التصنيفات
القسم الاسلامي

التحقيق في مسألة اللحية …!!

التحقيق في مسألة اللحية

قال العلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –
في كتابه : التَّحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحجِّ والعمرة والزِّيارة
تحت : فصل فيما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات

( وأمَّا اللِّحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات بل يجب إعفاؤها وتوفيرها لما ثبت في «الصَّحيحين» عن ابن عمر قال: قال رسول الله «خالفوا المشركين وفِّروا اللِّحى واحفوا الشَّوارب»
وأخرج مسلم في «صحيحه» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله « جزّوا الشَّوارب وأرخوا اللِّحى خالفوا المجوس ».
وقد عظُمت المصيبة في هَـذَا العصر بمخالفة كثير من النَّاس هَـذَه السَّنة ومحاربتهم للِّحى ورضاهم بمشابهة الكفَّار والنِّساء ولاسيما من ينتسب إلى العلم والتَّعليم فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السُّنَّة والتَّمسُّك بها، والدَّعوة إليها، وإن رغب عنها الأكثرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم).

قال الشيخ صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي – حفظه الله –
معلقا على هذه الجملة من الكتاب أثناء المجلس الأول، بالرِّياض، الخميس 2 ذي الحجة 1443 بعد الفجر

(وأمَّا اللِّحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات لـمَّا جاءَ من الأدلة في وجوب إعفائها وتوفيرها، وذكر رحمه الله تعالى الأحاديث في ذلك.
فأمَّا تحريمُ الحلق فهَـذَا أمر نُقل جماعةٌ من أهل العلم الإجماع عليه منهم أبو محمَّد بن حزم وأبو العباس ابن تيمية الحفيد، فيُحرم حلقُ اللِّحيةِ إجماعًا،

والمراد بالحلق: استئصالها بحيث لا يبقى شيءٌ من شعرها،

أمَّا أخذُ شيءٍ منها فأهل العلم مختلفون في دخوله في جملة الإعفاءِ والتوفير المأمور به أم لا.
والصَّحيح أن أخذ ما زاد عن القبضة صحَّت به الآثار عن الصَّحابة كابن عمر وأبي هريرة، وأمَّا ما دونَ ذلك ممَّا هو فوق القبضة فلم يصحَّ عن أحدٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم الأخذُ منه،
فيجبُ وقف المأخوذ منها على ما وردَ عن الصَّحابة -رضوان الله عنهم- وما زاد عن ذلك فلا يأخذ منه شيءٌ إلَّا إن حصل به ضررٌ أو احتيج إليه في مداواةٍ ونحوها.

وهَـذه المسألة ممَّا عظُمت البليَّة فيها في الأزمنةِ المتأخِّرة عند النَّاس فصار من المنكراتِ الظَّاهرة حلقُ اللِّحية بالكلِّية، ومخالفةِ أمر النَّبي في التَّوفير والإعفاء.

وأشدُّ ما تعظمُ المصيبة به في وقوع المنكر إذا كانت ممَّن ينتسب إلى العلم والتَّعليم،
وشيوع منكرٍ ما لا يؤذنُ بغض الطَّرف عنه، فإنَّ المحرم محرَّمٌ قلَّ أو كثُر, فشا في النَّاس أم لم يفشُ فيهم.

والواجبُ على طالب العلم أن يرعى هَـذَا الأمر في المنكرات، وأن يمتثل قوله في حديث أبي سعيد الخدري المخرَّج في «صحيح مسلم»: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»،
وتغيير القلب يكون بكراهة الذَّنب وبُغضه، هَـذَا أمرٌ يجب أن يطردهُ الإنسان في جميع المعاصي ولو كثرت وفشت، وأن يحرِّك داعي الإنكار في نفسه عند رؤيته لها.

وعظمت المصيبة أكثر وأكثر في الأزمنة الأخيرة بتطلُّب مخارج لهَـذَا المنكر وتشـريعه بين النَّاس، وإظهار هَـذه المسألة من خِفاف المسائل التي يسعُ الأمرُ فيها الخلق، وهَـذَا من رقَّة الدِّين وضعفه في نفوس النَّاس، وقد بلغ الأمر بمن ضرب في هَـذَا المسلك بالتماس بناءِ ذلك على دليل،

وقال أحد المتكلِّمين في هَـذَه المسألة: وقد وجدتُ مخرجًا لمن وقع في حلق اللِّحية، وهو أنَّ الأصوليين مختلفون في دلالة (افعل)، هل هي على الوجوب أو الاستحباب أو بالطَّلب الشَّائع بين الوجوب والاستحباب.
وعلى ذلك تكون الأدلَّة السَّابقة في وجوب توفير اللِّحية وإرخائها جاريةً على هَـذَا الخلاف، فيكون الأمر فيها متَّسِعًا، وهَـذَا كلُّه من رقَّة الدِّين وضعفه في قلوب الخلْق، وأهلُ العلم والمنتسبون للشَّريعة ينبغي أن يبنوا تديَّنهم على العزائم لا على الرُّخص، ومن ظنَّ أن بناءَ الدِّين على الرُّخص يُوجبُ قَبوله في قلوب الخلق فقد زلَّ، فإنَّ ابن مسعود كان يقول: (إنَّ هَـذَا الأمر جدٌّ، فإذا خلطُّتموهُ بالهزل مَّجتهُ قلوب النَّاس).

فمن يظنُّ أنَّه بتيسيره للدِّين كما يتوهَّم ببنائه على الرُّخص المجزوم بها، أو المظنونة، أو المتوهَّمة، فقد أخطأ طريقة الكتاب والسُّنّة، فإنَّ الله عز وجل لما أمر أهل الكتاب قال لهم: خذوا الكتاب بقوة، فالدِّين إنَّما يقوم وتقبله القلوب إذا كان معظَّمًا في النُّفوس، وإذا رُقِّق الدِّين لهم وحُبِّب بهَـذَا المسلك، فإنَّهم ينفرون منه؛ بل ينفرون من الدَّاعي الذي اختار هَـذَا.
ومن تلاعب الشَّيطان بالنَّاس ما ارتكبه بعض المنتسبين إلى الدَّعوة من ابتغاءِ هَـذَا الأصل ظانِّين أنَّهم يُوصلون الدِّين بذلك إلى قلوب الخلق،
وهو خلافُ طريقةَ الكتاب والسُّنّة، فإنَّ الكتاب والسُّنّة لم تنسج هَـذَا في تقعيد الدِّين في قلوب النَّاس وتقليله فيهم؛ بل جرت على طلبهم بالعزائم والكمالات، لأنَّ النُّفوس إذا عُزِّمت وكُمِّلت قَوَت على سُلوك الطَّريق، وإذا أُضعفت بهَـذَه الرُّخص انقطعت عن سلوك الطَّريق، فينبغي على طالب العلم أن يلازم الأخذ بالعزيمة المُقوِّية، لأنَّ الرُّخص الموهنة المتوهِّمة تضعف دين الإنسان، فإنَّ المرء يبدأ برخصةٍ مُجمع عليها، ثم يتسارع إلى رخصة مختلفٍ فيها، ثم يرتكب بعدها رخصة متوهَّمةً، حتى يتلاشى دينه بالكلِّية، كما ترونه اليوم في حال النَّاس، فلا تنظر إلى من هلك كيف هلك، ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا!.

واعلم أنَّ أعظم الطُّرق المؤدِّية إلى تعظيم الدِّين في قلوب النَّاس هو تعظيمهُ لهم وبناءُ فعلهم له على الكامل، وأمَّا النَّاقص فإنَّه لا ينفعهم, وما يجري عليه النَّاس من ابتغاء غير هَـذَا السَّبيل لا ينفع الدَّاعي ولا المدعو، وستنبئك الأيَّام عن حقائق ذلك، ومن يسلك هَـذَا المسلك ممَّن يطلبُ رضا الجماهير، يخسر الجماهير حتما، وقد سلكه قبله أناسٌ فخسروا جماهيرهم وربَّما رجع عليهم جماهيرهم باللَّعن، وربَّما هم انخلعوا من الإسلام بالكلِّية وانتحلوا مذاهب الزَّندقة والنِّفاق الرَّائجة في كلِّ عصر تحت أسماءٍ مختلفة كالعلمانية واللِّبرالية وغيرها.
فليحذر الطَّالبُ هَـذَا الأمر ويأخذ نفسه بالأحوط ليسلم له دينُه). اهـ

كلامه حفظه الله – .


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.