل، و أبعد للعدوان أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق، فإنه طالما سلس داؤك، و طمح بك رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضر فيها رعيك، ولم يورق فيها غصنك .
فقال عبد الله بن جعفر : أقسمت عليك لما أمسكت فإنك عني ناضلت، ولي فاوضت .
فقال ابن عباس : دعني والعبد، فإنه قد يهدر خاليا إذ لا يجد مراميا، وقد أتيح له ضيغم شرس، للاقران مفترس، وللأرواح مختلس، فقال عمرو بن العاص : دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه فوالله ما ترك شيئا .
قال ابن عباس : دعه فلا يبقي المبقي إلا على نفسه، فوالله إن قلبي لشديد، وإن جوابي لعتيد، وبالله الثقة، وأني لكما قال نابغة بني ذبيان:

وقدما قد قرعت وقارعوني * فما نزر الكلام ولا شجاني
يصد الشاعر العراف عني * صدود البكر عن قرم هجان

هذا الحديث أخرجه الجاحظ في (المحاسن والأضداد) ص 101، والبيهقي في (المحاسن والمساوي) 1 ص 68، وقد مر ص 125 عن ابن عساكر لعبد الله بن أبي سفيان نحوه، وفي بعض ألفاظه تصحيف يصحح بهذا .
13 – معاوية وعمرو :
لما علم معاوية أن الأمر لم يتم له إن لم يبايعه عمرو فقال له : يا عمرو ؟ اتبعني . قال . لماذا ؟ للآخرة ؟ فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا ؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها . قال : فأنت شريكي فيها . قال : فاكتب لي مصر وكورها . فكتب له مصر وكورها .

/ صفحة 140 /

وكتب في آخر الكتاب : وعلى عمرو السمع والطاعة .
قال عمرو : واكتب : إن السمع والطاعة لا ينقصان من شرطه شيئا .
قال معاوية : لا ينظر الناس إلى هذا .
قال عمرو : حتى تكتب .
قال : فكتب، ووالله ما يجد بدا من كتابتها، ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا في مصر وعمرو يقول له : إنما أبايعك بها ديني .
فقال عتبة : إئتمن الرجل بدينه فإنه صاحب من أصحاب محمد .
وكتب عمرو إلى معاوية :

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
فإن تعطني مصرا فأربح صفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع

العقد الفريد 2 ص 291 .
14 – معاوية وعمرو بصورة مفصلة :
كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان يدعوه إلى بيعته، فاستشار معاوية بأخيه عتبة بن أبي سفيان فقال له : استعن بعمرو بن العاص، فإنه من قد علمت في دهائه ورأيه، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته، وهو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن تثمن له بدينه فسيبيعك، فإنه صاحب دنيا، فكتب إليه معاوية وهو بالسبع من فلسطين : – أما بعد – : فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة (1) أهل البصرة، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أذاكرك أمرا .
فلما قرأ الكتاب استشار ابنيه عبد الله ومحمد فقال لهما : ما تريان ؟ فقال عبد الله : أرى أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غايب، فقر في منزلك فلست معجولا خليفة، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشك أن تهلك فتشقى فيها .
وقال محمد : أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها، وأن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر أمرك، فألحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها وأطلب بدم عثمان، فإنك قد استلمت فيه إلى بني أمية . فقال

(1) الرافضة : كل جند تركوا قايدهم .

/ صفحة 141 /

عمرو : أما أنت يا عبد الله ؟ فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد ؟ فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وأنا ناظر فيه، فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه:

تطاول ليلي للهموم الطوارق * وخوف التي تجلو وجوه العوائق
وإن ابن هند سائلي أن أزوره * وتلك التي فيها بنات البوائق
أتاه جرير من علي بخطة * أمرت عليه العيش ذات مضائق
فإن نال مني ما يؤمل رده * وإن لم ينله ذل ذل المطابق
فوالله ما أدري وما كنت هكذا * أكون ومهما قادني فهو سائقي
أخادعه إن الخداع دنية *أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق
وقد قال عبد الله قولا تعلقت * به النفس إن لم تقتطعني عوائقي
وخالفه فيه أخوه محمد * وإني لصلب العود عند الحقائق

فقال عبد الله : رحل الشيخ . وفي لفظ اليعقوبي : بال الشيخ على عقبيه وباع دينه بدنياه : فلما أصبح دعا عمرو غلامه " وردان " وكان داهيا ماردا فقال : ارحل يا وردان ؟ ثم قال : حط يا وردان ؟ ثم قال : ارحل يا وردان ؟ حط يا وردان ؟ فقال له وردان : خلطت أبا عبد الله ؟ أما إنك إن شئت أنبأتك بما في نفسك .
قال : هات ويحك : قال : اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت : علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا .
ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض الآخرة، فأنت واقف بينهما .
قال : فإنك والله ما أخطأت فما ترى يا وردان ؟ قال : أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك .
قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية، فارتحل وهو يقول :

يا قاتل الله وردانا وفطنته * أبدى لعمرك ما في النفس وردان
لما تعرضت الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان
نفس تعف وأخرى الحرص يقلبها (1) * والمرء يأكل تبنا وهو غرثان (2)

(1) في شرح ابن أبي الحديد : يغلبها .
(2) غرث غرثا : جاع . فهو غرثان ج غرثى وغراث وغراثي .

/ صفحة 142 /
أما علي فدين ليس يشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان
فاخترت من طمعي دنيا على * بصر وما معي بالذي أختار برهان
إني لأعرف ما فيها وأبصره * وفي أيضا لما أهواه ألوان
لكن نفسي تحب العيش في شرف * وليس يرضى بذل العيش إنسان
عمرو لعمر أبيه غير مشتبه * والمرء يعطس والوسنان وسنان

فسار حتى قدم على معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه وكايد كل واحد منهما صاحبه، فلما دخل عليه قال : يا أبا عبد الله، طرقتنا في ليلتنا هذه ثلثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر .
قال : وما ذاك ؟ قال ذاك : أن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفات هذا الدين .
ومنها : إن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام .
ومنها : إن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا .
قال : ليس كل ما ذكرت عظيما، أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك ؟ وأما قيصر فاهد له من وصفاء (1) الروم ووصائفها وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع .
وأما علي فلا والله يا معاوية ؟ ما تستوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش، وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه .
وفي رواية أخرى قال معاوية يا أبا عبد الله ؟ إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وقتل الخليفة، وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة، وقطع الرحم .
قال عمرو : إلى من ؟ قال : إلى جهاد علي .
فقال عمرو : والله يا معاوية ؟ ما أنت وعلي بعكمي (2) بعير، مالك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه، و الله إن له مع ذلك حدا وحدودا وحظا وحظوة وبلاء من الله حسنا، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ؟ وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر . قال : حكمت . قال : مصر طعمة . فتلكأ عليه(3) .

(1) الوصيف . الغلام دون المراهق ج وصفاء . مؤنثه الوصيفة ج وصائف .
(2) العكم بالكسر : العدل بالكسر .
(3) تلكأ عن الأمر . أبطأ وتوقف .

/ صفحة 143 /

وفي حديث : قال له معاوية : إني أكره لك أن يتحدث العرب عنك : إنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا .
قال دعني عنك (1) قال معاوية : إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت .
قال عمر : لا لعمر الله ما مثلي يخدع لأنا أكيس من ذلك .
قال له معاوية : ادن مني برأسك أسارك .
قال : فدنا منه عمرو ويسار فعض معاوية أذنه، وقال : هذه خدعة، هل ترى في البيت أحدا غيري وغيرك ؟ فأنشأ عمرو يقول :

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فاربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع (2)
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
ولكنني أغضي الجفون وإنني * لأخدع نفسي والمخادع يخدع
وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإني به إن زلت النعل أصرع
وتمنعني مصرا وليست برغبة(3) * وإني بذا الممنوع قدماً لمولع

قال : أبا عبد الله ؟ ألم تعلم أن مصرا مثل العراق ؟ قال : بلى ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي قال : فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال لمعاوية : أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك ؟ ليتك لا تغلب على الشام .
فقال معاوية : يا عتبة ؟ بت عندنا الليلة فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية وقال:

أيها المانع سيفا لم يهز * إنما ملت على خز وقز
إنما أنت خروف مائل * بين ضرعين وصوف لم يجز
أعط عمرا إن عمرا تارك * دينه اليوم لدنيا لم تحز
يا لك الخير فخذ من دره * شخبه الأولى وأبعد ما غرز(4)

(1) مر تحليل هذه الكلمة ص 126 .
(2) البيتان يوجدان في عيون الأخبار لابن قتيبة 1 ص 181 .
(3) الرغبة بكسر المهملة وفتحها : العطاء الكثير .
(4) الشخب : ما يخرج من تحت يد الحالب . الشخبة : الدفعة منه ج شخاب : غرزا الغنم : ترك حلبها لتسمن .

/ صفحة 144 /
واسحب الذيل وبادر فوتها * وانتهزها إن عمرا ينتهز(1)
أعطه مصرا وزده مثلها * إنما مصر لمن عز فبز (2)
واترك الحرص عليها ضلة * واشبب النار لمغرور يكز
إن مصرا لعلي ولنا * تغلب اليوم عليها من عجز

فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو فأعطاه مصراً فقال له عمرو : لي الله عليك بذلك شاهد .
قال له معاوية : نعم لك الله علي بذلك لئن فتح الله علينا الكوفة .
قال عمرو : والله على ما نقول وكيل .
فخرج عمرو من عنده فقال له إبناه : ما صنعت ؟ قال : أعطانا مصر .
قالا : وما مصر في ملك العرب ؟ ! .
قال : لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر، وكتب معاوية على أن لا ينقض شرط طاعة .
وكتب عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا .
فكايد كل واحد منهما صاحبه .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 20 – 24، كامل المبرد 1 ص 221، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 136 – 138، تاريخ اليعقوبي 2 ص 161 – 163، رغبة الآمل من كتاب الكامل 3 ص 108، قصص العرب 2 ص 362 .
15 عمار بن ياسر وعمرو:
اجتمع عمار بن ياسر مع عمرو بن العاص في المعسكر يوم صفين، فنزل عمار والذين معه فاحتبوا بحمايل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص (يعني قال : أشهد أن لا إله إلا الله) فقال عمار : اسكت فقد تركتها في حياة محمد ومن بعده، ونحن أحق بها منك، فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك، وإن شئت كانت خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك، وإن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك، وتكفرك قبل القيام، و تشهد بها على نفسك، ولا تستطيع أن تكذبني .
قال عمرو : يا أبا اليقظان ؟ ليس لهذا جئت إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم، أذكرك الله إلا كففت سلاحهم، وحقنت دمائهم وحرضت على ذلك فعلام تقاتلنا ؟ ! أو لسنا نعبد إلها واحدا ؟ ونصلي قبلتكم، وندعو ودعوتكم ؟ ونقرأ كتابكم ؟ ونؤمن برسولكم ؟ قال عمار : الحمد

(1) يقال : جاء يسحب ذيله : أي يمشي متبخترا انتهز : ابتدر واغتنم .
(2) بزه غلبه . بز الشيئ منه : أخذه بجفاء وقهر .

/ صفحة 145 /

لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولأصحابي القبلة، والدين وعبادة الرحمن، والنبي والكتاب، من دونك ودون أصحابك، الحمد لله الذي قررك لنا بذلك دونك ودون أصحابك، وجعلك ضالا مضلا لا تعلم هاد أنت أم ضال، وجعلك أعمى، وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك، أمرني رسول الله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت، و أمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم، وأما المارقين فما أدري أدركهم أم لا .
أيها الأبتر ؟ ألست تعلم أن رسول الله قال لعلي : من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ؟ ! وأنا مولى الله ورسوله وعلي من بعده وليس لك مولى .
قال له عمرو : لم تشتمني يا أبا اليقظان ؟ ولست أشتمك، قال عمار : وبم تشتمني ؟ أتستطيع أن تقول : إني عصيت الله ورسوله يوما قط ؟ قال له عمرو : إن فيك لمسبات سوى ذلك .
قال عمار : إن الكريم من أكرمه الله، كنت وضيعا فرفعني الله، ومملوكا فأعتقني الله، وضعيفا فقواني الله، وفقيرا فأغناني الله.
وقال له عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟ قال فتح لكم باب كل سوء .
قال عمرو : فعلي قتله .
قال عمار : بل الله رب علي قتله .
(1) وروى نصر في كتابه ص 165 في حديث : فلما دنا عمار بن ياسر رحمه الله بصفين من عمرو بن العاص فقال : يا عمرو ؟ بعت دينك بمصر، تبا لك، وطال ما بغيت الاسلام عوجا .
ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرته ص 53 وزاد : والله ما قصدك وقصد عدو الله ابن عدو الله بالتعلل بدم عثمان إلا الدنيا .
16 – أبو نوح الحميري وعمرو :
أتى أبو نوح الحميري الكلاعي يوم صفين مع ذي الكلاع إلى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس، وعبد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب، فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو : يا أبا عبد الله ؟ هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر لا يكذبك ؟ قال عمرو : ومن هو ؟ قال ذو الكلاع : ابن عمي هذا و هو من أهل الكوفة .
فقال عمرو : إني لأرى عليك سيما أبي تراب .
قال أبو نوح : علي

(1) كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص 176، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 373 .

/ صفحة 146 /

سيما محمد صلى الله عليه وأصحابه وعليك سيما أبي جهل وسيما فرعون .
كتاب صفين ص 174، شرح النهج لابن أبي الحديد .
17 – أبو الأسود الدؤلي وعمرو :
قدم أبو الأسود (1) الدؤلي على معاوية بعد مقتل علي رضي الله عنه وقد استقامت لمعاوية البلاد، فأدنى مجلسه، وأعظم جائزته، فحسده عمرو بن العاص فقدم على معاوية فاستأذن عليه في غير وقت الإذن له فقال له معاوية : يا أبا عبد الله ؟ ما أعجلك قبل وقت الإذن فقال : يا أمير المؤمنين ؟ أتيتك لأمر قد أوجعني وارقني وغاظني، وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين .
قال : وما ذاك ؟ يا عمرو ؟ قال : يا أمير المؤمنين ؟ إن أبا الأسود رجل مفوه له عقل وأدب، من مثله للكلام يذكر ؟ وقد أذاع بمصرك من الذكر لعلي، والبغض لعدوه وقد خشيت عليك أن يترى (2) في ذلك حتى يؤخذ لعنقك، وقد رأيت أن ترسل إليه، وترهبه، وترعبه، وتسبره، وتخبره، فإنك من مسألته على إحدى خبرتين، إما أن يبدي لك صفحته فتعرف مقالته، وإما أن يستقبلك فيقول ما ليس من رأيه، فيحتمل ذلك عنه فيكون لك في ذلك عاقبة صلاح إنشاء الله تعالى .
فقال له معاوية : إني امرؤ والله لقل ما تركت رأيا لرأي امرئ قط إلا كنت فيه بين أن أرى ما أكره وبين بين، ولكن إن أرسلت إليه فسألته فخرج من مساءلتي بأمر لا أجد عليه مقدما ويملأني غيظا لمعرفتي بما يريد، وإن الأمر فيه أن يقبل ما أبدى من لفظه فليس لنا أن نشرح عن صدره وندع ما وراء ذلك يذهب جانبا .
فقال عمرو : أنا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفين، وقد عرفت رأي ولست أرى خلافي و ما آلوك خيرا، فأرسل إليه ولا تفرش مهاد العجز فتتخذه وطيئا .
فأرسل معاوية إلى أبي الأسود فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثا فرحب به معاوية وقال : يا أبا الأسود ؟ خلوت أنا وعمرو فتناجزنا (3) في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين .
قال : سل يا أمير المؤمنين ؟ عما بدا لك . فقال : يا

(1) ظالم بن عمرو التابعي الكبير المتوفى سنة 69 وهو ابن خمس وثمانين سنة .
(2) ترى تريأ في الأمر : تراخى فيه .
(3) ناجزه : خاصمه . والمناجزة في الحرب المبارزة .

/ صفحة 147 /

أبا الأسود ؟ أيهم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : أشدهم حبا لرسول الله صلى الله عليه وآله وأوقاهم له بنفسه .
فنظر معاوية إلى عمرو وحرك رأسه، ثم تمادى في مسألته فقال : يا أبا الأسود ؟ فأيهم كان أفضلهم عندك ؟ قال أتقاهم لربه وأشدهم خوفا لدينه .
فاغتاظ معاوية على عمرو، ثم قال : يا أبا الأسود ؟ فأيهم كان أعلم ؟ قال : أقولهم للصواب وأفصلهم للخطاب .
قال : يا أبا الأسود ؟ فأيهم كان أشجع ؟ قال : أعظمهم بلاء، وأحسنهم عناء، وأصبرهم على اللقاء .
قال : فأيهم كان أوثق عنده ؟ قال من أوصى إليه فيما بعده .
قال : فأيهم كان للنبي صلى الله عليه وآله صديقا ؟ قال : أولهم به تصديقا .
فأقبل معاوية على عمرو و قال : لا جزاك الله خيرا، هل تستطيع أن ترد مما قال شيئا ؟ فقال أبو الأسود : إني قد عرفت من أين أتيت، فهل تأذن لي فيه ؟ فقال : نعم .
فقل ما بدا لك .
فقال يا أمير المؤمنين، إن هذا الذي ترى هجا رسول الله صلى الله عليه وآله بأبيات من الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أللهم ؟ إني لا أحسن أن أقول الشعر فالعن عمرا بكل بيت لعنة .
أفتراه بعد هذا نائلا فلاحا ؟ أو مدركا رباحا ؟ وأيم الله إن امرءا لم يعرف إلا بسهم أجيل عليه فجال لحقيق أن يكون كليل اللسان ضعيف الجنان، مستشعرا للاستكانة، مقارنا للذل والمهانة، غير ولوج فيما بين الرجال، ولا ناظر في تسطير المقال، إن قالت الرجال أصغى، وإن قامت الكرام أقعى (1) متعيص لدينه لعظيم دينه، غير ناظر في أبهة الكرام ولا منازع لهم، ثم لم يزل في دجة ظلماء مع قلة حياء، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار .
فقال عمرو : يا أخا بني الدؤل ؟ والله إنك لأنت الذليل القليل، ولولا ما تمت به من حسب كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الحدية (2) غير أنك بهم تطول، وبهم تصول، فلقد استطبت مع هذا لسانا قوالا، سيصير عليك وبالا، و أيم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديما وحديثا، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وإنك لتوالي عدوه، وتعادي وليه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليقطعن عنه لسانك، وليخرجن من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان (3) في أصل الشجرة .

(1) أقعى الكلب : جلس على استه .
(2) الأجدل : الصقر . والحداة بكسر الحاء : طائر من الجوارح . والعامة تسميه الحدية .
(3) الأفعوان بضم الأول : ذكر الأفعى .

/ صفحة 148 /

فتكلم معاوية فقال : يا أبا الأسود ؟ أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك .
و قال لعمرو : فلم تغرق كما أغرقت ولم تبلغ ما بلغت، غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والباغي أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره وقوما غير مطرودين، فقام عمرو وهو يقول:

لعمري لقد أعيى القرون التي مضت * لغش ثوى بين الفؤاد كمين

وقام أبو الأسود وهو يقول : ألا إن عمرا رام ليث خفية (1) وكيف ينال الذئب ليث عرين تاريخ ابن عساكر 7 ص 104 – 106 .
18 – حديث أبي جعفر وزيد:
قال أبو جعفر وزيد بن الحسن : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص يوم صفين أن يسوي صفوف أهل الشام فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب ؟ واستوسقت لك البلاد .
فقال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ؟ وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد الله ؟ إن قتل ابن أبي طالب، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك .
فقال لهم عمرو : يا معشر أهل الشام ؟ سووا صفوفكم ؟ أعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا بالله إلهكم، وجاهدوا عدو الله وعدوكم، واقتلوهم قتلهم الله وأدبارهم، واصبروا إن الأرض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 123، شرح ابن أبي الحديد .
هذا أكبر كلمة تدل على ضئولة الرجل في دينه لأنها تنم عن عرفانه بحق أمير المؤمنين عليه السلام ومغبة أمر من ناواه ومع ذلك فهو يحرض الناس على قتاله و يموه عليهم، وهي ترد قول من يبرر عمله باجتهاده أو بعدله .
19 – عمرو وابن أخيه :
كان لعمرو بن العاص ابن أخ (2) أريب من بني سهم جاءه من مصر فقال له : ألا

(1) الخفية : الغيضة الملتفة .
(2) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ابن عم .

/ صفحة 149 /

تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش ؟ أعطيت دينك، وتمنيت دنيا غيرك، أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب ؟ (1) فقال عمرو : يا بن أخي إن الأمر لله دون علي ومعاوية .
فقال الفتى:

ألا يا هند أخت بني زياد * رمي عمرو بداهية البلاد
رمي عمرو بأعور عبشمي * بعيد القعر محشي الكباد (2)
له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفوائد
فشرط في الكتاب عليه حرفا * يناديه بخدعته المنادي
وأثبت مثله عمرو عليه * كلا المرأين حية بطن وادي
ألا يا عمرو؟ ما أحرزت مصرا * وما ملت الغداة إلى الرشاد
وبعت الدين بالدنيا خسارا * فأنت بذاك من شر العباد
فلو كنت الغداة أخذت مصرا * ولكن دونها خرط القتاد
وفدت إلى معاوية بن حرب * فكنت بها كوافد قوم عاد
وأعطيت الذي أعطيت منها * بطرس فيه نضح من مداد
ألم تعرف أبا حسن عليا * وما نالت يداه من الأعادي؟؟!!
عدلت به معاوية بن حرب * فيا بعد البياض من السواد
ويا بعد الأصابع من سهيل * ويا بعد الصلاح من الفساد
أتأمن أن تراه على خدب ؟ * يحث الخيل بالاسل الخداد(3)
ينادي بالنزال وأنت منه * قريب فانظرن من ذا تعادي

فقال عمرو : يا بن أخي ؟ لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكن الآن مع معاوية . فقال له الفتى : إنك إن لم ترد معاوية لم يردك. ولكنك تريد دنياه ويريد دينك . وبلغ معاوية قول الفتى، فطلبه فهرب فلحق فحدثه بأمر عمرو ومعاوية . قال

(1) يعني كتابا كتبه معاوية لعمرو بمصر وجعلها طعمة له .
(2) يعني معاوية : يقال في النسبة إلى عبد شمس : عبشمى . حشا حشوا : ملا . احتشى : امتلاء .
(3) خدب بالكسر وتشديد الموحدة : سنام البعير الضخم . الأسل : الرماح .

/ صفحة 150 /

فسر ذلك عليا وقربه قال : وغضب مروان وقال : ما بالي لا أشترى كما اشتري عمرو ؟ ! فقال معاوية : إنما يشترى الرجال لك .
قال : فلما بلغ عليا ما صنع معاوية وعمرو قال :

يا عجبا لقد سمعت منكرا * كذبا على الله يشيب الشعرا
يسترق السمع ويغشي البصرا * ما كان يرضى أحمد لو أخبرا
أن يقرنوا وصيه والأبترا * شاني الرسول واللعين الأخزرا(1)
كلاهما في جنده قد عسكرا * قد باع هذا دينه فأفجرا
من ذا بدنيا بيعه قد خسرا * بملك مصر إن أصاب الظفرا
إني إذا الموت دنا وحضرا * شمرت ثوبي ودعوت قنبرا
قدم لوائي لا تؤخر حذرا * لن ينفع الحذار مما قدرا
لما رأيت الموت موتا أحمرا * عبأت همدان وعبوا حميرا
حي يمان يعظمون الخطرا * قرن إذا ناطح قرنا كسرا
قل لابن حرب لا تدب الحمرا * أرود قليلا أبد منك الضجرا(2)
لا تحسبني يا بن حرب عمرا * وسل بنا بدرا معا وخيبرا
كانت قريش يوم بدر جزرا * إذ وردوا الأمر فذموا الصدرا(3)
لو أن عندي يا بن حرب جعفرا * أو حمزة القرم الهمام الأزهرا
رأت قريش نجم ليل ظهرا

الإمامة والسياسة 1 ص 84، كتاب صفين لابن مزاحم ص 24، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 138 .
20 – غانمة بنت غانم وعمرو :
بلغ غانمة بنت غانم سب معاوية وعمرو بن العاص بني هاشم وهي بمكة قالت :

(1) الخزر : ضيق العين . الخزرة بالضم : انقلاب الحدقة نحو اللحاظ وهو أقبح الحول .
(2) أدب الصبى : صيره . أرود في السير : رفق وتمهل . الضجر بفتح الفاء والعين . القلق من غم وضيق نفس .
(3) الجزرة . الشاة التي تذبح ج جزر . بالفتح وقد تكسر . الصدر، بالتحريك : رجوع المسافر من مقصده والشاربة من الورد .

/ صفحة 151 /

يا معشر قريش ؟ والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانئ رسول الله صلى الله عليه وآله إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويكثر منه عويله .
فكتب عامل معاوية إليه بذلك فلما بلغه أن غانمة قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنظفت و ألقي فيها فرش، فلما قربت من المدينة استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم فقال لها يزيد : إن أبا عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته وكان لا تعرفه فقالت : من أنت ؟ كلأك الله .
قال : يزيد بن معاوية .
قالت : فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد .
فتعمر لون يزيد فأتى أباه فأخبره فقال : هي أسن قريش وأعظمهم .
فقال يزيد : كم تعد لها يا أمير المؤمنين ؟ قال : كانت تعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة عام وهي من بقية الكرام، فلما كان من الغد أتاها معاوية فسلم عليها فقالت : على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان .
ثم قالت : من منكم ابن العاص ؟ (1) قال عمرو : ها أنا ذا .
فقالت : وأنت تسب قريشا وبني هاشم ؟ وأنت أهل السب وفيك السب وإليك يعود السب يا عمرو ؟ إني والله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك وإني أذكر لك ذلك عيبا عيبا : ولدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء، تبول من قيام، وتعلوها اللئام، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلا، وأما أنت فقد رأيتك غاويا غير راشد، ومفسدا غير صالح، ولقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرت ولا أنكرت، وأما أنت يا معاوية ؟ فما كنت في خير ولا ربيت في خير، فمالك ولبني هاشم ؟ أنساء بني أمية كنسائهم ؟ ! الحديث .
وهو طويل وقد حذفنا من أوله مقدار ما ذكر، راجع [ المحاسن والأضداد ] للجاحظ ص 102 – 104، وفي ط 118 – 121 و [ المحاسن والمساوي ] للبيهقي 1 ص 69 – 71 .
هذه حقيقة الرجل ونفسياته وروحياته منذ العهد الجاهلي وفي دور النبوة وبعده إلى ما أثاره من فتن إلتفت بها حلقتا البطان في أيام أمير المؤمنين عليه السلام يوم تحيزه إلى ابن آكلة الأكباد لدحض الحق وأهله، وما كان يتحرى فيها من الغوائل وبعدها إلى أن، اصطلمه القدر الحاتم، واخترمته منيته يوم خابت أمنيته

(1) في لفظ الجاحظ : أفيكم عمرو بن العاص ؟ .

/ صفحة 152 /

فطفق يتغلل بين أطباق الجحيم وتضربه زبانيتها بمقامع من حديد، ولعلنا ألمسناك هذه الحقيقة باليد فلن تجد في تضاعيف هاتيك الأعوام له مأثرة يتبجح بها ابن أنثى خلا ما تقوله زبائنه من أعداء أهل البيت عليهم السلام، وما عسى أن يكون مقيلها من ظل الحق ؟ بعد ما أثبتناه من الحقيقة الراهنة، ووقفنا عليه من أحوال رواة السوء و شناشنهم في افتعال المدايح للزعانفة المؤتلفة معهم في النزعات الباطلة .
وأما تأميره في غزوة ذات السلاسل فلا يجديه نفعا بعد ما علمناه من أنه كان يتظاهر بالاسلام ويبطن النفاق في طيلة حياته، وما كان الصالح العام والحكمة الإلهية يحدوان رسول الله صلى الله عليه وآله على العمل بالبواطن، وإنما يجاري القوم مجاري ظواهرهم لأنهم حديثو عهد بالجاهلية، والاسلام لما يتحكم في أفئدتهم، فلو كاشفهم على السرائر، لانتكصوا على أعقابهم، وتقهقروا إلى جاهليتهم الأولى، فكان يسايرهم على هذا الظاهر لعلهم يتمرنوا باعتناق الدين، ويأخذ من قلوبهم محله، ولذلك أنه صلى الله عليه وآله كان يعلم بنفاق كثير من أصحابه كما أخبره الله تعالى بقوله : و من أهل المدينة مردوا على النفاق .
إلى غيرها من الآيات الكريمة، لكنه يستر عليهم رعاية لما أبرمه حذار الانتكاث، فكان تأمير عمرو مع علمه بنفاقه لتلك الحكمة البالغة غير ملازم لحسن حاله على ما عرفته من كلام مولانا أمير المؤمنين من أنه صلى الله عليه وآله لما عقد له الراية شرط عليه شرطا قد أخلفه .
ويعرب عن حقيقة ما نرتأيه قول أبي عمرو وغيره : إن عمرو بن العاص ادعى على أهل الاسكندرية أنهم قد نقضوا العهد الذي كان عاهدهم، فعهد إليها فحارب أهلها وافتتحها، وقتل المقاتلة، وسبى الذرية، فنقم ذلك عليه عثمان، ولم يصح عنده نقضهم العهد، فأمر برد السبي الذي سبوا من القرى إلى مواضعهم، وعزل عمروا عن مصر وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري مصرا بدله، فكان ذلك بدو الشر بين عمرو بن العاص وعثمان بن عفان، فلما بدا بينهما من الشر ما بدا اعتزل عمرو في ناحية فلسطين بأهله، وكان يأتي المدينة أحيانا ويطعن على عثمان (1) و

(1) الاستيعاب 2 ص 435، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 112 .

/ صفحة 153 /

ولى عمر عمرو بن العاص على مصر وبقي واليا عليها إلى أول خلافة عثمان، سعر عليه الدنيا نارا، ولما أتاه قتله قال : أنا أبو عبد الله إذا نكأت (1) قرحة أدميتها .
ثم إن عثمان عزله عن الخراج واستعمله على الصلاة، واستعمل على الخراج عبد الله ابن سعد بن أبي سرح، ثم جمعهما لعبد الله بن سعد وعزل عمروا، فلما قدم عمرو المدينة جعل يطعن على عثمان فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به .
فقال : يا بن النابغة ؟ ما أسرع ما قمل جربان (2) جبتك ؟ إنما عهدك بالعمل عام أول، أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بالآخر ؟ والله لولا أكلة ما فعلت ذلك .
فقال عمرو : إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين ؟ في رعيتك .
فقال عثمان : والله لقد استعملتك على ظلعك (3) وكثرة القالة فيك .
فقال عمرو : قد كنت عاملا لعمر ابن الخطاب ففارقني وهو عني راض .
فقال عثمان : وأنا والله لو أخذتك بما أخذك به عمر لاستقمت، ولكني لنت لك فاجترأت علي .
فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه على عثمان .
ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان . ويأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان . ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان .
ولما قصد الثوار إلى المدينة أخرج لهم عثمان عليا فكلمهم فرجعوا عنه وخطب عثمان الناس فقال : إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم، فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد : إتق الله يا عثمان ؟ فإنك قد ركبت نهابير (4) وركبناها معك، فتب إلى الله نتب، فناداه عثمان فقال : وإنك هناك يا بن النابغة ؟ قملت والله جبتك منذ تركتك من العمل .
و في لفظ البلاذري في الأنساب : يا بن النابغة ؟ وإنك ممن تؤلب علي الطغام لأني عزلتك عن مصر .
فلما كان حصر عثمان الأول خرج عمرو من المدينة حتى إنتهت إلى أرض له

(1) نكأ القرحة : قشرها قبل أن تبرأ .
(2) جربان الجبة بضم الميم والراء وكسرهما وتشديد الباء جيبها .
(3) أي على ما فيك من عيب وميل . والظلع في الأصل غمز البعير في مشيه .
(4) جمع نهبورة بالضم : المهلكة .

/ صفحة 154 /

بفلسطين يقال لها : السبع .
فنزل بها، وكان يقول : أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، والله إن كنت لألقى الراعي فأحرضه عليه .
وفي لفظ البلاذري : وجعل يحرض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم .
فبينما هو بقصره بفلسطين إذ مر به راكب من المدينة فسأله عمرو عن عثمان فقال : تركته محصورا .
قال عمرو : أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار، فلما بلغه مقتل عثمان قال عمرو : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده ؟ إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق (1) وهو أكره من يليه إلي .
فلما بلغه أن عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص لينظر ما يصنع الناس، ثم نمى إليه معاوية بالشام يأبى أن يبايع عليا، وإنه يعظم قتل عثمان ويحرض على الطلب بدمه، فاستشار ابنيه عبد الله ومحمدا في الأمر، وقال : ما تريان ؟ أما علي فلا خير عنده وهو رجل يدل (1) بسابقته، وهو غير مشركي في شيء من أمره .
فقال عبد الله ابن عمرو : توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو عنك راض، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو عنك راض، وتوفي عمر رضي الله عنه وهو عنك راض، أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه .
وقال محمد بن عمرو : أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس ذلك فيه صوت ولا ذكر .
قال عمرو : أما أنت يا عبد الله ؟ فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي، وأسلم في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي، وأشر لي في آخرتي .
ثم خرج عمرو بن العاص ومعه إبناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو بن العاص : أنتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم .
ومعاوية لا يلتفت إلى قول عمرو، فقال ابنا عمرو لعمرو : ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك ؟ ! إنصرف إلى غيره .
فدخل عمرو على معاوية فقال : والله لعجب لك إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني، أم والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا .
فصالحه معاوية

(1) استنظف الشئ . أخذ كله .
(2) أدل وتدلل : انبسط واجترأ .

/ صفحة 155 /

وعطف عليه .
أنساب الأشراف للبلاذري 5 ص 74، 87، تاريخ الطبري 5 ص 108 – 111 و 224، كامل ابن الأثير 3 ص 68، تذكرة السبط ص 49، جمهرة رسائل العرب 1 ص 388 .
وكان بعد تلك المساومة المشؤمة يحرض الناس على قتل الإمام أمير المؤمنين كما فعله على عثمان حتى قتله وافتخر به بقوله : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع : ثم جعل قميصه وسيلة النيل إلى الرتبة والراتب وقام بطلب دمه قائلا : إن في النفس من ذلك ما فيها .
وممن حث على أمير المؤمنين وألبه حريث مولى معاوية بن أبي سفيان قال ابن عساكر في تاريخه 4 ص 113 : قال معاوية لحريث : إتق عليا ثم ضع رمحك حيث شئت .
فقال له عمرو بن العاص : إنك والله يا حريث ؟ لو كنت قرشيا لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكن كره أن يكون لها حظها، فإن رأيت منه فرصة فاقتحم عليه .
ولما قتل أمير المؤمنين عليه السلام استبشر بذلك وبشره به سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص قال ابن عساكر في تاريخه 6 ص 181 : لما طعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ذهب سفيان يبشر معاوية وعمرو بن العاص بقتله فكتب معاوية إلى عمرو وهو يقول :

وقتك وأسباب المنون كثيرة * منية شيخ من لوي بن غالب
فيا عمرو مهلا إنما أنت عمه * وصاحبه دون الرجال الأقارب
نجوت وقد بل المرادي سيفه * من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
ويضربني بالسيف آخر مثله * فكانت عليه تلك ضربة لازب
وأنت تناغي كل يوم وليلة * بمصرك بيضا كالظباء الشوازب

هذه نفسية الرجل وتمام حقيقته اللائحة على تجارته البائرة، وصفقته الخاسرة، وبضاعته المزجاة من الدين المبطن بالإلحاد، والمكتنف بالنفاق، ولو لم يكن كذلك لما اقتنع بتلك المساومة، وهو يعرف الثمن والمثمن، ويعلم سابقة أمير المؤمنين وفضله وقرابته ويقول : إن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق . ومع ذلك يظهر بغضه وعداه بقوله : وهو أكره من يليه إلي . ويعترف بالحق ويتحيز إلى خلافه، و

/ صفحة 156 /

يعرف الموضع الصالح للخلافة ثم يميل مع الهوى ويقول : إنما أردنا هذه الدنيا .
فيبيع دينه لمعاوية بثمن بخس (مصر وكورها) ويؤلب الناس على الإمام الطاهر بنص الكتاب العزيز، ويسر بقتله، ولقد صارح بكل ذلك صراحة لا تقبل التأويل وهي مستفاد من نصوصه ونصوص الصحابة الأولين، وبها عرف في التاريخ الصحيح كما سمعت من دون أي استنباط أو تحوير، فلا بارك الله في صفقة يمينه، ولا غار له بخير .
حديث شجاعته:
لم نعهد لابن النابغة موقفا مشهودا في المغازي والحروب سواء في ذلك : العهد الجاهلي، ودور النبوة، وأما وقعة صفين فلم يؤثر عنه سوى مخزات سوئته مع أمير المؤمنين، وفراره من الأشتر، وقد بقي عليه عار الأولى مدى الحقب والأعوام، وجرى بها المثل وغنى بها أهل الحجاز وجاء في شعر عتبة بن أبي سفيان :

سوى عمرو وقته خصيتاه * نجى ولقلبه منه وجيب

وفي شعر معاوية بن أبي سفيان يذكر عمرا وموقفه كما يأتي :

فقد لاقى أبا حسن عليا * فآب الوائلي مآب خازي
فلو لم يبد عورته للاقى * به ليثا يذلل كل غازي

وفي شعر الحارث بن نصر السهمي :

فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه
ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما * هما كانتا للنفس والله واقيه

وفي شعر الأمير أبي فراس :

ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوئته عمرو

وفي شعر الزاهي البغدادي:

وصد عن عمرو بسر كرما * إذ لقيا بالسوأتين من شخص

وقال آخر :

ولا خير في صون الحياة بذلة * كما صانها يوما بذلته عمرو

وقال عبد الباقي الفاروقي العمري :

وليلة الهرير قد تكشفت * عن سوءة ابن العاص لما غلبا
/ صفحة 157 /
فحاد عنه مغضبا حيدرة * وعف والعفو شعار النجبا
ولو يشأ ركب فيه زجة * تركيب مزجي كمعدي كربا

وكان قد تكرر منه هذا العمل المخزي كما سيأتي، ولو كان للرجل شيء من البسالة لجبه معيريه بتعداد مشاهده، وسلقهم بلسان حديد، وهو ذلك الصلف المفوه، وفيما أمر من الحروب كان الزحف للجيش الباسل دونه، فلم يسط أمامه، وإنما كان رئيا في أمرهم يدير وجه الحيلة فيه، كما أنه كان في صفين كذلك لم يبارح سرادق معاوية وطفق يبديه دهائه إلا في موقفين سيوافيك تفصيلهما، ولذلك كله اشتهر بدهاء دون الشجاعة .
قال البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 39 : قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله يوم صفين : تبين لي هل ترى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟ قال عبد الله : فنظرت إليه فرأيته فقلت : يا أبه ؟ ها هو ذاك على بغلة شهباء عليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء .
قال فاسترجع وقال : والله ما هذا بيوم ذات السلاسل ولا بيوم اليرموك ولا بيوم أجنادين، وددت أن بيني وبين موقفي بعد المشرقين .
هذا هو الذي عرفه منه معاصروه، وستقف على أحاديثهم، نعم جاء ابن عبد البر بعد لأي من عمر الدهر فتهجس في " الاستيعاب " فعده من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية مذكورا بذلك فيهم .
ولعل ابن منير (1) المولود بعد ابن عبد البر بعشر سنين وقف على كلامه في " الاستيعاب " وحكمه ببطولة الرجل فقال في قصيدته التترية :

وأقول إن أخطأ معاوية * فما أخطأ القدر
هذا ولم يغدر معاوية * ولا عمرو مكر
بطل بسوءته يقاتل * لا بصارمه الذكر

فإليك ما يؤثر في مواقفه حتى ترى عيه عن القحوم إلى الفوارس في مضمار النضال والدنو من نقع الحومة، وتقف على حقيقته من هذه الناحية أيضا، وتعرف قيمة كلام ابن حجر في " الإصابة " 3 ص 2 من : أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، ولا نسائله متى قربه وأدناه .

(1) أحد شعراء الغدير في قرن السادس تأتي هناك قصيدته التترية وترجمته .

/ صفحة 158 /

أمير المؤمنين وعمرو في معترك القتال بصفين:
كان عمرو بن العاص عدو للحرث بن نضر الخثعمي، وكان من أصحاب علي عليه السلام، وكان علي قد تهيبته فرسان الشام وملأ قلوبهم بشجاعته وامتنع كل منهم من الإقدام عليه وكان عمرو ما جلس مجلسا إلا ذكر فيه الحرث بن نضر الخثعمي وعابه فقال الحرث :

ليس عمرو بتارك ذكره الحرث * مدى الدهر أو يلاقي عليا
واضع السيف فوق منكبه الاي‍ * من لا يحسب الفوارس شيا
ليت عمرا يلقاه في حومة النقع * وقد أمست السيوف عصيا
حيث يدعو البراز حامية القوم * إذا كان بالبراز مليا
فوق شهب مثل السحوق من * النخل ينادي المبارزين: إليّا
ثم يا عمرو تستريح من الفخر * وتلقى به فتى هاشميا
فالقه إن أردت مكرمة الدهر * أو الموت كل ذاك عليا

فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فأقسم بالله ليلقين عليا ولو مات ألف موتة . فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي وهو مخترط سيفا، معتقل رمحا، فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه، فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا برجليه، كاشفا عورته، فانصرف عنه علي لاقتا وجهه، مستدبرا له، فعد الناس ذلك من مكارم علي وسؤدده، وضرب بها المثل .
كتاب صفين لابن مزاحم ص 224، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 110 .
وقال ابن قتيبة في – الإمامة السياسة – 1 ص 91 : ذكروا أن عمرا قال لمعاوية : أتجبن عن علي وتتهمني في نصيحتي إليك ؟ ؟ ! ! والله لأبارزن عليا و لو مت ألف موتة في أول لقائه، فبارزه عمرو فطعنه علي فصرعه، فاتقاه بعورته فانصرف عنه علي وولى بوجهه دونه، وكان علي رضي الله عنه لم ينظر قط إلى عورة أحد حياء

(1) سحقت النخلة: طالت. فهي سحوق بالفتح ج سحق بالضم.

/ صفحة 159 /

وتكرما وتنزها عما لا يحل، ولا يجل بمثله كرم الله وجهه .
وقال المسعودي في مروج الذهب 2 ص 25 : إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بالبراز إلى أن يبرز إلى علي فلم يجد عمرو من ذلك بدا فبرز، فلما التقيا عرفه علي وشال السيف ليضربه به فكشف عمرو عن عورته وقال : مكره أخوك لأبطل .
فحول علي وجهه وقال : قبحت .
ورجع عمرو إلى مصافه .
اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن عامر، وابن طلحة الطلحات الخزاعي، فقال عتبة : إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجيب، ما فينا إلا موتور مجتاح، أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر، وأما أنت يا وليد ؟ فقتل أباك صبرا، وأما أنت يا ابن عامر فصرع أباك وسلب عمك، وأما أنت يا بن طلحة ؟ فقتل أباك يوم الجمل، وأيتم إخوتك، وأما أنت يا مروان، فكما قال الشاعر (1) .

وأفلتهن علباء جريضا * ولو أدركته صفر الوطاب (2)

فقال معاوية : هذا الاقرار فأي غير غيرت ؟ قال مروان : وأي غير تريد ؟ ! قال : أريد أن تشجروه بالرماح .
قال : والله يا معاوية ؟ ما أراك إلا هاذيا أو هاذئا وما أرانا إلا ثقلنا عليك .
فقال ابن عقبة :

يقول لنا معاوية بن حرب * أما فيكم لواتركم طلوب ؟
يشد على أبي حسن علي * بأسمر لا تهجنه العكوب(3)
فيهتك مجمع اللبات منه * ونقع القوم مطرد يثوب

فقلت له :

أتلعب يا بن هند ؟ * كأنك بيننا رجل غريب

(1) البيت لامرؤ القيس، قوله . صفر الوطاب . مثل يضرب لمن مات أو قتل .
(2) أفلته : خلصه وأطلقه . أفلت : تخلص . علباء من علب اللحم : تغيرت رائحته بعد اشتداده . الجريض : المشرف على الهلاك . الصفر بالحركات الثلاث : الخالي . الوطب : سقاء اللبن ج وطاب .
(3) هجنه الأمر : قبحه وعابه . العكوب بالفتح : الغبار .

/ صفحة 160 /
أتغرينا بحية بطن واد * إذا نهشت فليس لها طبيب
وما ضبع يدب ببطن واد * أتيح (1) له به أسد مهيب
بأضعف حيلة منا إذا ما * لقيناه ولقياه عجيب
دعا للقاه في الهيجاء لاق * فأخطأ نفسه الأجل القريب
سوى عمرو وقته خصيتاه * نجى ولقلبه منه وجيب
كأن القوم لما عاينوه * خلال النقع ليس لهم قلوب
كعمرو أي معاوية بن حرب * وما ظني ستلحقه العيوب
لقد ناداه في الهيجا علي * فأسمعه ولكن لا يجيب

فغضب عمرو وقال : إن كان الوليد صادقا فليلق عليا، أو فليقف حيث يسمع صوته وقال عمرو:

يذكرني الوليد دعا علي * وبطن المرء يملأه الوعيد
متى يذكر مشاهده قريش * يطر من خوفه القلب الشديد
فأما في اللقاء فأين منه * معاوية بن حرب والوليد
وعير في الوليد لقاء ليث * إذا ما زار (2) هابته الأسود
لقيت ولست أجهله عليا * وقد بلت من العلق اللبود(3)
فأطعنه ويطعنني خلاسا (4) * وماذا بعد طعنته أريد ؟
فرمها أنت يا بن أبي معيط * وأنت الفارس البطل النجيد(5)
وأقسم لو سمعت ندا علي * لطار القلب وانتفخ الوريد
ولو لاقيته شقت جيوب * عليك ولطمت فيك الخدود(6)

(1) تاح تيحا وتوحا : قدر وتهيأ . رجل متيح : أي لا يزال يقع في بلية .
(2) من الزئير : صوت الأسد .
(3) اللبد بالكسر : الشعر المجتمع بين كفي الأسد . ما يجعل على ظهر الفرس تحت السرج ج لبود والباد .
(4) يقال : الرجلان يتخالسان : أي يروم كل منهما قتل صاحبه .
(5) النجيد : الشجاع الماضي فيما يعجز غيره .
(6) كتاب صفين ص 222، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 110، تذكرة السبط ص 51 .

/ صفحة 161 /

* (وفي رواية سبط ابن الجوزي) * : ثم التفت الوليد إلى عمرو بن العاص وقال : إن لم تصدقوني وإلا فسلوا .
أراد تبكيت عمرو، قال هشام بن محمد : ومعنى هذا الكلام : إن عليا خرج يوما من أيام صفين فرأى عمرو بن العاص في جانب العسكر ولم يعرفه فطعنه، فوقع، فبدت عورته، فاستقبل عليا فأعرض عنه ثم عرفه فقال : يا بن النابغة ؟ أنت طليق دبرك أيام عمرك، وكان قد تكرر منه هذا الفعل .
رواية ابن عباس :
روى نصر بإسناده عن ابن عباس قال : تعرض عمرو بن العاص لعلي يوما من أيام صفين، وظن أنه يطمع منه في غرة (أي : في غفلة) فيصيبه، فحمل عليه علي عليه السلام فلما كاد أن يخالطه أذرى (أي : ألقى) نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه، و شغر 2 (1) برجله فبدت عورته، فصرف عليه السلام وجهه عنه، وقام معفرا بالتراب، هاربا على رجليه، معتصما بصفوفه، فقال أهل العراق : يا أمير المؤمنين ؟ أفلت الرجل .
فقال : أتدرون من هو ؟ قالوا : لا .
قال : إنه عمرو بن العاص تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم (لفظ ابن كثير) فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو إلى معاوية فقال : ما صنعت يا أبا عبد الله ؟ فقال : لقيني علي فصرعني .
قال : احمد الله وعورتك – وفي لفظ ابن كثير : احمد الله واحمد أستك – والله إني لأظنك لو عرفته لما اقتحمت عليه .
وقال معاوية في ذلك :

ألا لله من هفوات عمرو * يعاتبني على تركي برازي
فقد لاقى أبا حسن عليا * فآب الوائلي مآب خازي
فلو لم يبد عورته للاقى * به ليثا يذلل كل غازي
له كف كأن براحتيها * منايا القوم يخطف خطف باز
فإن تكن المنية أخطأته * فقد غنى بها أهل الحجاز

فغضب عمرو وقال : ما أشد تعظيمك عليا في كسري هذا – وفي لفظ ابن أبي الحديد : ما أشد تغليطك أبا تراب في أمري – هل أنا إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه ؟ . أفترى السماء قاطرة لذلك دما ؟ ! قال : لا ولكنها معقبة لك خزيا . كتاب صفين ص

(1) شغر الكلب : رفع إحدى رجليه فبال .

/ صفحة 162 /

216، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 287، تاريخ ابن كثير 7 ص 263 .
معاوية وعمرو :
إستأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان فلما دخل عليه استضحك معاوية فقال عمرو : ما أضحكك يا أمير المؤمنين ؟ أدام الله سرورك .
قال : ذكرت ابن أبي طالب وقد غشيك بسيفه فاتقيته ووليت .
فقال : أتشمت بي يا معاوية ؟ وأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك، وأطت (1) أضالعك، وانتفخ منخرك، والله لو بارزته لأوجع قذالك (2) وأيتم عيالك، وبزك سلطانك، وأنشأ عمرو يقول :

معاوي لا تشمت بفارس بهمة * لقي فارسا لا تعتريه الفوارس
معاوي إن أبصرت في الخيل مقبلا * أبا حسن يهوي دهتك الوساوس
وأيقنت أن الموت حق وإنه * لنفسك إن لم تمض في الركض حابس
فإنك لو لاقيته كنت بومة (3) * أتيح لها صقر من الجو رايس(4)
وما ذا بقاء القوم بعد اختباطه ؟ * وإن امرؤ يلقى عليا لآيس
دعاك فصمت دونه الأذن هاربا * فنفسك قد ضاقت عليها الأمالس(5)
وأيقنت أن الموت أقرب موعد * وأن الذي ناداك فيها الدهارس(6)
وتشمت بي إن نالني حد رمحه * وعضضني ناب من الحرب ناهس(7)
أبى الله إلا أنه ليث غابة * أبو أشبل تهدى إليه الفرايس
وأي امرؤ لاقاه لم يلف شلوه * بمعترك تسفي عليه الروامس (8)

(1) أط : صوت . الإبل : حنت .
(2) القذال : بين الأذنين من مؤخر الرأس ج قذل وأقذلة .
(3) البوم والبومة . طائر يسكن الخراب . يضرب به المثل في الشوم .
(4) من رأس يريس . مشى متبخترا . يقال رأس القوم . اعتلى عليهم وغلبهم .
(5) الأمالس والاماليس ج امليس : الفلاة التى ليس فيها نبات .
(6) الدهرس : الشدة والبلية .
(7) نهس اللحم نهسا بفتح العين وكسره : أخذه ونتفه ومده بالفم .
(8) الرمس : الستر والتغطية . ويقال لما يحثى على القبر من التراب : رمس .

/ صفحة 163 /
فإن كنت في شك فارهج عجاجه * وإلا فتلك الترهات البسابس (1)

فقال معاوية : مهلا يا أبا عبد الله ؟ ولا كل هذا .
قال : أنت استدعيته .
وفي لفظ ابن قتيبة في " عيون الأخبار " 1 ص 169 : رأى عمرو بن العاص معاوية يوما يضحك فقال له : مم تضحك يا أمير المؤمنين ؟ أضحك الله سنك .
قال : أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوأتك يوم ابن أبي طالب، أما والله لقد وافقته منانا كريما ولو شاء أن يقتلك لقتلك .
قال عمرو : يا أمير المؤمنين ؟ أما والله إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك، وربا سحرك (2) وبدا منك ما أكره ذكره ذلك، فمن نفسك فاضحك أو دع .
وفي لفظ البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 38 : دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس فلما رآه مقبلا استضحك فقال : يا أمير المؤمنين ؟ أضحك الله سنك وأدام سرورك وأقر عينك ما كل ما أرى يوجب الضحك .
فقال معاوية ؟ خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما غشيك طرحت نفسك عن دابتك وأبديت عورتك، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ أما والله لقد واقفت هاشميا منافيا ولو شاء أن يقتلك لقتلك .
فقال عمرو : يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك، أما والله لو بدا له من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قذلك، وأيتم عيالك، وأنهب مالك، وعزل سلطانك، غير أنك تحرزت منه بالرجال في أيديها العوالي، أما إني قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحولت عيناك، وأربد شدقاك، وتنشر منخراك، وعرق جبينك، وبدا من أسفلك ما أكره ذكره .
فقال معاوية : حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا .
وفي لفظ الواقدي : قال معاوية يوما لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ؟ لا أراك إلا ويغلبني الضحك قال : بماذا ؟ قال : أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأذريت نفسك فرقا من شبا سنانه، وكشفت سوأتك له .
فقال عمرو : أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك، وربا لسانك في فمك، وعصب

(1) كتاب صفين 253، أمالي الشيخ ص 84، تذكرة السبط ص 52 .
(2) ربا ربوا : انتفخ . السحر بفتح السين وضمه : الرئة .

/ صفحة 164 /

ريقك، وارتدت فرائصك، وبدا منك ما أكره ذكره لك .
فقال معاوية : لم يكن هذا كله، وكيف يكون ؟ ودوني عك والأشعريون .
قال : إنك لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابك، وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعريون، فكيف كانت حالك .
لو جمعكما مأقط الحرب .
قال : يا أبا عبد الله ؟ خض بنا الهزل إلى الجد : إن الجبن والفرار من علي لا عار على أحد فيهما . شرح ابن أبي الحديد 2 ص 111 .
قال نصر في كتابه ص 229 : وكان معاوية لم يزل يشمت عمرا ويذكر يومه المعهود ويضحك، وعمرو يعتذر بشدة موقفه بين يدي أمير المؤمنين، فشمت به معاوية يوما و قال : لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس وفررتم وإنك لجبان، فغضب عمرو ثم قال : والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية ؟ فهلا برزت إلى علي إذا دعاك إن كنت شجاعا كما تزعم ؟ وقال عمرو في ذلك :

تسير إلى ابن ذي يزن سعيد * وتترك في العجاجة من دعاكا
فهل لك في أبي حسن علي ؟ * لعل الله يمكن من قفاكا
دعاك إلى النزال فلم تجبه * ولو نازلته تربت يداكا
وكنت أصم إذ ناداك عنه * وكان سكوته عنه مناكا
فآب الكبش قد طحنت رحاه * بنجدته ولم تطحن رحاكا
فما أنصفت صحبك يا بن هند * أتفرقه وتغضب من كفاكا؟؟!!
فلا والله ما أضمرت خيرا * ولا أظهرت لي إلا هواكا

أشار عمرو بن العاص في هذه الأبيات إلى ما رواه نصر في كتاب صفين ص 140 وغيره من المؤرخين من : أن عليا عليه السلام قام يوم صفين بين الصفين ثم نادى يا معاوية ؟ يكررها فقال معاوية : إسألوه ما شأنه ؟ قال : أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة .
فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية : ويحك على م يقتتل الناس بيني وبينك، ويضرب بعضهم بعضا ؟ ؟ ! ! أبرز إلي فأينا قتل صاحبه فالأمر له .
فالتفت معاوية إلى عمرو فقال : ما ترى يا أبا عبد الله ؟ فيما هيهنا، أبارزه ؟ ؟ ! ! فقال عمرو : لقد أنصفك الرجل واعلم أنه إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي . فقال معاوية : يا عمرو ؟ ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله

/ صفحة 165 /

ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه .
ثم انصرف معاوية راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه خرج علي عليه السلام ذات يوم في صفين منقطعا من خيله ومعه الأشتر يتسايران رويدا يطلبان التل ليقفا عليه وعلي يقول :

إني علي فسلوا لتخبروا * ثم ابرزوا إلى الوغا أو أدبروا
سيفي حسام وسناني أزهر * منا النبي الطيب المطهر
وحمزة الخير ومنا جعفر * له جناح في الجنان أخضر
ذا أسد الله وفيه مفخر * هذا بهذا وابن هند محجر
مذبذب مطرد مؤخر

إذ برز له بسر بن أرطاة مقنعا في الحديد لا يعرف فناداه : أبرز إلي أبا حسن ؟ فانحدر إليه على تؤدة (1) غير مكترث به حتى إذا قاربه طعنه وهو دارع فألقاه على الأرض، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه، فاتقاه بسر بعورته وقصد أن يكشفها يستدفع بأسه، فانصرف عنه عليه السلام مستدبرا له فعرفه الأشتر حين سقط فقال : يا أمير المؤمنين ؟ هذا بسر بن أرطاة هذا عدو الله وعدوك، فقال : دعه عليه لعنة الله، أبعد أن فعلها ؟ فحمل ابن عم لبسر شاب على علي وهو يقول:

أرديت بسرا والغلام ثايره * أرديت شيخا غاب عنه ناصره
وكلنا حام لبسر واتره

فحمل عليه الأشتر وهو يقول :

أكل يوم رجل شيخ شاغره * وعورة تحت العجاج ظاهره
تبرزها طعنة كف واتره * عمرو وبسر رميا بالفاقره

فطعنه الأشتر فكسر صلبه، وقام بسر من طعنة علي وولت خيله، وناداه علي يا بسر ؟ معاوية كان أحق بهذا منك .
فرجع بسر إلى معاوية فقال له معاوية : إرفع طرفك قد أدال (2) الله عمرا منك .
فقال في ذلك الحارث بن نضر السهمي :

(1) أي تأنى وتمهل .
(2) أدال الشئ . جعله متداولا . يقال أدال الله زيدا من عمرو، أي نزع الدولة من عمرو وحولها إلى زيد .

/ صفحة 166 /
أفي كل يوم فارس تندبونه * له عورة تحت العجاجة باديه
يكف بها عن علي سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه
فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه
ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما * هما كانتا للنفس والله واقيه
فلولاهما لم تنجوا من سنانره * وتلك بما فيها عن العود ناهيه
متى تلقيا الخيل المشيجة صيحة * وفيها علي فاتركا الخيل ناحيه
وكونا بعيدا حيث لا تبلغ القنا * ونار الوغى إن التجارب كافيه
وإن كان منه بعد في النفس حاجة * فعودوا إلى ما شئتما هي ماهيه

كتاب صفين ص 246، الاستيعاب 1 ص 67، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 300، مطالب السئول ص 43، تاريخ ابن كثير 4 ص 30، نور الأبصار ص 95 .
ينبأنا التاريخ أن عمرو ليس بأول رجل كشف عن سوءته من بأس أمير المؤمنين وإنما قلد طلحة بن أبي طلحة فإنه لما حمل عليه أمير المؤمنين يوم أحد ورأى أنه مقتول لا محالة، فاستقبله بعورته وكشف عنها .
م – راجع تاريخ ابن كثير 4 ص 20 و ] ذكره الحلبي في سيرته 2 ص 247 ثم قال : وقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين : الأولى : حمل على بسر بن أرطاة .
والثانية : حمل على عمرو بن العاص فلما رأى أنه مقتول كشف عن عورته، فانصرف عنه علي كرم الله وجهه .
الأشتر وعمرو بن العاص في معترك القتال بصفين:
إن معاوية دعا يوما بصفين مروان بن الحكم فقال : إن الأشتر قد غمني وأقلقني، فاخرج بهذه الخيل في يحصب والكلاعيين فالقه فقاتل بها .
فقال مروان : ادع لها عمرا فإنه شعارك دون دثارك .
قال : وأنت نفسي دون وريدي .
قال : لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء، أو ألحقته بي في الحرمان، ولكنك أعطيته ما في يدك، ومنيته ما في يد غيرك، فإن غلبت طاب له المقام، وإن غلبت خف عليه الهرب .
فقال معاوية :

/ صفحة 167 /

سيغني الله عنك .
قال : أما إلى اليوم فلن يغن، فدعا معاوية عمرا وأمره بالخروج إلى الأشتر .
فقال : أما إني لا أقول لك ما قال مروان .
قال : فكيف تقول ؟ ! وقد قدمتك وأخرته، وأدخلتك وأخرجته .
قال : أما والله إن كنت فعلت لقد قدمتني كافيا، وأدخلتني ناصحا، وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر وإن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها، ثم قام فخرج في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام القوم وهو يقول :

يا ليت شعري كيف لي بعمرو؟ * ذاك الذي أوجبت فيه نذري
ذاك الذي أطلبه بوتري * ذاك الذي فيه شفاء صدري
ذاك الذي إن ألقه بعمري * تغلي به عند اللقاء قدري
أجعله فيه طعام النسر * أولا فربي عاذري بعذري

فلما سمع عمرو هذا الرجز وعرف أنه الأشتر فشل وجبن واستحى أن يرجع وأقبل نحو الصوت وقال :

يا ليت شعري كيف لي بمالك * كم جاهل خيبته وحارك (1)
وفارس قتلته وفاتك * ومقدم آب بوجهه حالك (2)
ما زلت دهري عرضة المهالك

فغشيه الأشتر بالرمح فزاغ عنه عمرو فلم يصنع الرمح شيئا، ولوى عمرو عنان فرسه وجعل يده على وجهه وجعل يرجع راكضا نحو عسكره، فنادى غلام من يحصب : يا عمرو ؟ عليك العفا ما هبت الصبا . كتاب صفين ص 233، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 295 .
ينبأك صدر هذا الحديث عن نفسيات أولئك المناضلين عن معاوية الدعاة إلى إمامته، ويعرب عن غايات تلك الفئة الباغية بنص النبي الأطهر إماما ومأموما في تلك الحرب الزبون، فما ينبغي لي أن أكتب عن إمام يكون مثل عمرو بن العاص شعاره، ومثل مروان بن الحكم نفسه ؟ ؟ ! ! وما يحق لك أن تعتقد في مأموم هذه محاوراته في معترك القتال مع إمامه المفترضة عليه طاعته – إن صحت الأحلام – ومشاغبته دون

(1) حرك . امتنع من الحق الذي عليه . غلام حرك . خفيف ذكي .
(2) حلك . اشتد سواده فهو حالك وحلك .

/ صفحة 168 /

الرتبة والراتب ؟؟!!
ابن عباس وعمرو :
حج عمرو بن العاص وقام بالموسم فأطرى معاوية وبني أمية وتناول بني هاشم ثم ذكر مشاهده بصفين، فقال ابن عباس : يا عمرو ؟ إنك بعت دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك ومناك ما في يد غيره، فكان الذي أخذ منك فوق الذي أعطاك، و كان الذي أخذت منه دون ما أعطيته، وكل راض بما أخذ وأعطى، فلما صارت مصر في يدك تتبعك فيها بالعزل والتنقص، حتى لو أن نفسك في يدك لألقيتها إليه، وذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلا بالغدر، ولا منيت إلا بالفجور والغش، و ذكرت مشاهدك بصفين فوالله ما ثقلت علينا وطأتك، ولقد كشفت فيها عورتك، ولا نكتنا فيها حربك، ولقد كنت فيها طويل اللسان، قصير السنان، آخر الحرب إذا أقبلت، وأولها إذا أدبرت، لك يدان : يد لا تبسطها إلى خير، ويد لا تقبضها عن شر، ووجهان : وجه مؤنس ووجه موحش، ولعمري أن من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول حزنه على ما باع واشترى، لك بيان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد ولك قدر وفيك حسد، فأصغر عيب فيك أعظم عيب غيرك .
فقال عمرو : أما والله ما في قريش أحد أثقل وطأة علي منك، ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك .
البيان والتبيين 2 ص 239، العقد الفريد 2 ص 136، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 196 نقلا عن البلاذري .
ابن عباس وعمرو في حفلة أخرى :
روى المدايني قال : وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة وعنده ابنه يزيد، وزياد بن سمية، وعتبة بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وعمرو بن العاص، والمغيرة ابن شعبة، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن أم الحكم فقال عمرو بن العاص : هذا والله يا أمير المؤمنين ؟ نجوم أول الشر، وأفول آخر الخير، وفي حسمه قطع مادته فبادره بالحملة، وانتهز منه الفرصة، واردع بالتنكيل به غيره، وشرد به من خلفه،

/ صفحة 169 /

فقال ابن عباس : يا بن النابغة ؟ ضل والله عقلك، وسفه حلمك، ونطق الشيطان على لسانك، هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت نزال (1) وتكافح الأبطال، وكثرت الجراح، وتقصفت (2) الرماح، وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولا، فانكفأ نحوك بالسيف حاملا، فلما رأيت الكواثر من الموت، أعددت حيلة السلامة قبل لقائه، والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه، فمنحته رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوأتك، حذرا أن يصطلمك بسطوته، أو يلتهمك (3) بحملته، ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته، وحسنت له التعرض لمكافحته، رجاء أن تكتفي مؤنته، وتعدم صورته، فعلم غل صدرك، وما انحنت عليه من النفاق أضلعك، وعرف مقر سهمك في غرضك، فاكفف غرب لسانك، واقمع عوراء لفظك، فإنك بين أسد خادر، وبحر زاجر، إن تبرزت للأسد افترسك، وإن عمت في البحر قمسك – أي : غمسك و أغرقك – .
شرح ابن أبي الحديد 2 ص 105، جمهرة الخطب 2 ص 93 .
عبد الله المرقال وعمرو:
كان في نفس معاوية من يوم صفين إحن على هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال وولده عبد الله، فلما استعمل معاوية زيادا على العراق كتب إليه : أما بعد : فانظر عبد الله بن هاشم فشد يده إلى عنقه ثم ابعث به إلي، فحمله زياد من البصرة مقيدا مغلولا إلى دمشق، وقد كان زياد طرقه بالليل في منزله بالبصرة فادخل إلى معاوية وعنده عمرو بن العاص فقال معاوية لعمرو بن العاص : هل تعرف هذا ؟ قال : لا .
قال : هذا الذي يقول أبوه يوم صفين :

إني شريت النفس لما اعتلا * وأكثر اللوم وما أقلا
أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا
لا بد أن يفل أو يفلا * أسلهم بذي الكعوب سلا
لا خير عندي في كريم ولى

(1) نزال : اسم فعل بمعنى : انزل . أي حين قال الأبطال بعضهم لبعض : انزل .
(2) تقصفت : تكسرت .
(3) التهم الشئ : ابتلعه بمرة .

/ صفحة 170 /

فقال عمرو متمثلا:

وقد نبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وإنه لهو، دونك يا أمير المؤمنين ؟ الضب المضب (1) فأشخب أوداجه على أسباجه (أثباجه) ولا ترجعه إلى أهل العراق فإنهم أهل فتنة ونفاق، وله مع ذلك هوى يرديه وبطانة تغويه، فوالذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك ليجهزن إليك جيشا تكثر صواهله لشر يوم لك، فقال عبد الله وهو المقيد : يا ابن الأبتر ؟ هلا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفين ؟ ونحن ندعوك إلى البراز، وأنت تلوذ بشمائل الخيل كالأمة السوداء والنعجة القوداء، أما إنه إن قتلني قتل رجلا كريم المخبرة، حميد المقدرة، ليس بالحبس المنكوس، ولا الثلب (2) المركوس (3) .
فقال عمرو : دع كيت وكيت، فقد وقعت بين لحيي لهذم (4) فروس للأعداء، يسعطك إسعاط (5) الكودن (6) الملجم .
قال عبد الله : أكثر إكثارك، فإني أعلمك بطرا في الرخاء جبانا في اللقاء، عيابة عند كفاح الأعداء، ترى أن تقي مهجتك بأن تبدي سوأتك، أنسيت صفين وأنت تدعى إلى النزال ؟ فتحيد عن القتال خوفا أن، يغمرك رجال لهم أبدان شداد، وأسنة حداد، ينهبون السرح، ويذلون العزيز .
فقال عمرو : لقد علم معاوية أني شهدت تلك المواطن، فكنت فيها كمدرة الشوك، و لقد رأيت أباك في بعض تلك المواطن، تخفق أحشاؤه، وتنق أمعاؤه .
قال : أما والله لو لقيك أبي في ذلك المقام لارتعدت منه فرائصك ولم تسلم منه مهجتك، ولكنه قاتل غيرك، فقتل دونك .
فقال معاوية : ألا تسكت ؟ لا أم لك .
فقال : يا بن هند ؟ أتقول لي هذا ؟ والله لئن شئت لأغرقن جبينك، ولأقيمنك وبين عينيك وسم يلين له خدعاك، أبأكثر من الموت تخوفني ؟ .
فقال معاوية : أو تكف يا بن أخي ؟ وأمر بإطلاق عبد الله، فقال عمرو لمعاوية :

(1) من أضب يضب : أي صاح وتكلم وغاض وحقد .
(2) الثلب : المعيب المهان .
(3) المركوس : الضعيف .
(4) اللهذم : الحاد القاطع من السيوف والأسنة والأنياب .
(5) الاسعاط : إدخال الدواء في الأنف . يقال : أسعطه الرمح أي طعنه به في أنفه .
(6) الكودن : البرذون الهجين . الفيل ج كوادن .

/ صفحة 171 /
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
أليس أبوه يا معاوية الذي * أعان عليا يوم حز الغلاصم؟!(1)
فلم ينثني حتى جرت من دمائنا * بصفين أمثال البحور الخضارم(2)
وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه (3) * ويوشك أن تقرع به سن نادم

فقال عبد الله يجيبه :

معاوي إن المرء عمرا أبت له * ضغينة صدر غشها غير نائم
يرى لك قتلي يا بن هند وإنما * يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم
على أنهم لا يقتلون أسيرهم * إذا كان منه بيعة للمسالم
وقد كان منا يوم صفين نقرة * عليك جناها هاشم وابن هاشم
قضى ما انقضى منها وليس الذي مضى * ولا ما جرى إلا كأضغاث حالم
فإن تعف عني تعف عن ذي قرابة * وإن تر قتلي تستحل محارمي

فقال معاوية :

أرى العفو عن عليا قريش وسيلة * إلى الله في اليوم العصيب القماطر(4)
ولست أرى قتل العداة ابن هاشم * بإدراك ثاري في لوي وعامر
بل العفو عنه بعد ما بان جرمه * وزلت به إحدى الجدود العواثر
فكان أبوه يوم صفين جمرة * علينا فأردته رماح النهابر(5)

كتاب صفين لابن مزاحم ص 182، كامل المبرد 1 ص 181، مروج الذهب 2 ص 57 – 59، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 176 .
درس دين وأخلاق :
لعل الباحث لا يخفى عليه أن كل سوءة وعورة ذكر بها المترجم له في التاريخ

(1) جمع غلضمة : اللحم بين الرأس والعنق . يعنى : أيام الحرب .
(2) الخضرم بالكسر : البحر العظيم الماء .
(3) في كامل المبرد : عيصه . يعني : أصله .
(4) القماطر بالضم : الشديد .
(5) النهابر والنهابير : المهالك . الواحدة : نهبرة . نهبور . نهبورة .

/ صفحة 172 /

الصحيح، وما يعزى إليه وعرف به من المساوي في طيات تلكم الكلمات الصادقة المذكورة من الوضاعة والغواية والغدر والمكر والحيلة والخدعة والخيانة والفجور ونقض العهد وكذب القول وخلف الوعد وقطع الإل والحقد والوقاحة والحسد والرياء والشح والبذاء والسفه والوغد والجور والظلم والمراء والدناءة واللئم والملق والجلافة والبخل والطمع واللدد وعدم الغيرة على حليلته .
إلى غير ذلك من المعاير النفسية وأضداد مكارم الأخلاق، ليست هذه كلها إلا من علايم النفاق، ومن رشحات عدم الاسلام المستقر، وانتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبي الأقدس، إذا الاسلام الصحيح هو المصلح الوحيد للبشر، ومهذب النفس بمكارم الأخلاق، ومجتمع الفضايل، وأساس كل فضل وفضيلة، وأصل كل محمدة ومكرمة، وبه يتأتى الصلاح في النفوس مهما سرى الإيمان من عاصمة مملكة البدن (القلب) إلى ساير الأعضاء والجوارح واحتلها واستقر بها .
وذلك أن مثل الإيمان في المملكة البدنية الجامعة لشتات آحاد الجوارح والأعضاء كمثل دستور الحكومات في الممالك الجامعة لإفراد الأشخاص، فكما أن القوانين المقررة في الحكومات والدول مبثوثة في الأفراد، وكل فرد من المجتمع له تكليف يخص به، وواجب يحق عليه أن يقوم به، وحد محدود يجب عليه رعايته، وبصلاح الأفراد وقيام كل فرد منهم بواجبه يتم صلاح المجتمع، ويحصل التقدم و الرقي في الحكومات، كذلك الإيمان في المملكة البدنية فإنه قوانين مبثوثة في الأعضاء والجوارح العاملة فيها، ولكل منها بنص الذكر الحكيم تكليف يخص به، وحد معين في السنة يجب عليه رعايته والتحفظ به، وأخذ كل بما وجب عليه هو إيمانه و به يحصل صلاحه، فواجب القلب غير فريضة اللسان، وفريضته غير واجب الأذن، وواجبها غير ما كلف به البصر، وفرضه غير واجب اليدين، وواجبهما غير تكليف الرجلين وهكذا وهكذا، وإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا، وهذا البيان يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الحافظ ابن ماجة في سننه 1 ص 35، الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان (1) وقوله صلى

(1) وبهذا اللفظ يروى عن أمير المؤمنين كما في " نهج البلاغة " .

/ صفحة 173 /

الله عليه وآله : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (1) ومن هنا يقبل الإيمان ضعفا وقوة وزيادة ونقصا، ويتصف الانسان في آن واحد بطرفي السلب والايجاب باعتبارين، فيثبت له الإيمان من جهة وينفى عنه بأخرى، ومن هنا يعلم معنى قوله صلى الله عليه وآله : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (2) فلا يتأتى صلاح الممكة البدنية إلا بالسلم العام وقيام جميع أجزائها بواجبها، وامتثال كل فرد منها فيما فرض عليه، ولا يكمل الإيمان إلا بتحقيق شعبه .
وكما أن انتفاء الإيمان عن كل عضو وجارحة مكلفة يكشف عن ضعف إيمان القلب، وتضعضع حكومة الاسلام فيه، إذ هو أمير البدن ولا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره، كذلك الصفات النفسية فإن منها ما هو الكاشف عن قوة الإيمان القلبي وضعفه كما ورد في النبوي الشريف فيما أخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3 ص 171 : إن المرء ليكون مؤمنا وإن في خلقه شيء فينقص ذلك من إيمانه .
ومنها ما يلازم النفاق ولا يفارقه ولا يجتمع مع شيء من الإيمان وإن صلى صاحبه وصام وبه عرف المنافق في القرآن العزيز .
فإليك ما رود عن النبي الأقدس في كثير من الصفات المذكورة المعزوة إلى المترجم له حتى تكون على بصيرة من الأمر، فلا يغرنك تقلب الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد .
1 – آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب . وإذا وعد أخلف . وإذا ائتمن خان . أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم : وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم .
2 – أربع من كن فيه كان منافقا خالصا . ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائمتن خان . وإذا حدث كذب . وإذا عهد غدر . وإذا خاصم فجر، أخرجه البخاري . مسلم . أبو داود . الترمذي . النسائي .
3 – لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له . أخرجه أحمد . البزار .

(1) أخرجه البخاري . مسلم . أبو داود . الترمذي . النسائي . ابن ماجة .
(2) أخرجه مسلم وغيره .

/ صفحة 174 /

الطبراني . ابن حبان . أبو يعلى . البيهقي .
4 – المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه . متفق عليه .
5 – الكذب مجانب للإيمان . ابن عدي، البيهقي .
6 – المكر والخديعة في النار . الديلمي . القضاعي .
7 – المؤمن ليس بحقود . الغزالي . ابن الدبيع .
8 – لا إيمان لمن لا حياء له . ابن حبان . ابن الدبيع .
9 – الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل . الديلمي . ابن الدبيع .
10 – الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق، الديلمي . القضاعي . ابن الدبيع.
11 – اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة . ابن ماجة . الحاكم . البيهقي .
12 – من أرضى سلطانا بما يسخط به ربه خرج من دين الله . الحاكم .
13 – الحياء من الإيمان . البخاري . مسلم . أبو داود . الترمذي . النسائي . ابن ماجة .
14 – سباب المسلم فسوق وقتاله كفر . البخاري . مسلم . الترمذي . النسائي ابن ماجة .
15 – لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد . ابن حبان . البيهقي .
16 – الشح والعجز والبذاء من النفاق . الطبراني . أبو الشيخ .
17 – لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبدا . النسائي . ابن حبان . الحاكم .
18 – خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل، وسوء الخلق . البخاري . الترمذي وغيرهما .
19 – المؤمن غر كريم والفاجر خب (1) لئيم . أبو داود . الترمذي . أحمد .
20 – إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله .
الأصبهاني .
21 – الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر . الحاكم . الطبراني .

(1) الخب الخداع .

/ صفحة 175 /

22 – إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الاسلام . ابن ماجة . المنذري .
وفاته :
توفي ليلة الفطر سنة 43 على ما هو الأصح عند المؤرخين وقيل غير ذلك، وعاش نحو تسعين سنة وقال العجلي : عاش تسعا وتسعين سنة .
قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 198 : لما حضرت عمرا الوفاة قال لابنه : لود أبوك أنه كان مات في غزات ذات السلاسل، إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها .
ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا ليته كان بعرا، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي .
قال ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 436 : دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلم عليه وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟ قال : أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا، وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض، لا أرقي بيدين ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي .
فقال له ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ؟ صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء أن تبكي إلا بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم ؟ .
فقال عمرو : وعلى حينها (1) حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي ؟ أللهم ؟ إن ابن عباس تقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى .
قال ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ؟ أخذت جديدا وتعطي خلقا .
فقال عمرو : مالي ولك يا بن عباس ؟ ! ما أرسلت كلمة إلا أرسلت نقيضها .

(1) يعني حين الوفاة .

/ صفحة 176 /

قال عبد الرحمن بن شماسة : لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله : لم تبكي أجزعا من الموت ؟ ؟ ! ! قال : لا والله ولكن لما بعده .
فقال له : قد كنت على خير .
فجعل يذكره صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وفتوحه الشام، فقال له عمرو : تركت أفضل من ذلك : شهادة أن لا إله إلا الله .
إني كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبق إلا عرفت نفسي فيه، كنت أول شيء كافرا فكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله فلو مت يومئذ وجبت لي النار .
فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله كنت أشد الناس حياء منه فما ملأت عيني من رسول الله صلى الله عليه وآله حياء منه، فلو مت يومئذ قال الناس : هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير ومات على خير أحواله فترجى له الجنة .
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدري أعلي أم لي ؟ ؟ ! ! فإذا مت فلا تبكين علي باكية .
ولا يتبعني مادح ولا نار، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، وشنوا علي التراب فإن جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر . الحديث .
* (فائدة) * يوجد إسم والد المترجم له في كثير من كلمات الأصحاب (العاصي) بالياء وكذا ورد في شعر أمير المؤمنين :

لا وردن العاصي بن العاصي * سبعين ألفا عاقدي النواصي

وفي رجز الأشتر :

ويحك يا بن العاصي * تنح في القواصي

ويذكر بالياء في كتب غير واحد من الحفاظ، وقال الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2 ص 30 : وعليه الجمهور وهو الفصيح عند أهل العربية .
ثم قال : ويقع في كثير من كتب الحديث والفقه أو أكثرها بحذف الياء وهي لغة وقد قرئ في السبع نحوه كالكبير المتعال والداع .


منقول للفائدة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

أبو أيوب الأنصاري

أبو أيوب الأنصاري – انفروا خفافا و ثقالا


كان الرسول عليه السلام يدخل المدينة مختتما بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس..

وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوقا… ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول الله..
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين:

" يا رسول الله، أقم عندنا، فلدينا العدد والعدة والمنعة"..

ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:

" خلوا سبيلها فانها مأمورة".

ويبلغ الموكب دور بني بياضة، فحيّ بني ساعدة، فحي بني الحارث بن الخزرج، فحي عدي بن النجار.. وكل بني قبيل من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين أن يسعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنزول في دورهم.. والنبي يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة:

" خلوا سبيلها فانها مأمورة..

لقد ترك النبي للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لها المنزل خطره وجلاله.. ففوق أرضه سينهض المسجد الذي تنطلق منه الى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره.. والى جواره ستقوم حجرة أو حدرات من طين وطوب.. ليس بها من متاع الدنيا سوى كفاف، أو أطياف كفاف!! سيسكنها معلم، ورسول جاء لينفخ الحياة في روحها الهامد. وليمنح كل شرفها وسلامها للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.. للذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم.. وللذين أخلصوا دينهم للله.. للذين يصلحون في الأرض ولا يفسجون.

أجل كان الرسول عليه الصلاة والسلام ممعنا في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه..

من اجل هذا، ترك هو أيضا زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقها ولا يستوقف خطاها.. وتوجه الى الله بقلبه، وابتهل اليه بلسانه:

" اللهم خر لي، واختر لي"..

وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة.. ثم نهضت وطوّفت بالمكان، ثم عادت الى مبركها الأول، وألأقت جرانها. واستقرت في مكانها ونزل الرسول للدخول.. وتبعه رسول الله يخف به اليمن والبركة..

أتدرون من كان هذا السعيدالموعود الذي بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية..؟؟

انه بطل حديثنا هذا.. أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد، حفيد مالك بن النجار..

لم يكن هذا أول لقاء لأبي أيوب مع رسول الله..

فمن قبل، وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول في مكة تلك البيعة المباركة المعروفة ب بيعة العقبة الثانية.. كان أبو أيوب الأنصاري بين السبعين مؤمنا الذين شدّوا أيمانهم على يمين الرسول مبايعين، مناصرين.

والآن رسول الله يشرف المدينة، ويتخذها عاصكة لدين الله، فان الحظوظ الوافية لأبي أيوب جعلت من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم، والرسول الكريم.

ولقد آثر الرسول أن ينزل في دورها الأول.. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد الى غرفته في الدور العلوي حتى أخذته الرجفة، ولم يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما، وفي مكان أعلى من المكان الذي يقوم فيه رسول الله وينام..!!

وراح يلح على النبي ويرجوه ان ينتقل الى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبي لرجائه..

ولسوف يمكث النبي بها حتى يتمّ المسجد، وبناء حجرة له بجواره..

ومنذ بدأت قريش تتنمّر للاسلام وتشن اغاراتها على دار الهجرة بالمدينة، وتؤلب القبائل، وتجيش الجيوش لتطفئ نور الله..

منذ تلك البداية، واحترف أبو أيوب صناعة الجهاد في سبيل الله.

ففي بدر، وأحد والخندق، وفي كل المشاهد والمغازي، كان البطل هناك بائعا نفسه وماله لله ربو العالمين..

وبعد وفاة الرسول، لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها، مهما يكن بعد الشقة، وفداحة المشقة..!

وكان شعاره الذي يردده دائما، في ليله ونهاره.. في جهره واسراره.. قول الله تعالى:

( انفروا خفافا وثقالا)..

مرة واحدة.. تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحدا من شباب المسلمين، ولم يقتنع أبو أ]وب بامارته.

مرة واحدة لا غير.. مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه، ويقول:

" ما عليّ من استعمل عليّ"..؟؟

ثم لم يفته بعد ذلك قتال!!

كان حسبه أن يعيش جنديا في جيش الاسلام، يقاتل تحت رايته، ويذود عن حرمته..

ولما وقع الخلاف بين علي ومعاوية، وقف مع علي في غير تردد، لأنه الامام الذي أعطي بيعة المسلمين.. ولما استشهد وانتهت الخلافة خعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة، الصامدة التقية لا يرجو من الدنيا سوى أن يضل له مكان فوق أرض الوغى، وبين صفوف المجاهدين..

وهكذا، لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه، وحمل سيفه، وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق..!!

وفي هذه المعركة أصيب.

وذهب قائد جيشه ليعوده، وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله..

فسأله القائد، وكان يزيد بن معاوية:

" ما حاجتك أبا أيوب"؟

ترى، هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟

كلا.. فقد كانت حاجته وهو يجود بروحه شيئا يعجز ويعيي كل تصوّر، وكل تخيّل لبني الانسان..!!

لقد طلب من يزيد، اذا هو مات أن يحمل جثمانه فوق فرسه، ويمضي به الى أبعد مسافة ممكنة في أرض العدو، وهنالك يدفنه، ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق، حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره، فيدرك آنئذ نهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز..!!

أتحسبون هذا شعرا..؟

لا.. ولا هو بخيال، بل واقع، وحق شهدته الدنيا ذات يوم، ووقفت تحدق بعينيها، وبأذنيها، لا تكاد تصدق ما تسمع وترى..!!

ولقد أنجز يزيد وصيّة أبي أيوب..

وفي قلب القسطنطينية، وهي اليوم استانبول، ثوى جثمان رجل عظيم، جدّ عظيم..!!

وحتى قبل أن يغمر الاسلام تلك البقاع، كان أهل القسطنطينية من الروم، ينظرون الى أبي أيوب في قبره نظرتهم الى قدّيس…

وانك لتعجب اذ ترى جميع المؤرخين الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون:

" وكان الروم يتعاهدون قبره، ويزورونه.. ويستسقون به اذا قحطوا"..!!

وعلى الرغم من المعارك التي انتظمت حياة أبي أيوب، والتي لم تكن تمهله ليضع سيفه ويستريح، على الرغم من ذلك، فان حياته كانت هادئة، نديّة كنسيم الفجر..

ذلك انه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا فوعاه:

" واذا صليت فصل صلاة مودّع..

ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه..

والزم اليأس مما في أيدي الناس"…

وهكذا لم يخض في لسانه فتنة..

ولم تهف نفسه الى مطمع..

وقضى حياته في أشواق عابد، وعزوف مودّع..

فلما جاء أجله، لم يكن له في طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية لتي تشبه حياته في بطولتها وعظمتها:

" اذهبوا بجثماني بعيدا.. بعيدا.. في ارض الروم ثم ادفنوني هناك"…

كان يؤمن بالنصر، وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع، وقد أخذت مكانها بين واحات الاسلام، ودخلت مجال نوره وضيائه..

ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك، في عاصمة تلك البلاد، حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة، وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب، أن يتابع جيوش الاسلام في زحفها، فيسمع خفق أعلامها، وصهيل خيلها، ووقع أقدامها، وصصلة سيوفها..!!

وانه اليوم لثاو هناك..

لا يسمع صلصلة السيوف، ولا صهيل الخيول..

قد قضي الأمر، واستوت على الجوديّ من أمد بعيد..

لكنه يسمع كل يوم من صبحه الى مسائه، روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة في الأفق..

أن:

الله أكبر..

الله أكبر..

وتجيب روحه المغتبطة في دار خلدها، وسنا مجدها:

هذا ما وعدنا الله ورسوله

وصدق الله ورسوله….
المصدر ( رجال حول الرسول – صلى الله عليه وسلم )

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الزباء» ..أشهر الملكات في التاريخ -شخصيات

الملكة زباء

ملكة قتلت نفسها جوعاً حتى لا ترى بعينها مصرعها … !!
من الملكات من قمن بشؤون دولاتهن كأحسن ما يقوم به الملوك العظام، بل ان منهن من قدن الجيوش وخضن معامع القتال والحروب واستعملن من سعة الحيلة وضروب الخداع ما يقصر عن إتيانه كبار الساسة والدهاة من الرجال.
وتعتبر «الزباء» أو «زنوبيا» من الملكات اللاتي خلدهن التاريخ ، فهي زوجة «اودنائس» الذي كان أميرا مطماعاً، على عدة قبائل من الصحراء، ساعده الجد فأصبح سيد الشرق ولقبوه «بقائد الشرق» وقد كسب بالفعل عدة انتصارات بمخالفته لروما ضد شاه العجم فرده بجيشه مرتين الى أصفهان قاعدة بلاده غير ان ابن أخيه ذبحه لسبب مجهول في وسط غزواته فانتقمت «زنوبيا» لزوجها، ولما كان أولادها الثلاثة صغارا ولا يصلحون لتولي الحكومة، فقد حكمت في أول الأمر باسمهم ثم أعلنت نفسها بعد ذلك ملكة على مقاطعات زوجها ووضعت تاج الملك.
وقد تضاربت أقوال المؤرخين عند كتاباتهم عن «زنوبيا» فقد ذكر بعضهم انها ابنة زعيم عربي اسمه «عمرو بن ضارب بن حسان» وزعم البعض الآخر انها يهودية. أما هي فكانت تزعم أنها من سلالة ملوك مصر المقدونيين.
وكانت «زنوبيا» في جمال «كليوبترا» الا أنها تفوقها في الخلق والحمية … وكان ذكاؤها نادراً، وكانت تتحدث اللاتينية، واليونانية، والمصرية، كما كانت كتب «هومر، أفلاطون» معروفة عندها، وجمعت تاريخ الشرق ونسقته لنفسها، وكما كانت مشهورة بجمالها كانت مشهورة بشجاعتها ودهائها وبأسها، فكانت تتبع زوجها في الصيد ولا ترهب الحيوانات المفترسة أسدا كان أو نمرا ولما حكمت البلاد اتسم حكمها بالعدل وعاملت الرعية بالرحمة، فكانت اذا اضطرت ان توقع جزاء، أضفت في نفسها عوامل الرحمة كما انها اذا رأت محلا للعطف، قاومت عوامل الانتقام فيها، فكانت في الحالين إنما تصدر عن ارادة تخضع النفس أمامها للعقل، وهي في غير ذلك كانت تعطف على الرعية عطفها على الأمراء الصغار وكانت تقيم في قاعدة ملكها «بالميرا» فبلغت من العظمة والجمال والقوة في أيام ملكتها ما جعلها قبلة الشرق والغرب بها عمارات من المرمر، وحدائقها تخلب الأبصار .
وأضافت «زنوبيا» الى ممتلكات زوجها بلاد مصر فأصبحت مملكتها تمتد من الفرات الى البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك القدس وانطاكية ودمشق ولم يرض أمبراطور روما ان يعترف بها ملكة على ولايات زوجها فبعث اليها بجيش مرة بعد مرة فكانت تهزمه في كل مرة شر هزيمة.
وحين صار «أورليان المفترس» امبراطورا على روما أغضبه تجرؤ امرأة على مخالفة روما وتحديها لسلطانه، فحوّل جيشا كبيرا الى هذه الملكة التي اطلقت على نفسها «أوجينيا» وألبست أولادها ملايس ملوك الرومان الارجوانية.
وأرسل اليها رُسله يطلبون منها الإذعان فرفضت بشجاعة وقالت لهم «استمعوا الي وكما تسمعون انقلوا القول الى موفدكم، قولوا له اني كيفما أكون فقد كونت، وان الامبراطورية التي رفعتني الى العرش قد صاغها زوجي معي، انها ليست منحة ولكنها ميراث وغزو وتملك، ولو تخلى مرسلكم عن ممتلكاته او بعضها لمجرد السؤال سأتخلى عن مصر وعن شواطئ البحر الابيض المتوسط، قولوا له اني كما عشت ملكة، فان شاء الله سأموت ملكة».
وصرفت رسله ولم تنتظر حتى يأتي امبراطور الغرب الى بلادها فسارعت الى لقائه واصطدمت معه في معركتين عظيمتين قادت فيها الجيوش بنفسها ولكنها هزمت في الموقعتين، واضطرت للعودة الى حدود «يالميرا» وهناك أقامت تحصينات مهمة وعادت فنازلت «أورليان» من بروجها فهزمته في أول المعركة الا انه فرض الحصار على المدينة فلم تستطع الصمود، وفكرت الملكة في الفرار لتطلب المساعدة من الجوار حتى تستطيع انقاذ بلادها، وأخذت في تنفيذ الفكرة فامتطت جوادا وطارت به حتى وصلت الى شواطئ الفرات ولكنه اقتفى أثرها وأخذت أسيرة، وجيء بها الى امبراطور الرومان فسألها «كيف تجرأت على تحدي سلطة روما» فأجابته «انها احتقرت ان تعترف برجال كأورولس وجاللينس» سادة لها أما أورليان فهي تخضع له كغالب ومليك».
وقد اختلف المؤرخون في حياتها بعد الأسر، فقال بعضهم إنها قتلت نفسها جوعاً، حتى لا ترى بعينها مصرعها، ومصرع بلادها، وقال بعضهم ان الامبراطور وهبها داراً وحديقة عاشت فيها معززة مكرمة، وزوجت بناتها من اشراف العائلات الرومانية وصار ابنها الأصغر ملكا على جزء من أرمينيا.
وأيّا كانت نهاية «زنوبيا» فانها استطاعت بشجاعتها وقيادتها لبلادها ان يذكرها التاريخ كواحدة من أشهر الملكات في التاريخ حتى ماتت عام 260 للميلاد.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

سالم مولى ابي حذيفة

سالم مولى أبي حذيفة

سالم بن عبيد مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة.
من السابقين الأولينالبدريين المقربين العالمين .
هاجر إلى المدينة قبل رسول الله صلى اللهعليه وسلم ، وشهد بدراً وما بعدها ، وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم رسول الله صلىالله عليه وسلم : استقرئوا القرآن من أربعة .
كان معتقاً لزوجة أبي حذيفة ، تبناه أبو حذيفة وزوجهبابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة .
لما أنزل الله (ادعوهم لآبائهم)أتت سهلة بنت سهيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت : يا رسول الله ! إنّ سالماً معي ، وقد أدرك ما يدرك الرجال ؟ فقال : أرضعيه ، فإذاأرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم . قالت أمُّ سلمة : أبى أزواج رسول اللهصلى الله عليه وسلم أن يدخل أحدٌ عليهن بهذا الرضاع ، وقلن : إنما هي رخصةٌ لسالمخاصة .
عن عائشة قالت: استبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ما حبسك ؟ قلت: إنّ في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ رداء، وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقالالحمد لله الذي جعل في أمتيمثلك).
عن ابن عمر أنّ المهاجرين نزلوا بالعُصبة إلى جنب قباء ، فأمَّهمسالم مولى أبي حذيفة ، لأنه كان أكثرهم قرآناً ، فيهم عمر ، وأبو سلمة بن عبد الأسد.
وجاء من رواية الواقدي أنّ محمد بن ثابت بن قيس قال : لما انكشفالمسلمون يوم اليمامة ، قال سالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نفعل مع رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فحفر لنفسه حفرة ، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ ، ثمقاتل حتى قتل.
ولما أحذ الراية يوم اليمامة بعد مقتل زيد بن الخطاب قالله المهاجرون : أتخشى أن نؤتى من قبلك ؟ فقال : بئس حامل القرآن أنا إذاً . انقطعتيده اليمنى فأخذها بيساره فقطعت فاحتضنها وهو يقول : {وما محمد إلا رسول قد خلت منقبله الرسل} { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } ، فلما صرع قال لأصحابه : مافعلأبو حذيفة ؟ قالوا: قتل ، قال : فما فعل فلان ؟ قالوا : قتل ، قال : فأضجعونيبينهما .
وروي أن عمر أنه قال لما احتضر : لو كان سالم حياً لما جعلتهاشورى . قال أبو عمر بن عبد البر : معناه أنه كان يصدر عن رأيه فيمن يوليه الخلافة.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

سيد قطب- رحمه الله -شخصيات


كان مخلصًا، وفيًا لدينه ووطنه، وكانت حياته جهادًا متواصلا في جميع
الميادين، ورسالته رسالة الداعية الذي يخشى أن يخرج من الدنيا قبل أن ينصر دعوته أو ينتصر لها، وهدفه الأول والأخير نصرة الدين، وإعلاء كلمة الله في الأرض!!
في أسرة متوسطة الحال بقرية (موشا) بمحافظة أسيوط بمصر، ولد (سيد قطب) في عام 1906م، ونشأ بين أحضان أسرته، واستطاع والده (إبراهيم) أن يوفر له حياة أحسن حالاً من أهل قريته الذين كانوا يعيشون في حياة الفقر والجهل.
دخل (كُتَّاب) القرية، لكنه هجره بعد فترة، والتحق بمدرسة القرية، وتمكن من حفظ القرآن الكريم حفظًا جيدًا في نهاية الصف الرابع، ويتحدث عن نفسه فيقول:
(لقد قرأت القرآن وأنا طفل صغير، ولا ترقى مداركي إلى آفاق معانيه، ولا يحيط فهمي بجليل أغراضه، ولكن كنت أجد في نفسي شيئًا، لقد كان خيالي الساذج الصغير يجسم لي بعض الصور من خلال تعبير القرآن، وإنها لصورة ساذجة ولكنها كانت تشوق نفسي وتلذ حسي، فأظل فترة غير قصيرة أتملاها، وأنا بها فرح، ولها
نشيط).
لقد كان سيد قطب في طفولته يستمع إلى آيات القرآن، ولا يستطيع فهم
معانيها، لكنه كان يتخيل ويتصور معاني القرآن الكريم، ويشعر بسعادة غامرة، وفرح شديد يملك عليه قلبه، وهذا الخيال الواسع لدى الطفل الصغير أَهَّلَهُ لأن يكون كاتبًا إسلاميًّا كبيرًا فيما بعد، وتعلق سيد قطب بالقراءة، وأحبها حبًّا كبيرًا، فأخذ يقرأ كل ما يقع تحت يديه من الكتب، حتى إن نساء القرية وشبابها كانوا يتهافتون على الطفل الصغير، ويطلبون منه أن يحكي لهم ويقصَّ عليهم ما قرأه في
هذه الكتب.
وأصبح سيد قطب شابًا فتيًّا، رقيق المشاعر، يشعر بآلام الضعفاء والمظلومين، ويملك خيالا خصبًا، وظهرت على الفتى سيد قطب وطنية مبكرة، فعند قيام الثورة المصرية سنة 1919م بزعامة (سعد زغلول) انطلق يكتب ويخطب وهو في الثالثة عشر من عمره في المساجد والنوادي، ويحرِّض الناس ضد الاستعمار الإنجليزي، وانتقل إلى القاهرة؛ حيث التحق ب(مدرسة دار العلوم) وأقام سيد قطب بعد موت والديه في القاهرة مع أشقائه (محمد وأمينة وحميدة) وأصبح مسئولاً عن رعاية هذه الأسرة الصغيرة باعتباره الأخ الأكبر.
وتخرج سيد قطب في (دار العلوم) سنة (1353ه، 1934م) فمارس كتابة الأدب والشعر في عدد من الصحف والمجلات ك(الأهرام) و(الرسالة) و(الأسبوع) و(الشرق الجديد) و(العالم الغربي) وعمل في وزارة المعارف، ثم مراقبًا فنيًّا
للوزارة، وفي سنة 1948م ذهب في بعثة دراسية من وزارة التربية إلى الولايات المتحدة لدراسة نظم التربية وبرامج التعليم فيها، وبعد عودته سنة 1951م أكَّد أنه لا يجد خيرًا من المنهج الإسلامي كأساس للتربية في مصر، وانتقد البرامج المصرية وكان يراها من وضع الإنجليز، وكان ذلك قبل أن يتعرف على جماعة الإخوان
المسلمين، وبعد رجوعه من أمريكا انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ورأس قسم نشر الدعوة وتولى تحرير جريدتهم وتعرض للسجن فترات طويلة.
وفي فترة سجنه وداخل جدران السجون، اتجه سيد إلى القرآن ينظر في
معانيه، ويقلب نظره بين آياته، وألف تفسيره الذي يقول في مقدمته: لقد عشت أسمع الله سبحانه يتحدث إلي بهذا القرآن أنا العبد القليل الصغير.. أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟! أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟! أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم؟!
وفي عام 1965 قدم سيد قطب للمحاكمة، وحكم عليه بالإعدام، ومن أشهر مؤلفاته:
– في ظلال القرآن.
– خصائص التصور الإسلامي.
– مشاهد القيامة في القرآن الكريم.
– العدالة الاجتماعية في الإسلام.
– قصص الأنبياء للأطفال بالمشاركة مع الأديب كامل كيلاني.
– الإسلام ومشكلات الحضارة.
– معالم في الطريق.
– المستقبل لهذا الدين.. وغير ذلك، وقد اهتم به كثير من الكتَّاب والباحثين، فكتبوا في سيرته بحوثًا وكتبًا.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

أم المؤمنين – حفصة بنت عمر – رضي الله عنها -شخصيات

حفصة بنت عمر

نسبها
حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيَّةُ، أُم المُؤْمِنِيْن َالسِّتْر الرَّفِيْعُ، بِنْتُ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. وأمها زينب بنت مظعون قَالَتْ عَائِشَة: هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم
كانت حفصة زوجة صالحة للصحابي الجليل (خنيس بن حذافة السهمي) الذي كان من أصحاب الهجرتين، هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين إليها فرارا بدينه ، ثم إلى المدينة نصرة لنبيه صلى الله عليه و سلم، و قد شهد بدرا أولا ثم شهد أحدا، فأصابته جراحه توفي على أثرها ، و ترك من ورائه زوجته ( حفصة; بنت عمر ) شابة في ريعان العمر , و لم تلد له، فترملت ولها عشرون سنة.
وكان عمر -رضي الله عنه- حين تَأيّمَتْ حفصة من زوجهاعرضها على عثمان بن عفان، فقال له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، ثم قال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا
فلقي عمر أبا بكر، فقال له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليه شيئاً، فكان عمر عليه أَوْجَد منه على عثمان. فلبث ليالي، ثم خطبها رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فأنكحها إياه، وفي رواية: أن عمر أتى النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- فشكاه عثمان، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- قدْ زوّج اللهُ عثْمانَ خيراً مِنْ ابنَتِكَ، وزَوّجَ ابنَتَكَ خيراً مِنْ عُثْمانَ)، فتزوّج رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حفصة، وأصدقها رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أربعمائة درهم., وزوّج أم كلثوم من عثمان بن عفّان – رضي الله عنهما –
قال عمر -رضي الله عنه-: فلقيني أبو بكر، فقال: لعلّك وَجَدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك،
قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلاّ أني قد علمت أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قد ذكرها فلم أكن لأُفشي سرّ رسول الله -صلّى الله
عليه وسلَّم- ولو تركها لقبلتها

حفصة فى بيت النبوة
وَحَفْصَةُ، وَعَائِشَةُ: هُمَا اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيْهِمَا:{إِنْ تَتُوْبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوْبُكُمَا، وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ
وَجِبْرِيْلُ…} الآية
عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: سَمِعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا
عَسَلاً فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا،فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ! أَكَلْتَ مَغَافِيْرَ ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُوْدَ لَهُ). فَنَزَلَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ…}إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوْبَا}-يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ.
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ } قَوْلَهَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً

و روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها تطليقة ثم ارتجعها وذلك أن جبريل قال له أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم أمر أن يراجعها
عن عقبة بن عامر قال طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر فبلغ ذلك عمر فحثى التراب على رأسه وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها ، فنزل جبريل من الغد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر
وفي رواية أبي صالح دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلقك إنه كان قد طلقك مرة ثم راجعك من أجلى فإن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا

حفظ نسخة القرآن الكريم عندها
و قد كانت رضى الله عنها صوامة قوامة و روت عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد حفظت نسخة القرآن الكريم عندها
روى أبو نعيم عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : لما أمرني
أبوبكر فجمعت القرآن كتبته، في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك
أبو بكر رضي الله; عنه- أي : توفي كان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده- أي: على رق من نوع واحد فلما هلك عمر رضي الله عنه كانت الصحيفة عند حفصة زوجة النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم أرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها ، فسألها أن تعطيه الصحيفة ؛ و حلف ليردنها إليها، فأعطته ، فعرض المصحف عليها ، فردها إليها ; وطابت نفسه ، و أمر الناس فكتبوا المصاحف
وفاتها رضى الله عنها

توفيت حفصة -رضي الله عنها- في شعبان سنة خمس وأربعين، أو إحدى وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وهي يومئذ ابنة ستين سنة أو ثلاث وستين سنة، فصلّى عليها مروان بن الحَكَم، وهو يومئذ عامل المدينة، ثم تبعها إلى
البقيع، وجلس حتى فُرغ من دفنها، وكان نزل في قبرها عبد الله وعاصم ابنا
عمر وسالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر

منقول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

نبذة عن الرئيس صدام حسين -شخصيات


سلام تام ورحمة الله وتعالى وبركاته رحم الله قائدنا ومولانا صدام حسين و اسكنة جناته يارب كان بطلا وشجاعا وسيضل كذلك ان شاء الله في قلوبينا الى الابد ان شاء الله رحمه الله وجعله مع الشهداء في جنات الخلود يارب…

الاسم صدّام حسين عبد المجيد التكريتي
مركزه:رئيس العراق السابق
فترة الإدارة:16 يوليو19799 ابريل2017
خلفه:بول بريمر
سلفه:أحمد حسن البكر
تاريخ الولادة:28 ابريل1937
مكان الولادة:العوجة، تكريت، العراق
الحزب السياسي:حزب البعث العربي الاشتراكي
وفاته:بغداد30 ديسمبر2017

صدام حسين عبد المجيد التكريتي
(28 ابريل193730 ديسمبر2017)، رئيس جمهورية العراق في الفترة ما بين عام 1979 وحتى عام 2017.
سطع نجمه إبان انقلاب حزب البعث، والذي دعى لتبني الأفكار القومية العربية، والتحضر الاقتصادي، والاشتراكية. لعب صدام دوراً رئيسياً في انقلاب عام 1968 الذي دعمته أمريكا والغرب والذي وضعه في هرم السلطة كنائب للرئيس اللواء أحمد حسن بكر، أمسك صدام بزمام الأمور في القطاعات الحكومية والقوات المسلحة المتصارعتين في الوقت الذي اعتبرت فيه العديد من المنظمات قادرة على الإطاحة بالحكومة. وقد نمى الاقتصاد العراقي بشكل سريع في السبعينات نتيجة الموارد الناتجة عن الطفرة الكبيرة في اسعار البترول في ذلك الوقت.
كرئيس، قام صدام بالحفاظ على السلطة بخوضه حرب الخليج الأولى (19801988) وقام بغزو الكويت حرب الخليج الثانية (1991)، وفي الوقت الذي حاول صدام ابراز نفسه كرمز بطولي للعرب بصموده في وجه الغرب ودعمه للقضية الفلسطينية بدأت الولايات المتحدة تخلت الولايات المتحدة عن دعمه الى ان تمت إزاحته عن السلطة عام 2017 تحت حجة إمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ووجود عناصر لتنظيم القاعدة تعمل من داخل العراق وذلك عندما أطلقت الولايات المتحدة عملية تحرير العراق وقُبض عليه في 13 ديسمبر من ذلك العام
فترة شبابه

وُلد صدام في قرية العوجة التابعة لمحافظة صلاح الدين لعائلة تمتهن الزراعة. لم يعرف صدام قط والده الذي توفي قبل ولادته بخمس شهور،و والدته صبحة طلفاح التي تزوجت مرتين .وقام خاله، خير الله طلفاح، برعايته حينئذ.
تزوجت أم صدام، صبحة طلفاح، للمرة الثانية وأنجبت له ثلاثة أخوة، كما قام زوجها، إبراهيم الحسن،الذي هو عم صدام بمعاملة صدام معاملة سيئة أثرت عليه وعلى نفسيته في المقبل من حياته عند عودته للعيش مع والدته.
في سن العاشرة، انتقل الى العاصمة بغداد حيث قام بالعيش مع خاله . وتجدر الإشارة إلى أن أقارب له من بلدته تكريت كان لهم الأثر الأكبر على حياته كرئيس حين تسلموا مناصب الاستشارة والدعم لاحقاً رغم أن هؤلاء لا يفقهون بامور الادارة شيئا مما ادى بالدولة الى الهاوية. . لاحقاً وبتوجيهٍ من خاله، التحق صدام بالثانوية الوطنية في بغداد. وفي سن العشرين عام 1957، ارتبط صدام بحزب البعثالقومي-العربي، والذي كان خاله خير الله طلفاح داعماً له.
كان الحس الثوري القومي هو طابع تلك الفترة من الخمسينات والذي انتشر مده عبر الشرق الأوسط و العراق والذي كان ذو أثرٍ واضح على شباب البعث. وسقطت الملكية في ظل هذا الخطاب في مصروالعراقوليبيا.

صعوده في حزب البعث

بعد عام من انضمام صدام لحزب البعث العربي الإشتراكي تمكن الضباط الاحرار بقيادة عبدالكريم قاسم من الإطاحة بالنظام الملكي القائم آنذاك بقيادة فيصل الثاني ملك العراق واستحوذوا على الحكم في العراق، ولم يكن البعثيون يستسيغون نظام قاسم الاشتراكي، وفي عام 1959، حاول البعثيون اغتيال رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم وباءت محاولتهم بالفشل وأصيب صدام بطلق ناري في ساقه ولاذ بالفرار الى سوريا ومنها الى القاهرة.

المحافظة على السلطة

تسلق الى المناصب واجبر البكر على تعيينه نائبا له وهكذا أصبح صدام رجل السلطة القوي. وأصبح الحاكم الفعلي للعراق قبل ان يصل الى الحكم بشكل رسمي عام 1979 بسنوات. وبدأ ببطء بتدعيم سلطته على الحكومة العراقية و حزب البعث. وتم إنشاء العلاقات مع أعضاء الحزب الآخرين بعناية، وبسرعة أصبح لدى صدام دائرة دعم قوية داخل الحزب.
وحيث أصبح الرئيس العراقي الضعيف والمسن أحمد حسن البكر غير قادر على القيام بمهامه أكثر وأكثر، بدأ صدام يأخذ دورا أبرز كشخصية رئيسية في الحكومة العراقية، داخليا وخارجيا. وبسرعة أصبح مهندس السياسات العراقية الخارجية ومثل العراق في جميع المواقف الدبلوماسية. وبنهاية السبعينات، ظهر صدام كحاكم العراق الفعلي بشكل لا يقبل التأويل.

تعزير صدام لسلطته

عزز صدام قوته في دوله متشبعة بالتوترات السابقة. فقبل صدام بزمن، كان العراق منقسما اجتماعيا،اقتصاديا وسياسيا بين القوميين والشيوعيين والاسلاميين فيما بعد، تبنى صدام إنشاء جهاز أمني لحماية السلطة من الداخل من الإنقلابات العسكرية والتمردات.
في عام 1973 إرتفعت أسعار النفط بشكل متزايد نتيجة أزمة البترول العالمية. وإستطاع صدام متابعة خططه الطموحة في السيطرة و حكم العراق والوصول به الى القمه وتطوير العرق بعائدات النفط الكبيرة.
وبفترة لا تتجاوز العدة سنوات، قدمت الدولة الكثير من الخدمات الاجتماعية للعراقيين ، الأمر الغير مسبوق في دول الشرق الأوسط الأخرى. وبدأت الحكومة "الحملة الوطنية لمحو الأمية" وحملة "التعليم الإلزامي المجاني في العراق" وأنشأت الحكومة التعليم الكلي المجاني ، حتى أعلى المستويات العلمية؛ مثات الآلاف تعلموا القراءة في السنوات التي تلت إطلاق تلك البرامج. كما دعمت الحكومة عائلات الجنود، ووفرت العناية الصحية المجانية للجميع، ووفرت المعونات المالية للمزارعين. وأنشا العراق واحدة من أفضل أنظمة الصحة العامة في الشرق الأوسط، وحصل صدام على جائزة من منظمة الأمم المتحدة التعليمية، العلمية والثقافية(UNESCO). (1)(2)

رئاسة الدولة

في 1979 بدأ الرئيس أحمد حسن البكر بعقد معاهدات مع سوريا، والتي هي أيضا تحت حكم حزب البعث، كانت ستقود إلى الوحدة بين الدولتين. وسيصبح الرئيس السوري حافظ الاسد نائبا للرئيس في ذلك الإتحاد، وكان ذلك سيغيّب صدام عن الساحة. ولكن وقبل حدوث ذلك، إستقال أحمد حسن البكر المريض في 16 يوليو1979. وأصبح صدام بشكل رسمي الرئيس الجديد للعراق.
بعد ذلك بفترة وجيزة، جمع قيادات حزب البعث في 22 يوليو1979، وخلال الاجتماع، الذي أمر بتصويره، قال صدام بأنه وجد جواسيس ومتآمرين ضمن حزب البعث، وقرأ أسماء هؤلاء الذين توقع أنهم سيعارضونه. وتم وصم هؤلاء بالخيانة وتم إقتيادهم واحدا تلو الآخر ليواجهوا الإعدام رميا بالرصاص خارج قاعة الاجتماع وعلى مسامع الحاضرين. وبعد إنتهائه من قراءة القائمة، هنأ صدام الباقين لولائهم في الماضي وفي المستقبل.

العلاقات الخارجية

سعى صدام حسين أن يلعب العراق دورا رياديا في الشرق الأوسط. فوقع العراق إتفاقية تعاون مع الإتحاد السوفييتي عام 1972، وأرسل للعراق أسلحة وعدة آلاف من الخبراء. ولكن الإعدام الجماعي للشيوعيين العراقيين عام 1978 وتحول العلاقات التجارية إلى الغرب وتّر العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وإتخذ العراق منحى أقرب إلى الغرب منذ ذلك الحين وحتى حرب الخليح عام 1991.
قام صدام بزيارة الىفرنسا عام 1976، مؤسسا لعلاقات اقتصادية وطيدة مع فرنسا ومع الدوائر السياسية المحافظة هناك. قاد صدام المعارضة العربية لتفاهمات كامب ديفيد بين مصروإسرائيل عام 1979. وفي 1975 تفاوض على تفاهمات مع إيران إشتملت على تنازلات بخصوص الخلاف الحدودي، وبالمقابل وافقت إيران على التوقف عن دعم المعارضة الكردية في العراق.
أطلق صدام مشروع التقدم النووي العراقي في الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بدعم فرنسي. وأسمى الفرنسيون أول مفاعل نووي عراقي بإسم أوسيراك، إله الموت المصري القديم. وتم تدمير المفاعل بضربة جوية إسرائيلية، بحجة ان إسرائيل شكت في أن العراق كان سيبدأ إنتاج مواد نووية تسلحية.
بعد المفاوضات العراقية الإيرانية وإتفاقية عام 1975 مع إيران، أوقف الشاه محمد رضا بهلوي الدعم للأكراد، الذين هزموا بشكل كامل. منذ تأسيس العراق كدولة حديثة عام 1920، كان على العراق التعامل مع الإنفاصاليين الأكراد في الأجزاء الشمالية من البلاد. وكان صدام قد تفاوض ووصل إلى إتفاق في 1970 مع القادة الإنفصاليين الأكراد، معطيا إياهم حكما ذاتيا، ولكن الإتفاق إنهار. وكانت النتيجة قتالا قاسيا بين الحكومة والجماعات الكردية وصل لحد قصف العراق لقرى كردية في إيران مما جعل العلاقات العراقية الإيرانية تسوء.

غزو العراق

في عام 1998 أقر الكونغرس الامريكي قانون "حرية العراق" الذي أتاح الامكانيات المادية والمعنوية لمعارضة العراقية في الخارج لاسقاط نظام حكم صدام حسين وخول الادارة الاميركية اتخاذ كل الاجراءات لتحقيق هذا الهدف، تم ذلك في فترة الرئيس الامريكي بيل كلينتون وعندها بدء التحضير وتم صرف المبالغ للقوى العراقية المعارضة في الخارج.
وبعد تولي الرئيس الحالي جورج بوش الرئاسة فقد بدء عندها عهد جديد تحولت فية السياسة الامريكية من المساعدة المادية والدعم اللوجستي للقوى المعارضة العراقية الى التدخل العسكري المباشر متحالفةً مع بريطانيا. ولكن أحداث 11 سبتمبر كانت قد دشنت عهدا جديدا في أمريكا واصرت الادارة الامريكية على اسقاط نظام صدام وفي 20 مارس 2022 تحركت القوات الامريكية البريطانية في سعيها نحو ما تم تسميته ب (حرية العراق) ليتم اسقاط نظام صدام في 9 إبريل 2022.

مطاردته والقبض عليه
بقيت أخبار صدام مجهولة في الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام وإنتهاء العمليات الرئيسية للحرب. تم التبليغ عن عدّة مشاهدات لصدام بعد الحرب ولكن أيا منها لم يكن مثبتا. سلسلة من التسجيلات الصوتية المنسوبة لصدام تم نشرها في اوقات مختلفة ، ولكن مصداقية هذه التسجيلات لا تزال محط تساؤل.
تم وضع صدام على قمة لائحة المطلوبين، وتم إعتقال العديد من أفراد النظام العراقي السابق، ولكن الجهود الحثيثة للعثور عليه بائت بالفشل. أبناءه وخلفاءه المتوقعون ، عديوقصي صدام حسين ، قتلوا في يوليو 2022 أثناء إشتباك عنيف مع القوات الأمريكية في الموصل.
قام الحاكم المدني في العراق بول بريمر بالإعلان رسميا عن القبض على صدام. تم القبض على صدام بحدود الساعة الثامنة والنصف مساء بتوقيت بغداد بتاريخ 13 ديسمبر2017

محاكمته

لم يعترف صدام بشرعية المحكمة في بداية المحاكمة، ورفض ذكر اسمه في بدايتها الا انه خضع للامر الواقع وبدأ في التعاون مع المحكمة. ودافع عن صدام ، نجيب النعيمي وزير عدل دولة قطر السابق و رمزي كلارك وزير عدل الولايات المتحدة السابق.و المحامي العراقي خليل الدليمي و المحامية اللبنانية بشرى الخليل و المحامي الأردني عصام الغزاوي .
وفي يوم الأحد الخامس من نوفمبر لعام 2022 حكم على صدام حضوريا في قضية الدجيل بالإعدام شنقا حتى الموت وقد ردد صدام عند تلاوة الحكم عبارات (يعيش الشعب – تعيش الأمة – يسقط العملاء)، وبذلك ينتهي مسلسل محاكمة صدام رغم استئناف محامين الدفاع و رفض محكمة االتمييز الاستئناف و صادقت على الحكم.

إعدامه

تم إعدام الرئيس صدام حسين فجر يوم السبت الموافق 30ديسمبر2017 في عيد الاضحى المبارك
الدفن والتابين

دفن الرئيس العراقي في مسقط راسه بالعوجة- محافظة تكريت ، حيث قامت القوات الامريكية بتسليم جثته لثلاثة افراد من المحافظة احدهم شيخ عشيرة البو ناصر التي ينتمي لها،وتم اغلاق منافذ البلدة لحين الانتهاء من الصلاة عليه..
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما .:. رقصت فوق جثث الأسودكلابا

لا تحسبن برقصها تعلو اسيادها .:. تبقىالأسود اسودوالكلابكلابا

منقول……

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

اسماء بعض الصحابة مع المعلومات عنهم من الشخصيات

السلام عليكم

اسماء بعض الصحابة مع المعلومات عنهم :

عبدالله ابنه عمر ابن الخطآب

اسمه ونسبه: هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن خطاب القرشي .

من صفآته واخبآره: أسلم بمكة وهو صغير, وهآجر إلى المدينه, وكان من فقهاء الصحابه وعلمائهم, واشتهر بالزهد والورع والعلم , وكان من أكثر الصحابه رواي للحديث, وشآرك في كثير من الغزوات والماشهد والمعارك.

وفاته: توفي سنه (73) من الهجرة النبويه رضي الله عنه وارضاه.

أبو موسى الاشعري :

اسمه ونسبه: هو الصاحبي الجليل عبد الله بن قيس بن سليم, أبو موسى الاشعري.

من صفاته واخبآره: اشتهر رضي الله عنه بالعلم والفقه وقرآءة القرآن, كان من مقرئي الصحابه, ومن احسنهم صوتا, وكان رسول الله[صلى الله عليه وسلم] يجب ان يستمع لقرائته,

وفاته: توفي سنة(42) من الهجرة الكوفه, رضي الله عنه وارضاه.

التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

الشيخ العلامه عبدالله بن جبرين حفظه الله ورعاه من الشخصيات

نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية
لفضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين

الاسم والنسب

هو عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين من آل رشيد وهم فخذ من عطية بن زيد وبنو زيد قبيلة مشهورة بنجد كان أصل وطنهم مدينة شقراء ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد وتملكوا هناك.

أسرته

هذه الأسرة منهم من له ذكر وأخبار على الألسن لكنها لم تدون في كتب التأريخ لقلة العناية بتلك الأخبار في زمنهم وقد أشتهر جده الرابع وهو حمد بن جبرين وكان في أواسط القرن الثالث عشر حيث آل إليه أمر القضاء والولاية والأمارة في مدينة القويعية وكان ذا منزلة ومكانة في قومه فهو خطيبهم وأميرهم وقاضيهم مع ما رزقه الله من السعة في العلم والمال وتملك الآبار وإحياء الموات كما تدل على ذلك وثائق الملكية التي تحمل اسمه وأسماء بنيه من بعده وقد أورث علماً جماً حيث كان له كتاب وعمال ينسخون الكتب الجديدة بالأجرة ولا يزال الكثير منها موجوداً موقوفاً عند بعض أحفاده ثم اشتهر بعده ابن ابنه إبراهيم بن فهد فتعلم العلم وأدرك الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ والشيخ عبدالله أبابطين والشيخ حمد بن معمر وقرأ ونسخ وحفظ علماً جماً وأورث بعده مخطوطات تحمل اسمه منها ما نسخه بيده ومنها ما تملكه وقد تولى الإمامة والخطابة والإفتاء والتدريس وتعليم القرآن والحديث وتوفى في آخر القرن الثالث عشر وقام بعده ابنه عبدالله الذي حفظ القرآن وقرأ على أبيه وبعض علماء بلده وغيرهم وتولى الإمامة والخطابة والتعليم في قرية مزعل التابعة للقويعية وقد نسخ كتباً بيده أوقفها بعده ومات سنة 1344ه وتولى الإمامة والخطابة بعده ابنه محمد بن عبدالله وكان قد قرأ على أبيه ورحل في طلب العلم وحفظ الكثير من المتون ونسخ بيده كتباً ومات سنة 1355ه وأما والد المترجم له فهو أحد طلبة العلم وحفظه القرآن ولد سنة 1321ه وتولى الإمامة بعد أخيه ثم انتقل إلى بلدة الرين لطلب العلم على قاضيها عبدالعزيز الشثري المكنى بأبي حبيب وأقام هناك حتى أرتحل بعد وفاة الشيخ أبا حبيب إلى الرياض ومات سنة 1387ه.

نشأته

ولد الشيخ عبدالله بن جبرين سنة 1352ه في إحدى قرى القويعية ونشأ في بلدة الرين وابتدأ بالتعلم في عام 1359ه وحيث لم يكن هناك مدارس مستمرة تأخر في إكمال الدراسة ولكنه أتقن القرآن وسنه إثناء عشر عاماً وتعلم الكتابة وقواعد الإملاء البدائية ثم ابتدأ في الحفظ وأكمله في عام 1367ه وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم ففي النحو على أبيه قرأ أول الآجرومية وكذا متن الرحبية في الفرائض وفي الحديث الأربعين النووية حفظاً وعمدة الأحكام بحفظ بعضها وبعد أن أكمل حفظ القرآن ابتدأ في القراءة على شيخه الثاني بعد أبيه وهو الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب وكان جل القراءة عليه في كتب الحديث ابتداء بصحيح مسلم ثم بصحيح البخاري ثم مختصر سنن أبى داود وبعض سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي وقرأ سبل السلام شرح بلوغ المرام كله وقرأ شرح ابن رجب على الأربعين المسمى جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديث من جوامع الكلم وقرأ بعض نيل الأوطار على منتقى الأخبار وقرأ تفسير ابن حرير وهو مليء بالأحاديث المسندة والأثار الموصولة وكذا تفسير ابن كثير وقرأ كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد وأتقن حفظ أحاديثه وأثاره وأدلته وقرأ بعض شروحه وقرأ في الفقه الحنبلي متن الزاد حفظاً وقرا معظم شرحه وكذا قرأ في كتب أخرى في الأدب والتأريخ والتراجم واستمر إلى أول عام، أربع وسبعين حيث انتقل مع شيخه أبو حبيب إلى الرياض وانتظم طالباً في معهد إمام الدعوة العلمي فدرس فيه القسم الثانوي في أربع سنوات وحصل على الشهادة الثانوية عام 1377ه وكان ترتيبه الثاني بين الطلاب الناجحين البالغ عددهم أربعة عشر طالباً ثم انتظم في القسم العالي في المعهد المذكور ومدته أربع سنوات ومنح الشهادة الجامعية عام 1381ه وكان ترتيبه الأول بين الطلاب الناجين البالغ عددهم أحد عشر طالباً وعدلت هذه الشهادة بكلية الشريعة. وفي عام 1388ه انتظم في معهد القضاء العالي ودرس فيه ثلاث سنوات ومنح شهادة الماجستير عام 1390ه بتقدير جيد جداً وبعد عشر سنين سجل في كلية الشريعة بالرياض للدكتوراه وحصل على الشهادة في عام 1407ه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف وأثناء هذه المدة وقبلها كان يقرأ أكابر العلماء ويحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد من زملائه ومن مشائخهم في المذاكرة والمجالس العادية والبحوث العلمية والرحلات والاجتماعات المعتادة التي لا تخلو من فائدة أو بحث في دليل وتصحيح قول ونحوه.

الحالة الاجتماعية

تزوج بابنة عمه الشقيق رحمها الله وذلك في آخر عام 1370ه ومع قرابتها كانت ذات دين وصلاح ونصح وإخلاص بذلت جهدها في الخدمة والقيام بحقوق ربها وبعلها وتوفيت عام 1414ه وقد رزق منها أثنى عشر مولوداً من الذكور والإناث مات بعضهم في الصغر والموجود ثلاثة ذكور وست إناث وقد تزوج جميعهم وولد لأغلبهم أولاد من البنات والبنين ولا يزالون يغشون أباهم ويخدمونه ويقومون بالحقوق الشرعية والآداب الدينية، أما الوضع المنزلي فقد كان في أول الأمر تحت ولاية والده فكان يخدمه ويقوم بما قدر عليه عن بره وأداء حقه في نفسه وماله ولا يستبد بكسب ولا يختص بمال ولما انتقل إلى الرياض وانتظم في معهد إمام الدعوة العلمي وكان يدفع له مكافأة شهرية فكان يدفع ما فضل عن حاجته لوالده الذي ينفق على ولده وولد ولده وبعد ثلاث سنين اضطر إلى إحضار زوجته وأولاده واستئجار منزل صغير وتأثيثه والنفقة فكانت المكافأة تكفي لذلك رغم قلتها لكن مع الاقتصار على الحاجات الضرورية وبقي يستأجر منزلاً بعد منزل لمدة ثماني سنين فبعدها أعانه الله على شراء بيت من الطين والخشب القوي فهناك استقر به النوى حيث قام فيه سبعة عشر عاماً يعيش في وسط من الحال لا إسراف فيه ولا تقتير ولم يتوسع في الكماليات والمرفهات لقلة ذات اليد ثم في عام 1402ه انتقل إلى منزله الحالي الذي أقامه بمساعدة بنك التنمية العقارية وعاش فيه كما يعيش أمثاله في هذه الأزمنة.

عقيدته

أما العقيدة والمذهب فقد نشأ على معتقد سليم تلقاه عن الآباء والأجداد والمشايخ العلماء المخلصين فتعلم عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، فقرأ وحفظ ما تيسر من كتب العقائد كالواسطية للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وتقلى شرحها من مشائخه الذين تعلم منهم العلوم الشرعية فكانوا يفسرون غريبها ويوضحون المعاني ويبينون الدلالات من النصوص وقد نهج والحمد لله منهج مشايخنا في تدريس كتب العقيدة السلفية فقرأ عليه التلاميذ الكثير من كتب العقائد المختصرة والمبسوطة كشروح الواسطية للهراس ولابن سلمان ولابن رشيد وشرح الطحاوية ولمعة الاعتقاد وشروح كتاب التوحيد وكذا الكتب المبسوطة لشيخ الإسلام وابن القيم وحافظ الحكمي وغيرهم ممن كتب في العقيدة وناقش الأدلة وتوسع في سردها وكان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة يدرس كتب العقيدة ويشرف على البحوث والرسائل التي تقدم للجامعة في هذا القسم ويشترك في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه ويرشد الطلاب إلى المراجع المفيدة في الموضوع ولا زال إلى الآن يشرف على كثير من الرسائل وعلى اتصال بالجامعة زيادة على الطلاب الراغبين في هذه الدراسة في هذه الدراسة.

أما المذهب في الفروع فإن مشايخه الذين درس عليهم الفقه كانوا متخصصين في مذهب أحمد بن حنبل، لا يخرجون عنه غالباً وقد اقتصر عليه وأكثر من قراءة كتب الحنابلة والتعليق عليها ومعلوم أن مذهب أحمد هو أوسع المذاهب لكثرة الروايات فيه التي توافق المذاهب الأخرى غالباً فمن قرأ هذا المذهب وتوغل فيه أحاط بأكثر المذاهب ما عدى الافتراضات ونوادر المسائل التي يفترض الفقهاء وجودها فلا أهمية لدراستها فمتى وقعت أمكن معرفة حكمها بإلحاقها بأقرب ما يشابهها.

شيوخه

أما الشيوخ والعلماء الذين تتلمذ عليهم فأولهم والده رحمه الله تعالى فقد بدأ بتعليمه القراءة والكتابة في عام 59 ثم أكمل وهي مسقط الرأس وكان رحمه الله من طلبة العلم وأهل النصح والإخلاص والمحبة وقد أفاد كثيراً بحسن تربيته وتلقينه وحرصه على التلاميذ ليجمعوا بين العلم والعمل وقد توفى سنة 1377ه ومن أكبر المشايخ الذين تأثر بهم شيخه الكبير عبدالعزيز بن محمد أبو حبيب الشثري الذي قرأ عليه أكثر الأمهات في الحديث وفي التفسير والتوحيد والعقيدة والفقه والأدب والنحو والفرائض وحفظ عليه الكثير من المتون وتلقى عنها شرحها والتعليق على الشروح وكان بدء الدراسة عليهم عام 1367ه حتى توفى عام 1387ه بالرياض رحمه الله تعالى ولكن قلت القراءة عليه بعد التخرج للانشغال والتدريس ونحوه، ومن العلماء الذين قرأ عليهم واستفاد من مجالستهم فضيلة الشيخ صالح بن مطلق الذي كان إماماً وخطيباً في إحدى القرى بالرين ثم قاضياً في حفر الباطن ثم تقاعد وسكن الرياض ومات سنة 1381ه وكان ضرير البصر ولكن وهبه الله الحفظ والفهم القوي فقلّ أن يجالسه كبيراً أوصغيراً إلا استفاد منه وقد قرأ عليه بعض الكتب في العقيدة والحديث وحضر مجالسه التي يتعدى فيها الأكابر والعلماء ويأتي بالعجائب والغرائب وبالجملة فهو أعجوبة زمانه رحمه الله وأكرم مثواه، ومن أشهر المشايخ الذين قرأ عليهم وتابع دروسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وهو غني عن التعريف به وقد تلقى عليه مع التلاميذ دروساً نظامية عند ما أفتتح معهد إمام الدعوة في شهر صفر عام 1374ه وتولى تدريس القسم الذي كنت معهم في أغلب المواد الشرعية كالتوحيد والفقه والحديث والعقيدة فدرسه في الحديث بلوغ المرام مرتين في القسم الثانوي والقسم العالي وفي الفقه متن زاد المستقنع وشرحه الروض المربع مرتين أيضاً بتوسع غالباً في شرح كل جملة وهم يتابعون ويكتبون الفوائد المهمة.

وفي التوحيد والعقدية قرأ كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ومتن العقيدة الحموية والعقدية الواسطية له أيضاً وشرح الطحاوية لابن أبي العز وغيرها وقد استمر في التدريس حتى أنهو القسم العالي في آخر سنة 1381ه حيث توقف عن التدريس وانشغل بالافتاء ورئاسة القضاء حتى توفى عام 1389ه في رمضان رحمة الله تعالى عليه.

وقرأ في الدراسة النظامية على جملة من العلماء كالشيخ إسماعيل الأنصاري في التفسير والحديث والنحو والصرف وأصول الفقه وذلك من عام 1375ه حتى التخرج والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد في الفرائض لمدة ثلاث سنوات ودرس عليه أيضاً في مرحلة الماجستير لمادة الفقه عام 1388ه وكان رحمه الله نم فقهاء البلد وله مؤلفات مشهورة منها عدة الباحث بأحكام التوارث ومنها التنبيهات السنية شرح العقدية الواسطية وهو أول الشروح الوافية لهذه العقيدة. وقرأ أيضاً على الشيخ حماد بن مجد الأنصاري والشيخ محمد البيحاني والشيخ عبدالحميد عمار الجزائري في علوم وفنون متعددة وفي مرحلة الماجستير قرأ على الكثير من كبار العلماء كسماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد المتوفى سنة 1402ه في الفقه طرق القضاء وحضر مجالسه منذ أن قدم الرياض واستفاد منه كثيراً في الأحكام والقصص والعبر والتأريخ والنصائح كما هو مشهور بذلك وقرأ على الشيخ عبدالرزاق عفيفي وهو مشهور من كبار العلماء وقد تتلمذ عليه واستفاد منه جمع غفير في هذه البلاد من القضاة والمدرسين والدعاة وغيرهم وهو ممن فتح الله عليه وألهمه من العلوم ما فاق به الكثير من علماء هذا الزمان وقد توغل في التفسير والاستنباط عن الآيات وكذا في الحديث ومعرفة الغريب منه وكذا في العلوم الجديدة وأهلها.

وكذا الشيخ مناع خليل القطان الذي درسهم في تلك المرحلة في مادة التفسير بتوسع وإيضاح وقد استفادوا كثيراً من مجالسته ومحاضراته حيث يأتي بفوائد كثيرة مستنبطة من الآيات أو الأدلة وله مؤلفات عديدة في فنون متنوعة وكذا الشيخ عمر بن مترك رحمه الله تعالى وكان من أوائل حملة الدكتوراه من السعوديين وقد قرأ عليه في مادة الفقه والحديث والتفسير وكان شديد العناية بالأدلة والتعليلات وله معرفة تامة بالمعاملات المتجددة ويتوسع في الكلام قولها وقد استفاد منه كثير، ومنهم الشيخ محمد عبدالوهاب البحيري مصري الجنسية تولى التدريس في الحديث وكان يتوسع في الشرح وذكر المسائل الخلافية ويحرص على الجمع والترجيح فأفاده في كثير من المواضع المهمة ومنهم محمد الجندي مصري أيضاً ولم يقم إلا بعض سنة حتى مرض فرجع إلى مصر وتوفى هناك رحمه الله ومنهم محمد حجازي صاحب التفسير الواضح ومنهم طه الدسوقي العربي مصري أيضاً وكان ذا معرفة واسعة واطلاع وحفظ مع فصاحة وبيان وآخرون سواهم.

وقد استفاد أيضاً من مشايخ آخرين دراسة غير نظامية وأشهرهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بذلك عبدالله بن باز -رحمه الله- الذي لازمه في أغلب الحلقات التي يقيمها في الجامع الكبير بالرياض بعد العصر وبعد الفجر والمغرب بحيث يحضره العدد الكثير ويدرس في فنون منوعة من المتون والشروح المؤلفات ويعلق على الجمل ويوضح المسائل وينبه على الأخطاء ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم المهيزع وهو من المدرسين والقضاة وكان يقيم دروساً في مسجده وفي منزله ويستفيد منه الكثير ومنهم الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن هويمل أحد قضاة الرياض قرأ عليه في المسجد وغيره وإن كان قليل التعليق لكنه يفيد على الأخطاء ويوضح بعض المسائل الخفية وفي آخر حياته ثقل سمعه وأشتد مرضه ثم توفى رحمه الله تعالى في عام 1415ه وقد استفاد أيضاً من الزملاء والجلساء الذين سعد بالاقتران بهم وقت الدراسة ووفق بالقراءة معهم والمذاكرة في أغلب الليالي وفي أيام الاختبارات ومنهم الشيخ فهد بن حمين الفهد والشيخ عبدالرحمن محمد المقرن رحمه الله والشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن فرسان والشيخ محمد بن جابر وغيرهم ممن سبقوه بالقراءة على المشايخ وتعلموا كثيراً مما فاته فأدركه بواسطتهم فكان يقرأ عليهم الشرح ويتلقى إصلاح بعض الأخطاء اللغوية والبحث في المسائل الخلافية ومعرفة الكتب المفيدة في الموضوع وكيفية العثور على المسألة في الكتب المتقاربة في الفقه الحنبلي وكذا معرفة طرق الاستفادة من كتب اللغة واختصاص كل كتاب بنوع من المواضيع ونحو ذلك مما يفوت من يقرأ بمفرده فلذلك ينصح المبتدئ أن يقترن في المذاكرة والاستفادة بمن هم أقدم منه في الطلب ليضم ما عندهم إلى ما عنده وقد ذكرنا أن أقدم هؤلاء المشايخ هو الشيخ عبدالعزيز الشثري رحمه الله وقد بالغ في الثناء عليه ولما انتقل إلى الرياض عام 1374ه استصحبه معه وذكر لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى بعض ما قرأ عليه وما وصل إليه مما جعل الشيخ يجعله مع أعلى التلاميذ عند تقسيمهم إلى سنوات في معهد إمام الدعوة العلمي وكان من آثار إعجابه أن طلبه ذلك العام لتولي القضاء ولكنه أعتذر بالدراسة والشوق إليها فعذره.

الأعمال التي تقلدها

أولها أن بعث مع الدعاة إلى الحدود الشمالية في أول عام 1380ه بأمر الملك سعود وإشارة لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ورئاسة الشيخ عبدالعزيز الشثري رحمهم الله تعالى مع بعض المشائخ ولمدة أربعة أشهر ابتداء من حدود الكويت على امتداد حدود العراق وحدود الأردن وحدود المملكة شمالاً وغرباً وكثير من مناطق المملكة وقاموا بالدعوة والتعليم وتوزيع النسخ المفيدة في العقيدة وأركان الإسلام حيث أن أغلب السكان من البوادي عاشوا في جهل عميق فهم لا يعرفون إلا اسم الإسلام والصلاة والصيام ونحو ذلك ويجهلون الواجبات وما تصح به الصلاة ويقعون في الكثير من وسائل الشرك وأنواعه وقد بذلت الهيئة جهداً في تعليمهم ونفع الله الكثير ممن أراد به خيراً.

ثم تعين مدرساً في معهد إمام الدعوة في شعبان عام 1381ه إلى عام 1395ه قام فيه بتدريس الكثير من المواد كالحديث والفقه والتوحيد والتفسير والمصطلح والنحو والتأريخ وكتب مذكرات على أحاديث عمدة الأحكام بذكر الموضوع والمعنى الإجمالي وشرح الغريب وذكر الفوائد وكذا مذكرات على مواد الفقه والتوحيد والمصطلح لا يزال الكثير منها محفوظ عند الطلاب أو في المعاهد العلمية ثم في عام 1395ه انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض وتولى تدريس التوحيد للسنة الأولى وهو متن التدمرية وكتب عليه تعليقات كفهرس للمواضيع وعنوان للبحوث وكذا درس أول شرح الطحاوية ثم في عام 1402ه انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد باسم عضو إفتاء وتولى الفتاوى الشفهية والهاتفية والكتابة على بعض الفتاوى السريعة وقسمة المسائل الفرضية وبحث فتاوى اللجنة الدائمة التي يناسب نشرها وقراءة البحوث المقدمة للمجلة فيما يصلح للنشر وما لا يصلح ومازال هكذا حتى الآن وقد انتهت مدة خدمته في دار الإفتاء، أما الأعمال الأخرى فقد تعين إماماً في مسجد آل حماد بالرياض في شهر شوال عام 1389ه حتى هدم المسجد وهدم الحي كله في عام 1397ه وبعد عامين عين خطيباً احتياطياً يتولى الخطبة عند الحاجة ومازال كذلك إلى الآن حيث يقوم بخطبة الجمعة وصلاتها في الكثير من الجوامع عند تخلف الخطيب أو قبل تعيينه وقد يستمر في أحد الجوامع أشهراً أو سنوات ويتولى صلاة العيد في بعض المناسبات. ويقوم أيضاً متبرعاً بالتدريس في المساجد ابتداء بدرس الفرائض في عام 1387ه لعدد قليل ثم بتدريس التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات والعقيدة الواسطية ونحوها لعدد كثير في مسجد آل حماد في آخر عام 1389ه وقد حصل إقبال شديد على تلك الحلقات وكان أغلب الطلاب من مدرسة تحفيظ القرآن الذين توافدوا من جنوب المملكة ومن اليمانيين الوافدين لأجل التعلم وقد أقام تلك الدروس بعد الفجر أكثر من ساعة أو ساعتين وبعد الظهر كذلك وبعد العصر غالباً وبعد المغرب إلى العشاء واستمر ذلك حتى هدم المسجد المذكور حيث نقلت الدروس إلى مسجد الحمادي حيث توافد إليه الطلاب كثرة في أغلب الأوقات للدراسة في العلوم الشرعية كالحديث والتوحيد والفقه وأصوله والمصطلح وغيرها ثم في عام 1398ه رغب إليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز أن يقوم في غيبته بالصلاة في الجامع الكبير كإمام للصلوات الخمس فقام بذلك وكان يتولى الصلاة بهم إماماً كل وقت ماعدا خطبة الجمعة وصلاتها ومن ثم نقلت الدروس إلى مسجد الجامع الكبير والذي عرف بعد ذلك بجامع الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله وفي حالة حضور سماحة الشيخ يقوم بصلاة العشائين هناك وإلقاء الدروس بينهما وبقية الأوقات ويلقي الدروس في مسجد الحمادي بعد العصر والمغرب وبعد الفجر غالباً ثم في عام 1398ه رغب إليه بعض الشباب في درس بعد العشاء في المنزل يتعلق بالعقيدة فلبى طلبهم وابتدأ بالعقيدة التي كتبها الشيخ ابن سعدي وطبعت في مقدمة كتابه القول السديد وقد كثر عدد الطلاب وتوافدوا من بعيد ولم يزالوا إليه الآن وقد انتقل عام 1402ه إلى منزله الحالي في السويدي فنقل الدرس هناك في ليلتين من كل أسبوع وقد قرؤا في هذه المدة نظم سلم الوصول وشرحه معارج القبول في مجلدين ورسالة الشفاعة للوادعي وكتاب التوحيد للشيخ محمد محمد بن عبدالوهاب وشرح ثلاثة الأصول له كما قرؤا في الفقه ونظم الرحبية في المواريث ومنار السبيل شرح الدليل لابن ضويان حتى كمل والحمد لله، ولما ضاق المنزل نقلوا الدرس إلى المسجد المجاوره ويعرف بمسجد البرغش كما نقول فيه الدروس الأسبوعية بعد الفجر وبعد المغرب أي بعد هدم المسجد الكبير عام 1408ه وقد قرؤوا في هذه الأوقات كثيراً من الأمهات كالصحيحين وشرح الطحاوية وشرح الواسطية لابن سلمان ولابن رشيد وبعض زاد المعاد وجميع بلوغ المرام وزاد المستقنع وبعض سنن أبي داود والترمذي وموطأ مالك ورياض الصالحين وبعض نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وبعض سنن الدارمي وترتيب مسند الطيالسي وشرح كامل منتقى الأخبار لأبي البركات وكتاب الدين الخالص لصديق حسن خان وفي المصطلح متن نخبة الفكر ومتن البيقونية وفي النحو متن الآجرومية وبعض ألفية ابن مالك وفي أصول الفقه متن الورفان لإمام الحرمين وغير ذلك من المتون والشروح الكثيرة.

وفي عام 1382ه أسس بعض المحسنين مدرسة خيرية أسموها (دار العلم) فأقبل إليها العدد الكثير من الطلاب صغاراً وكباراً وتولى المترجم فيها التدريس في المواد الدينية كالحديث والتوحيد والفقه حسب مدارك الطلاب وأقام الشباب فيها نادياً أسبوعياً يستمر بعد العشاء ليلة كل جمعة لمدة ساعتين يحضره غالباً ويلقى فيه بعض الكلمات ويجيب على الأسئلة الدينية والاجتماعية وفي عام 1398ه قام فيها بدرس أسبوعي يحضره العدد الكثير واستمر حتى هذا العام حيث نقل إلى أقرب مسجد هناك حولها ولا يزال وقد أكملوا فيه قراءة الصحيحين وابتدؤا في سنن الترمذي وتولى القراءة عليه فضيلة الشيخ إبراهيم بن عبدالله بن غيث وتركه في أول الأمر الشيخ الدكتور محمد بن ناصر السحيباني حتى انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة ثم خلفه الشيخ الدكتور فهد السلمة حتى انشغل بالتدريس في كلية الملك فهد الأمنية والطريقة أن يقرأ الباب ثم يشرحه بإيضاح مقصد المؤلف وبيان ما تدل عليه الأحاديث وفي حدود عام 1403ه رغب إليه بعض الشباب من سكان حي العليا أن يلقى عندهم درساً أسبوعياً في العقيدة ودرساً في الحديث فابتدأ الدرس في مسجد متوسط في الحي أشهراً ثم انتقلوا إلى مسجد الملوحي مدة طويلة ثم إلى مسجد السالم حيث استمر الدرس فيه سنوات ثم انتقل بهم إلى مسجد الملك عبدالعزيز ثم إلى جامع الملك خالد وقد أكملوا في هذه المدة متن لمعة الاعتقاد والعقيدة الواسطية وكتاب التوحيد ومتن التدمرية وبعض بلوغ المرام وشرح عمدة الفقه قسم العبادات بعض الروض المربع قراءة وشرحاً وفي عام 1409ه رغب إليه بعض الأخوان أن يقرر درساً أسبوعياً في مسجد سليمان الراجحي بحي الربوة قراءة وشرحاً وذلك أن المسجد مشهور ويحيط به أحياء واسعة مكتظة بالسكان المحبين للعلم فلبى طلبهم وابتدأ في شرح الطحاوية فأكمله وفي عمدة الأحكام في الحديث فأكملها وفي كتابه السنة للخلال ثم كتاب السنة لعبدالله بن أحمد ولا يزال يقرأ فيه ويتولى القراءة غلاباً إمام المسجد صالح بن سليمان الهبدان أو مؤذن المسجد ويختم الدرس قرب الإقامة بالإجابة على أسئلة مقدمة من الحاضرين ويتكاثر العدد في هذا الدرس فربما ذادوا على الخمسمائة ولا يتوقف إلا في أيام الاختبارات ثم يستأنف بعدها وفي عام 1409ه رغب إليه سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- أن يلقي درساً في مسجد سوق الخضار بعتيقة لكثرة من يصلي فيه فلبى رغبته وأقام فيه درساً أسبوعياً لكن إنما يحضره القليل من الطلاب لانشغال أهل الأسواق بتجارتهم واستمر هذا الدرس في الفقه والتوحيد كما أنه في هذه السنين يقوم غالب الأسابيع بإلقاء محاضرات في مساجد الرياض النائية التي يكثر فيه المسلون ولا يلقى فيها دروس فيتواجد العدد الكثير غالباً في المحاضرة التي تتعلق بالعبادات والمعاملات وما يحتاج إليه الناس ويشترك أيضاً في الندوات التي تقام أسبوعياً في المسجد الجامع الكبير المعروف بجامع الإمام تركي والتي ابتدأت من أكثر من عشرين عاماً ويعلق عليها غالباً سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- والآن يعلق عليها سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله.

وهناك أعمال أخرى قام منها التدريس في المعهد للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك في عام 1408ه حيث أسند إليه درس الفقه للسنة الأولى ويسمى السياسة الشرعية وهو ما يتعلق بالمعاملات وأحكام والتبادل بمعدل درسين في الأسبوع وفي نهاية العام وضع أسئلة الاختبار وصحح الأجوبة كالمعتاد ثم في العام بعده قام بهذا الدرس ومعه درس آخر للسنة الثانية ويعرف بالأحوال الشخصية وله ثلاث حصص كل أسبوع وطريقة الإلقاء اختيار جمل من الكتاب المقرر وذكر ما فيها من الخلاف وسرد أدلة الأقوال مع الجمع والترجيح ووجه الاختيار وفي السنة بعدها اقتصرت على الدرس الأول وهو السياسة الشرعية ثم توقف بعدها عن هذا التدريس (ومنها) الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه التابعة للجامعة المذكورة وذلك طوال هذه السنين أي بعد الانتقال من الجامعة إلى رئاسة البحوث العلمية كما سبق لم يتخل عن أعمال الجامعة وذلك في كل عام يلتزم بالإشراف وعلى ثلاث رسائل وأربع يقوم بتوجيه الطالب وإرشاده إلى مراجع البحث في الأمهات حسب علمه ويقرأ ما يقدمه كل شهر من بحثه ويبين ما فيه من خطأ ونقص ويجتمع به غالباً كل أسبوع أو نحوه ويرفع عنه للجامعة تقريراً عن سيره وما يعوقه وفي النهاية يكتب عن رسالته ومدى صلاحيتها للتقديم ويحضر عند المناقشة وتقويم الرسالة كما يقوم أيضاً بمناقشة بعض الرسائل المقدمة للجامعة كعضو فيها ويبدى ما لديه من الملاحظات ويحضر تقويم الرسالة كالمعتاد (ومنها) القيام بالدعوة داخل المملكة بإلقاء محاضرات أو خطب أو إجابة على الأسئلة وذلك كل شهر أو شهرين حيث يزور البلاد القريبة الرياض فيلقي محاضرة في معهد أو مركز صيفي وفي مسجد جامع ويجتمع بالأهالي ويبحث معهم في مشاكل البلاد وعلاجها وقد تستمر الرحلة أسبوعياً أو أكثر للتجول في البلاد النائية وزيارة بعض الدوائر الحكومية للمناصحة والإرشاد فيلقى تقبلاً وتشجيعاً وترغيباً في الاستمرار وقد تكون الزيارة رسمية وتحدد المدة من مركز الدعوة أو إدارة الدعوة في الداخل (ومنها) الاشتراك في التوعية في الحج وذلك زمن إن كان تبع الجامعة حتى عام وذكر منافع الحج والعمرة وإيضاح الأهداف من هذه الأعمال وتفقد آثارها بعد إنقضائها والإجابة على الأسئلة التي تتعلق بالمقام وذلك لمدة شهر كامل وقد تعزر عليه الاشتراك في هذا بعد الالتحاق بالرئاسة بسبب الإقامة في المكتب للحاجة الماسة إليه هناك وقام في السنوات الأخيرة بالحج مع بعض الحملات الداخلية التي تجمع حجاجاً من الرياض وكان يتولى معهم الإجابة على الأسئلة وإلقاء كلمات توجيهية كل يوم مرة أو مرتين ويقوم بزيارة بعض الحملات الأخرى في الموسم فيفرحون بذلك العمل.

مؤلفاته

أولها البحث المقدم لنيل درجة الماجستير في عام 1390ه (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) وقد حصل على درجة الامتياز رغم إنه كتبه في مدة قصير ولم تتوفر لديه المراجع المطلوبة وقد طبع عام 1408ه في مطابع دار طيبة ثم أعيد طبعه مرة أخرى وهو موجود مشهور ولم يتيسر له التوسع فيه قبل طبعة لاحتياجه إلى مراجعة وتكملة وقد حمله على الكتابة فيه محبة الحديث وفضله وما رأه في كتب المتكلمين والأصوليين من عدم الثقة بخبر الواحد سيما إذا كان متعلقاً بعلم العقيدة وقد رجح قبوله في الأصول كالفروع. وفي عام 1398ه كلف بكتابة تتعلق بالمسكرات والمخدرات لتقديمها للمؤتمر الذي عقدته الجامعة الإسلامية في ذلك العام فكتبه بحثاً بعنوان (التدخين مادته وحكمه في الإسلام) وهو بحث متوسط وفيه فوائد وأحكام زائدة على ما كتبه الآخرون وقد أعجب به المشايخ المشاركون في موضوع الدخان وقد طبعته مطابع دار طيبة عدة طبعات وهو مشهور متداول وإن كان مختصراً لكن حصل به فائدة لمن أراد الله به خيراً وفي عام 1402ه رفع إليه كلام لبعض علماء مصر ينكر فيه إثبات الصفات ويرد الأدلة ويتوهم إنها توقع في التشبيه وكذا يميل إلى الشرك بالقبور ويمدح الصوفية وقد لخص كلامه بعض الأخوان في أربع صفحات وأرسلها لمناقشتها في كتب عليه جواباً واتضحاً وتتبع شبهاته وبين ما وقع فيه من الأخطاء بعبارة واضحة ومناقشة هادئة وطبع ذلك البحث في مجلة البحوث الإسلامية العدد التاسع ثم أفرده بعض الشباب بالطبع في رسالة مستقلة بعنوان (الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق) وهو موجود متداول طبعته مؤسسة آسام للنشر وكتبه أيضاً مقالاً يتعلق بمعنى الشهادتين وما تستلزمه كل منهما وطبع في مجلة البحوث العدد السابع عشر ثم افرده بعض التلاميذ بالطبع بعنوان (الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما) وطبع في عام 1410ه في مطابع دار طيبة في 90صفحة من القطع الصغير وقد التزم فيه وفي غيره العناية بالأحاديث للاستدلال بها وتخريجها مع ذكر درجتها باختصار. وفي عام 1391ه قام بتدريس متن لمعة الاعتقاد لابن قدامة لطلاب المعهد العلمي وكتب عليها أسئلة وأجوبة مختصرة تتلاءم مع مقدرة أولئك الطلاب في المرحلة المتوسطة ومع ذلك فإنها مفيدة لذلك رغب إليه بعض الشباب القيام بطبعها فطبعت بعنوان (التعليقات على متن اللمعة) عام 1412ه وفي مطبعة سفير والناشر دار العميعي للنشر والتوزيع وقد وقع فيها أخطاء تبع فيها ظاهر المتن والأدلة وقد أعيد طبعها مع إصلاح بعض الأخطاء. وقد قام فيها بتخريج الأحاديث التي استشهد بها ابن قدامة تخريجاً متوسطاً حسب بدارك التلاميذ وفي عام 1399ه سجل في كلية الشريعة لدرجة الدكتوراه واختار (تحقيق شرح الزركشي على مختصر الخرفي) وهو أشهر شروحه التي تبلغ الثلاثمائة بعد المغني لابن قدامة واقتصر في الرسالة على أول الشرح إلى النكاح دراسة وتحقيق أو نوقشت الرسالة كما تقدم ثم كمل تحقيق الكتاب وطبع في مطابع شركة العبيكان للنشر والتوزيع في سبعة مجلدات كبار وتم توزيعه وبيعه في أغلب المكتبات الداخلية وهو موجود متداول والحمد لله.

وقد اعتنى في هذا الشرح بتخريج الأحاديث والآثار الكثيرة التي يوردها الشارح وقام بترقيمها فبلغ عددها كما في آخر المجلد السابع 3936 وإن كان فيه بعض التكرار القليل وقد بذل جهداً في هذا التخريج بمراجعة الأمهات وكتب الأسانيد التي تيسرت له للرجوع إليها وهي أغلب المطبوعات وذكر رقم الحديث إن كان الكتاب مرقى أو الجزء والصفحة وذكر اختلاف لفظ الحديث إن كان مغايراً لما ذكر الشارح وذكر من صحح الحديث من المتقدمين أو ضعفه كالترمذي والحاكم والذهبي وابن حج والهيثمي وإن كان في أحد الصحيحين لم يذكر ما قبل فيه للثقة بهما وحيث أنه بدأ درا ستة في الصغر بكتب الحديث كما تقدم فقد أورث ذلك له شوقاً إلى كتابة الحديث فحرص على اقتناء الكتب القديمة التي يهتم مؤلفوها بالأحاديث النبوية ويوردونها بأسانيدهم المتصلة كما أحب كل ما يتعلق بالحديث من كتب المصطلح وعلل الحديث وكتب الجرح والتعديل ونحوها وذلك أن هذا النوع هو الدليل الثاني للشريعة أي بعد كتاب الله تعالى ولأن علماء الأمة أولوه عناية تامة حتى قال بعضهم إن علم الحديث من العلوم التي طبخت حتى نضجت ولأن هناك من أدخل فيه ما ليس منه برواية أحاديث لا أصل لها من الصحة ولكن قبض الله لها نقادها من العلماء الذين وهبهم الله من المعرفة بالصحيح والضعيف ما تميزوا به على غيرهم وقد عرفنا بذلك جهدهم وجلدهم وصبرهم على المشقة والسفر الطويل والتعب والنفقات الكثيرة مما حملهم عليه الحرص على حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتنقيتها عما ليس منها وقد يسر الله في زماننا هذا طبع هذه الكتب وفهرستها وتقريبها بحيث تخف المؤنة ويسهل تناول الكتاب ومعرفة مواضع البحوث بدون تكلفة والحمد لله، هذا وقد كان ألقى عدة محاضرات في مواضيع متعددة وتم تسجيلها في أشرطة ثم أن بعض التلاميذ أهتم بنسخها وإعدادها للطبع وقد تم طبع رسالتين الأول بعنوان (الإسلام بين الإفراط والتفريط) في 59صفحة والثانية بعنوان (طلب العلم وفضل العلماء) في 51صفحة وكلاهما طبع عام 1313ه في مطبع سفير والناشر دار الصميعي للنشر والتوزيع وأما التسجيل فإن التلاميذ قد أولوه عناية شديدة وذلك بتتبع الدروس والمحاضرات وتسجيلها في أشرطة ثم الاحتفاظ بها ومن ثم نسخ ما تيسر منها للتداول وللطبع وقد سجل شرح زاد المستقنع وشرح بلوغ المرام وشرح الوقات في الأصول وشرح البيقونية في المصطلح وشرح منار السبيل في الفقه وشرح الترمذي وثلاثة الأصول ومتن التدمرية وغيرها كثير، ويباع كثير من الأشرطة في التسجيلات الإسلامية في الرياض وغيرها.

أما الكتابات السريعة فكثيرة فإن هناك العديد من الطلاب يحرصون على تحصيل جواب مسألة أو فتوى في مشكلة ويرفعونها إليه وبعد كتابة الجواب وتوقيعه ينشرونه في المساجد والمكاتب والمدارس فيتداول ويحصل له تقبل وفائدة محسوسته لثقتهم بالكاتب كما إن الكثير من الشباب الذين أعطوا موهبة في العلم إذا كتب أحدهم رسالة أو كتيباً رغب إليه إن يكتب له مقدمة أو تقريظاً فيصرح باسمه عنوان الرسالة ويكون ذلك ادعى لزوجاته والإقبال عليه والاستفادة وهناك من العلماء من يساهم في بث تلك النشرات التي لها مسيس ببعض الأوقات كالمخالفات في الصلاة وأحوال الاقتداء بالإمام والمخالفات في الصيام وفي الحج وأعمال عشر ذي الحجة والمقال في التيمم ومتى يرخص فيه ونحوها فتطبع في مواسمها ويوزع منها ألوف كثيرة رجاء الانتفاع بها وهناك من العلماء من أخذ تلك النشرات وأودعها بعض مؤلفاته كالشيخ عبدالله بن جار الله رحمه الله وغيره ممن كتبوا في تلك المواضيع وضمنوها بعض ما كتبه المترجم للاستفادة، وأما العلماء الأكابر فإن المناقشين لرسالة أخبار الآحاد بعد إقرارها كتبوا عنها تقريراً مفيداً يمكن الحصول عليه من المعهد المذكور حيث كتبوه عام 1390ه وهكذا الذين ناقشوا كتاب شرح الزركشي وهم الشيخ صالح بن محمد اللحيدان والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مع المشرف الدكتور عبدالله بن علي الركبان فقد قرروا الكتاب الذي ناقشوه من أول الشرح إلى النكاح وكتبوا عنه صلاحيته للنشر وحرصاً الأكثر على الحصول عليه قبل طبعه وتقبله أكابر العلماء وأقروا العمل الذي قام به تجاهد ومنهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وسائر هيئة كبار العلماء ويمكن مراجعتهم لتقييمها وما لوحظ علهيا وما تميزت به ولم يعرف أحداً ابدى انتقاد المانهجه في هذه الكتب المتعلقة بالحديث والمصطلح.

أما المنهج فقد سلك في تحقيق الزركشي الخطة التي رسمت في الخطط والموجود في المقدمة وقد حرص على البحث عن الأحاديث وأنها التي يستدل بها وقابلها على أصولها كما حرص على التعليق على ما يحتاج إلى تعليق من نقل أو مخالفة أو خلاف في مسألة وأما الشروح الأخرى كشرح اللملعة القديم والبيقونية والورقات والتوحيد والبلوغ والمنتقى الخ فإنه يترحها ارتجالاً ويوضح العبارة التي في المتن بالأمثلة ويذكر الخلاف المشهور ويبين المختار عنده حتى لا يقع الطالب في حيرة ويتوسع أحياناً في الشرح بذكر ماله صلة بذلك الحديث أو تلك المسألة وقد تميزت هذه الكتب والشروح بوضوح العبارة وبذكر الأدلة ومناقشتها وبالتعليل إن وجد والحكمة من شرعية هذا الحكم والتوسع في ذكر الأمثلة فلا جرم صار عليها إقبال شديد حيث نسخ كثير من الطلاب بعض تلك الأشرطة بشرح منار السبيل وقد بلغ ما نسخوه عدة مجلدات وحرص الكثير على تصويره واقتنائه حيث وجد وافية مسائل واقعية ومعالج لبعض المشاكل المتمكنة في المجتمع وتحذير من بعض الحيل والمكائد التي يتعلها بعض المؤمنين ونحو ذلك من المميزات الكثيرة.

أما استقصاء المعلومات عند الكتابة فهذا يكون في الشرح الارتجالي كشرح أحاديث مسلم والترمذي ومنتقى الأخبار وأما الكتابة فالغالب الاقتصار على القد المطلوب في السؤال دون استقصاء وتوسع في الجواب وكذا الإملاء إذا كان الجواب ارتجالياً كما وقع في الأسئلة التي طبعت بعنوان (حوار رمضاني) الذي طبعته مؤسسة آسام للنشر عام 1312ه في 28صفحة بقطع صغير وكذا في أسئلة متعلقة برمضان وقيامه والقراءة في القيام ودعاء الختم ونحوه حيث ألقى بعض الشباب 36سؤالاً وقد كتب عليها جواباً متوسطاً ثم قام السائل وهو سعد بن عبدالله السعدان بتحقيقها وتخريج أحاديثها وطبعت بعنوان (الإجابات البهية في المسائل الرمضانية) نشر دار العاصمة مطابع الجمعة الإلكترونية عام 1413ه 103صفحة وبكل حال من الأحوال تختلف في الدوافع إلى الكتابة وحال المستفيد فأما الصعوبات فإن الرسالة الأولى وهي (أخبار الآحاد) كتبها في زمن قصير وكانت المراجع قليلة أو مفقودة عنده فلا جرم لقي مشقة في البحث عن مواضع المسائل واضطر إلى الاختصار رغم سؤال المشرف وغيره فأما شرح الزركشي فقد لقي أيضاً فيه صعوبة لسعة الكتاب وكثرة نقوله وندرة الكتب التي نقل عنها وعدم بعض المراجع للأحاديث التي يستشهد بها معتمداً على كتب الفقهاء التي لا تعزو الأحاديث إلى مخرجها فيحتاج إلى صعوبة في البحث في كتب الفهارس والتخريج التي تذكر المشاهير من الأدلة دون النادر منها ولكن الله أعان على الكثير وحصل التوقف في البعض الذي لم يعثر على أصوله كأول سنن سعيد بن منصور وكسنن الأثرم ومسند إسحاق ونحو ذلك ولو وجد من ينقلها لكن مع قصور واختصاره وأما علم المصطلح فإن مراجعة كثيرة وكتبه متوفرة والغالب إنها متوافقة فيه وإن يوجد في بعضها زيادة خاصة فلذلك يمكن الاختصار فهيا ويمكن التوسع بذكر الأمثلة ولم يكتب فيها سوى شرح البيقونية وهو الآن يحقق وبعد للطبع وهو مجرد إيضاح للتعاريف المذكورة في النظم، وأما المشكلات التي تواجه من كتب في علم المصطلح فهي كثرة الكتب في الموضوع التي يلزم منها كثرة التعريف ووجود الطرق بينها حتى يحتار الكاتب في اختيار ما يناسب المقام ولكن الأجلاء من المحدثين قد ناقشوا التعريفات الاصطلاحية وذكروا ما يرد عليها والجواب عنه لكن قراءة ذلك كله تستدعى وقتاً طويلاً فالطلاب إذا اقتصر على المختصر التي كتبها أئمة هذا الفن كالنخبة والبيقونية والفية العراقي والسيوطي رأى في ذلك كفاية ومقنعاً. وحيث أن هذا النص قد أكثر فيه العلماء من الكتب فإن أشهر كتبه التي تحتوي على ما ويوضحه ويجلى معانيه هي الكتب الواسعة مثل تدريب الراوي شرح تقريب النووي للسيوطي ومثل توجيه النظر لبعض علماء الجزائر ومثل توضيح الأفكار للأمير العسفاني وإن كان بعضها ينقل من بعض ومن المعاصرين الشيخ صبحي الصالح فقد كتب مؤلفاً في علوم الحديث ومصطلحه وذكر أشياء زائدة على ما كتبه الأولون لوجود كثير من المراجع التي توفرت له والأدلة التي أمكنه أن يستدل بها وبكل حال فالباحث في الموضوع يحس أن يلم بكتب المتقدمين الذين وضعوا هذا الاصطلاح ثم بعدهم.

http://www.ibn-jebreen.com/about-shekh/frame_01.htm


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده