التصنيفات
شخصيات عالمية و عربية

عن الفقيد الفنان ناجي العلي -شخصيات

«إيطاليا- جنوة: «عرب.إت

عن جريدة «الجريدة المغربية»

رحل عنا قبل اثنى عشرة سنة، بعد أن أهدر دمه بالطريقة التي طالما توقعها، هكذا على الرصيف و الهامش رمزا الى انتمائه الأزلي و الأبدي الى البسطاء المفجوعين تاريخيا بكربهم اليومي وقلقهم الدائم، لكن ما لم يتوقعه – ربما – هو أن يكون الرصيف ، لمدينة ضبابية، بلندن
فلا أحد يستطيع اليوم الكشف عن "السر" الذي كان وراء ركوب ناجي العلي السخرية الى درجة حدودها الخطيرة، ألم يكن عليما بالمشهد الدامي الذي طالما رسمه على لوحاته ؟ أكيد، لكن "حنظلة" هو الذي أوقعه في شر / خير البلية
لقد أنقذ حنظلة ناجي ، كما كان يقول هو نفسه، من السقوط في الفرح المجاني أو التماهي مع المؤسسات . حنظلة هذاالطفل "المعتر" رث الملابس، حافي القدمين الذي أولانا قفاه منصرفا الى حكمه الخاصة . طفل "الصباح البسيط الفاجع" كما يسميه الشاعر محمود درويش. هذا الذي تحول الى أيقونة شاهدة "بصمت" و غيره على ما يحدث في المنطقة العربية، فهو يصمت أحيانا ، و يرفع الحجارة تارة أخرى، أو يحتج بتحريك القدم أو الرأس ، أو ينحني متألما وراء الأشواك الخانقة لفلسطين، أو يتوارى وراء الصليب تماهيا مع يد المسيح التي ترمي بالحجارة ، كصورة لعنف المأساة و تجلياتها في القيامة المتجددة . فحنظلة، ليس الا صوت من لاصوت لهم ، فهو الذي كان يجد نفسه تلقائيا ضمن صف المحرومين و الضحايا
عالم ناجي الابداعي كومة من الأحزان و من الموت المتنوع، سواء بخناجر العدو أو سكاكين الاخوة ، أو صواريخ اسرائيل، أو الموت في ضيافة الأنظمة العربية أو جوعا أو حزنا…، فعالم ناجي موسوعة من الآلام .
لقد تخلى بسرعة عن طموحه في أن يصير فنانا تشكيليا، لادراكه منذ البداية بأن رسالته كانت من النوع البسيط المباشر بالأبيض و الأسود . فقد كان ناجي يتوجه قبل أي شيء بفنه الى أبناء المخيمات و مقاتلي المتاريس، و ليس الى النخبة المثقفة و السياسية، بالرغم من أن أعماله كانت تثير اعجاب مختلف الفئات
كان من المفترض أن تنتهي حملات الكاتم الصوتي الذي أودى بحياة ناجي مباشرة بعد عملية اغتياله الجبانة، لكن على ما يبدو فالحملات ضد ناجي لاتزال مفتوحة ما دامت قضايا رسوماته على قيد الواقع الموجع . فقبل فترة كتب رشاد أبوشاور في جريدة القدس، يقول أن جهات أمنية فلسطينية داهمت دار نشر في الضفة الغربية، و صادرت المجموعة الكاملة لرسومات ناجي العلي . فلماذا يحاربونه حيا و "ميتا" ؟ ألا يزال حنظلة يمارس هوايته المفضلة باحراجهم و اغراقهم في خزيهم ؟.. لماذا قتلوا ناجي العلي ، هذا الفنان الكاريكاتوري الساحر/ الساخر ، ذلك "الفنان الذي يبدو لي أن الفن لايعنيه، كما نعته بذلك محمود درويش، ما دام الفن يسيل من أطراف أصابعه ".. فمن قتله؟
نشرت جريدة الأوبزرفر البريطانية في أحد أعدادها السابقة كاريكاتورا للفنان ناجي العلي ، تحت عنوان النكتة، و هو الرسم الذي يعتقد الى حد بعيد و مباشر، أنه كان وراء عملية اغتيال الفنان بلندن عام 1987 .
اختصر ناجي وقائع الكاريكاتور في أن الأول يسأل الثاني : بتعرف رشيدة مهران ؟ .. الثاني يجيب : لا… الأول يسأل : سامع فيها ؟ … الثاني يجيب : لا… الأول يقول للثاني : بتعرف رشيدة مهران و لاسامع فيها !! و كيف صرت عضو بالأمانة العامة للكتاب و الصحافيين الفلسطينيين ؟.. لكن مين يللي داعمك بهالمنظمة يا أخو الشليتة!!
يقول الفلسطينيون – حسب صحيفة عرب تايمز – أن الصحافية التونسية رشيدة مهران كانت عشيقة لعرفات و أنها كتبت عنه كتابا ، ويروى أيضا أنها كانت ذائعة الصيت و مسموعة الكلمة في الأوساط الفلسطينية.
من جهة أخرى فقد سبق لمجلة الأزمنة العربية التي كان يصدرها في قبرص غانم غباش (الشهيد ) و التي كانت تمثل وجهة نظر المعارضة في الامارات، أن نشرت بعد الاغتيال و في عددها رقم 170 الصادر في 15 غشت 1987 ، لقاء صحفيا كانت قد أجرته مع ناجي العلي قبيل اغتياله بيومين في منزله بلندن، و بحضور زوجته أم خالد، جاء فيه أن " ياسر عرفات وقف عام 1975 في مدرسة عبد الله السالم في الكويت ليخطب في الطلبة قائلا " من هو هذا الناجي العلي ؟ قولوا له اذا لم يتوقف عن رسومه لأضع أصابعه في الأسيد ".. كاتب اللقاء غانم غباش نقل عن ناجي العلي قوله الاضافي متسائلا " هل تعرفون رشيدة مهران ؟ لا تظنوا انها احدى الفدائيات… رشيدة مهران سيدة مهمة تركب الطائرة الخاصة لرئيس منظمة التحرير و تسكن قصرا في تونس… رسمت عن رشيدة مهران و بعدها انهالت تهديدات و تهاني و عواصف… تصوروا أن واحدا من طرف أبو أياد أبلغني سروره عن الرسم، وقال لي بأنني فعلت الشيء الذي عجز الكبار في المنظمة عن فعله، ولكنه قال لي " بهذا قد تجاوزت الخطوط الحمر و أنه خائف علي و أنه يجب أن أتنبه على حالي، فقلت له "يا أخي لو اتنبهت على حالي، لما بقي لدي وقت أتنبه فيه اليكم.." . فقيدنا اذن، كان على علم تام بالمخاطر المحذقة ، اذ من غيره في الساحة العربية كان سيجرؤ على تمثيلهم كاريكاتوريا ؟ من كان سيسخر منهم كما فعل عندما رسم في احدى المرات وجوها و علق تحتها مخاطرا بالتالي " الثورة بدها رجال… بدها رجال أعمال "
أما عن الخطوط الحمراء فقد كان يقول"… كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي .. أنا أعرف خطا أحمر واحدا و أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف و استسلام لاسرائيل ."
و كدليل آخر، فان ناجي كان منشغلا بموضوع اغتيال الكتاب، عندما تم قتل كتاب في ايران، ثُم اغتيال الكاتب العراقي عادل وصفي في بيروت… فقد رسمه ناجي العلي و هو يكتب مقالا بعنوان "الديمقراطية"، وقد قطعت المقال ثلاث رصاصات ؟ فسأله زهير الجزائري " لماذا ثلاثة رصاصت ، فواحدة تكفيه ؟ فأجاب ناجي ، من أجل تحديد الفاعل بشعاراته الثلاثة "وحدة، حرية، اشتراكية "…
ولد الشهيد ناجي سليم حسين العلي عام 1936 في قرية الشجرة الفلسطينية الواقعة بين الناصرة و طبريا . نزح سنة 1947 مع عائلته الى جنوب لبنان، حيث استقر بهم المقام في مخيم عين الحلوة … تلقى دروسه الابتدائية في عين الحلوة، و كان يضطر لقطع الدراسة كي يعمل في بساتين الليمون و في وقت لاحق حصل على دبلوم في الميكانيك من مدرسة مهنية في طرابلس شمال لبنان .. في أواخر الخمسينات، التحق بأكاديمية الفنون فيبيروت…تمت ملاحقته مرارا من قبل المخابرات اللبنانية و دخل السجن مرات عديدة، حالا دون اتمامه لدراسته، فنتقل الى صور، حيث عمل مدرسا للرسم في الكلية الجعفرية… وفي عام 1963 سافر الى الكويت، وعمل في مجلة الطليعة، ثم انتقل الى جريدة السياسة حتى عام 1975، ومنها عاد الى بيروت للعمل في جريدة السفير. و في سنة1977 عاد الى "السياسة" الكويتية ثم ترك الكويت الى بيروت عام 1983 ليراسل منها جريدة الوطن الكويتية، ثم رجع الى الكويت ليعمل في القدس الى أن تم ابعاده من الكويت، و يروى أن ذلك تم بطلب من ياسرعرفات سنة 1985 ، فطار الى لندن ليعمل في مكتب القدس ، وكانت النقطة الرابطة بين كل هذه الصحف التي اشتغل بها ناجي العلي انها كانت تقرأ ابتداء من الصفحة الأخيرة حيث رسوماته، بالرغم من المعلومات الغنية التي تحفل بها الجريدة . حتى أطلقوا النار عليه عند خروجه من مقر الجريدة و ظل يصارع الموت في المستشفى الى أن توفي متأثرا باصابته في 29 آب 1987 ، تاركا وراءه أكثر من أربعين ألف رسم كاريكاتوري و ثلاثة كتب و ملايين العشاق الذين بكوه على طول خريطة العالم العربي
وحده الكومبيوتر المتواجد الآن بقر الشرطة البريطانية "اسكوتلند يارد" يحوي ملفا مطويا منذ سنوات مضت عن جريمة قتل آثمة، سجلت ضد مجهول / معلوم، و ضحيتها رسام كاريكاتور فلسطيني متميز، كان يعيش بلندن حيث أنهت الرصاصة "طائشة" من كاتم الصوت حياة هذا الفنان الذي يحمل اسم : ناجي العلي

طارق السعدي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.