التحقيق في مسألة اللحية
قال العلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –
في كتابه : التَّحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحجِّ والعمرة والزِّيارة تحت : فصل فيما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات ( وأمَّا اللِّحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات بل يجب إعفاؤها وتوفيرها لما ثبت في «الصَّحيحين» عن ابن عمر قال: قال رسول الله «خالفوا المشركين وفِّروا اللِّحى واحفوا الشَّوارب» قال الشيخ صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي – حفظه الله – (وأمَّا اللِّحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات لـمَّا جاءَ من الأدلة في وجوب إعفائها وتوفيرها، وذكر رحمه الله تعالى الأحاديث في ذلك. والمراد بالحلق: استئصالها بحيث لا يبقى شيءٌ من شعرها، أمَّا أخذُ شيءٍ منها فأهل العلم مختلفون في دخوله في جملة الإعفاءِ والتوفير المأمور به أم لا. وهَـذه المسألة ممَّا عظُمت البليَّة فيها في الأزمنةِ المتأخِّرة عند النَّاس فصار من المنكراتِ الظَّاهرة حلقُ اللِّحية بالكلِّية، ومخالفةِ أمر النَّبي في التَّوفير والإعفاء. وأشدُّ ما تعظمُ المصيبة به في وقوع المنكر إذا كانت ممَّن ينتسب إلى العلم والتَّعليم، والواجبُ على طالب العلم أن يرعى هَـذَا الأمر في المنكرات، وأن يمتثل قوله في حديث أبي سعيد الخدري المخرَّج في «صحيح مسلم»: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، وعظمت المصيبة أكثر وأكثر في الأزمنة الأخيرة بتطلُّب مخارج لهَـذَا المنكر وتشـريعه بين النَّاس، وإظهار هَـذه المسألة من خِفاف المسائل التي يسعُ الأمرُ فيها الخلق، وهَـذَا من رقَّة الدِّين وضعفه في نفوس النَّاس، وقد بلغ الأمر بمن ضرب في هَـذَا المسلك بالتماس بناءِ ذلك على دليل، وقال أحد المتكلِّمين في هَـذَه المسألة: وقد وجدتُ مخرجًا لمن وقع في حلق اللِّحية، وهو أنَّ الأصوليين مختلفون في دلالة (افعل)، هل هي على الوجوب أو الاستحباب أو بالطَّلب الشَّائع بين الوجوب والاستحباب. فمن يظنُّ أنَّه بتيسيره للدِّين كما يتوهَّم ببنائه على الرُّخص المجزوم بها، أو المظنونة، أو المتوهَّمة، فقد أخطأ طريقة الكتاب والسُّنّة، فإنَّ الله عز وجل لما أمر أهل الكتاب قال لهم: خذوا الكتاب بقوة، فالدِّين إنَّما يقوم وتقبله القلوب إذا كان معظَّمًا في النُّفوس، وإذا رُقِّق الدِّين لهم وحُبِّب بهَـذَا المسلك، فإنَّهم ينفرون منه؛ بل ينفرون من الدَّاعي الذي اختار هَـذَا. واعلم أنَّ أعظم الطُّرق المؤدِّية إلى تعظيم الدِّين في قلوب النَّاس هو تعظيمهُ لهم وبناءُ فعلهم له على الكامل، وأمَّا النَّاقص فإنَّه لا ينفعهم, وما يجري عليه النَّاس من ابتغاء غير هَـذَا السَّبيل لا ينفع الدَّاعي ولا المدعو، وستنبئك الأيَّام عن حقائق ذلك، ومن يسلك هَـذَا المسلك ممَّن يطلبُ رضا الجماهير، يخسر الجماهير حتما، وقد سلكه قبله أناسٌ فخسروا جماهيرهم وربَّما رجع عليهم جماهيرهم باللَّعن، وربَّما هم انخلعوا من الإسلام بالكلِّية وانتحلوا مذاهب الزَّندقة والنِّفاق الرَّائجة في كلِّ عصر تحت أسماءٍ مختلفة كالعلمانية واللِّبرالية وغيرها. كلامه – حفظه الله – . |