التصنيفات
معلمين و معلمات

تعليم الخضوع

تعليم الخضوع

أيمن الصفدي
لا يقل التقريران اللذان أطلقهما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أول من أمس حول واقع التعليم في الدول العربية أهمية عن تقارير سابقة أعدها حول التنمية البشرية في المنطقة. جميع التقارير أشارت إلى أزمات وبيّنت حقائق قاسية تؤكد تخلف العرب عن غيرهم من الشعوب.
بجملة واحدة اختصر التقريران معضلة ستنعكس إن لم تُعالج كارثةً على مستقبل الدول العربية. وهذه تكمن في أن المدارس والجامعات تعلّم الطلبة "الخضوع والطاعة والإذعان على حساب الإبداع والتفكير النقدي".
جيل عربي كامل إذن يراد له أن ينشأ عاجزاً عن التفكّر فيما يدور في عالمه وأن يقبل واقعاً صعباً يعاني شح الإنجاز الاقتصادي ويرزح تحت وطأة الفشل في تجذير بنى سياسية تضمن الديمقراطية وسيادة القانون والاستقرار.
ونتيجة ذلك ان التخلف سيتفاقم وأن اجيال المستقبل لن تمتلك أدوات التغيير الذي بات شرطا لتخليص عالم العرب من الإخفاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي بددت طاقاته وأحبطت شبابه.
الصدمة هي في أن تقريريّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يأتيان بعد سنوات من استراتيجيات إصلاح التعليم وتطوير المنتج التعليمي. والاستنتاج الذي تفضي إليه الحقائق التي كشفاها هو ان خطط الإصلاح التربوي فشلت.
فما فائدة تزويد مدارس بحواسيب وشبكات ألياف ضوئية إذا كانت الصفوف التي تحويها سجوناً للفكر تقتل الإبداع وتربي طلبتها على قول "نعم" لكل ما يدور حولهم.
التفكير النقدي شرط تحسين راهن المجتمعات العربية. فكيف يمكن لمن يربى على أن لا يقول "لا" أن يرفض سوء استعمال سلطة او يتحدى تجاوز القانون او يعترض على ممارسات ديكتاتورية او يحتج على خرق حقوق دستورية وإنسانية؟
المناهج التي تعلّم الخضوع والطاعة تريد أن يظل الناس على صمتهم إزاء ما يعصف بمجتمعاتهم من آفات قيمية وسياسية. الخضوع يقتل الحياة. أمّا الإبداع فيفتحها على آفاق واسعة من الإنجاز والتحديث والتطوير. وهذا ما تحتاجه كل المجتمعات العربية التي ما تزال، بصورة او بأخرى، أسيرة قوالب بالية من الإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يقترح تقريرا الأمم المتحدة "تبني مبادرة إقليمية لتطبيق أجندة عمل للإصلاح الأكاديمي الاستراتيجي". وهذه توصية لن ترى النور. التعاون الإقليمي شعار يطرحه العرب ولا ينفذونه. ولن تستطيع دول تعجز عن إدارة نقاط حدود بفاعلية أن تتوافق على خطة إقليمية لإصلاح التعليم.
الإصلاح لا بد أن يكون جهدا خاصا تقوم به كل دولة على حدة. وفي الأردن على وجه الخصوص، لا شيء يبرر التلكؤ في إطلاق مسيرة إصلاح حقيقية تحرر العملية التعليمية مما شابها من تخلف وتراجع أساسهما عقلية الوصايا التي تتعامل بها مؤسسات رسمية مع المواطن.
يستحق الأردنيون تقويماً صريحاً وشاملاً لبرامج الإصلاح التربوي التي أطلقها البلد. ولا يجوز أن يظل الحديث عن الإصلاح شعاراً نتغنى به في المؤتمرات بينما الواقع ان العملية التربوية تتراجع.
* نقلا عن صحيفة " الغد" الأردنية

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.